خلاصة كتاب الوهابية مقالة نقدية، د. حامد ألگار Wahhabism: A Critical Essay

هل يمكن فصل الوهابية عن الأحداث السياسية التي أدت إلى انتشار تعاليمهم، خاصة التحالف السعودي الوهابي ثم الأحداث التاريخية التي تكللتها التجاوزات والهجمات بواسطة معتنقيها؟ لتنتهج بعد ذلك منهج بعيد عن كل ما له علاقة بالأفعال بل المؤسسات والمنظمات ونشر تعاليمها خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
ما علاقتها بالسلفية وطالبان وما هو دور محمد بن عبد الوهاب في كل هذا وكيف هي سيرة حياته وقصته مع آل سعود وما يعتقده حول وجوب كيفية إعادة استرداد الإسلام الأول؟ هذا ما يناقشه هذا الكتاب (الوهابية مقالة نقدية) من “منشورات الجمل” الذي لا يتعدى 80 صفحة لكاتبه الدكتور حامد ألگار خريج كامبريدج وأستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة بيركلي بترجمة الدكتور عباس خضير كاظم، الغني عن التعريف.

أول موضوع ينبغي علينا إدراكه هو وجوب التعرف على بعض الحقائق عن هذه الحركة إن صح وصفها بهذه الشاكلة سواء الحقائق البديهية أو المجتثة من جذور بعض المغالطات حولها، بداية من لقبها المبتدع والمثير للاهتمام. إن الوهابيين على وجه الحقيقة قد أحاطوا منظومتهم باسم “الموحدون” أما لقبهم الذي يعرفون به (أي الوهابية)، فهو مجرد لفظ أطلق عليهم من أشخاص غيرهم تيمنا باسم، ومؤسسها محمد بن عبد الوهاب.

والموضوع الثاني فإن الوهابيين يعتبرون كل مسلم سواء كان سنيًا أو شيعيًا وما أدراك بالطوائف الأخرى غير منضم للوهابية وغير معترف بتعاليمهم ما هو إلا مشرك ومنحرف، وبمجرد التمعن في لقبهم الذي اختاروه، نستطيع إدراك أنه ما هو إلا نافذة تطل على موقفهم المعادي للمسلمين الآخرين المشركين حسبهم.

أما الموضوع الثالث فهو سطحية الوهابية؛ وكان سبب تصنيفها بهذا الشكل أنها لم تلعب دورًا يُذكر في الإسلام من حيث الفكر العميق والإصلاحي، وإنها بذلك حركة غير إصلاحية ليس لها علاقة بالإصلاحات كما قيل عنها ولا علاقة لها بقيام الحركات الإصلاحية أو الاتجاهات، غير أن هناك نقطة شبه بينها وبين السلفية وبعض العلاقات مع السلفية مجددًا والإخوان وطالبان سنتحدث عنها في نقطة أخرى. وأخيرًا من الخطأ اعتبار الوهابيون سنة؛ لأن الوهابية ليست من السنة في شيء، كما أن كبار علماء الإسلام في السعودية قبل التضييق الذي مورس عليهم قد أنكروا ما يحضون عليه ويدعون وبقي الأمر نفسه عند كثير من أهل العلم الحاليين.

إعلان

محمد عبد الوهاب

فيما يخص سيرة محمد بن عبد الوهاب رجل البدايات السعودية الجديدة فقد ولد في نجد في بلدة العنيية من أب كان قاضيًا فيها، ونتيجةً لاتجاهاته ودعوته للناس في منطقته حسبما يؤمن به فصل والده من القضاء بسبب المتاعب التي كان يسببها، أما أخوه المدعو سليمان فقد هاجمه بعد ذلك وسار عكسه.

انتقل والد محمد بن عبد الوهاب إلى حريملا بعد فصله، أمّا هو فقد فضّل البقاء في العنيية حتى يدعو الناس للرجوع إلى الدين الحق، ثم غادر بعدها للدراسة في المدينة المنورة لأربع سنوات بعد أن حج حجةً، وهناك خصص بعضًا من وقته في دراسة مؤلفات ابن تيمية فظهرت بوادر وجود علاقة بين فكره وفكر هذا الأخير في ذم المسيحيين والشيعة والمتصوفة، غير أن ابن تيمية لم يكن بهذا التطرف فهو قد رفض جوانب في التصوف مثلًا لا تتماشى مع عقلانية الإسلام، كما أن كتاباته أحدثت تأثيرًا كبيرًا في الدين الإسلامي والاجتهادات عكس محمد بن عبد الوهاب صاحب الأفكار المتواضعة الذي كفر الجميع وانتهج منهج الجهاد ضدهم.

عاد محمد إلى حريملا حيث إقامة والده ثم سافر إلى العراق في مهمة غير معروفة راجعًا بذلك إلى الأحساء ذات الأغلبية الشيعية، وهناك بدأ يدعو الناس لكن لم يصغي إليه أحد فشد الرحال إلى دمشق غير أنه رجع على إثر ظروف ملتبسة ليعود إلى حريملا ويباشر الدعوة، وأثناء كل هذا حدثت اشتباكات بينه وبين والده الذي كان رافضًا لمنهجه حيث أبدى امتعاضه مرات عديدة سابقًا ولكن على إثر وفاته وجد الابن حُرّيته في فعل ما يحلو له، وهناك عاد إلى بلدته عنيية ليتزوج ببنت حاكمها عثمان بن حمد معمر الذي قام بحمايته وتزويده بعصابة من الرجال معترفا بتعاليمه، فكانت نتيجة ذلك الشروع بحملته في هدم قبور وأضرحة الصحابة وقطع الأشجار، لكنه سرعان ما طرد من البلدة بضغط على حاكمها من رؤساء القبائل. هناك كانت بدايته الحقيقية التي أسست عرشه الوهابي؛ لأنها ولدت عن ذلك تحالف مع محمد بن سعود حين ذهب إلى الدرعية ومُنِيَ بزواج آخر منه تأكيدًا على تحالفهما واجتماعًا لمصلحتهما.

في سنة 1746م أعلنت الدولة الوهابية السعودية الجهاد على كل مسلم لا يرى في الوهابية طريق الإسلام، وتم احتلال نجد بذلك ووسط الجزيرة وعسير وأراضيًا من اليمن ثم الرياض في وقت تولي عبد العزيز الحكم خلفا لمحمد بن سعود، وفي تلك السنة طلب محمد بن عبد الوهاب من حاكم مكة المستقل عنهم أن يسمح لهم بالحج الشيء الذي جعله يعتقد أنها ما هي إلا طريقة لبث تعاليمه الوهابية بين الحجيج لهذا وجه له ضربة قاصمة لطموحاته كما كان يأمل فدعاه إلى مناظرة بينهم وبين علماء المدينة غير أن محمد بن عبد الوهاب مُنِيَ بخسارة وأظهر ضعف حججهم فيها. لكن هل ما حصل كان الضربة القاصمة للوهابية؟ من المثير أن نعلم أن خسارة المناظرة لم تقدم شيئًا يذكر بل صيّرت الوهابية إلى آلة دينية لا تتوقف وأقوى من قبل فاتحةً بذلك طريقًا من الفتن والجهاد أكثر شدةً مما كان.

بعد موت محمد بن عبد الوهاب سنة 1791م بدأ الهجوم على الحجاز على يد الدولة السعودية الوهابية فاقترفت مجزرة هناك، وتم ارتكاب هجوم آخر على كربلاء في نفس ذكرى موت الحسين فخلفت قتلى كثيرين. أما الطائف الحجازية فكان مآلها مآل كربلاء العراقية وهناك تم اللإستيلاء على مكة لكن حاكمها الشريف غالب استطاع استعادتها بعد شهرين.

اغتيل عبد العزيز على يد رجل قيل أنه كردي أو عراقي انتقم لكربلاء المقدسة فخلفه ابنه سعود وهناك سيطر على المدينة المنورة لمدة ست سنوات وتم احتلال مكة بعدها فتم فرض المعتقد الوهابي وإكمال مسيرتهم في هدم الأضرحة ومقابر البقيع وبيوت الرسول والصحابة وحتى قبة قبر الرسول كما أذعن علماء المدينة لمعتقدهم تحت الضغط وتم حرق كل كتاب يخالف تعاليمهم ومنع المولد النبوي والتدخين وشرب القهوة كما تم منع قوافل الحج الآتية من سوريا ومصر كونها تصدر الشرك.

لقد عانت الدولة العثمانية من هجمات الوهابيين واحتلالهم لمكة والمدينة فأرسلت والي مصر لصدهم وتأديبهم وهناك تم تحريرهما وإعدام بعض الوهابيين بمن فيهم ابن محمد عبد الوهاب فهل كانت النهاية؟.

إن الوهابية تقوم على ثلاثة أمور أساسية:

أولها توحيد الربوبية وثانيها توحيد الأسماء والصفات وآخرها وأهمها توحيد العبادة، فالمسلم لا يكفيه توحيد الربوبية والصفات فحتى المشرك في نظر محمد بن عبد الوهاب هو كذلك بل يجب عليه توحيد العبادة ونبذ كل ما له علاقة بالشرك خاصة استجداء الشفاعة من النبي محمد والأنبياء والصالحين والصلاة والسلام على الرسول واقحام أسماء الأنبياء في الدعاء أو إطلاق أسماء الله الحسنى على الناس مثل الكريم. أما البدع فكل أمر جاء بعد الجيل الثالث من الإسلام “المذاهب الأربعة” فهو شرط حتى لو كانت بِدعًا حسنة، وبهذا فإن من كل يخالف الوهابية هو مشرك يصح الجهاد ضده ناهيك عن أي محاولة لتقليد الآخر غير موجودة في الإسلام. وعلى سبيل المثال فقد كانت الوهابية ترى أن المشرك والمسيحي هو أقل ضررًا من المسلم غير الوهابي فسلطت بذلك كل عتابها على المسلمين خاصة الشيعة.

أما كتابات محمد بن عبد الوهاب فقد كانت كتابات متواضعةً وبسيطة على نحو شحيح لا تحتوي على أي فكر مؤثر يحتاج إلى تأمل أو ذو أهداف إصلاحية فعالة بل معظم ما يكتبه هو أحاديث نبوية يقسمها حسب مواضيع معينة ومجرد تفسيرات بسيطة، وبهذا فإن العلماء الوهابيين المسؤولون عن تحقيق ونشر كتبه كانوا يملؤونها بتفاسير وحواشي ومصادر للحديث ليطيلوها أكثر إلى درجة تشتيت القارئ حول نسبها، وهناك من برر الأمر بأن محمد بن عبد الوهاب أراد إيصال صوته لكل الناس سواء النخبة أو العوام.

 

وعودة إلى أحداث تلك الفترة وبعد استرجاع العثمانيين لمكة تشكلت مجددًا الحركة السعودية الوهابية في نجد موطن مؤسسها وسيطرت على الأحساء، كما تمكنوا من الضغط على ملك عمان، وهناك تم الاتفاق مع البريطانيين أصحاب الأموال الطائلة التي كانوا يمنحونها لهم لقاء تنفيذ هجمات على حلفاء الدولة العثمانية في جزيرة العرب، ويبدو أن التحالف السعودي الوهابي قد أرضى البريطانيين الذين دعو الملك فهد إلى زيارة الملكة إليزابيث، وهناك تم تكريمه وإطلاق لقب حامي حمى الوهابية عليه فكانت علاقة تسودها المحبة وكذلك المال والتخريب بينهما.

لقد مثل البريطانيون دور الحمل الوديع غير أنهم كانوا في الحقيقة أشبه بوحش هجين ذو وجهين؛ بسبب رغبتهم في كسب جميع الأطراف، فاتصلوا بحاكم مكة الشريف حسين ووعدوه بتحقيق طموحه في إنشاء وحدة عربية يكون على رأسها لقاء تعاونه معهم، بشرط الاعتراف بالدولة السعودية الوهابية التي في نجد، لكن في الأخير تم احتلال الجزيرة كليًا بعد سقوط الدولة العثمانية من قبل آل سعود بعد عمليات إعدام مكثفة وقطع أيادي المخالفين لهم، والتنكيل بالشيعة في جزيرة العرب، وبذلك أحبطت آمال الشريف حسين وتم تحقيق رغبة آل سعود.

تم تأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث كان من نتائجها إجبار الرجال على إطالة اللحى ومنع الموسيقى وحتى تكسير أصص الورد وكل ما له علاقة بالمبدأ الجمالي في الدولة، وهناك بدأت علاقتهم الفعالة مع السلفيين بداية من الاعتراف بهم والإطراء عليهم أما ما تشاركهم فيه الوهابية فهو اقتدائهم بالسلف الصالح ومحاولة إعادة تجسيد حياة السابقين والتهجم العنيف على كل ما هو صوفي أو ابتداعي أو متطور مواكب للعصر، غير أن السلفية كان منهجهم في ذلك هو الإقناع والحجج أكثر من الوهابيين الذين كانوا يشجعون على العنف.

الأمر الذي جعل هؤلاء ينشئون منظمة رابطة العالم الإسلامي الذي جمعت الوهابيين مع السلفيين برئاسة أحد أحفاد محمد بن عبد الوهاب، وانضمام أعضاء أمثال حسن البنا وزوج ابنة مؤسس حركة الإخوان وكذلك “حركة “ جماعة إسلامي” الباكستانية، وكان دور هذه المنظمة هو افتتاح مكاتب في جميع أنحاء العالم والتصدي لكل شيء لا يوافق تعاليمهم عن طريق نشر الكتب والمنشورات والملصقات باللغة العربية والإنجليزية، كما قامت عدة منظمات وهابية وفيديراليات في الولايات المتحدة الأمريكية في نشر مؤلفات محمد بن عبد الوهاب، والمجلات مثل مجلة الجمعة، كل هذا تحت شرفة الملك فيصل حامي الإسلام كما أطلق عليه.

تم استغلال الحرب في البوسنة لاستقطاب البوسنيين وتم تخريب عدة أماكن مثل جامع مدينة سراييفو حيث تم إزالة كل ما من شأنه أن يظهر الجمال العمراني فيه كما تم بناء مسجد جديد وتأثييه، و من سخرية القدر كان حتى سجاد المسجد مكتوبًا عليه باللغة العربية والبوسنية معًا جملة تعبر عن الإطراء على السعودية وصنيعها (هدية من المملكة العربية السعودية).

أما العلاقة مع طالبان فقد بدأت منذ سنة 1995م أي تم عقد أواصر الصداقة بينهم من أول رحلة صيد بتنظيم باكستاني مع أمراء سعوديين وهناك بدأ الثناء على طالبان والتودد لهم نتيجة لتطبيقهم الشريعة الاسلامية في أفغانستان كما يجب، فكان من جملة ما فعلت طالبان إلى جانب مجازرها في منطقة باميان من قتل واستعباد لنساءها، أن منعت توافه الأمور ومتع الإنسان مثل الطائرات الورقية والموسيقى والأفلام وفرضت صلاة الجماعة وتقييد المظهر العام للشخص كما حصل اضطهاد للنساء وحرمانهن من عدة مزايا في المجتمع. عند سقوط طالبان أبدى شيوخ الوهابية تذمرًا من ذلك وتحسرًا في عدة بيانات تم نشرها على يدهم.

وكما رأى القس جيري فالوليل أن أحداث 11 سبتمبر 2001م ما هي إلا انتقام إلهي على انحلال المجتمع الأمريكي فقد رأته الوهابية كذلك وسعدت به، ما زاد الطين بلة وأحدث الأمر شرخًا بين المسلمين والغرب الذين رأوا في جميع المسلمين التشدد الوهابي و الإرهاب.
في سنة 1979 بدأت العلاقة الوهابية السعودية تترهل حين اقتحم جهيمان العتيبي المسجد الحرام (هجوم مسلح دام أيامًا عديدةً قتل فيه كثير من زوار بيت الله) قبل أن يتم إحباطه بعد أيام بدخول الفرنسيين بفرقهم العسكرية عن طريق فتوى سمحت لهم ذلك.

إن حرب الخليج وطلوع شمس الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقة السعودية بها قد أرخى حبل الوهابية مع السعودية خوفا من النتائج التي ستصدر عن الاحتكاك بالحضارة الأمريكية الحديثة المنافية لتعاليم الوهابية، فكان من جملة ما حدث الهجوم على هذه التطورات من شيوخ مدرسة محمد بن عبد الوهاب، فهاجم سلمان بن فهد العودة قيادة بعض النساء المجندات للسيارة ودعى إلى طرد الشيعة من البلاد والتمسك بالوهابية أكثر من ذلك، غير أنه لم يكن أسوأ من شيخ آخر دعى بفتوى إلى قتل الإخوة الشيعة، الأمر الذي جعل السعودية ترضخ لضغطهم فتمارس التنكيل والقتل بعدد من الشيعة مع تخريب مساجدهم حتى يكف أذى الوهابيين عن الدولة.

لقد وصف العثمانيون قبل سقوط خلافتهم بأن الوهابية مجرد حركات مثل الخوارج أما آخرون فقد تم توصيفهم بالقرامطة، وأرجو أن يُسمح لي (كاتبة المقال) بوضع توصيف أكثر حزمًا من ذلك من الناحية السياسية وتشبيه الوهابيين بالصدوقيين، تلك الطائفة اليهودية التي كانت ملاصقة للهيكل وجل أعضائها من مستشاري الكهنة والنافذين في أورشليم، لقد تميز الصدوقيون برفضهم عدة أمور أساسية في المعتقد اليهودي كما أنهم لم يتركوا أي تقليد كتابي عن مضامين اتجاههم وانتهوا بنهاية تدمير الهيكل واجتثاثهم من جذور السلطة، غير أن الوهابية -ورغم اعتمادها على المعبد السعودي وسطحية تقليدها الفكري الكتابي- كانت أكثر حظًا في ذلك، لأنها استطاعت أن ترمي بنفسها في عدة مناطق بالعالم، الشيء الذي جعلها أقوى حتى عند تدهور علاقاتها السياسية، لكن السؤال يبقى يتردد دوما، هل نجحت الوهابية في مساعيها بعالمنا العربي وما بعده؟.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: سارة عمري

تدقيق لغوي: رنا داود

اترك تعليقا