المفهوم السياسي عند كارل شميت

لم ينجُ أي فِكْرٍ وإرثٍ ثقافيٍّ لأي فيلسوفٍ من سهام النَّقد، فلم يحظَ أي مفكِّرٍ بتاريخ الحضارة البشريَّة بقبول جميع البَشَر بأفكاره، وهذا أمر طبيعيّ. لكن الأمر مختلف مع كارل شميث، فبالإضافة  إلى انتقاده، كان يُقَلَّل من شأنه من قِبَل العديدين، إذ اتهموه بدعم الفكر الشُّموليّ، وبعدم دعمه للحقوق والحرياَّت، وربطوا فكره بحياته العمليَّة، على وجه التحديد مسألة عَلاقته بالحزب الوطنيّ الاشتراكيّ الألمانيّ أو ما يعرف اختصارًا بالحزب النازيّ، وعلى الرَّغم من حملات المقاطعة له ولنتاجه الفكريّ فإنَّ فكره قد نال شهرة واسعة في العقود الثلاثة الأخيرة، وخاصة في ظل ترجمة أعماله من اللُّغة الألمانيَّة إلى العديد من اللُّغات ومن بينها اللُغة الإنجليزيَّة واللُّغة العربيَّة.

ولعلَّ من بين الكتب المهمة التي تُسلِّط الضوء على فكره هو كتاب “مفهوم السياسيّ”، الذي سعى من خلاله لوضع نظريَّة يُعرِّف فيها مفهوم السياسة ويفصلها عن غيرها من المجالات مثل الأخلاق والجمال، كما يرتكز في تعريفه للسياسيّ على ضدين، وهما العدو- والصديق. سنسعى في هذا المقال لبيان تعريف كارل شميت للسياسيّ وتداعيات هذا التعريف وعَلاقته بطبيعة الإنسان، ولكن قبل ذلك سنتطرَّق لحياة كارل شميت وأعماله، ثُمَّ لتعريف النظريَّات السياسيَّة الأخرى لمفهوم السياسيّ، وتعريفه -الخاص- لمفهوم السياسيّ، وسنتناول طبيعة الإنسان وأثرها في المفهوم السياسيّ، وأخيرًا نقده للفكر الليبراليّ.

أولًا: حياة كارل شميت وأعماله

وُلِدَ كارل شميت في تاريخ 11 يوليو من العام 1888 في منطقة بليتنبورغ، في وستفاليا، في بروسيا (ألمانيا اليوم)، وتوفي في 7 من شهر نيسان من العام 1985. وهو الفقيه الألمانيّ المحافظ والمُنظِّر السياسيّ المعروف بنقده لليبراليَّة، وتعريفه للسياسية على أنها مبنيَّة على التمييز بين صديق وعدو، ودعمه العلنيّ للنازيَّة. وقد درس القانون في برلين وهامبورغ وميونيخ وحصل على شهادة الدكتوراة في عام 1915. وكتب سلسلة من الكتب خلال فترة جمهوريَّة الفايمار (1919-1933)، وأصرّ فيها على جوانب القصور في فلسفة التنوير السياسيَّة والنشاط السياسيّ الليبراليّ. وكما أكَّد في مؤلَِّفاته “اللاهوت السياسيّ”، و”الكاثوليكيَّة الرومانيَّة” وغيرها من المؤلَّفات على مسألة ضرورة وجود سُلْطة سياسيَّة قويَّة. ويرى كارل شميت بأنَّ المجالس النيابيَّة غير قادرةٍ على مواءمة الديمقراطيَّة القائمة على الوحدة السياسيَّة مع الليبراليَّة التي أساسها فردانيّ وقائم على التعدديَّة.

وكتب شميت واحدًا من أكثر أعماله السياسيَّة تأثيرًا، وهو “النظريَّة الدستوريَّة” في عام 1927 ويمثِّل تحليلًا لدستور الفايمار، الذي وصف فيه المبادئ الجوهريَّة للنظام الديموقراطيّ، وفيما يخصُّ مؤلَّفه “مفهوم السياسيّ” بدأ شميت بتأليفه عام 1927 وأصدره بشكلٍ كامل عام 1932.

ثانيًا: تعريف السياسيّ في النظريَّات السياسيَّة المختلفة

ذَكَرَ كارل شميت في مستهّل كتابه نظريات عديدة للمفهوم السياسيّ، ومن بينها التعاريف القانونيَّة للسياسيّ، وذَكَرَ أنَّ المحاكم لم تتطرَّق لتعريف مفهوم السياسيّ ما عدا مجلس الدولة الفرنسيّ الذي عَرَّفه بكَوْنه حدود اختصاص مجلس الدولة في الرقابة، الذي يقف عند حدِّ التمييز بين الاختصاصات الإداريَّة، وتلك الاختصاصات ذات الطابع السياسيّ السياديّ التي تُعرَف بأعمال السيادة، وتستبعد من رقابة القضاء الإداريّ تلك الأعمال ذات الطابع السياسيّ البحث، وإنَّ هذه التعاريف القانونيَّة تتعلَّق بترسيم الحدود السياسيَّة لا غير.

إعلان

ويبيِّن كارل شميت أنَّ هذا التَّعريف لا يكون له معنى ما لم توجد مؤسَّسات سياسيَّة محدَّدة المَعَالِم، أي يفترض هذا التَّعريف وجود مؤسَّساتٍ سياسيَّة لها أعمال ذات طابعٍ سياسيٍّ تميزها عن غيرها من المؤسَّسات، وبالتالي فإنَّ هذا التَّعريف لا يبيِّن مدلول السياسيّ.

وينتقل كارل شميت إلى النظريَّات التي تساوي مفهوم السياسيّ بالمجتمعيّ، ويؤكِّد أن مساواة الدولة بالسياسيّ يعني جعل كل ما هو مجتمعيّ سياسيّ، وجعل كل ما هو سياسيّ مجتمعيّ، وإنَّ هذه النظريَّة تجعل الدولة تتدخَّل في كل مجالات الحياة، وبالتالي فإنَّ هذا التَّعريف يخلق دولة تدخَّل في كل مجالات الحياة الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة.

ثُمَّ ينتقل كارل شميت للنظريَّة الليبراليَّة ويشير إلى أنَّ الليبراليين يرون أنَّ السياسة نقيضة للمجتمع والقانون والأخلاق، وهذا يعني أنَّ الدولة لا تتدخَّل في هذه المجالات، ويرون عدم الحاجة إلى تدخُّل الدولة إلَّا في الأنشطة التي يرفض الأفراد القيام بها. وهذا يعني أن بإمكانها التدخُّل في كل مجالات الحياة، وهذا يناقض افتراض بأنَّ السياسيَّة مناقضة (ويجب أن تكون محايدة) للمجتمع والقانون والأخلاق. أي أنَّ هذا المفهوم يناقض نفسه بنفسه، إذ يرى الليبراليون أنَّ الدولة يجب أن تكون بعيدة عن الأخلاق والمجتمع والقانون، ثُمَّ يسمحون بتدخُّلها في شتى مجالات الحياة حينما يعجز أو لا يرغب الأفراد بالقيام بنشاطٍ معيَّن في مجالٍ معيَّن.

أما عند الفلاسفة الألمان، فيرون أنَّ الدولة هي كيانٌ شامل عالميّ، يكون فوق المجتمع ويشرف على تنظيمه. ويؤكِّد بإن هذا التَّعريف يجعل الدولة لحدًّ ما تتدخَّل في العديد من الجوانب الاجتماعيَّة. وكما يجعل المجتمع يذوب في الدولة بالتدريج من أجل تسخير طاقات المجتمع لخدمة الدولة، ويرى أن هذه النظريَّات قد تخلق دول شُموليَّة.

ثالثًا: تعريف كارل شميت لمفهوم السياسيّ:

يرى كارل شميت أنَّه من أجل تعريف السياسيّ يجب أن نضع سمات تُبيِّن ما هو السياسيّ، وتميِّزه عن غيره. ويشير كارل شميت إلى أنَّه مثلما يوجد في الأخلاق مفهوم الخير والشَرّ، وفي الجمال يوجد القبيح والجميل، يوجد في السياسة مفهوم الصديق والعدو، بالتالي أضداد تعرِّف السياسة.

ويقود مفهوم الصديق والعدو إلى الاقتتال، ولن يستطع أحد أن يُقيِّم الوضع ومدى خطورته ومدى إمكانيّة حَلّ النزاع إلَّا السياسيّ نفسه. ولكن إنْ وَصْف الناس عدوهم السياسيّ بكَوْنه شريرًا وقبيحًا، فلا يعني ذلك أنَّ مفهوم العدو يعني كل ما هو قبيح وشرير، إذ إنَّ هذه المفاهيم تُغذِّي مفهوم العدو والصديق لا أن تكون جزءًا من مصاديقه.

ويحدَّد هذا المفهوم بالاعتماد على الواقع السياسيّ، أي أنَّ العدو لا يحدَّد بشكلٍ مجرَّد، ولا يكون عدو الدولة هو عدو خاص لفرد أو لمجموعة أفراد بعينهم. ونستدل على أضداد العدو-صديق في سياقٍ سياسيٍّ معيَّن من خلال الخطابات السياسيَّة والصور والمفاهيم السياسيَّة التي نجد فيها خطابات الأصدقاء والأعداء. وكما نفهم (من العدو؟ ومن الصديق؟) من خلال توظيف المفاهيم السياسيَّة في وصف كيانٍ سياسيٍّ أو دولة ما أو على أنه أو أنها عدو .

ولا يكون هذا الصِّرَاع دوليًّا فحسب بل قد يكون في السياق الداخليّ، إذ قد يكون الصِّرَاع الحزبيّ للوصول للمناصب السياسيَّة مشتد لدرجة قد يفضي لحصول الحروب الأهليَّة، ولكن لو لم يكن الصِّرَاع الحزبيّ جديًّا لدرجة قد تفضي لوصوله للحرب فلا يعني ذلك وجود مفهوم السياسيّ فيما بين هذه الأحزاب.

ولا يشير الصِّرَاع بين العدو-صديق إلى منافسةٍ اقتصاديَّة على أسباب اقتصاديَّة أو أخلاقيَّة أو دينيَّة، إنما لحروبٍ فعليَّة أو احتماليَّة نشوب لهذه الحروب، إذ إنَّ الحياة الاقتصاديَّة لا عَلاقة لها بالسياسيّ، وذلك لأنَّ التمييز بين العدو-الصديق لا يقوم على أسبابٍ اقتصاديَّة أو أخلاقيَّة أو دينيَّة، ولكن هذه الأسباب تُعزِّز وتحفِّز نمو العداء وتحوِّله إلى حربٍ أو نمو الصداقة وتطوُّرها بين الدول أو بين الأفراد داخل المجتمع. وإنَّ الأسباب الأساسيَّة للحرب هي أسباب سلوكيَّة لا دينيَّة أو اقتصاديَّة.

ولا تعني قلَّة وقوع الحروب أنَّ الحرب ستنتهي، بل أصبحت أكثر شراسة حينما تقع، وآثارها أكثر تدميرًا. كما يعني أنَّ التمييز بين العدو-الصديق لن يزول إلَّا إذا زالت الحرب أو احتمال نشوبها بشكلٍ نهائيٍّ.

لكن ماذا سيحدث لو قرَّرت الدول أن تشنَّ حربًا أخيرة تقضي بها على الحروب والعداء بشكلٍ نهائيٍّ؟ يرى كارل شميت أنَّ حربًا كهذه الحرب هي حرب خطيرة ومدمِّرة، وذلك لأن العدو الذي سيتم قتاله هو عدو الإنسانيَّة، وهذا العدو سيتم قتاله بطرائق وحشيَّة وبشعة من أجل إزالته بكل طريقةٍ ممكنة، وبالتالي ستفضي هذه الحرب إلى نتائجٍ مدمِّرة تفوق التصوُّر.

وإنَّ السؤال الذي يُثَار هنا هو: من المؤسَّسة التي تُحدِّد مَن العدو وتُحدِّد أيضًا مدى إمكانيّة الانخراط معه بحرب. في الحقيقة إنَّ الدولة هي التي تحدِّد العدو ومن يمكن القتال ضده، ولكن هذا لا يعني أنَّ مفهوم السياسيّ هو مفهوم إستاتيكيّ، بل هو مفهوم مرن متغيِّر فلا يوجد عدو أو صديق مجرَّد. ولكن لو أجبرت التغيُّرات السياسيَّة الحديثة الدول الضعيفة على الخضوع للدول القويَّة، فإنَّ هذا لا يعني أن فكرة العدو- الصديق ستنهار، بل ستبقى احتمالًا قائمًا دومًا، إذ يمكن أن تثور هذه الدول الضعيفة ضِدّ الدول القويَّة وتقاتلها.

وفي الواقع، إنَّ الإعلان عن العدو يختلف من دولةٍ لدولة أخرى، فقد يكون بشكلٍ صريح من خلال بيانات وخطابات سياسيَّة تبيِّن مَن العدو، أو قد يكون ذلك ضمنيًّا، ولا توجد طريقة معيَّنة للإعلان عن العدو، إذ لكل دولة طريقتها في الإعلان عن عدوها.

ولو تركت الدولة تحديد العدو لمؤسَّسةٍ ما لا تُعَدّ ضمن مؤسَّسات الدولة، لن تبقى دولة ولا كيان سياسيّ، وإنَّما كيان سياسيّ خاضع للكيان السياسيّ الذي يعلن من العدو.

إنَّ السؤال الذي يُثَار هنا هو:  هل إدانة الحرب تعني أن الحرب ستزول من الوجود؟ إنَّ إدانة الحرب لا تعني عدم شرعيَّتها إذ يبقى للدول الحق في الدفاع عن استقلالها وعن حريَّتها أي حقها في الدفاع الشرعيّ. وكما أنَّ وجود اتفاقيات تنصُّ على عدم شرعية الحرب بموجب القانون الدوليّ لا يعني إلغاء احتمال قيامها بشكلٍ مطلق، وإنَّما على العكس ستفتح احتمالات جديدة لحروبٍ جديدة.

وفيما يخص المشهد السياسيّ الدوليّ يؤكِّد كارل شميت عِدَّة مسائل ومن بينها:
– لو زال السياسيّ وتوحَّد العالم تحت حكم دولة، لانتفت السياسيَّة وأصبح كلٌ من الثقافة والأخلاقيَّات والفَنّ هم العوامل الحاكمة، ولو ظهرت هذه الدولة العالميَّة لانتفى مفهوم السياسيّ وانتفى التمييز بين العدو-الصديق.

– كما ينتقد شميت فكرة المنظَّمات العالميَّة، ولا يرى أن هذه المنظَّمات ستزيل مفهوم الحرب، بل على العكس ستظهر حروب جديدة لم تكن بالحسبان، مثل العقوبات التي تفرض على دولةٍ ما.

– وأما عقيدة حقوق الإنسان العالميَّة، فهي عقيدة تنافي مفهوم الحرب، وذلك لأنَّ حقوق الإنسان لا تخص إنسانًا من دون غيره، وإنما تشمل العالم بأسره، ولو سعت الدولة للحرب ضِدّ دولة أخرى مستخدمة مفهوم الحقوق العالميَّة، لتناقضت مع نفسها، وبهذا ستستخدم مفهوم حقوق الإنسان لأغراضٍ إمبرياليَّة.

– ولو ظهر كيانٌ عالميٌّ يحكم العالم، لزالت السياسة برمتها، ولأصبحت مهمة هذا الكيان ذات طبيعة اجتماعيَّة واقتصاديَّة.

رابعًا: طبيعة الإنسان وأثرها في المفهوم السياسيّ

يبتدئ كارل شميت بالإشارة إلى أنَّ لدراسة طبيعة الإنسان أثرًا مباشرًا وحيويًّا في مفهوم السياسيّ، إذ إنَّ النظريَّات التي ترى أنَّ الإنسان ذو طبيعةٍ سيئة، ستؤكِّد ضرورة وجود كيانٍ سياسيٍّ يكبح جماح الإنسان، وبالتالي فإن الدولة التي تقوم على النظرة، لن تمنح  للإنسان حقوقًا وحريَّات بمقدارٍ كبير، وإنما ستكون الحقوق والحريَّات لهذا الإنسان مقيَّدة، إن لم تكن شبه منعدمة، ولو كانت للنظريَّة السياسيَّة نزعة تفاؤليَّة تجاه طبيعة الإنسان، لدعت هذه النظريَّة الدولة لمنح حقوق وحريَّات للإنسان، إذ لو كان الإنسان ذا طبيعةٍ جيدة فما الضير من منحه حقوقًا وحريَّات؟ وتميل نظريات كهذه إلى النظر للدولة بصورةٍ سلبيَّة، إذ إن الدولة على الرَّغم من كَوْنها ستمنح للأفراد حقوقًا وحريات وتنظِّم حياة الأفراد، غير أنَّ الدولة تبقى مصدر خطر على حقوقهم وحريَّاتهم، وتطمح هذه النظريَّات لتحجيم دور الدولة لحماية حقوق وحريَّات الأفراد.

ومن بين النظريَّات التي ترى أنَّ للإنسان طبيعة جيدة هي النظريَّات الليبراليَّة والأناركيَّة، إذ تتفقان على النظرة الإيجابيَّة لطبيعة الإنسان، لكنهما يختلفان في مسألة وجود الدولة. فترى الأناركيَّة أنَّ الدولة والنظام الاجتماعيّ مصدران للشَرّ، وتسعى لإزالتها. أما الليبراليَّة فترى أنَّ الدولة ضرورةٌ لحماية حقوق الأفراد وحريَّاتهم، غير أنَّها يجب ألا تتدخَّل إلَّا بمقدارٍ ضئيلٍ في الحياة الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة للأفراد.

يرى كارل شميت وجود إشكاليّة أساسيَّة في هذه النظريَّات، وهي أنَّ كلا منهما ينكران المفهوم السياسيّ الذي يبرر وجود الدولة، ولا تؤسِّس هذه النظريَّات لوجود كيانٍ سياسيٍّ قويٍّ يحمي الأفراد من العدو، بل ويدعو الأفراد للحرب إذا ما اقتضى الحال ذلك، وبالتالي فهذه النظريَّات ليست سياسيَّة. كما أنَّها تحصر دور الدولة في جوانبٍ اقتصاديَّة وأخلاقيَّة، وهكذا فهذه النظريَّات تسعى لتحجيم الدور السياسيّ للدولة.

ويرى شميت أنَّ افتراض أنَّ للإنسان طبيعة خيّرة، هو افتراض سيقود لنتائجٍ سلبيَّة وضارة تزيل معها السياسة برمتها، وذلك لأنَّ السياسة قائمة على مفهوم العدو- والصديق الذي يقوم على افتراض سوء طبيعة الإنسان.

ثُمَّ يذكر كارل شميت إحدى أهم النظريَّات التي تقرُّ بسوء طبيعة الإنسان، ومن بينها نظريَّة توماس هوبز، إذ يرى هوبز أنَّ المجموعات الإنسانيَّة تتقاتل مع بعضها بعضًا، وأنَّ الدولة تتأسَّس من حكم أفرادٍ لغيرهم من الأفراد، ويؤسِّس هوبز نظريَّته السياسيَّة على اعتقاده بسوء طبيعة الإنسان، واندفاع الإنسان لتحقيق رغباته.

إنَّ الليبراليَّة كما تقدَّمنا سابقًا تقوم على افتراضٍ مفاده أنَّ طبيعة الإنسان جيدة، وتسعى لتحجيم الدولة ودورها، وذلك لأنها تسعى لإدراك الحقوق والحريَّات الفرديَّة. وترى النظريَّات الليبراليَّة أنَّ الدولة لو لم يُقَيَّد سلطانها لأصبحت مصدرًا للشَرّ، لأنها يمكن أن تنتهك حقوق وحريَّات الأفراد، وبالتالي فهي تناقِض مفهوم السياسيّ، فالدولة هي من تحمي الأفراد من العدو ومن تدفعهم لقتال الأعداء، كما تلزم الدولة الأفراد بالتضحية بنفسهم، وهذا يتعارض مع مفهوم الحقوق والحريَّات.

ويرى شميت أنَّه لا توجد فلسفة ليبراليَّة واضحة، وإنَّما فلسفات سياسيَّة قائمة على العداء تجاه المؤسَّسات السياسيَّة، وبسبب ذلك توجد نظريَّة سياسيَّة ليبراليَّة تعادي المؤسَّسات السياسيَّة لكنها تؤمن بالتجارة وحريَّة العبادة.


المصادر:

1. Carl Scmhitt, the Concept of the Political.
2. Carl Schmitt, Stanford Encyclopedia of Philosophy, 2010.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: محمد رسول محمد

تدقيق لغوي: أمل فاخر

اترك تعليقا