عيدي أمين جزَّار أوغندا: سيرتهُ الذَّاتيَّة، ومَصْرَعهُ، وحقائق عنهُ (مترجم)

أحد أشدّ الديكتاتوريين وحشيَّةً في القرن العشرين، إنَّه «عيدي أمين» الذي حَكَمَ أوغندا بقبضةٍ من حديد وبروح كتابة تتَّسِم بالشَرّ. اتَّسم حُكمه بوحشيَّةٍ أكسبته لقب «جَزَّار أوغندا».

اكتسب سمعته عن جدارةٍ من خلال سلوكيَّاته المنحرفة، التي تضمَّنت -باعترافهِ الشَّخصيّ- أكل لحوم البشر. وعلى مدى ثماني سنواتٍ طويلة كانت أوغندا ترتعد خوفًا؛ فقد كان عيدي أمين مجنونًا وسيئًا ومُرعبًا تمامًا.

الحياة المُبكِّرة لعيدي أمين

idi amin boxer
عيـدي أمين كان ملاكمًا متهوِّرًا – صحيفة الغارديان

 

هناك العديد من المزاعم حول متى وأين وُلِدَ «عيدي أمين دادا أوميه – Idi Amin Dada Oumee»؛ إذ تتراوح هذه المزاعم بين عامي 1923م و 1928م، ويُعتَقَد أنه وُلِدَ في العاصمة كامبالا أو في بلدة كوبوكو في شمال أوغندا.

نشأ عيدي أمين كمُسلمٍ، إذ إنَّ والده تحوَّل من الكاثوليكيَّة الرومانيَّة إلى الإسلام. وفي سِنٍّ مبكِّرة، تخلَّى والده عنه وربَّته والدته وهي معالِجة بالأعشاب. ويُدعى أنَّ والد أمين كان فردًا من الجماعة العِرقيَّة (كاكْوَا)، أمَّا والدته فكانت تنتمي لـ الجماعة العِرقيَّة (لُوغْبارا).

ذهب عيدي إلى مدرسةٍ إسلاميَّة لكنَّهُ ترك المدرسة بعد الصف الرابع فقط. ومن ثَمَّ انضم إلى الجيش الاستعماريّ البريطانيّ.

إعلان

مسيرة أمين المهنيَّة في الجيش

idi amin pointing

 

انضم عيدي أمين إلى بنادقة الملك الإفريقية في عام 1946 وعمل مساعدًا للطبَّاخ. كما تلقى تدريبًا عسكريًّا في هذا الوقت، وفي عام 1947، تمَّ نقله إلى كينيا كجزءٍ من لواء/كتيبة المشاة الحادي والعشرين (شرق إفريقيا). خَدَمَ في حملاتٍ ضِدّ المتمردين الصوماليين وكذلك ماو موس في كينيا. وبحلول عام 1953 تمَّت ترقيته إلى رُتبة رقيب.

كان أمين شخصًا ضخمًا. يبلغ طوله 6 أقدامٍ و 4 بوصاتٍ، وأصبح البطل الأوغنديّ في الملاكمة للوزن الثَّقيل الخفيف. وقد لعب العديد من الرياضات الأخرى واكتسب قدرًا كبيرًا من الشُّهرة.

في عام 1962، نالت أوغندا استقلالها من بريطانيا، وانتخب ميلتون أوبوتي رئيسًا للوزراء. بعد أن استقطب الأنظار من أبوتي، ارتقى عيـدي أمين في الرُّتَب وخَدَمَ في مناصبٍ مهمَّة. وبحلول عام 1964، تمَّت ترقيته إلى قائد الجيش.

في عام 1965، تمَّ اتِّهام كلٍ من عيدي أمين ورئيس الوزراء ميلتون أوبوتي بمحاولة تهريب الذهب والعاج إلى أوغندا. فطالب البرلمان الأوغنديّ بإجراء تحقيقٍ، وعلى أساسه شكَّل أوبوتي دستورًا جديدًا، وألغى منصب الرئاسة الذي كان له شرفيًّا إلى حدٍّ كبير. ثُمَّ قاد عيدي أمين هجومًا على القصر الرئاسيّ وأجبر الرئيس كاباكا على الرحيل إلى المنفى.

هذه المجريات زادت من قوَّة أوبوتي وجعلت عيدي أمين ثاني أقوى رجل في أوغندا.

عيدي أمين يستولي على السُّلْطة

uganda milton obote
صورة لـ ميلتون أوبوتي، المخلوع في يناير 1971 – دويتشه فيله

 

خلال النصف الأخير من الستينيَّات، ظهر صدع بين عيدي أمين وميلتون أوبوتي. وكان جزء من السبب وراء ذلك هو الانتماءات السياسيَّة المختلفة. فقد انتقل أوبوتي إلى يسار التيار السياسيّ، الأمر الذي أثار قلق العديد من الحكومات الغربيَّة، إذ إنّّ مصالحها الرأسماليَّة ستكون في خطرٍ. بصفته عضوًا سابقًا في الجيش الاستعماريّ البريطانيّ، فقد مثَّلَ عـيدي أمين فرصةً للقوى الغربيَّة لتنصيب زعيمٍ موالٍ للمذاهب الغربيَّة. وعلى هذا النحو، بدأت الدول الغربيَّة، خصوصًا المملكة المتحدَّة، في دعم عيدي أمين على مُنافسه المحتمل.

في عام 1970، تمَّت ترقية عيدي أمين إلى رتبة قائد لجميع القوات المسلحة، ولكن في أكتوبر من ذلك العام، ألغى أوبوتي هذه القيادة وتولَّى زمام الأمور. في يناير من العام التالي، اشْتُبِهَ بأنَّ أوبوتي سيعتقله بتهمة الفساد، فشَنّ عيدي أمين انقلابًا واستولى على الحكومة في أثناء وجود أوبوتي في سنغافورة.

ووعد أمين بأنَّ حكومته ستُجري انتخاباتٍ حرَّة ونزيهة لاختيار زعيمٍ جديد في أسرع وقتٍ ممكن فور عودة الأوضاع إلى طبيعتها.

عيدي أمين كديكتاتور

idi amin saluting
صورة لعـيدي أمـين التقطها المصوّر الصحفيّ (جان كلود فرانكولون) / [من موقع Getty Images / غامّا رافو] – صحيفة التلغراف

بمجرَّد أن استولى على السُّلْطة، تصرَّف عيـدي أمين بسرعةٍ لتعزيز مكانته. فرسَّخ الجيش باعتباره القوَّة الحاكمة في أوغندا وأحاط نفسه بأشخاصٍ يثق بهم. وبعد فترة ٍ وجيزة من استيلائه على السُّلْطة، بدأ عيدي أمين في تلقِّي الدَّعم العسكريّ والماليّ من بريطانيا العظمى وإسرائيل. لكنَّهُ عندما طلب من إسرائيل معدَّاتٍ عسكريَّة متطوِّرة رُفِضَ طلبه. نتيجة لذلك، شجب عيدي أمين الصهيونيَّة وسعى للتجارة مع ليبيا. أقرض معمر القذافي على الفور عيدي أمين 25 مليون دولارٍ وعاهده بمواصلة دعم نظامه.

في عام 1972، حاول المنفيّون الأوغنديون التنسيق للإطاحة بعيدي أمين، ونتيجة لذلك، أطلق أمين حملة تطهير لأنصار أوبوتي من القوات المسلحة.

واتسع نطاق عملية التطهير هذه لتشمل أشخاصًا من جميع مناحي الحياة ومن جميع قطاعات المجتمع الأوغندي. واسْتُهدِفَ سُكَّان الجماعتين العِرقيّتين (أتشولي) و (لانغو) بشكلٍ أساسيٍّ في عمليات التطهير الأوليَّة. وقُتِلَ الناس، وأُلقِيَتْ جثثهم في أيّ مكانٍ كان مناسِبًا. ومن بين القطاعات الهامة المستهدفة كانت تلك التي لها تأثير جوهريّ. شمل ذلك البيروقراطيين، والصحفيين، والمحامين، والأطباء، والسياسيين، والقُضاة، والزُّعماء الدينيين، وحتى الطلاب.

 

idi amin asian ugandans
لاجئون أوغنديون آسيويون يصلون إلى إنجلترا، [من موقع Getty Images / أرشيف هولتون] – مجلّة نيو لاينز

استمرّ هذا العنف على الوتيرة نفسها طوال فترة ثماني سنواتٍ من الحكم الدكتاتوريّ لعيدي أمين. من الصعب تحديد عدد القتلى، ولكن التقديرات تشير إلى أن العدد قد يصل إلى 500 ألف.

ملأ أمين مناصب الحكومة بالأفراد المنتسبين لجماعاتٍ دينيَّة وعِرقيَّة، وأغلبهم من الجماعة العِرقيَّة (كاكْوَا) إلى جانب أفرادٍ من جنوب السودان. كانت معظم حكومته من المسلمين. بجانب مُعاملتهِ التفضيليَّة لبعض الجماعات العرقيَّة والأديان، فقد مارسَ عيدي الاضطهاد على آخرين. كانت أوغندا موطنًا لما يقرب من 80 ألفٍ آسيويّ، لا سيما من شبه القارة الهنديَّة، ومعظمهم ولدوا في أوغندا. أَمَرَ عيدي أمين بطردهم واستولى على ممتلكاتهم. وبما أنَّ الآسيويين كانوا يمثِّلون 90٪ من عائدات الضرائب في أوغندا، بما في ذلك الغالبية العظمى من الشركات التجاريَّة، فقد انهار الاقتصاد الأوغنديّ تمامًا.

بعد طرد الآسيويين، قطع عيدي أمين جميع العَلاقات مع بريطانيا العظمى وإسرائيل. وقطعت الهند بعد ذلك عَلاقاتها مع أوغندا بسبب سوء معاملة الأوغنديين الآسيويين.

الدَّعم السُّوفيتيّ

idi amin swimming
عيـدي أمين كان رجلًا رياضيًّا وبرع في الرياضة، الصورة مأخوذة من  الفيلم الفرنسي “الجنرال عيدي أمين دادا: صورة شخصية” — جانوس فيلمز

 

منذ عام 1973 فصاعدًا، بدأ الاتحاد السُّوفيتيّ في تقديم الأسلحة، والدروع، والمساعدات الفنيَّة لأوغندا؛ فقد كان يرى أنَّ أوغندا تُمثِّل لاعبًا أساسيًّا في التوازن بين النفوذ الصينيّ في تنزانيا والنفوذ الغربيّ في كينيا.

وكان الهدف أيضًا من هذه الشراكة الوثيقة في العمل هو أن يقوم عيدي أمين بإرسال العديد من مُستشاريه إلى الكتلة الشرقية (الكتلة السُّوفيتيَّة) للتدريب العسكريّ والاستخباريّ. وبحلول عام 1975، كان هناك تقديرات تُشير إلى أنَّ الاتحاد السُّوفيتيّ قد زوَّد نظام عيدي أمين بمبلغ 12 مليون دولارٍ من الدَّعم الماليّ و 48 مليون دولارٍ من الذخائر.

استخدم عيـدي أمين هذه الأموال والمعدَّات العسكريَّة  لإنشاء جيشه الذي استخدمه في تهديد جيرانه. كان مصدر القلق الرئيس لكينيا، وزادت حدَّة التوتر في فبراير 1976 عندما ادَّعى عيدي أمين أن بعض مناطق كينيا تنتمي بحقّ إلى أوغندا. وقد تبدَّدت التوترات على الرَّغم من اتِّهام كينيا باحتجاز شحنة أسلحة سُوفيتيَّة مُتّجهة إلى أوغندا في ميناء مومباسا.

في عام 1976، نجح عيدي أمين في تأجيج العَلاقات مع الغرب باستضافة طائرة كانت قد اخْتُطِفَت من قِبَل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – العمليَّات الخارجيَّة ومنظمة الخلايا الثوريّة الألمانيَّة. احتجز أمين اليهود والمواطنين الإسرائيليين الآخرين كرهائن، بينما سمح للجنسيَّات الأخرى بالإفراج عنهم. وقد أنقذت القوات الخاصة الإسرائيليَّة الكوماندوز معظم الرهائن.

سقوط عيدي أمين

عيدي أمين
عيدي أمـين مع زوجته في برلين من موقع picture-alliance / dpa – صحيفة دي فيلت

 

في السنوات الأخيرة من حكمه، نجا عيـدي أمين من محاولاتٍ عديدة لاغتياله. ضعفت قبضته على السُّلْطة، وتناقَصَ عدد أولئك الذين كانوا موالين له.

وفي عام 1977، عيَّن اللواء مصطفى أدريسي نائبًا للرئيس. وكان أدريسي يحظى بدعمه الأساسي داخل المؤسَّسة العسكريَّة ويتمتع بسُلْطةٍ كبيرة. وعلى الرَّغم من ذلك، فإن أمين شكَّك به وجرَّدهُ من السُّلْطة، ممَّا أغضب أنصار الأدريسي العسكريين وتسبَّب في مزيدٍ من الاضطرابات في البلاد، إذ قام أمين بتطهير أنصار الأدريسي.

في نهاية المطاف تمرَّد الجنود الموالين لأدريسي في عام 1978. فأرسل أمين جنودًا لسحق المتمرِّدين الذين فرُّوا عبر الحدود إلى تنزانيا. انتهى الأمر بأمين بغزو تنزانيا عن طريق الخطأ، وبعد الاستيلاء على منطقةٍ في تنزانيا، أعلن أنَّ الغزو كان مُتعمَّدًا.

بعد أن نظَّمت تنزانيا هجومًا مضادًا، أدرك عيـدي أمين أنَّ أوغندا من المحتمل أن تخسر الحرب، وحاول حفظ ماء وجهه من خلال عرض تسوية الصِّراع في مباراة ملاكمة بينه وبين الرئيس التنزاني جوليوس نيريري. وكما كان متوقّعًا، تجاهل الرئيس التنزانيّ الرسالة.

في 11 أبريل 1979، استولى على كامبالا، وبعد محاولةٍ قصيرة فاشلة لحَشْد الدَّعم لقضيَّته، فرَّ عيدي أمين من البلاد. والسنوات التالية شهدت حصول أمين على الحماية في المملكة العربيَّة السعوديَّة. واصَلَ تمويل أنصاره خلال حرب بوش الأوغندية التي تلت ذلك. العديد من جماعات المتمرِّدين في أوغندا قاتلت من أجل عودة عيدي أمين، لكنّها فشلت في النهاية.

 

idi amin torture chamber
غرفة تعذيب عيدي أمـين في العاصمة كامبالا – من موقع Achieve Global Safaris

 

في عام 1989، تسبَّب أمين في حادثةٍ خطيرة عندما غادر المملكة العربيَّة السعوديَّة من غير إذنٍ، وسافر إلى زائير (التي تُسمَّى اليوم بجمهورية الكونغو الديمقراطيَّة). واعْتُقِلَ على الفور. في نهاية المطاف، وافقت المملكة العربيَّة السعوديَّة على السَّماح له بالعودة إلى البلاد، وعاش عيدي أمين بقيَّة حياته فيها.

أصبح ثمريّاً (نباتيّ الفاكهة) وحصل على لقب “الدكتور يافا” لأجل حُبّه للبرتقال. توفَّى عام 2003 بفشلٍ كلويٍّ، ودُفِنَ في مقبرة الرويس في جدَّة.

عيدي أمين كان متعدد الزوجات وله ست زوجاتٍ على الأقل. كان يتمتع بشخصيَّةٍ كاريزميَّة، وروح الدُّعابة التي ظهرت في حياته العامة. أطلق على نفسه ألقابًا عديدة: “صاحب السَّعادة، الرَّئيس مدى الحياة، المشير الحاج الدكتور عيـدي أمين دادا، نائب العميد، قائد فرقة عمليات الموقع، القائد المسؤول، رفيق وسام الإمبراطوريَّة البريطانيَّة، سيّد كُلّ وحوش الأرض وأسماك البحار، الغازي للإمبراطوريَّة البريطانيَّة في إفريقيا بشكلٍ عام وأوغندا بشكلٍ خاص”. وكذلك ادَّعى بأنَّه ملك إسكتلندا غير المتوَّج.

لوحظ من سلوكه أنه غير منتظمٍ؛ فكان يبدو سعيدًا ويضحك في لحظة، ثُمَّ يصبح غاضبًا بشكلٍ قاتل في اللَّحظة التي تليها.

لقد كان عيدي أمين ديكتاتورًا وحشيًّا ومسؤولًا عن مقتل مئات الآلاف من الناس.

———————————–

المصدر

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: أمل فاخر

تدقيق علمي: نهلة أحمد

ترجمة: بيان عابد

اترك تعليقا