الأرض الأَخيرة: قِصَصٌ حَقِيقِيَّةٌ عَاشَهَا فِلَسْطِينِيُّون (مترجم)

 هذا المقال هو عبارة عن مراجعة لكتاب رمزي بارود “الأرض الأخيرة: قِصَّة فِلَسْطِينِيَّة”.

يوثّق كتاب ” الأرض الأَخيرة ” – الّذي نُشر في عام 2018- حياة الفلسطينيّين العاديّين ومعركتهم ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ. وأثناء عملية سَرْد قصصهم، يُظْهِر بارود أنّ الفلسطينيّين ليسوا ضحايا مستسلمين للاستعمار الإسرائيليّ، بل مشاركين فعّالين في نضالهم من أجل فلسطين حُرّة، مذكّراً القُرّاء بأنّ الشّعب الفلسطينيّ وحدهُ هو القادِر على إحداث تغيير حقيقيّ في المنطقة. والمساهمة الأهمّ لبارود هي منح الفلسطينيّين العاديّين صوتاً قويّاً وبليغاً في هذا المسعى.

“كَانَتْ عَيْنَاهُ مَفْتُوحَتَيْنِ وهُوَ يُحَدِّقُ فِي مُحِيطِهِ مِنَ الجِدَارِ إِلَى الجِدَارِ. أَمَّا الرَّاحَةُ فَهِيَ لَيْسَتْ رَفَاهِيَّةً يُمْكِنُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَنْغَمِسَ فِيهَا خِلَالَ أَوْقَاتِ الحَرْبِ. عَلَيْكَ أَنْ تُوَاجِهَ الخَطَرَ وأن تُرَحِّبَ بِلَحَظَاتِ الهُدُوءِ عِنْدَمَا تَأْتِي.  — الأَرْضُ الأَخِيرَة: قِصَّة فِلَسْطِينِيَّة

يُقْصَفُ الأمريكيّون كلّ يوم بِوَابلٍ من الدّعاية الموالية لإسرائيل. باستثناء وسائل الإعلام اليساريّة مثل “ديمقراطيّة الآن!”، و”الجزيرة”، و “جاكوبين”، الإعلام مؤيّد بشدّة لإسرائيل؛ فمن شبكة  “پي بي أس” إلى “فوكس نيوز” تجد أنّ كلّ وسائل الإعلام الأمريكيّة داعمة لدولة إسرائيل. فإسرائيل -بحسب وسائط الإعلام السّائدة- هي دولة ديمقراطيّة مُسالِمة مُحاطَة بالعرب الذين يُريدون مَحْوَها عن الخريطة.
إنْ توقّفت حماس فقط عن إطلاق الصواريخ من قطاع غزة أو كفّت عن التّهديد بتدمير إسرائيل فسيكون هناك سلام بين البلدين… لكنّ هذه كذبة!
حينما انخرط الفلسطينيّون في أعمال عُنف لمقاومة الإسرائيليّين، فقد بدَتْ تجاوُزاتهم تكاد لا تُرى مُقارنةً بما تقوم بهِ إسرائيل من حملات تطهير عرقيّ تشنُّها ضدّ الفلسطينيّين.

على الرّغم من قوّة اللّوبي الإسرائيليّ في التّأثير على وسائل الإعلام الأمريكيّة والرّأي العام، فقد تمّ توثيق محنة الفلسطينيّين بوُضوح في كُتب ومقالات لعُلماء يساريّين مثل إيلان بابيه، ونعوم تشومسكي،  ونورمان فينكلشتاين، وإدوارد سعيد.

لكنّ هناك قلّة في الكتابات القويّة الّتي تتمتّع بنفس قوّة كتاب رمزي بارود “الأَرْض الأَخِيرَة: قِصَّة فِلَسْطِينِيَّة”. تماماً مِثل ما هو في عُرْفِ المؤرّخ هوارد زين، فإنّ بارود لا يركّز على كبار المسؤولين، بل يركّز على الفلسطينيّين العاديّين الّذين يقاتلون ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ.

إعلان

“الأرض الأخيرة” كتاب يَصْعُبُ قراءتهُ عاطفيّاً، وحتّى أولئك الّذين يدركون انتهاكات حقوق الإنسان الّتي يرتكبها الإسرائيليّون ضدّ الفلسطينيّين سيُصابون بالصّدمة.في صفحات الكتاب، يطّلع القارئ على التّطهير العرقيّ المستمرّ لفلسطين، والاستعمار الاستيطانيّ في الضّفّة الغربيّة، والقَتْل العشوائيّ للمدنيّين الفلسطينيّين على يد القوّات الإسرائيليّة، وكذلك الاستيلاء على الأرض من قِبَل المستوطنين اليهود، وجرائم أخرى لا تُعَدّ ولا تُحْصَى، وكلّ هذا من منظور الفلسطينيّين العاديّين.يرى القُرّاء عائلاتٍ تَحْمِل مفاتيح منازل لم تَعُد موجودة، وقِصصًا لأطفال فلسطينيّين يأملون في العودة إلى أرضٍ لم يعرفوها قطّ. بدافع من الحنق السّاخِط، “الأَرْض الأَخِيرَة” ستهزّ حتّى أكثر المدافعين المتحمّسين عن إسرائيل.

هناك العديد من الجوانب في كتاب “الأرض الأخيرة” التي تميّزه عن غيرهِ من الكتب الّتي تتحدّث عن فلسطين، وأوّلها هي أسلوب الكتاب ووضوحه. في الواقع إنّ كتابات بارود –التي تُشكّل مزيجاً فريداً من المعرفة والأدب– تُذكّرنا بأسلوب الواقعيّة السّحريّة التي اتّسم بها الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز  والكاتبة إيزابيل الليندي، حيث تمّ تصوير الواقعيّة السّحريّة هذه في الفقرة الافتتاحيّة للكتاب.

كان اليرموك حَاضِرًا عَلَى الدَّوَامِ فِي رُوحِ خَالِدٍ، كَانَ يَجْذُبُهُ إِلَى دَاخِلِ هَاوِيَةِ المَخَاوِفِ المُسْتَمِرَّةِ وخَارِجِهَا ويَحَثُّهُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ أَبَدًا.
مَاذَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَوْلَا لَمْ يَكُنِ اليَرْمُوكُ مَلَاذَهُ الأَوَّلَ وأَرْضَهُ الأَخِيرَةَ؟ فَكَيْفَ لِأَيِّ مَكَانٍ فِي كَوْنِ اللهِ غَيْرِ المُرَحِّبِ بِخَالِدٍ أَنْ يَكُونَ وَطَناً لَهُ كَفِلَسْطِينِيٍّ أَوَّلاً.. قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا شَيءَ آخَر؟!
عِنْدَ سُؤَالِهِ أَجَابَ دُونَ تَرَدُّدٍ: “أَنَا مِنَ القَرْيَةِ كَذَا فِي فِلَسْطِينَ.” لَكِنَّ اليَرْمُوكُ كَانَ كُلُّ مَا تَبَّقَى لَهُ مِنْ فِلَسْطِينَ، لِأَنَّ فِلَسْطِينَ الَّتِي عَرَفَهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً إِلَّا فِي الكُتُبِ، أَوْ كَخَرِيطَةٍ مُمَزَّقَةٍ فِي غُرْفَةِ مَعِيشَةِ أُسْرَتِهِ، وفِي خُرَافَاتٍ قَدِيمَةٍ تَنَاقَلَهَا الأَجْدَادُ الَّذِينَ مَاتُوا مُنْذُ زَمْنٍ بَعِيدٍ”.

حتى لا نفهم بصورة خاطئة، “الأرض الأخيرة” ليس كتاباً خياليّاً، لكنّ الكتاب مكتوب ببراعةٍ إلى الحدّ الذي جعله يُقْرَأ وكأنهُ عملاً أدبيّاً. إنّ الأسلوب الأدبيّ ليس هو فقط ما يُميّز “الأَرْض الأَخِيرَة” عن المعرفة التّقليديّة، كما أنّهُ لا يوجد فَصْل بين مراقب وموضوع. وفي تقليد الدّراسات النّقديّة، يسمح بارود لموضوعاته بلعب دور فعّال في كتابة قصصها الخاصّة، ونتيجة لهذا فإنّ كلّ قصّة تبدو حيّة وحقيقيّة، مثل قراءة مدخل يوميّات شخص ما، فالقُرّاء يصبحون متعلّقين بالشّخصيّات، ويحتفون بانتصاراتهم ويبكون هزائمهم. والحقيقة أنّ قدرة بارود على إضفاء الطّابع الإنسانيّ على شخصيّاتهِ هي الّتي تجعل من “الأَرْض الأَخِيرَة” كتاباً لا يُنسى.

العلماء مثل بارود وتشومسكي وبابيه دوماً ما كانوا من كبار المدافعين عن القضيّة الفلسطينيّة و لَهُم أدوار مهمّة في التّرويج لهذه القضيّة، بَيْدَ أنّ أكثر من يحارب القمع بكل عزيمة وتصميم هم المضطهدون. أثناء عمليّة سَرْد قصصهم، يُظْهِر بارود أن الفلسطينيّين ليسوا ضحايا مستسلمين للاستعمار الإسرائيليّ، بل يُظْهِرهم أنّهم مشاركون فعّالون في نضالهم من أجل فلسطين حُرّة، مُذكّراً القُرّاء بأنّ الشّعب الفلسطينيّ وحدهُ هو القادِر على إحداث تغيير حقيقيّ في المنطقة. المساهمة الأهمّ لبارود هي منح الفلسطينيّين العاديّين صوتاً قويّاً وبليغاً في هذا المسعى. لا بُدّ وأن تُقرأ “الأَرْض الأَخِيرَة” من قِبَل أيّ أَحَدٍ مُهتمّ بإِحْلَال السّلام والعَدَالة في فلسطين.

 

الكتاب: The Last Earth: A Palestinian Story

مصدر الترجمة:

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: بيان عابد

اترك تعليقا