حماية الحَقّ في الاعتراض الوجداني في فقه المحاكم الدوليَّة والوطنيَّة

يُعَدّ الحَقّ في الاعتراض الوجداني من بين الحقوق التي يتضمَّنها الحَقّ في المُعتَقَد وحُرِّيَّة التَّعبير عنه، وهذا الحَقّ يكفل للفرد عدم الانْخِراط بالخدمة العسكريَّة إذا كانت تتعارض مع معتقداته، مما يعني بأن الفرد يقدِّم معتقداته على معتقدات المجتمع ومصلحته، إلا أن عدم انْخَراط الفرد في الأعمال العسكريَّة قد يَتَعارض مع مقتضيات المصلحة العامة، التي قد تفرض على الفرد أن ينضمّ للجيش في حالة الحَرْب، وذلك من أجل الدفاع عن دولته. لذلك سنسعى لفَهْم كيفيّة موازنة هذا الحَقّ مع مقتضيات المصلحة العامة كالآتي:

مدلول الحَقّ في الاعتراض الوجداني:

وُضِعَت تعاريف متعدِّدة ومتنوِّعة لمفهوم الاعتراض الوجداني، إذ رأه البعض بأنه “رفض الشَّخص لحَمْل السلاح، أو الالتزام بالخدمة العسكريَّة بناء على أسبابٍ ضميريَّة لا دينيَّة ولا عقائديَّة”، وأما البعض الآخر رأه بأنه “حق يكفل للفرد عدم الانضمام للخدمة العسكريَّة على أن يؤدِّي وظيفة بديلة لها، لا تحمل طابعًا عسكريًّا بحتًا”. (راجع : Aadam Singh Natt & et.al)
وكما عَرِّفَ الاعتراض الوجداني بأنه “رَفْض الشَّخص لحَمْل السلاح أو الانضمام للجيش أو القيام بأي خدمة ذات صلةٍ بالجيش”، ويؤكِّدون أن رَفْض الشَّخص لا ينحصر في أسبابٍ وجدانيَّة، بل قد يتضمَّن أسبابًا عقائديَّة أو نابعة من فلسفة سياسيَّة أو دينيَّة (راجع:The Editors of Encyclopaedia Britannica, 1998). بهذا يمكن القول إن هذا الاتِّجاه يرى أن الحَقّ في الاعتراض الوجداني يمتد ليشمل أسبابًا دينيَّة وعقائديَّة وفلسفيَّة لا وجدانيَّة فحسب.

وأما بالنسبة إلى التعريفات القانونيَّة، فلا يوجد في حقيقة الأمر، على الصعيد الدوليّ، ذكرٌ للحَقّ في الاعتراض الوجداني في أي اتفاقيَّة دوليَّة، لكن مع هذا نجد ذِكْرًا لهذا الحَقّ في التعليق العام رقم 22 للجنة حقوق الإنسان في العام 1993، الذي نَصَّ على:

“تحمي المادة 18 المعتقدات الموحَّدة وغير الموحَّدة والمُلحِدة، وكذلك الحَقّ في عدم كَشْف المُعتَقَد والدِّين. ولا يقتصر نطاق المادة 18 على الأدْيَان التقليديَّة أو المعتقدات أو الأدْيَان ذات الطابع المؤسَّسي، أو أي عباداتٍ تشابه هذه الأدْيَان التقليديَّة…”.

وكما أكَّدت اللجنة في التعليق نفسه أنها:
“تبدي قلقًا في ما يخص أي معلومة ترد من أي بلد ٍبشأن حَصْر نطاق الحَقّ في الاعتراض الوجدانيّ للمعتقدات الدِّينيَّة ما بعينها أو لأديان ما محدَّدة..” (راجع: CCPR, 1993)
وبالتالي فإن أي تحديدٍ لنطاق الحَقّ في الاعتراض الوجداني بشكلٍ لا يشمل بنطاقه معتقدًا ما، سيُعَدّ تمييزيًّا، وبالتالي سيخالف أحكام العهد الدوليّ للحقوق المدنيَّة والسياسيَّة.
وأما على الصعيد الوطنيّ فنجد أن بعض الدساتير قد ذكرت هذا الحَقّ، مثل المادة الرابعة من القانون الأساسيّ الألمانيّ، التي ذَكَرَت في فقرتها الثالثة ما يلي:
“لا يُجْبَر أي شخصٍ بما يُخَالف ضميره على تقديم الخدمة العسكريَّة التي تنطوي على استخدام الأسلحة. ويُنظِّم التفاصيل الخاصة بذلك قانون اتحاديّ”. (راجع: القانون الأساسي الألماني، 1945)
وأما في الولايات المتحدَّة الأمريكيَّة، فنجد أن تعليمات وزارة الدفاع الأمريكيَّة رقم 5049-2 للعام 2004 قد عَرَّفت المعترض الوجدانيّ في المادة 06. 1300 بما يلي:

“الفرد الذي لديه رَفْض حازم وثابت وصادق للمشاركة بالحَرْب، بأي شكلٍ من أشكال الخدمة التي تلزمه على رَفْع السلاح، بناء على ممارساتٍ دينيَّة أو بناء على معتقداته”. وأكَّدت التعليمات أن من يرفض الانضمام للحَرْب بناء على “معتقداتٍ سياسيَّة، أو لتبنّيه آراء أداتية، أو لأسبابٍ تتعلَّق بالسياسة العامة، أو لأن مصلحته تقتضي ذلك، فلا يُعَدّ معترضًا ضميريًّا”. (Defence Administrative Orders and Directives, 2004).
أي أن حماية الحَقّ في الاعتراض الوجدانيّ تشمل المعتقدات الدِّينيَّة أو الفلسفيَّة، فيما عدا القناعات المَبْنية على أساس المصلحة أو على أساسٍ أداتي.

إعلان

الحَقّ في الاعتراض الوجداني في فقه القضاء الدوليّ:

نجد أن أحكام المحاكم الإقليميَّة والدوليَّة تناولت هذا الحَقّ في العديد من القضايا، ومن الجهات التي نظرت إلى قضايا في هذا الشأن هما اللجنة الخاصة بحقوق الإنسان، واللجنة الأمريكيَّة لحقوق الإنسان، والمحكمة الأوروبيَّة لحقوق الإنسان.

أولًا: أحكام لجنة حقوق الإنسان:

قد نظرت اللجنة إلى العديد من القضايا في هذا الشأن، ومن بينها قضية Jung et al. v. Republic of Korea، في العام 2007، تمثَّلت وقائعها برفض فردين الالتحاق بالخدمة العسكريَّة، وتفضيلهم الانخراط في وظائف بديلة، إلا أن السُّلُطات الكوريَّة لم توفِّر وظائف بديلة لهما، لذلك أصبحوا مسؤولين جنائيًّا. بيَّنت لجنة حقوق الإنسان بأن كوريا الجنوبيَّة لا يمكنها أن تتحجَّج بمسألة الخدمة العسكريَّة الإلزاميَّة والمساواة بين الأفراد، لإرغام المعترضين وجدانيًّا للانضمام للجيش. (Jung et al. v. Republic of Korea, 2007).

وفيما بعد نظرت لجنة حقوق الإنسان في العام 2011 قضية أخرى متعلِّقة بكوريا الجنوبيَّة، وهي قضية Jeong et al. v. Republic of Korea، التي بيَّنت بها اللجنة بأن كوريا الجنوبيَّة ما زالت متمسكة بآرائها، وأكَّدت اللجنة بأنها لن تجد أي سببٍ للعدول عن آرائها السابقة. كما شدَّدت اللجنة في هذه القضية على مسألةٍ جوهريَّة، وهي “ينبع الحَقّ في الاعتراض الوجدانيّ من حُرِّيَّة المعتقد والضمير والدِّين، ويضمن هذا الحَقّ لأي فردٍ أن يُعفَى من الخدمة العسكريَّة في حال ما إذا تعارض الأمر مع معتقداته”. (Jeong et al. v. Republic of Korea, 2011)
من هذه القضايا يمكن أن نستدرك عدَّة مسائل:

1- لا يمكن للدولة أن تتحجَّج بالمصلحة العامة والمساواة بين الأفراد لإنْكَار حماية الحَقّ في الاعتراض الضميريّ للأفراد.
2- لا يمكن للدولة أن تُميِّز بين الأفراد في مَنْح الحَقّ في الاعتراض الوجدانيّ لمعتقدٍ دينيٍّ أو فلسفيٍّ محدَّد دون غيره.

ثانيًا: اللجنة الأمريكيَّة لحقوق الإنسان:
وعلى العكس من لجنة حقوق الإنسان فكان اتِّجاه اللجنة الأمريكيَّة لحقوق الإنسان في قضية Cristián Daniel Sahli Vera et al. v. Chile في العام 2005 مخالفًا لاتجاه لجنة حقوق الإنسان، إذ بيَّنت أن رَفْض دولة تشيلي للإقرار بوجود الحَقّ في الاعتراض الوجدانيّ، ورَفْض إضفاء صفة المُعتَرَض الوجدانيّ للمدعيين في هذه القضية لا يُشكِّل انتهاكًا لحُرِّيَّة الوجدان. كما رفضت اللجنة الإقرار بوجود حَقّ كهذا بموجب الاتفاقيَّة الأمريكيَّة لحقوق الإنسان، وأكَّدت اللجنة أن الاتفاقيَّة الأمريكيَّة لحقوق الإنسان لم تنصّ على وجود حقٍ يسمح بعدم امتثال الأفراد  لواجباتهم القانونيَّة على أسبابٍ وجدانيَّة (Cristián Daniel Sahli Vera et al. v. Chile, 2005)

مما ذُكِرَ أعلاه، يتبيَّن لنا أن لجنة حقوق الإنسان الأمريكيَّة، أسست رفضها للإقرار بوجود الحَقّ في الاعتراض الضميريّ على أساس أحكام الاتفاقيَّة الأمريكيَّة، التي لم تقرّ بوجود هذا بشكلٍ صريح.

ثالثًا: المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان:

في حقيقة الأمر، نظرت المحكمة الأوروبيَّة إلى حقوق الإنسان فيما يخص مسألة الحَقّ في الاعتراض الوجدانيّ بالعديد والعديد من القضايا، التي من بينها قضية Thlimmenos v. Greece في العام 2000 التي تتمثَّل وقائعها في رَفْض المدَّعي (الذي ينتمي لطائفة شهود يهوه- Jehovah’s Witness) الانضمام للجَيْش، هذا ويُذْكَر بأن اليونان لم تُوفِّر وظائف بديلة لأي معترض وجدانيّ. فيما بعد لم يُعَيَّن المَدّعي في وظيفة المحاسب القانونيّ العامة، وذلك لأنه مُدَان بجنايةٍ سابقًا (عدم الانضمام للجَيْش يُعَدّ جنايةً في اليونان). (راجع: Thlimmenos v. Greece, 2000).

لم تبدي الدائرة الكبرى للمحكمة رأيها في مسألة الحَقّ في الاعتراض الوجدانيّ، لكن رأت أن رَفْض توظيفه يُمثِّل عقوبةً غير متناسبةٍ، وذلك لأن المُدّعي قد عُوقِبَ  مسبقًا. (راجع: Thlimmenos v. Greece,)

ومن القضايا الأخرى هي قضية Ülke v. Turkey في عام 2006، التي تتمثَّل وقائعها في رَفْض المدّعي الانضمام للخدمة العسكريَّة الإلزاميَّة، وذلك لأنه يعتنق معتقدات “رافضة للحرب والعنف-pacifist”، وقام نتيجة لذلك بحَرْق العديد من الملصقات الدعائيَّة التي تدعو الأفراد للانضمام للجَيْش، اتَّهم المدّعي على خلفية ذلك بالتحريض العلنيّ على عدم الالتحاق بالجَيْش، وألزمته السُّلطات على الانضمام للجَيْش، ولكن رفض في العديد من المرَّات ارتداء الزي العسكريّ، وحُكِمَ على المدّعي نتيجة لذلك بالحَبْس لمدَّة سنتين. (راجع: 2006,Ülke v. Turkey)

حينما عُرِضَت الدعوى على المحكمة، حَكَمَت الأخيرة بانتهاك حَقّ المدّعي بالمُعَاملة الإنسانيَّة بموجب المادة 3 من الاتفاقيَّة الأوروبيَّة لحقوق الإنسان، وذلك لأن السُّلطات التركيَّة لم تحمِ حَقّه في الاعتراض الوجدانيّ. وأكَّدت أن طبيعة التَّشريع تُخيِّر الفرد بين المُحَاكمة وبين مواجهة التُّهَم الجنائيَّة، وتُعَدّ هذه العقوبات وسيلة غير متناسبةٍ لضمان التزام الأفراد بالخدمة العسكريَّة. (راجع: 2006,Ülke v. Turkey)

ومن بين القضايا هي قضية Adyan and Others v. Armenia في عام 2017، تتمثَّل وقائع هذه القضية برفض المدّعيين بالقيام بالخدمة العسكريَّة أو القيام بوظيفة مدنيَّة بديلة لها، وذلك لأن هذه المسألة تعارض معتقداتهم، وكان رأيهم بأن السُّلطات الأرمينيَّة وفَّرت وظيفة بديلة يخدم بها الفرد المُعتَرِض وجدانيًّا، إلا أنها ليست ذات طابعٍ مدنيٍّ بامتياز. حُكِمَ عليهم بالحَبْس، ولكن أُطْلِقَ سراحهم في عام 2017، نتيجة لصدور قرار عام بالعفو. (راجع: Adyan and Others v. Armenia, 2017)

وحكمت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تبعاً لذلك بحصول انتهاك للحق بالمعتقد بموجب المادة 9 من الاتفاقية، على الرغم من قيام السلطات الأرمينية بتوفير الوظائف البديلة إلا أنها لم تكن متوافقة مع معتقدات الأفراد، ولهذا كان على السلطات أن توفر وظائف بديلة مناسبة للأفراد، ورأت أن النظام قد فشل، وذلك لأنه لم يوفر وظائف مدنية بشكل كامل.(راجع: Adyan and Others v. Armenia, 2017)

بهذا يمكن أن نستنتج جملةً من الأمور بموجب هذه الأحكام:

– إن الحَقّ في الاعتراض الوجدانيّ محميٌّ للأفراد بموجب أحكام الاتفاقيَّة الأوروبيَّة، وإن لم يتِمّ النصّ عليه بشكلٍ صريح.

– يجب على الدول الأعضاء في الاتفاقيَّة الأوروبيَّة لحقوق الإنسان أن توفِّر وظيفةً بديلة للخدمة الإلزاميَّة للأفراد.

قد يعجبك أيضًا

– أن يكون طابع الوظائف مدنيًّا بالكامل.

– يجب ألا يُعَاقَب المعترضون وجدانيًّا لرَفْضهم الانضمام للجَيْش.

الحق في الاعتراض الوجداني في فِقه المحاكم الوطنيَّة:

أولًا: الولايات المتحدَّة الأمريكيَّة:

أما في الولايات المتحدَّة الأمريكيَّة فقد واجهت المحكمة العليا العديد من القضايا الخاصة بالاعتراض الوجدانيّ، ومن بينها قضية United States v. Seeger في العام 1965، إذ تتمثَّل وقائع الدعوى بإدانة “سيغر”، وذلك لكَوْنه رفض الالتحاق بالخدمة العسكريَّة الإلزاميَّة واستند، في رَفْضه بالالتحاق بالخدمة العسكريَّة، إلى المادة الـ(6) الفقرة (ز) من قانون الخدمة العسكريَّة والتدريب العسكريّ، التي تسمح للمعترضين وجدانيًّا بعدم الالتحاق بالخدمة العسكريَّة لو كانوا مستندين إلى عقائد أو دين يعتقد بوجود كائنٍ ساميٍّ. وكان “سيغر” يعتنق معتقدات رافضة للحَرْب والعُنْف، لكن على الرَّغم من ذلك لم يُمنَح الإعفاء من الخدمة العسكريَّة، وذلك لعدم استناد معتقده إلى وجود كائنٍ أسمى لكَوْنه لا أدريًّا. رأى المدّعي بأن النَصّ الذي يرفض إعفاء تجنيد شخصٍ لكَوْنه لا يستند في رَفْضه الوجدانيّ إلى كائن ٍساميٍّ يُعَدّ غير دستوريٍّ.
حكمت المحكمة العليا بالإجماع بدستوريّة النَصّ، وذلك لأن الحَقّ في الاعتراض الوجدانيّ لا يشمل إلا من كان يؤمن بدينٍ ولا يعفي من يستند باعتراضه الوجدانيّ إلى أسبابٍ اجتماعيَّة أو سياسيَّة أو فلسفيَّة، إلا أن المحكمة العليا بيَّنت أن عبارة الكائن الأسمى يجب أن تغطي جميع المعتقدات، لذلك رأت بأن معتقد المدّعي يقع ضمن هذا المفهوم، ولهذا يستحق الإعفاء. (راجع:  1965,United States v. Seeger)

ومن بين القضايا الأخرى قضية Welsh v. United States في عام 1970، وتتمثَّل وقائعها باختيار «السيد أيليوت ويلش- Elliot Ashton Welsh II» إعفائه من «الالتحاق بالخدمة العسكريَّة الانتقائيَّة- Selective Service» مبينًا أنه رَفْضه الالتحاق بالجَيْش يستند إلى أسبابٍ غير دينيَّة، لأنه لا يعتقد بوجود كائنٍ أسمى، ونتيجة لذلك حُكِمَ عليه بالحَبْس لمدَّة ثلاث سنواتٍ من قِبَل السُّلطات المختصَّة.

وقدَّم المدّعي طعنًا بهذا الحُكْم في محاكم الولاية، وحكمت محكمة الولاية بإعفائه من الخدمة العسكريَّة بالاستناد إلى سابقة المحكمة العليا في قضية United States v. Seeger ، ولكن حينما أُحيلَت الدعوى إلى محكمة الدائرة التاسعة الاتِّحاديَّة أكَّدت أن سابقة المحكمة العليا صنَّفت معتقد رافضي الحرب والعنف كمعتقدٍ دينيٍّ، وأن معتقد السَّيد والش لا يمكن أن يُصنَّف كمعتقدٍ دينيٍّ، وتبعًا لذلك أحيلت الدعوى إلى المحكمة العليا، ورأت المحكمة العليا بأن إعفاء الأفراد الذين يستندون برفضهم الوجدانيّ إلى معتقداتهم الدينيَّة من دون الذين يستندون برفضهم إلى أسبابٍ غير دينيَّة، يُعَدّ تمييزًا غير دقيقٍ، وذلك لأن الدين سيُفسَّر بشكلٍ ضيق وسيستبعد معتقدات عديدة، ولهذا فإن الحَقّ في الاعتراض الوجدانيّ يشمل جميع المعتقدات. ( 1970,Welsh v. United States ).

ومن القضايا الأخرى قضية Gillette v. United States في عام 1971، وتتمثَّل وقائع الدعوى برَفْض فردين الانضمام إلى حَرْب فيتنام، لكن لم يكن اعتراضهم على مفهوم الحَرْب بصورةٍ عامة، بل كان اعتراضهم على الحَرْب مع فيتنام على وجه الخصوص. رأت محكمة الموضوع بأن منح الإعفاء للأفراد لأسبابٍ ضميريَّة يجب أن يستند إلى رفضهم لكل الحروب لا حرب بعينها. رأى الفردان بأن القانون لم يكن منصفًا، وذلك لأنه لم يمنح الأفراد الاعتراض على المشاركة بحربٍ دون الأخرى، وحينما أحيلت الدعوى إلى المحكمة العليا أيَّدت الأخيرة حكم المحكمة الدنيا ورأت بأن المدعيين لم يستحقوا الإعفاء من الالتحاق بالخدمة العسكريَّة لأسبابٍ ضميريَّة. (1971,Gillette v. United States)
بهذا يمكن أن نستنتج من القضايا أعلاه ومن التعليمات المذكورة سابقًا ما يلي:

– إن الحَقّ في الاعتراض الضميريّ مكفولٌ لكل الأفراد، بغض النظر عن معتقداتهم.

– لا يشمل إلَّا من كان معتقده صحيحًا، وليس من يرغب بالتهرُّب من الخدمة العسكريَّة.

– يجب أن يَرفُض معتقد الفرد كل الحروب وليس حربًا من دون غيرها.

ثانيًا: حماية الحَقّ في الاعتراض الوجدانيّ في دُوَل أوروبا:

وعلى الرَّغم من قلة وندرة القضايا المتوفِّرة في هذا الشأن، فإننا يمكن أن نجد العديد من نصوص القوانين في دُوَل أوروبا، التي تبين الحماية التي يحظى بها هذا الحَقّ.
ففي ألمانيا يوجد قانون يسمَّى «قانون الاعتراض الوجودانيّ-the Law on Conscientious Objection» ، الذي صَدَرَ بالاستناد إلى نصوص القانون الأساسيّ الألمانيّ (الفقرة الثالثة من المادة الرابعة)، الذي نَصَّ في المادة الأولى منه، على أن الإعفاء يشمل الأفراد الذين يؤمنون بمعتقداتٍ دينيَّة وغير دينيَّة. ويسمح القانون للأفراد المعترضين ضميريًّا، أن يُبدوا رفَضْهم قبل وفي أثناء الخدمة العسكريَّة. (راجع: quaker , office for EuropeanAffairs, 2005)

أما في المملكة المتحدَّة، فأُنشِأت لجنة تسمَّى باسم «اللجنة الاستشاريَّة للمعترضين وجدانيًّا- Advisory Committee on Conscientious Objectors»، التي يجب على الفرد أن يقدِّم طلبه أمامها للتأكيد بأنه معترضٌ وجدانيٌّ للانضمام للجيش. (راجع: Navy Personnel Management, 2012).
وأخيرًا في فنلندا، فلا يوجد في الدستور الفنلنديّ حَقّ الاعتراض الضميريّ بشكلٍ مباشر، لكن ذَكَرَ الدستور الفنلنديّ حُرِّيَّة الضمير، وذلك في الفقرة الأولى من المادة 11، (Finland Constitution, 1999)، وفيما يخص التشريعات فسمح «قانون التجنيد-Conscription Act» رقم (1438/2007) للأفراد المعترضين وجدانيًّا بالإعفاء من الانضمام للجيش على أن يؤدوا وظائف مدنيَّة عوضًا عن ذلك (Conscientious Objection to Military Service, 2012)

الخاتمة

تكشف النصوص القانونيَّة والأحكام القضائيَّة المتعدِّدة نمطًا عامًا وهو:
– أن الحَقّ في الاعتراض الوجداني يحمي حَقّ الأفراد في الانضمام للجيش، وذلك بغض النَّظر عن معتقداتهم سواء كانت دينيَّة أم لم تكن دينيَّة.

– لا يحق للدُوَل الأطراف في الاتفاقيَّات الدوليَّة، ومن بينها العهد الدوليّ للحقوق المدنيَّة والسياسيَّة ألا تعفي الأفراد المعترضين ضميريًّا من الانضمام للجيش.

– لم ترَ المحاكم الدوليَّة ولا الوطنيَّة أن المصلحة العامة تكفي لإلزام الأفراد بالانضمام للجَيْش بالضِدّ من معتقداتهم.

– ويكشف النمط العام لهذا المقال، على ضرورة عدم تمييز الدولة بين المعترض الوجدانيّ لأسبابٍ دينيَّة وبين المعترض الوجدانيّ لأسبابٍ غير دينيَّة، أي يجب أن يُمنَح الإعفاء للجميع.

– يجب أن يكون رَفْض الفرد صادقًا لا يسعى من خلاله إلا إلى الالتزام بمعتقداته.


المصادر: 

1. Aadam Singh Natt & et.al, consciousness objectors, Cornell Law School, available at ( https://www.law.cornell.edu), Accessed at (21/08/2023).

2. The Editors of Encyclopaedia consciousness objectors,
Britannica, Britannica, 1998, available at
(https://www.britannica.com), (21/08/2023).

3. CCPR, Comment No. 22, 1993

4. Basic Law for the Federal Republic of Germany 1949.

5. Defence Administrative Orders and Directives 5049-2, Conscientious Objection (30 July 2004).

6. Jung et al. v. Republic of Korea, Communications Nos. 1593–1603/2007.

7. Jeong et al. v. Republic of Korea, Communications Nos. 1642–1741/2007, Views adopted on 24 March 2011.

8. Cristián Daniel Sahli Vera et al. v. Chile, Report No. 43/05, case 12.129, Merits (10 March 2005).

9. THLIMMENOS v. GREECE, ECtHR (Application no. 34369/97, 2000).
10. Ülke v. Turke, ECtHR, Application No. 39437/98, 2000.

11. Adyan and Others v. Armenia, ECtHr, application no. 75604/11, 2017.

12. United States v. Seeger, 380 US 163 (1965).

13. Gillette v. United States, 401 U.S. 437 (1971).

14. Welsh v. United States, 398 US 333 (1970).

15. Quaker office for European affairs, the right to consciences Objection in Europe, 2005.

16. Navy Personnel Management, Application format for the Advisory Committee on Conscientious Objectors, BR 3, annex 54B (June 2012).

17. Conscientious Objection to Military Service, United nations human rights office for high commissioner, 2012.
18. Conscription Act , 1438/2007, Finland, 2008.

19. Finland Constitution, 1999

إعداد: د. وائل منذر/ ومحمد المصطفى رسول محمد

إعلان

اترك تعليقا