فيروس كورونا.. القاتل النبيل!

يقول المَثَل المصري المشهور:
أنا وأخويا على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب“.

وهو – بعيدًا عن دلالته الصادمة – فيه مفارقة مضحِكة، تُظهِر ما يمكن أن يؤدِّي إليه التعصُّبُ القبليُّ من أمورٍ خارجةٍ على المروءة والحكمة والعدالة!. لكن الضحك الآن يكاد يتحوَّل إلى بكاء هستيري، ونحن نرى قبيلةَ (الجنس البشري) تُطبِّق نفس المعيار الذي بيَّنه المَثَل، في تعاملها مع وباء فيروس كورونا الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، ويكاد ينافس المتنبِّي في (النوم) عن (شوارد) الحياة، بينما يسهر الخَلْقُ جَرَّاها في الحجر الصحي!

والسؤال هنا في ميزان الأخلاق:

من الأشدُّ إضرارًا بـ (الجنس البشري)، فيروس كورونا أم دونالد ترامب؟!

واعذروني إن اختزلتُ نقائصَ البشرية في شخصٍ واحدٍ؛ فالمفسدون لا يُلِمُّ بهم الحصر، والبَعْرة – كما نعلم – تدلُّ على البعير، وما أكثر أبعارَ ترامب وأمثالِه في نادي (خراب العالم)! ترامب يرمز إلى (الرأسمالية المتوحِّشة – العنصرية – تجارة السلاح – دعم النظم الديكتاتورية – قتل الأبرياء – فضّ الاعتصامات السلمية بطريقة متوحِّشة تُسقط مئات الضحايا – الإرهاب الديني – تجارة المخدرات – التعذيب في المعتقلات – السماح بمطاعم الوجبات السريعة القاتلة ومصانع المنتجات الغذائية ذات المحتوى السكري المبالغ فيه ومصانع التبغ التي بالتأكيد لا تنتج أقراص فيتامين B12 – تدمير النظام البيئي ورفع درجة حرارة كوكب الأرض… إلخ).

وإن كنت تنكر أن تجتمع كل هذه المخازي في ترامب فقط، فما عليك إذًا إلا أن تُبقِي في خيالِك على بذلته السوداء والكرافتة الطويلة التي تتدلَّى من عنقه كلسانِ إنسانٍ مختنق، ثم تضع على البيضة العظميَّة المستقرَّة بين منكبيه أيَّ وجهٍ يروقك من (تُجَّار الموت/الزعماء) الذين أفسدوا الكوكب، وقتلوا من البشر أضعاف أضعاف أضعاف ما قتل فيروس كورونا منهم.

ولنسأل أنفسنا: ما الذي تغيَّر في الأسابيع الأخيرة؟

لا شيء!

لم يتغيَّر أيُّ شيءٍ يا صديقي!

إعلان

كنا نسمع في النشرة عن مقتل مائةِ شخصٍ بالبراميل المتفجِّرة في سوريا أو اليمن، ثم أصبحنا نسمع عن نفس المائة يموتون بسبب فيروس كورونا. ولكننا في الحالة الثانية فقط نجد تهويلًا وولولةً وتحذيراتٍ لا تنتهي ورعبًا يجتاح العالم وسباقًا محمومًا بين علماء كوكب الأرض لإيجاد لقاح يوقف عدَّاد الضحايا الذي لا يهدأ، بينما لم نجد في الحالة الأولى أحدًا ينافس أحدًا في إيجاد لقاح للجشع والطمع والقتل والتعذيب والاستبداد! ولم نجد أحدًا في الإعلام يحذِّرنا من البشر الذين هم أشد فتكًا من الكورونا، ليس بإخوانهم البشر فحسب، وإنما بكل الكائنات!

هل أصبح السياسيون فجأةً حريصين على حياةِ كلِّ إنسان؟!

وأين مئات الآلاف الذين قُتِلوا بيدِ أشخاصٍ يعرفونهم بالاسم، دون أن يُحرِّكوا ساكنًا؟!

لماذا لم ينتفضوا حين قُتل الأبرياء في التحرير ورابعة، وفي درعا وإدلب، وفي نينوى والموصل، وفي صنعاء ومأرب؟!

أجل… لم يُحرِّكوا ساكنًا، لأن أبناء العم هم مَن كانوا يُقتلون. أما الفيروس (الغريب)، فلنحشد له أسلحتنا، ولنتَّحِدْ لنقضي عليه. بنفس المنطق، انقرض حيوان مفترس لطيف يُدعَى النمر التسماني كان وجوده ضروريًّا للنظام البيئي. وبنفس المنطق أيضًا انقرضت عشرات الكائنات، لا لشيءٍ إلا لأننا نحن البشر نأبى أن يقتلَنا الغريب، ولكننا لا نمانع أبدًا أن يقتل بعضُنا بعضًا!

الفيروس لا يقتل ليوطِّد أركانَ حكمِه. لا يقتل ليزداد ثراءً. لا يقتل لفرض توجُّهه الديني على الآخرين. لا يقتل ليستمتع بالقتل. الفيروس يريد بكلِّ براءةٍ أن يتكاثر… أن ينسخ جيناته البريئة مليارات المرات بشتَّى الوسائل التي اتفقت له. الفيروس في صراعٍ نبيلٍ وضعت الطبيعةُ أسسَه من ملايين السنين، وأثبت فعاليته حتى الثورة الصناعية، وشاءت الصدفة هذه المرة أن يكون البشرُ طرفًا في الصِّراع.

سينتصر البشر قريبًا على الفيروس، ولكنهم سيستمرون – كما اعتادوا – في خسارة أنفسهم.

ماذا يملك ذلك البائس الذي يتحلَّى ببراءة الضباع ووداعة التماسيح وحرص بعوض الأنوفليس على نقل الملاريا التي تحافظ على استقرار المنظومة البيئية؟ ماذا يملك بإزاء البشر الذين بلغوا من الجهل حدًّا مفزعًا جعلهم يدمِّرون الكوكب الذي وهبهم الحياة، ويدمِّرون أنفسهم، ويجعلون أسرًا تبيت على جنازةٍ، وتصحو على ذكرى دامية لطفلٍ احتضر أو طفلة فقدت ساقًا أو ذراعًا؟!

بالتأكيد لا يحزنني اتحاد العالم في مواجهة فيروس كورونا. وإنما يحزنني أنهم لم يحتشدوا بنفس الحماس في مواجهة ما هو أخطر من الكورونا… في مواجهة أنفسهم… في محاربة جرائمهم… في التخلص من أقنعة المسوخ التي تجثم على أرواحهم وتحبِّب إليهم لحومَ (أبناء عمومتهم).

لم يعد في الوجود ما يستحق التآمر على ابن العم ولا الغريب. إن ذلك الفيروس ليس إلا صيحةَ تحذيرٍ من كوكب الأرض، فَحْواها أن القادم أسوأ! ولا أظن الأعوام الثلاثين القادمة إلا قطعانًا من الكوارث سيهجم بعضها في إثر بعض، إلا إذا أدركنا قبل فوات الأوان أنه لا يصح أن يجتمع أخ مع أخيه على ابن عمه ولا مع ابن عمه على الغريب. إن الغريب يستحق أن نحترمه وأن نفهمه وأن نستشفَّ العبرةَ من وجوده ومن تفاعله معنا، حتى ولو كان فيروسًا قاتلًا مثل كورونا… ذلك القاتل النبيل.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: محمد أحمد فؤاد

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا