تعديلات دستورية لتأكيد السلطة!! أم البحث عن شرعية؟!

لم تكن الأزمة المثارة في الإعلام الخارجي والداخلي عن تعديلات دستورية مقترحة في مصر إلا صورة من صور المأساة المصرية الممتدة فيما بعد الثورة المصرية منذ خمسينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا، والتي تتأرجح ما بين سلطة تريد حكمًا خاليًا من الشوائب خالصًا لها من المعارضة، وبين البحث عن شرعية تعيد التأكيد على مصداقية الحكم.

تعديلات دستورية متوقعة

لم يكن المقال المنشور للكاتب الصحفي المقرب من السلطة “ياسر رزق” عن اقتراحات بـتعديلات دستورية تطال مواد دستورية اتُفق عليها شعبيًا إلا امتدادًا لتسريبات نشرت في الصحافة الغربية كاحتمالات للتعديلات الدستورية المصرية تتيح امتدادًا طويل الأجل لنظام الحكم الحالي.

وبالرغم من أن المقال لم يُلقِ حجرًا ثقيلاً في المياه المصرية _نظرًا لتوقع الغالبية العظمى من المصريين لتلك التعديلات_ إلا أنه لفت النظر لإشكالية كبيرة تطال نظام الحكم الحالي الذي بنى شرعيته بالأساس على ما حدث في 30 يونيو، في حين ينظر الشعب على أن شرعية النظام الحالي مستمدة من شرعية ثورة 25 يناير، وما الخروج في 30 يونيو إلا امتدادًا لها.

وهنا تأتي كلمات ياسر رزق عن الإصلاح السياسي الذي تأخر قائلاً: “الإصلاح الذي أعنيه هو عملية تغيير، تعزز الحياة الحزبية وتدعم القوى السياسية وتؤسس لتداول السلطة في ظل نظام 30 يونيو …” لتؤكد على محاولة دؤوبة للفصل بين ما حدث في 25 يناير وبين ما حدث في 30 يونيو، بل والتأكيد على أن الشرعية الثورية للشعب لم تتأكد إلا في 30 يونيو. نحن إذًا أمام محاولة تثبيت شرعية جديدة منفصلة عن سياقٍ عام بدأ في 25 يناير.

“الإصلاح الذي أعنيه هو عملية تغيير، تعزز الحياة الحزبية وتدعم القوى السياسية وتؤسس لتداول السلطة في ظل نظام 30 يونيو …”

بين السلطة وأنماط شرعية الحكم

إن أي نظام سياسي يمتلك زمام الأمور في بلدٍ كبير كمصر دائمًا ما يبحث عن شرعيةٍ للحكم تتيح له قبولًا شعبيًا، كي يضمن له الاستمرار في القبض على زمام الحكم، ولهذا نجد أن كاتبًا كبيرًا مثل “محمد حسنين هيكل” قد تحدث عن الشرعية واصفًا حكم الرئيس عبد الناصر بأنه كان قائمًا على أساس “شرعية يوليو” والتى تآكلت بعد نكسة 67 والتى عجلت بموتها فيما بعد، كذلك وصف فترة حكم السادات في بدايتها بأنها كانت قائمة على شرعية “وريث عبد الناصر” خوفًا من مراكز القوة من رجال عبد الناصر، حتى جاءت حرب أكتوبر 73 وخرج منها السادات منتصرًا، ليس فقط في حرب تحرير بل في حرب إثبات وتثبيت شرعية جديدة لحكمه، أطلق عليها هيكل “شرعية أكتوبر”، والتي بدورها استمرت كشرعية ممتدة لحكم الرئيس مبارك بعده، الذي وُصِف بأنه امتدادٌ لحكم الرئيس السادات وأطلق عليه هيكل “شرعية الأمر الواقع”.

إعلان

وما إن امتد نظام مبارك لمرحلة الشيخوخة، حتى رأيناه وقد بدأ الحديث عن شرعية جديدة نستطيع أن نطلق عليها نحن “شرعية الوريث”، والتي مهدت لها تعديلات دستورية، اعتبرها الجميع تمهيدًا لتولي جمال مبارك لمقاليد السلطة في مصر، واعتُبر ذلك خروجًا عن المألوف في السياسة المصرية، التي تأسست شرعيتها على شرعية ثورة 23 يوليو وامتدادها في شرعية أكتوبر 73، وهو ما جعل جذوة النار تحت الرماد تشتعل، ودعا إلى خروج الشعب في 25 يناير 2011، معلنًا سقوط شرعية “الأمر الواقع”، بمساندة الجيش الذي أكد في مراحل كثيرة من سنوات الثورة على أن شرعية يوليو وأكتوبر هما شرعيتان ممتدتان، وما مطالبات الشعب بالحرية والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة سوى امتدادٍ لجهاد شعب ضد العدو الداخلي والخارجي.

مأزق تأسيس الشرعية الجديدة

وبعد أن توارت ثورة 25 يناير رويدًا تحت وطأة الخلاف السياسي الذي وصل إلى طريق مسدود، خرج الشعب بمساندة القوات المسلحة في 30 يونيو فيما عُرف وقتها بتصحيح المسار الثوري، فكانت الفترة الانتقالية التي مهدت لإقرار دستور جديد تصور الجميع أنه تأسيس لما عُرف وقتها “بالجمهورية الثالثة”، والتي سوف تأتي بشرعية جديدة، إلا أننا وجدنا أن ملامح تلك الشرعية تتأرجح بين ثلاثة عناصر، عنصران ممتدان من شرعيات سابقة: الإرهاب والإخوان المسلمين، فالإرهاب وإن كان يصلح لتثبيت شرعية لوقت معين ممتد إلى حين لكنه لا يصلح كأساس لتأسيس المستقبل، وهو ما حدث في الجزائر في العشرية السوداء التي أنقذته من الإرهاب، وساعدت على إطالة أمد الحكم المتآكل هناك.

ونرى “ياسر رزق” يُلمح إلى ذلك في افتتاحية مقاله قائلاً: أظن العام الجديد -أو هكذا أتمنى- هو الأكثر هدوءًا في هذه العشرية الصاخبة…” في محاولةٍ رديئة لتقليد الأستاذ “هيكل” في نحت ألفاظ وجمل تصيغ واقع جديد.

أما عنصر الإخوان فهو ممتد على امتداد الشرعيات المختلفة منذ ثورة 52 وحتى الآن، باعتباره فصيل مخاصم للدولة الوطنية والدولة المدنية الحديثة، ولكنه استطاع أن يتواجد على الرغم من مخاصمة تلك الشرعيات له، وهو ما يؤشر على أن التعويل على إقامة شرعية على أساس مخاصمة فصيل معارض، هو محل شك كبير.

أما العنصر الثالث فهو المأزق الحقيقي للنظام الحالي حيث أنه طبقًا للواقع فهذا النظام هو امتداد طبيعي لشرعيات يوليو 52 وأكتوبر 73 ومشاركًا أساسيًا في شرعية 25 يناير وما تلاها في 30 يونيو، وهو مأزق التوفيق بين شرعية تاريخية شرخها الشعب مرات عديدة في مظاهرات 1968 التي شرخت شرعية يوليو، ومظاهرات 18 و19 يناير 1978 التي شرخت شرعية أكتوبر، وثورة 25 يناير التي كسرت شرعية الأمر الواقع، وبين مطالبات بشرعية جديدة تؤسس للجمهورية الثالثة التي يريدها شعب خرج يريد زمنًا جديدًا، وبين مؤسسة عسكرية تريد التوفيق بين مطالبات شعبية شرعية وبين واقع داخلي وخارجي في غاية الصعوبة.

تساؤلات أخيرة

وما دام الحديث قد وصل إلى التأكيد على مأزق سياسي، فلذلك نحن مطالبون بالحديث بصراحة عما يريده الجميع، هل يريد النظام السياسي الحاكم امتدادًا للحكم الحالي دون مطالبات مكبلة لحركته المستقبلية التي تتيح له تشكيل المستقبل بمفرده؟! أم أن النظام الحالي يريد تأسيس شرعية جديدة، تمتد جذورها على مساحة كاملة من النظام الجمهوري الذي تأسس عقب ثورة يوليو 52 وفق مطالبات شعبية ثورية تريد زمنًا جديدًا؟!

أعتقد أن الإجابة على تلك الأسئلة ليس بالمهمة اليسيرة، فالعناصر الحاكمة للإجابة عليهما صعب التنبؤ بحركتها، سواء الأزمة الاقتصادية، أو الحرب على الإرهاب، أو الوضع السياسي الإقليمي والدولي، أو عناصر داخلية تريد الدفع بالأمور إلى الجمود المستمر من شرعيات سابقة، ويبدو أن عام 2019 سيكون هو العام الأسخن في مصر، فإلى قادم الأيام!

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: ياسر رافع

تدقيق لغوي: سلمى الحبشي

تدقيق علمي: أمنية أبو بكر

اترك تعليقا