الإرهاب في بعض البلدان العربية

ينعم الإرهاب بمحاضن سياسية وحقوقية وإعلامية تتاجر به بعض البلدان العربية وتقتات منه

جعلت بعض الحكومات العربية  من مقاومة الإرهاب أولوية قصوى، وأقرّت العزم على تجاوز مرحلة التردد والارتباك التي طبعت أداءها في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة، لكن النتائج لم تظهر بعد وإن ظهرت  في الأفق بشائر تؤكد أن بعض الجهد المبذول، على قلّته وتعثّره، قد يُثمر  نجاحات مبعثرة بالرغم من أن الطريق مازالت طويلة ومحفوفة بالمخاطر.

تدنيس الثورات

حوّل المدّ الإرهابي الخطير  الآمال والطموحات إلى كوابيس بعد أن اعتقد المتفائلون بالداخل والخارج أنّ ربيعًا جديدًا للحرية والديمقراطية والاستقرار والرفاه سيُزهر في المنطقة العربية بالخصوص، باعتبارها الأكثر إنتاجًا للإرهابيين وتضررًا من جرائمهم، لكنّ الأحداث والوقائع والمستجدات أثبتت العكس تمامًا، فما تشهده بلدان كاليمن وسوريا والعراق وليبيا والبحرين من اقتتال وحروب أهلية، وما تعيشه تونس ومصر والسعودية والمغرب والجزائر والأردن من استفزازات إرهابية أسقط آخر الأحلام وبقايا الآمال والتطلّعات، خاصّة، وقد ثبت بالحجج والبراهين، أنّ القوى الكبرى “المبشّرة” بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والرفاهية الاجتماعية، تعمل بكلّ الوسائل على تغذية الفتن وإضرام لهيب الصراعات في العديد من البلدان  العربية، قصد تدنيس ثوراتها والزجّ بها في متاهات الفوضى العارمة، تلك التي دأبوا على إيهامنا بأنها “خلّاقة”! ها هي البلدان الأطلسية  تعاين “نجاح”مخططاتها بعد أن وفّرت الوقود اللازم للاقتتال القِبَلي والعرقي والطائفي والديني في العديد من البلدان العربية والإسلامية. لقد أتمّت المهمة بالشكل المطلوب وتركت “أهل البلاء في البلاء” لأن الغاية، في نهاية الأمر، ليست الحرية والديمقراطية والاستقرار، وإنما هي الفوضى وإلهاء الشعوب العربية والإسلامية بالاقتتال في ما بينها حتى تهمل قضاياها الأساسية والمتمثلة بالخصوص في استرجاع حقوقها المهدورة وأراضيها المسلوبة، وصيانة ثرواتها المنهوبة، وتطوير مجتمعاتها وتعبيد مسالك الرفاهية لأجيالها الصاعدة. إنهم لا يريدون لهذه الأمة المنكوبة أن تنهض، وقد استعانوا في تنفيذ مخططاتهم ببلدان عربية أبدت استعدادًا لتمويل ودعم ومساندة الإرهابيين وضرب الاستقرار في الوطن الكبير، غير عابئة بما سيلحقها من أضرار جسيمة في وقت لاحق. إنها العمالة الموغلة في مستنقعات الجهل والسذاجة والغفلة.

تعتقد الأنظمة العربية الداعمة والممولة للإرهاب أنها، بهذا الصنيع، تؤمّن التدثّر بالحماية الأمريكية والأطلسية عمومًا، وحتى الإسرائيلية أيضًا. يجب أن نعِيَ جيدًا هذه الحقائق التي أصبحت ساطعة، ولا نعوّلَ كثيرًا في مواجهتنا للإرهاب على بلدان  “صديقة وشقيقة” تدافع عن الإرهاب وتموّله! لقد سقطنا في هذا الخطإ الجسيم ومازالت بعض القوى السياسية مصرّة إصرارًا كبيرًا على التمادي فيه، مفضّلة تأمين مصالحها على المصالح العليا للوطن. لا بدّ أنْ نعتبر من تتالي الأحداث الكارثية، وإعادة تقييم استراتيجيتنا في مقاومة الإرهاب انطلاقًا من الحرص على توفير الأمن والاستقرار في بلادنا وتأمين المصالح العليا للوطن.

يجب استنفار كلّ القوى في البلاد لمواجهة الإرهاب، بكافة أنواعه المعنوية والمادية والفكرية والإعلامية والدعائية والتبريرية، وهي مواجهة تتطلب مقاربة استراتيجية شاملة، تبدأ أساسًا من اجتثاث جذوره وتجفيف منابعه وتعطيل محامله وأبواقه، في فضاءات التنشئة والتكوين ومجالات الإعلام والتبليغ والدعاية، وتلك الجمعيات والمنظمات المشبوهة ذات المظاهر “الخيرية” والمقاصد الشريرة، بعيدًا عن منطق الثورجيين وانتهازية الحقوقجيين وشعارات الشعبويين. إنّ أكثر الدول ممارسة للديمقراطية وصيانة لحقوق الإنسان والحريات في العالم، كالولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما، هي أشدّها صرامة أمنية وعسكرية وردعية، أما نحن العرب، و بضغط مفضوح وسيء النية من جهات داخلية وخارجية، فنتقاعس في اتخاذ الإجراءات اللازمة وتفعيل قانون مكافحة الإرهاب وتطبيق أحكامه بجدية.

لنتمعّن جيّدًا في تصريحات بعض المسؤولين السياسيين الذين لا يتوانون في الدفاع عن الإرهابيين بأساليب غدت مفضوحة،  وحينها، سنكتشف بِيُسرٍ حجم الخطر الذي يهددنا في غفلة منا، حتى لا نقول شيئًا آخر!  إنّ مثل هذه التصريحات المسمومة وحدها تفتح ملفّ الإرهاب على مصراعيه، وتبيّن تنوّع آلياته وتعدُّدها.

إعلان

نقولها ونعيد قولها، لا يمكن القضاء على الإرهاب بمواجهة الإرهابيين في الجبال والفيافي فقط، بل بمحاصرة ومطاردة المنظرين لمقارباتهم والممولين لجرائمهم، والمصادرين لعقول الناشئة والمسفرين للمغرر بهم. من هنا تبدأ استرتيجية مقاومة الإرهاب.

إعلان

اترك تعليقا