أن تكون انطوائياً في مجتمع لا يتسامح مع الانطوائية

مغرور، متعالي، متكبر، غير مبالٍ أو غير مكترث، أناني، انعزالي، تجنبي..هل وُصمت من قبل بتلك الصفات لمجرد أنك أنطوائي؟
إذا فمرحبا بك في مجتمع لا يرحب بالانطوائيين.

لمَ الوصم؟

أعتقد أن بداية سوء الفهم الذي نبع منه وصم الانطوائيين ومحاولة تصنيفهم أنهم ذو علة أو اختلال اجتماعي، هو اقتباس منقوص من علم الاجتماع للإنسان بأنه كائن اجتماعي بطبعه، دون إكمال بقية التعريف لنهايته، فإذا اكتمل التعريف وجد أن الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة، يعيش في بيئته ومجتمعه ويتفاعل معهما بحسب انطباعاته واتجاهاته، فلكلّ فرد شخصيته التي يتفرد بها وأنماطه التي تميزه عن غيره.

ومن هذا التفرد أصبح هناك سمات شخصية لكل فرد، قد يتشارك بها مع بعض الأفراد الآخرين، ومن ضمن السمات المحددة لشخصية الفرد هي أن يكون الشخص اجتماعياً أو غيرَ اجتماعي، والشخص غير الاجتماعي قد يكون تجنبياً أو انعزالياً أو انطوائياً.

لكن تختلف الانطوائية كثيرا عن التجنبية والانعزالية، فلكل تصنيف منهم سمات تحدده، فقط يتشاركون في سمة واحدة، وهي أن أصحاب هذه الشخصيات غير اجتماعيين.

والانطوائية نفسها تنقسم إلي أربع أنواع رئيسية:

إعلان

الانطوائيون الاجتماعيون، الانطوائيون المفكّرون، الانطوائيون القلقون، الانطوائيون المقيّدون.

بين الرغبة والقدرة

الانطوائي لا يكره من حوله، العكس صحيح لكنه يختار دوائره بعناية شديدة، فقدرته علي التواصل مع الأشخاص طيلة الوقت مستحيلة، وبطبيعة حاله لا يملك القدرة علي ذلك، لكنه يرغب في الاحتفاظ بعلاقات طيبة وجيدة وعميقة مع المقربين منه، فقط يحتاج إلى شحن طاقته عن طريق التواجد في بيئة هادئة وبعيدة عن الناس، يستطيع أن يحظى بها بالخلوة إلى النفس والتفكير العميق، عكس الاجتماعي الذي يشحذ طاقته من التواجد بين الناس والتجمعات، لا يستطيع الانطوائي ذلك فتهدر طاقته ويستهلك تماما اذا ظل على تواصل مستمر مع من حوله.

الأولوية لدى الانطوائيين في التواصل تكون للأشخاص الذين يربطهم بهم علاقات عميقة ومسئوليات وروابط مستمرة، كالأهل، والزوج/ة، الأبناء، ولأن التواصل يستهلك من طاقة الانطوائي الكثير على الرغم مما يكنه لهم من حب ومودة ورغبة في الاقتراب والتواصل المستمر، إلا إنه يسلبه طاقته أيضا، ويصبح بحاجة لشحنها وتجديدها حتى يستطيع الاستمرار، لذلك فعندما يمر الانطوائي بأزمة نفسية أو يتعرض لاكتئاب يكون التواصل مقتصراً على المقربين السالف ذكرهم، لأنه يعجز حرفياً عن تجميع شتات نفسه للتواصل مع عدد أكبر من الأصدقاء والمعارف وحتى المحيطين في بيئات العمل.

الصداقة مع الانطوائيين

 الانطوائي ليس بغريب الأطوار أو عدو للمجتمع، بالعكس، لذلك فالأصدقاء في حياة الانطوائي جزء هام من حياته، قد لا يملك الوقت والطاقة لتكوين صداقات كثيرة، لكنه عوضا عنها يملك عدد بسيط من الأصدقاء قد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، لكن تجمعه بهم علاقة قوية وطيدة ومميزة، وغالبا من يصل لمكانة الصديق الأقرب للانطوائي يكون انطوائياً مثله، لأن الصديق الاجتماعي سيجمعه به علاقة جيدة جدا، فقط في حالة إذا كان لديه العديد من الأصدقاء الآخرين، الذين يساعدون على إمداده بالطاقة عبر تواصله معهم، أما إذا اكتفى بالصديق الانطوائي وهو في الأساس اجتماعي سيصاب بخيبة الأمل عندما يرغب صديقه الانطوائي أن يحظى بوقته الخاص في عزلة مع نفسه، وعلى الرغم من أن ذلك قد يكون محبطاً للبعض إلا إن الصداقة مع الانطوائي تحوي امتيازات رائعة، مثل أن الانطوائي في الغالب يجيد الاستماع للآخرين ولا ينفر من أفكارهم العميقة أو حزنهم أو مخاوفهم بالعكس، يستمع ويتعاطف وإذا طُلبت منه المساعدة أو إبداء الرأي لن يتردد في تقديم كل مايملك لصديقه.

كذلك الصديق الانطوائي غالبا بسيط، نظرا لقدرته على امتاع نفسه بأقل وأبسط الأشياء، كالجلوس في المنزل وقراءة كتاب أو الاستماع إلى الموسيقى والرسم، فهو لا يحتاج للبهرجة أو الأشياء الملفتة كي تسعده ويشعر أنه مقدر، بالعكس فإنه يقدر حتى اقتطاعك من وقتك كي تطمئن عليه، فهو يعلم أهمية الوقت والتواصل أكثر من غيره.

كما أن الانطوائي غالبا يتمتع بطريقة تفكير عميقة ولديه وعي بذاته عالٍ، فقضاء الوقت مع النفس كثيرا يجعل المرء ميال إلى تطوير ذاته والعمل عليها بشكل مستمر واكتساب عادات مفيدة للتسلية مثل القراءة، لذلك فعندما تستشير صديقك الانطوائي فيما يشغلك فستجده يفكر بعمق وبزاويا مختلفة، فتضيف رأيه بتلقائية إلى آراء من تثق بهم حتى لو لم يكن الصديق الأقرب لك.

وإذا أصبحت صديقاً مقرباً للانطوائي، ستعرف أنه غالبا مستقل، لن يتعلق بك بصورة قد تضيق عليك الخناق أو تجعله اعتمادياً على صداقتكم كما يحدث من البعض، فهو يعطيك دائما مساحتك الخاصة ويحترمها، ولن يثير أعصابك بعتاب دائم إذا تشاغلت أو احتجت لمساحة من البراح بدون تواصل معه، وعندما تعود ستجده مُرحِباً بك ومقدراً للوقت الذي تقضيه معه.

كذلك لن يثير أي مواضيع لا طائل منها للنقاش، فهو يميل للهدوء ويتحدث في الضروريات أو في الأشياء التي عجز عن إيجاد أفكار أو حلول لمواجهتها، ويجيد الاستمتاع بالنزهات، فقد لا يميل للتنزه يوميا أو حتى أسبوعيا، الا إنه إذا اتفق معك على نزهة فلن يتردد في فعل شيء مرح، وإذا كان يحمل لك قدراً كبيراً من المحبة، فقد يخوض معك في الزحام والتجمعات الكبيرة في بعض الأحيان شرط ألا تكون الأسلوب الرئيسي للنزهات، لأنه لن يقدر على ذلك من الأساس.

القدرة الإنتاجية

قد يعتقد البعض أن كون المرء انطوائي يجعله عاجزاً عن أداء مهامه الوظيفية أو غير قادر على التواصل مع الأشخاص في نطاق عمله، أو أنه سيقصر في المهام الاجتماعية التي يحتم عليه عمله القيام بها، العكس صحيح أيضا، فالانطوائي يهتم كثيراً بشأن مستقبله الوظيفي ويسعى لتحقيق أحلامه الوظيفية المميزة، الاختلاف أنه بعد قيامه بالتواصل الاجتماعي من أجل عمله، يحتاج إلى قضاء بعض الوقت في هدوء حتى يستطيع إكمال تلك المهام، فيكون وقت عودته للمنزل هام جداً لتفريغ رأسه من أي صخب وشحن طاقته، وقد يتسبب ذلك أحيانا بازدياد فترة اختفائه خصوصاً إذا كانت مهام العمل تقتضي الكثير من الازدحام والاحتكاك بالناس، لذلك تجدهم يفضلون الأعمال الحرة التي يمكن القيام بها من المنزل أو الأعمال الابداعية التي تحتاج إلى عمل فردي وهدوء لاتمامها.

حصار وسائل التواصل

ربما يكون التطور التكنولوجي هو من أصعب الأشياء التي حدثت في حياة الانطوائيين، فالانطوائي يجد نفسه مُحاصَراً بكل وسائل التكنولوجيا الحديثة، برامج اتصالات متعددة أصبح جزء كبير منها هام إلى عمله، وفي نفس الوقت ملزم بالاطلاع على ما يصله من رسائل شخصية، وإذا كان في حالة شحذ لطاقته ولم يستطع فتح تلك الرسائل والتواصل مع أصحابها، يتم اتهامه بالتقصير والتجاهل، وحتى إذا قدر المحيطون به ذلك، يظل الوضع مرهِقاً خصوصا في بعض هذه التطبيقات كالفيسبوك مثلا، فإذا فكر بالاطلاع على حسابه، انهالت عليه أخبار الأصدقاء والمعارف التي إذا لم يتفاعل معها يعتبرون الأمر شخصيا، ولا يستوعب معظم الناس أن حتى تفاعله مع المنشورات المكتوبة أو حتى قراءتها تكون عبئاً كبيراً عليه في معظم الأحيان، فقد يكون جل ما يريده من استخدام هذا التطبيق الرغبة في مشاهدة بعض الفيديوهات المرحة أو حتى قراءة الأخبار العامة بدون تواصل مع أي شخص، لذلك فظهوره على هذه التطبيقات الاجتماعية شحيح. في حين أن أكثر الوسائل المريحة لهم للتواصل، هي إرسال رسالة نصية واحدة بها فحوى ما يرغبه الشخص منه، كذلك فإن استخدام الرسائل الصوتية مزعج للغاية بالنسبة له، خصوصا إذا كانت طويلة، فيظل الانطوائي مجفلاً ولايرغب في سماعها، فكل تلك الأشياء من وسائل الاستنزاف للطاقة بالنسبة للشخص الانطوائي.

لا يريد الانطوائي أن يعيش في جنة أو عالم مثالي يُقدًّر به الانطوائيون بشكل مطلق، فقط بعض من التقدير لطبيعتهم التي لن تتغير فهي نتيجة مزيج عاملين رئيسيين، وهما الجينات والبيئة، وأن لا نأخذ أنعزالهم أحيانا ورغبتهم في شحن طاقتهم بمفردهم بشكل شخصي، فهو لا يكرهك أو ينفر منك، هو فقط بحاجة لمساحة شخصية كبيرة عن المعتاد من الأشخاص الاجتماعييين، ولايجد الراحة والسلام إلا في قضاء بعض الوقت منفردا، فلنمنح الانطوائيين بعض الراحة والسلام.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: هند عزت

اترك تعليقا