الإعجاز العلمي هل هو منهج صحيح؟

الكثير من المسلمين اليوم – كعبدالدائم الكحيل وزغلول النجار – يحاولون إثبات ألوهية القرآن لغير المسلمين من خلال ”الإعجاز العلمي“ أي ذكر القرآن لمعلومات علمية لم تكن معروفة في عصر تنزيله وأكد العلم بعد ذلك صدق هذه المعلومات في العصور اللاحقة، لكن في الحقيقة، لا تستطيع كمسلم أن تُلزم ملحداً أو أي شخص لا-ديني بأن آيات القرآن تحتوى على إعجاز علمي، لأن الآيات الكونية في القرآن قابلة للتأويل بأكثر من شكل، وليس لها تفسير واحد. وأي شخص ينظر بموضوعية من الناحية اللغوية في آيات القرآن بدون تحيز لإيمان أو لإلحاد، سيصل لهذه النتيجة.

أمثلة على بعض الآيات القرآنية التي يمكن أن تتأول بأكثر من شكل.

فعلى سبيل المثال آية: «ثم اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ».

لو نظرت للآية بموضوعية من الناحية اللغوية، تجد كلمة {دُخَانٌ} و{دُخَانٌ} لغوياً يُحتمل أن يكون معناها بخار الماء، لكن المتعنت فقط من ينكر أن كلمة {دُخَانٌ} يمكن أن تفهم منها أيضاً أنه الشيء الناتج عن الاحتراقات والانفجارات، بل إن هذا المعنى هو المعنى الذي سيتبادر لأغلب الأذهان عند ذكر مثل هذه الكلمة.

المُفسرون القدامى فسروا هذه الآية حسب ثقافة عصرهم التي كان يُعتقد فيها أن ”الماء“ هو أصل الكون كالتالي: قيل: هو البخار الذي تصاعد من الماء الذي كان عليه العرش {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}، فإن البخار نوع من الدخان.

حالياً مُدعي الإعجاز العلمي يقولون إن المقصود من الآية أن الكون (السماء) كانت دخان في بداية الخلق وهذا ما تقرره العلوم الكونية الحديثة بالفعل – كما تصف مجلة Science – الكون في بدايته بأنه كان ”شبيه بالغرفة المليئة بالدخان“، ومن هذا الدخان تم خلق كافة النجوم والمجرات.

إعلان

الملحد أو اللاديني سيتحيز ويتمسك بالتفسير القديم للآية {بخار الماء} لأنه يعتقد ببشرية القرآن، ومُدعي الإعجاز العلمي سيتحيز هو الآخر ويرفض التفسير القديم للآية باعتبار أن هذا مجرد اجتهاد من المُفسرين القدامى ولا يُلزمه بشيء طالما أن المُفسر ليس معتمد على آية (الآية بالأعلى تذكر أن هناك عرش على الماء قبل خلق الكون ولكنها لا تذكر أن الكون قد خُلق من ماء العرش، هذا مجرد اجتهاد من المُفسرين) أو حديث صحيح (كل الأحاديث المَروية في أن أصل الكون ماء أتت من الإسرائيليات وكلها ضعيفة لا يصح أي منها – هناك حديث عن قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة يقول فيه الرسول أن كل شيء خلق من ماء – صححه بعض العلماء لأنهم توهموا أن أبو ميمونة المذكور فيه هو أبو ميمونة الفارسى الثقة إلا أن المذكور هو أبو ميمونة الأبار صالح، قال عنه الإمام الدارقطني: أبو ميمونة عن أبي هريرة عنه قتادة مجهول يُترك، كما ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 492/3) في تفسيره، وسيفسرها بما يتوافق مع العلم الحالي (نظرية الانفجار العظيم).

لكن كما قلت بموضوعية فالآية تتحمل لغوياً الوجهين.

قس على ذلك آيات كثيرة من القرآن مثل: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}.

مُدعي الإعجاز سيقول أن الآية تشير إلى: دوران الأرض.

الملحد أو اللاديني سيقول: لا، هذه تتكلم عن حال الجبال يوم القيامة، كما ذهب لذلك أغلب المُفسرين القدامى.

{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}.

مُدعي الإعجاز العلمي سيقول أن الآية تشير إلى: توسع الكون بشكل مستمر (وهناك بالفعل حتى بعض المفسرين القدامى الذى فهموا من الآية أن السماء تتمدد كعبد الرحمن بن زيد بن أسلم – انظر كتاب ابن الجوزي زاد المسير صفحة 1351).

الملحد أو اللاديني سيقول أن: موسعون يعني قادرون.

{فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}.

مُدعي الإعجاز سيقول أن الآية تشير إلى: تحول الشمس لعملاق أحمر وانشقاق سماء الأرض كالأديم الأحمر نتيجة ذلك في نهاية العالم.

الملحد أو اللاديني سيقول: لا، هو يقول إن السماء ستصبح حمراء من نار جهنم يوم القيامة وليس في ذلك إشارة إلى تحول الشمس لعملاق أحمر يجعل لون سماء الأرض أحمراً.

{وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ}

مدعي الإعجاز سيقول أن لفظ (نَسْلَخُ) في الآية يشير إلى: أن النهار مجرد طبقة رقيقة على سطح الأرض وأن الليل هو المُسيطر بعد هذه الطبقة الرقيقة من الضياء، وأن هذا الوصف لا يمكن أن يصل له شخص بدائي، فهذا المنظر لا يمكن رؤيته سوى من الفضاء.

الملحد أو اللاديني سيقول: لا، الآية تتكلم عن تعاقب الليل والنهار فقط.

وهكذا وهكذا مع الكثير من الآيات، لو نظرت بموضوعية ستجد أن كل الآيات السابقة وغيرها، قابلة للتأويل لغوياً هكذا بما يفيد الإعجاز وهكذا بما لا يفيد الإعجاز، فلا تستطيع أن تُلزم أنت الملحد أو اللاديني بشيء طالما أن الآية لها أكثر من وجه تفسيري لأنه سيلجأ للتفسير الذي لا يحتوى على إعجاز.

منهجية جديدة

كل ما تستطيع قوله هو أن القرآن يستخدم ألفاظاً وعبارات لم يُخطئها العلم الحديث، بل ويمكن أن تتأول الآيات القرآنية بما يوافق العلم الحديث بموضوعية وبدون تكلف.

وهذا لا ينقص من القرآن في شيء، فهذا هو ما يجعل القرآن صالحاً لكل زمان ومكان، فمثلاً كلمة دخان في الآية يمكن أن يفهمها القديم على أنها بخار الماء بما يوافق ثقافة عصره ويمكن أن يفهمها الحديث على أنها الدخان الكوني الناتج عن الانفجار العظيم والذي يملأ الكون حتى الآن، تخيل لو القرآن قال مثلاً: «ثم اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ بخار»؟ حسب ثقافة عصرنا كان هذا سيكون خطأ علمي كبير، فالنجوم والمجرات حولنا ليست مصنوعة من بخار ماء بل من ما يمكن وصفه بالدخان الكوني.

فهكذا القرآن يستخدم اللفظ الذي لا يخالف بشكل مباشر ثقافة القديم كي لا يكفر به، وفي نفس الوقت لا يمكن تخطئته علميًا مع تقدم العلوم في العصور اللاحقة بل يمكن أن يتأول بما يتوافق معها أيضاً. حتى أكثر الأفكار المناهضة للإيمان – ”فكرة التطور البيولوجي“ – يمكن أن تتأول ”آيات قرآنية كثيرة“ بما يتوافق معها بدون تكلف.

فمثلاً آية: ”وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ“.

من عاش في الماضي سينظر للسماء ويجد قبة زرقاء صلبة فوق رأسه، وبالتالي لن يستطيع تكذيب النبي أو التشكيك في كلامه.

تخيل لو قال القرآن: ”وجعلنا السماء غازات ومجالات مغناطيسية تحمي الأرض“، عرب الماضي سينظرون ولن يجدوا لا غازات ولن يعرفوا حتى ما هي المجالات المغناطيسية التي تتكلم عنها، الإسلام كان سينتهى قبل أن يبدأ، لأنه بالنسبة لثقافة عصر هؤلاء فما تقوله مجرد أكاذيب تناقض ما يرونه بأعينهم.

من الممكن أن يحتج شخص ويقول: ”القرآن كلمهم عن الجنة والنار والملائكة والجن والإسراء والمعراج … إلخ“ وصدقوه عادي. والواقع أن هذه الأشياء قابلة للتصديق في ذلك العصر، لأن هذه الأشياء ”غيبية“ بالنسبة لهم فلم يشهدها أو يرها أحد منهم بعينيه، لكن أن تخبرهم بشيء يناقض ما يرونه كل يوم بأعينهم (قبة صلبة زرقاء) فسيصبح من الصعب تصديقك.

لكن هل يلزم من وصف السماء أنها ”سقف محفوظ“ أنها قبة زرقاء صلبة؟ بالتأكيد لا. فكلمة سقف لغوياً يمكن إطلاقها على أي بنية تحمي ما تحتها ولا يلزم منها أن تكون هذه البنية شيئاً صلباً. حسب ثقافة عصرنا نحن، نحن نعرف أن الغلاف الجوي وكذلك المجالات المغناطيسية للأرض هي سقف ”بنيات تعلو الأرض وتحميها من الكثير من المخاطر“ بالنسبة للأرض.

لو أطلقنا على طبقات الغلاف الجوي والمجالات المغناطيسية للأرض لفظ ”سقف محفوظ“ فلا يوجد أي شيء خاطيء علميًا في ذلك، العلماء أنفسهم يطلقون على هذه الأشياء مصطلحات مشابهة مثل ”الدرع الحافظ“، ”الغطاء الحامي“ ولا يقصدون من كلمة درع أو غطاء أن هذه الأشياء صلبة بالضرورة.

إعلان

اترك تعليقا