في ذكرى ميلاد ماري كوري، هل بالغنا في تقدير أيقونة العلم؟

دخلت ماري كوري تاريخ العلم من بوابته الذهبية، فقد سبقت تلك البولندية الجسورة بنات جنسها في الحصول على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1903، ثم سبقت جميع البشر رجالًا ونساءً، حين كررت الإنجاز المرموق مرة أخري في مجال الكيمياء، في المرة الأولي تقاسمت الشرف مع زوجها بيير ومع هنري بيكريل، حين نال ثلاثتهم جائزة  نوبل في الفيزياء اعترافًا بسبقهم في دراسة النشاط الإشعاعي، بينما  نالت المجد بمفردها بعد وفاة زوجها حين حصلت عام 1911 على جائزة نوبل الثانية، وهذه المرة في الكيمياء، تقديرًا لجهودها الجبارة في عزل عنصري الراديوم والبولونيوم.

وبحلول عام 1934 لم يعد جسد ماري الهزيل قادرًا علي تحمل المزيد من الإشعاع، لترحل عن دنيانا في ذلك العام، مخلفة وراءها  إرثًا علميًا مميزًا، وشغفًا بالعلم دفع ابنتها البكر، إيرين لمواصلة مسيرة والدتها وتنال نفس التكريم مع زوجها فريدريك جوليو حيث اقتسما جائزة نوبل للكيمياء في 1935، تقديرًا لدورهما في الحصول على عناصر مشعة جديدة.

وفي هذه الأيام وبحلول الذكرى السنوية لميلادها في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر وجد البعض الوقت سانحًا  لإعادة النظر في بعض الديناميكيات التي ساعدت على ترسيخ صورة ماري كوري في المخيال الشعبي كأيقونة للعلم، فقد اختلطت الحقيقة في رأيهم بالخيال فتحولت مدام كوري إلى”أسطورة رومانسية نسجت لتلائم ما يعتقده وما يتخيّله كثير من الناس، الصحفيون والعلماء والأطباء ودعاة حقوق المرأة ورجال الأعمال ورجال الصناعة وحتى مدام كوري نفسها” كما تخبرنا باربارا جولد سميث في كتابها “هوس العبقرية، العالم الداخلي لماري كوري

وبدلًا من أن تكون سيرة مدام كوري دافعًا للفتيات نحو دراسة العلوم والتفوق فيها، يرى البعض أنَّ شبح مدام كوري الممسكة بقارورة الراديوم لا زال يطارد الباحثات الشابات في المعامل وقاعات المحاضرات حول العالم يبخسهن جهودهن، ويحذرهن من السير على خطى مدام كوري، التي أهملت طفلتيها وضحت بصحتها في سبيل الحصول على جرامات من الراديوم المشع.

ولعل المطلع على المقال المنشور  علي موقع مجلة Science الأمريكية  للكاتبة السويدية Eva Hemmungs Wirten يدرك مدى الديناميكية التي يتعامل معها المجتمع المعاصر مع الصور النمطية للمشاهير.

إعلان

ترى الكاتبة المتخصصة في دراسات التغيير الاجتماعي والثقافة، جامعه لينكوبينغ، السويد ومؤلفة كتاب  “صناعة ماري كوري: الملكية الفكرية وثقافة المشاهير في عصر المعلومات أن عملية إعادة النظر في شخصية كوري ليست بالجديدة فقد حدث ذلك من خلال العديد من الكتب والوثائقيات التي تناولت حياتها وجهودها العلمية، والتي استند الكثير منها إلى سيرة حياتها التي روتها لنا ابنتها ايف في كتابها الشهير ” مدام كوري“.

ولعلّه ليس من سبيل المصادفة أن يشهد العالم ظهور فيلمين مميَّزين عن مدام كوري خلال ثلاثة أعوام فقط وهما فيلما ماري كوري: شجاعة المعرفة: عمل فرنسي تم إنتاجه في سنة 2016 ويتناول سيرتها الذاتية، وهو من إخراج ماري نويل وتم عرضه لأول مرة في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي في سنة 2016. وفيلم “المشعة Radioactive “: عمل بريطاني حول سيرتها الذاتية من إنتاج سنة 2019 وإخراج Marjane Satrap وبطولة -Rosamund Pike في دور مدام كوري، ويستند على رواية مصوَّرة للورين ريتنس وعُرِض الفيلم لأوٌل مرة في حفل ختام مهرجان تورونتو السينمائي الدولي أيضًا عام 2019، ومن المنتظر ظهوره على شاشة قناة ناشيونال جيوغرافيك في العام القادم.

 

فيلم “Radioactive”

 

لكنَّ السنوات الأخيرة شهدت أيضًا وكما تخبرنا Eva hemmungs wirten في مقالها المميز ظهور العديد من الانتقادات لتلك  النسخة المثالية من  مدام كوري ففي كتابها” عقدة مدام كوري: التاريخ الخفي للمرأة في العلوم” بدت الكاتبة جولي ديس جاردان أقل احتفاءً بماري كوري حين وصفت إنجازها المتفرد بأنه “شذوذ فوق البشر ” أصاب السائرات على دربها من العالمات  بالإحباط، حين توقَّع المجتمع منهن إنجازات علمية خارقة، بدلًا من تشجيعهن ودفعهن نحو التفوق.

 

كتاب “عقدة مدام كوري: التاريخ الخفي للمرأة في العلوم”

 

وتُضِيف wirten  في مقالها أيضًا أن تحفظ كوري على الاعتراف بالخطر الحقيقي للراديوم كان أحد الانتقادات التي وجهت لمدام كوري، ونرى هذا الانتقاد واضحًا على صفحات رواية بيير أولوف انكويست The Story of Blanche and Marie، هذا التحفّظ الذي كان دافعه الأساسي هو الحب كما كتبت باربارا جولد سميث في :هوس العبقرية“، ذلك الحب الذي حجب عن أعين ماري وبيير خطورة الراديوم ودفعهما إلى الاحتفاظ  بأنبوبة بها ملح للراديوم بجانب السرير ليستمتعا بتوهجه الجميل قبل الاستغراق في النوم، بل إنَّ ماري كان تدعو الراديوم بقولها “إنه طفلي”.

بالنسبة لعدد من الأشخاص، أصبحت مدام كوري بمثابة حجر عثرة  في طريق الباحثات الشابات بل إنَّ البعض مثل راشيل سوابي في مقالها  المنشور علي موقع Wired، تدعونا إلى “التوقف عن الحديث عن ماري كوري”، وتعتقد أن سيرة مدام كوري ألقت ولا تزال ظلالًا كثيفة من حولها منعتنا من تقدير إنجازات غيرها من النساء في المجال العلمي، فقد بلغت من الشهرة حدًّا جعلها تهيمن بمفردها على صورة المرأة العالمة في المخيلة العامة.

وبالعودة إلى wirten نراها تلقي الضوء في مقالها  على  حقيقة كون مدام كوري، امرأة فرنسية متزوجة، الأمر الذي كان عائقًا أمام قدرتها على  تسجيل الممتلكات، بما في ذلك تسجيل براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية، ولعل هذه الحقيقة تسمح لنا أن نفكر بشكل مختلف في حقيقة تنازل ماري كوري عن تسجيل براءة اختراعها للراديوم واللجوء إلى سياسة إهداء الراديوم  إلي المؤسسات العلمية والتي كانت السبب في جولتها في الولايات المتحدة في 1921، وهذا بالطبع موضوع جدير بالمناقشة ويضيف إلينا فهمًا أوسع حول قصة إنكار كوري لذاتها والتي نالت حفاوة كبيرة في تاريخ العلم.

لكن هل هذا يعني أننا يجب أن نتوقف عن الحديث عن ماري كوري فعلا ؟ بالطبع لا، غير أنَّه يجب علينا أيضًا أن نبدأ الحديث عن كوري  وغيرها من الأبطال المشاهير بصورة واقعية دون مبالغة، وأن ننظر إلي  إنجازاتهم من خلال ظروف وملابسات العصور التي عاشوا فيها، نعم ندعو الشباب إلى السير على خطاهم في جد ومثابرة، لكن دون أن نطالبهم بإنجاز خارق ربما لا تسمح ظروف عصرنا بتحقيقه، فمجال دراسة العلوم اليوم غدا معقدًا ومتشابكًا بصورة قد تدير رأس مدام كوري نفسها.

وفي النهاية وحتى لا نبخس مدام كوري حقها في أيام يحتفل فيها العالم بذكراها  نترككم مع  محطات من حياة ماري كوري كما عرضت على موقع عجائب الفيزياء.

طفولة ماري كوري الحزينة، ولقاء مبكر مع العلم

ولدت ماريا في 1867 في وارسو (بولندا) التي كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية الروسية. وكانت الطفل الخامس والأصغر سنًّا في أسرة  مدرس العلوم فلاديسلاف سكوووفسكي وزوجته  ماريانا برونيسوافا، التي كانت تتولى الإشراف مدرسة داخلية مرموقة للفتيات في المدينة الصاخبة الكبيرة.

عندما كانت ماريا في السابعة من عمرها، توفي شقيقها الأكبر من التيفوئيد ثم بعد ثلاث سنوات توفيت والدتها جراء إصابتها بالسل، وفي الوقت نفسه، طرد فلاديسلاف من وظيفته بسبب مواقفه المناهضة للاحتلال الروسي لبلاده، بنهاية المطاف ومع  تلاشي مدخرات الأسرة، قرر فلاديسلاف الانضمام إلى وظيفة تدريس منخفضة الأجر.

وعندما حظرت السلطات الروسية استخدام معدات المختبرات العلمية في المدرسة  أحضرها إلى المنزل وأوعز إلى أبنائه باستخدامها وهنا جاءت الفرصة لماري الصغيرة أن “تقف مندهشة أمام خزانة زجاجية بداخلها عدة أرفف تحمل أجهزة غريبة مثل الأنابيب الزجاجية والموازين الصغيرة وعينات من المعادن و كشاف كهربي من رقائق الذهب”

مراهقة متفوقة وعاشقة ملتاعة

قضت  ماريا سنوات عمرها الأولى وهي تدرس في المنزل، وعندما لفتت موهبتها في التفكير العلمي نظر والدها، وعلى الرغم من المتاعب الاقتصادية، سمح لها ببدء الدراسة  في مركز تعليمي مرموق للفتيات. تخرجت منه عام  1883 في سن السادسة عشرة وقد زينت جيدها ميدالية  التفوق الذهبية. لكن ذلك لم كن كافيًا لمنحها فرصة الانضمام إلى أي مؤسسة عادية للتعليم العالي التي كانت مقصورة حينها على الفتيان.

وحتى تواصل ماري الصغيرة مسيرة تفوقها اقترح والدها عليها الانضمام إلى “الجامعة السرية” وهي مؤسسة وطنية بولندية، أنشئت في إطار الصراع  مع السلطات الروسية المحتلة. ولتغطية تكاليف الدراسة اضطرت ماري إلى العمل لدى عائلة زورافسكي، لتشهد تلك الفترة وقائع قصة حب جمعت بين ماري اليافعة  وكازيمير زورافسكي الشاب البولندي ذي الأصول العريقة، وعالم الرياضيات البارز لاحقًا، لكن معارضة والديه لارتباطه بتلك الفتاة الفقيرة أطاحت بأحلام ماري.

باريس، الجامعة والحب

عادت ماري إلى منزل والدها في وارسو بقلب مكسور، ونفس محطمة، ولما كان من الصعب على  فلاديسلاف رؤية ابنته وهي تذوي أمامه، أخذ على عاتقه أن يعيد إليها شغفها بالحياة والعلم مرة أخرى، وبالفعل وبعد ثلاث سنوات، في 1890 رتب لماري رحلتها العلمية إلى باريس لتكون بجوار أختها الكبرى برونيا  التي سبقتها إلى هناك لدراسة الطب.

وفي مدينة النور استهلت ماري في دراستها للفيزياء والكيمياء في جامعة السوربون بإصرار وتركيز حتى أنها  كانت أحيانًا ما  تنسى تناول الطعام، ناهيك عن إقامتها لأربعة سنوات في غرف فقيرة  في الحي اللاتيني، تخلو من وسائل التدفئة لدرجة تتجمد فيها المياه في أوعية الاغتسال.

ورغم الصعاب التي ينوء بحملها الرجال ذوو الهمم  نجحت ماري في  عام 1893 في الحصول على  شهادة في الفيزياء في عمر 26 عامًا. وبعدها بعام واحد  بدأت مسيرتها البحثية بدراسة  الخواص المغناطيسية لأنواع مختلفة من الفولاذ. وفي نفس العام دخل الفيزيائي الفرنسي بيير كوري حياتها، وتطور اهتمامهم المتبادل بالعلوم الطبيعية إلى قصة حب.

الزواج

واقترح بيير على ماري أن يتما زواجهما ومن ثم  عادت ماري إلى وارسو لتخبر والدها أنها وجدت في بيير حبًّا جديدًا وشريكًا ومعاونًا علميًا يمكن أن تعتمد عليه،  لكن ماري كانت حينها لا تزال تعيش تحت وهم بأنها ستكون قادرة على العمل في حقلها  العلمي  في بولندا، لاسيما بعد أن طمأنها بيير بقوله أنه مستعد للانتقال معها إلى بولندا، حتى ولو أدي ذلك إلى تركه للبحث العلمي والعمل في مجال تدريس اللغة الفرنسية، لكن  الرياح لم تجر بما تشتهي سفن ماري، فلم  تستطع الحصول على فرصة للعمل في المجال العلمي في وطنها الأم  بسبب كونها امرأة.  وفي النهاية أرسل إليها  بيير خطابًا يدعوها للعودة إلى باريس والعمل معه في مختبره الصغير.

وبحلول عام  1895 تم الزواج السعيد وانطلق العاشقان لقضاء شهر العسل، من خلال جولة في الدراجات الهوائية حول الريف الفرنسي، وحال عودتهما واصلا  أعمالهما البحثية في سقيفة مهجورة سيئة التهوية طالما أغرقتها مياه الأمطار في شتاء باريس، تلك الغرفة التي  استخدمت سابقا  كغرفة تشريح بمدرسه الطب، افتقرت للكثير من التجهيزات العلمية، لكن  ومع كل التفاني والإخلاص الذي توفر لبيير وماري فإن تلك الصعوبات لم تكن لتقف في طريقهما نحو المجد.

النشاط الإشعاعي

 

ماري كوري
ماري كوري وزوجها بيير كوري

 

في 1896، اكتشف هنري بيكريل بالصدفة أن أملاح اليورانيوم تبعث تلقائيًا إشعاعًا يمكنه اختراق أغلفة ألواح التصوير  الفوتوغرافية ليترك أثره عليها، فتنت ماري بهذه الظاهرة الجديدة ( وأطلقت عليها مصطلح النشاط الإشعاعي) وقررت أن تبحث لها عن تفسير.

افترضت كوري أنَّ الإشعاع لم يكن نتيجة للتفاعل بين الجزيئات ولكنه يصدر من الذرة نفسها. واستهلت  دراستها لاثنين من معادن اليورانيوم وهما التوربينيت والبيتشبلند، واكتشفت أن كليهما كان أكثر نشاطًا من اليورانيوم نفسه، وخلصت ماري إلى أنَّ المعدنين لابد وأنهما يحتويان على كميات صغيرة من المواد المشعة غير اليورانيوم. وفي 1898، أعلن الزوجان اكتشافهما للبولونيوم والراديوم، وهما من العناصر غير المعروفة سابقًا، والتي كانت أكثر نشاطًا بكثير من اليورانيوم.

بعد أربع سنوات من العمل الشاق وفي 1902، تمكن الزوجان من  فصل 0.1 جرام من كلوريد الراديوم من طن من البتشبلند، وهو إنجاز منحهما شرف اقتسام جائزة نوبل في الفيزياء مع هنري بيكريل. الجائزة المالية سمحت لماري كوري بتوظيف مساعدها الأول في  المختبر، لكن المختبر نفسه  لم يكن مختبرًا حقيقيًا كما أشرنا وبناء على شكوى بيير كوري، وافقت جامعة باريس علي إنشاء معمل جديد، لم تكتمل تجهيزاته حتى 1900، لكن المعمل كان بمثابة نذير الشؤم على عائلة كوري ففي نفس العام لقي بيير حتفه حيث انزلقت سيارة تجرها الخيول بفعل الأمطار التي غمرت باريس لتطيح بجسد بيير الواهن وتطحن عظامه التي نخرها الإشعاع تحت عجلاتها،  غاب بيير وترك من خلفه ماري وابنتين جميلتين، ايرين وأليف، ورغم الصدمة التي زلزلت كيان العالمة العاشقة، واصلت  ماري العمل في المختبر الجديد على أمل الوصول إلى إنجازات أكبر في الفيزياء والكيمياء تكريمًا لزوجها الراحل. وفي 1910، عزلت ماري  الراديوم، وصكت تعريفًا لوحدة جديدة من النشاط الإشعاعي أطلقت عليها اسم  “كوري”  تخليدًا لذكري زوجها الراحل.

عشق ممنوع

في 1911، أصبحت ماري حديث الصفحات الأولى للصحف المحلية باعتبارها “الأجنبيه مخربة البيوت” بعد تواتر الأخبار عن  علاقة غرامية جمعتها مع الفيزيائي الفرنسي بول لانجفان، والذي كان في حينها منفصلًا عن زوجته. استغلت الحادثة من قبل معارضيها الأكاديميين، إلى حد أنَّ أحدهم وصفها بأنها  “حمقاء بغيضة”. كان الموضوع مؤلمًا بالنسبة لعائلة لانجفان، وخاصة بالنسبة لزوجته، جين.

في الوقت الذي اندلعت فيه الأخبار، كانت ماري تعطي محاضرة في بروكسل. وعندما عادت إلى باريس ، وجدت حشدًا غاضبًا خارج منزلها واضطرت إلى  ترك منزلها والبحث عن ملجأ آمن مع بناتها الصغيرات.

مزيد من التكريم 

النصب التكريمي لماري كاري

 

وعلى الرغم من فضيحة لانجفان. كرمت الأكاديمية السويدية للعلوم ماري كوري ومنحتها جائزة نوبل في الكيمياء لتصبح الشخص الوحيد الفائز بجائزه نوبل في اثنين من العلوم المختلفة. وبعد شهر من قبولها جائزه نوبل 1911، أدخلت إلى المستشفى وهي تعاني من الاكتئاب ومتاعب الكلى.

وخلال فتره وجودها في المستشفى، تلقت رسالة من آينشتاين، يقول فيها  “يرجى تجاهل الكارهين“. وبالفعل عادت ماري إلى مختبرها بعد فجوة تبلغ حوالي 14 شهرًا.

منذ ذلك الحين، أصبح من الصعب جدًا التركيز على العلوم وربما بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى وربما لأن  ماري لم تغفر لنفسها ورطة العلاقة مع لاجفان.

وبنهاية الحرب، دعيت إلى وارسو لتشهد احتفال وضع أساس معهد الراديوم. لكن زيارة  كوري الأخيرة لبولندا كانت في  أوائل 1934 (قبل الحرب العالمية الثانية) حيث توفيت من فقر الدم  الخبيث، الذي  أصابها نتيجة التعرض الطويل للإشعاع، وفي عام 1935 أزيح الستار في وارسو عن تمثال لها بالحجم الطبيعي في الحديقة المواجهة لمعهد الراديوم، أما في فرنسا فقد شهد يوم العشرين من أبريل 1995 حدثًا تاريخيًا حين شهد الرئيسان الفرنسي والبولندي مراسم نقل رفاتها هي وزوجها بيير لتدفن في البانثيون، مقبرة العظماء لتكون المرأة الوحيدة في تاريخ فرنسا التي تدفن هناك تقديرًا لما قدمته لفرنسا والبشرية.

شخصية غريبة

واصلت ماري العمل في المختبر بنفس الرداء لسنوات طوال، وامتنعت عن تسجيل براءات عملية فصل الراديوم، بحيث يمكن للأوساط العلمية أن تقوم بأبحاثها دون عوائق. وكانت المساعي العلمية أكثر أهمية من الفائدة المالية، حتى أنها أعطت الكثير من المال من جائزه نوبل للأصدقاء والاسره والطلاب والباحثين المنتسبين.
ولأنَّ ماري كوري ملحدة، فهي لم ترغب في إقامة طقوس دينية لمراسم جفل زفافها. وقد ارتدت زيًّا أزرق داكنًا، بدلًا من ثوب الزفاف، وظلت ترتديه في المختبر لسنوات قادمه. وكما قال أحد الضيوف “كانت ماري هي أكبر اكتشافات بيير“.

واليوم يستخدم الراديوم لإنتاج الرادون، وهو غاز مشع يستخدم لعلاج بعض أنواع السرطان. وكان لدى ماري قناعه قويه بأن عملها سيوفر فوائد هامة لبقية البشرية. كان الشغف بالعلم رفيقها منذ سنواتها الأولى، وحتى أنفاسها الأخيرة، دافعت بشجاعة عن المنهج العلمي وخاطبت الجميع بقولها:

لا يوجد في حياتنا ما نخشاه، هناك فقط أشياء بحاجة إلى المزيد من الفهم، إننا نخاف فقط ما نجهله.

نرشح لك: إيرين كوري حياتها وإنجازاتها العلمية

المصادر:

كتاب هوس العبقرية، الحياة السرية لماري كوري

https://blogs.sciencemag.org/books/2017/10/31/marie-curie-at-150/?utm_campaign=SciMag&utm_source=JHubbard&utm_medium=Facebook

https://www.wondersofphysics.com/2019/10/biography-of-marie-curie.html

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: ندى حمدي

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا