تفسير هوامات الثالوث الأوديبي والعصاب الطفلي

«التحليلُ النفسيُّ هو تاريخ عقدة أوديب، وتاريخ عُقْدَة أوديب هو تاريخ العائلة.»

عندما يُفكِّر معظم الناس بالمعالجين النفسيين، فإنَّ ما يخطرُ ببالِهم هو صورة فرويد وهوَ جالسٌ بهدوءٍ يراقب ويدخِّن سيجارةً في الوقت الذي يكون المريض فيهِ مستلقيًا على السرير ويتحدَّثُ عن أمِّه. قليلٌ هم العلماء الذين كانوا مؤثِّرين أو تعرَّضوا للشجب على نطاقٍ واسعٍ كما كان حال فرويد.

لقد خضعت نظریَّات فرويد، في الحبِّ واللغة والرغبة البشريَّة والموت، للدراسة في جميع أنحاء العالم وتمَّ تطبيقها في مجالاتٍ علميَّةٍ تراوحت من علم النفس إلى علم الأقوام إلى نظريَّة الأدب. ومع ذلك، كلَّما خضعت أعمال فرويد للدراسة ثارت مناظراتٌ حاميةٌ حولها. لقد انتُقِدَ التحليل النفسيّ، لكونهِ خطيرًا خطرًا يفوقُ التحمُّل. لقد أرعبت كتاباتهِ عن الجنسيَّة الطفليَّة وغريزة الموت كثيرًا مِنَ النُقَّاد. لقد كان فروید مُذنبًا في نظرِ النُقَّاد بسبب تقديم إدِّعاءاتٍ غامضةٍ لا يُمكن إثباتها علميًّا، وبسبب التأكيد على أنَّ دافع الجنس هو فوق جميع الدوافع البشرية الأخرى، وبسبب استخدام خبرتهِ الشخصيَّة على أنَّها النموذج القدوة للنموِّ النفسيِّ عند البشر.

بعض هذه الاتهامات صحيحٌ وبعضها الآخر يمثِّل سوء فهمٍ لكلٍّ من النظريَّة والإنسان، إلَّا أنَّ فرويد لم يحلم ببساطةٍ بالتحليل النفسيِّ بعد قراءة عددٍ هائلٍ من الكتابات الرخيصة. لقد كان عالمًا مدرَّبًا تدريبًا محترفًا، اعتمدت دراسته عن المرض العقليِّ على مبانٍ لنظريات علم الأحياء التي كانت مقبولةً على نطاقٍ واسعٍ في القرن التاسع عشر. وأهمُّ من ذلك؛ ليس هناك عقيدةٌ فرويديَّةٌ ثابتة، حيثُ تطوَّرت أفكار فرويد عبر سنين حياته وظلَّ يُنقِّح في نظريَّاته حتَّى مماته. كما قام أتباعه بمراجعة وتوسيع أعماله ولا يزالون يفعلون ذلك حتَّى هذا اليوم.

إنَّ التحليل النفسيَّ يجرحُ مجدَّدًا المشاعر الأكثر قداسةً لدى الإنسان، ولا بدَّ له، في مقابل ما زرعهُ، أن يَحصد اللامبالاة والمناقضات والاتهامات. لقد كان هذا حظُّه بالفعل، فليس هناك ما أساء إلى سُمعةِ التحليل النفسيِّ لدى معاصريهِ أكثر من نظريَّة عقدة أوديب ومن رفع هذهِ الأخيرة إلى مرتبة نهجٍ للوجود الإنسانيِّ شاملٍ ولازم. لقد كانت الأسطورةُ الإغريقيَّة لأوديب صاحبةَ المعنى نفسه الذي قامت عليه النظريَّة. إلَّا أن غالبية الناس اليوم، سواءً كانوا مثقفين أم لا، يُفضِّلون الاعتقاد بأنَّ الطبيعة طبعتنا برعبٍ مبدئيٍّ من سِفاح القُربَى کحمايةٍ من هذا الأخير. لكن وفقًا للتحليل النفسيِّ فإنَّ كلَّ الكائنات الإنسانيَّة تكون خاضعةً لاستيهام سِفَاح القُربى.

إعلان

نشأة العُصاب الصدميّ

أعتقد فرويد بأنَّ صفة الشخصيَّة المميّزة تتكوَّن في الطفولة جرَّاء طبيعة التعامل أو التفاعل بين الطفل ووالديه. يحاول الطفل أن يحصل على الحدِّ الأعلى من اللذة عن طريق إشباع طلبات الهُوَ بينما يحاول الوالدان (كممثِّلين للمجتمع) أن يفرضوا متطلَّبات الواقع، وقيوده الأخلاقيَّة. اعتبر فرويد خبرات الطفولة مهمَّةً إلى حدِّ أنَّه أعتقد بأنَّ شخصيَّة الراشد تكون قد تقَولَبت وتبلورت بشكلٍ صريحٍ عندما يصل الطفل إلى الخامسة من العمر، ومِمَّا أقنعهُ بأهميَّة تلكَ السنوات الأولى تلك الذكريات التي كشفَ عنها مرضاهُ الكبار بدون تغييرٍ وبشكلٍ مستمرّ؛ حينما كان يستلقي هؤلاء المرضى على سرير التحليل النفسيِّ راجعين بعيدًا إلى أيَّام الطفولة. ويمكن اعتبار مُسَلَّمة فرويد الأساسيَّة: هي أنَّ الأعصبة النفسيَّة للراشد تَجدُ جذورها في الصعوبات التيّ يَختبرها على مستوى النموِّ الجنسيِّ الطفليّ. إنَّ التاريخ الطفليَّ للفرد يُحدِّد مدى استقرار الشخصيَّة في مرحلة الرُشد، أي يُحدِّد كميَّة الصراعات الكامنة التي يُمكن أن تبتعث، وبقدرِ ما تتعاظم المكبوتات؛ تتعاظم الفرصة للآثار الصَدميَّة.

«إنَّ الرغبة في الموضوع يُمكن أن تُخلَقَ من قَمعه.»

المحطة الأوديبيّة

مِن منظورِ التحليل النفسي؛ فإنَّ العُقدة هي مجموعٌ منظَّمٌ من تمثُّلاتٍ وتوظيفاتٍ لاواعية، تشكَّلت انطلاقًا من الاستيهامات والعلاقات البين-ذاتية، حيث يحتلُّ الشخص مكانًا بوصفهِ ذاتًا راغبةً في علاقةٍ بذواتٍ أخرى راغبة، وهو ما يجعل من التعقُّد والصراع خاصّيتين من خصائص العُقدة.

يواجه الأطفال صراعًا تطوريًّا في كلِّ مرحلةٍ من مراحل نظريَّة فرويد للتطوِّر النفسيِّ الجنسيّ، يجب حلُّه من أجل تكوين شخصيَّةٍ بالغةٍ صحيَّة، ومن أجل التطوِّر إلى شخصٍ بالغٍ سويٍّ يتمتعُ بهويَّةٍ صحيَّة، يجب أن يتعرَّف الطفل على الوالد من نفس الجنس من أجل حلِّ الصراع في المرحلة القضيبيَّة.

تنبثق المحطة الأوديبيَّة من بين ثلاثِ سنواتٍ إلى ستِّ سنواتٍ وتتميَّز برغبة الطفل في الاستئثار بأمِّه، لكنَّه يصطدم بواقع أنَّها ملكٌ لأبيه، ممَّا يجعل الطفل في هذه المرحلة من تطوّره التي تمتدُّ من السنِّ الثالثة إلى التاسعة يحملُ شعورًا متناقضًا تجاه أبيه: يَبغضه ويحبُّه في آنٍ واحدٍ جرَّاء المشاعر الإيجابيَّة التي يشمل بها الأب أبنه. تجد عقدة أوديب حلَّها عادةً في تماهي الطفل مع أبيه، لأنَّ الطفل لا يستطيع أن يقاوم الاب وقوَّته لذلك يمتصُّ قوانين الأب، وهنا تَمثُل عادات وأفكار وقوانين الأب في قالبٍ فكريٍّ لدى الطفل.

يرى فرويد أنَّ السمات الأساسيَّة لشخصيَّة الطفل تتحدَّد في هذه الفترة بالذات التي تشكِّل جسرَ مرورٍ للصغير من طور الطبيعة إلى الثقافة، لأنَّه بتعذُّر امتلاكه الأمّ يكتشف أحد مكوِّنات القانون متمثِّلًا في قاعدة مَنع سِفَاح القُربى.

“يتعلَّم الطفل ما هي القوَّة المستقلَّة عن نفسه عندما يمرُّ عبر عقدة أوديب، ويواجه وجود نظامٍ رمزيٍّ مستقلٍّ عن نفسه.”

نستطيع أن نقول بأنَّ عُقدة أوديب تتركَّز على الغيرة والاشتهاء، في نظرِ كلاين، الغيرة تتأسَّس على الاشتهاء، لكنَّها تختلف عنه؛ ذلك لأنَّ النواة الأساس للغيرة ليست بأن أكون كما يكون الآخر، بل أن أمتلك ما يمتلكهُ الآخر؛ أمَّا الطمع فهو في نظرها ما هو غير قابلٍ للإشباع، لأنَّه رغبةٌ تتجاوز ما تحتاجهُ الذات.

لكن الفكرة الأساس التي تؤكِّدها كلاين بخصوص الاشتهاء هي أنَّ هذا الاشتهاء هو غير الغيرة أو الطمع، لأنَّ نواتهُ هي: أريد أن أمتلك ما يمتلكه الآخر لكي أكون ما هوَ عليه؛ وبهذا المعنى، فإن الاشتهاء هو من المكوِّنات الكبرى للتماهي الإسقاطي: أن أكون ما يكونه الآخر، وإلا فلا بُدَّ من تدميره. لذلك يتماهى الطفل في مرحلةِ لاحقة مع أبيه بعد أن كان بمثابة العدو. إن ذلك الجمع الخاص بين الاستدماج والإسقاط والذي يسمِّيه التحليل النفسيُّ التماهي مع المُعتدي. يُمكن أن يُعد سويًّا ما دام الأنا لا يلجأ إلى استخدامه إلَّا ضدَّ الأشخاص الذين لهم بعض السلطان عليه، أي ضمن نطاق وجوده لمواجهة موضوعات حصرِه.

المحطَّة الأوديبيَّة؛ هي محطَّةٌ تتميَّز بعلاقتها الثنائيَّة بين الطفل والأم، وهي كذلك تنظيمٌ نفسيٌّ داخليٌّ في صورةِ ثالوث؛ يكملهُ الأب المُنافس. إنَّ المثلث الأوديبيّ مثلثٌ متساوي الساقين، قاعدتهُ الأمّ، وساقاه الأب والأبن، وما يساوي بينهما هو معاناتهما المشتركة من اضطهاد القاعدة.

“مع تَقدُّم دراسات التحليل النفسيّ؛ أصبحت أهميَّة عُقدة أوديب واضحةً أكثر فأكثر. أصبح التعرُّف عليها هو الشعار الذي يُميُّز أتباع التحليل النفسيّ عن خصومه.”

سيغموند فرويد

تَجسُّد عقدة أوديب

إذا لم يتمّ تجاوز عقدة أوديب بشكلٍ صحيٍّ فأنها تعود لتتجلَّى في حياةِ الراشد بتمظهراتٍ عِدة، مثال على ذلك:

حين يكون موضوع حبُّ هؤلاء الرجال العُصابيين؛ زوجة رجلٍ آخر، وبالتالي يغرم هؤلاء الرجال بسهولة بالنساء المتزوجات أو هم يغرمون بالآنسات اللواتي هُنَّ على وشكِ الارتباط برجلٍ آخر. يقول فروید: إنَّ هذا الشرط يتَّضح من تلقاءِ نفسه «بمثابةِ حالة غرام بالأم». أقلُّ ما يمكن قوله بصددِ هذه الملاحظة المقتضبة بأنَّها تستدعي المزيد من التوسُّع في العرض. يصف فروید، في مقالته، هذا الإرغام الغرامي وكأنه يدور حول مسألة الطرف الثالث المجروح. بإمكان هذا الإرغام أن يمتزج بسهولةٍ مع نَزعةٍ ساديَّةٍ عند رجلٍ ما، حتىّ لو أنَّ واقعة إشباعها لا يمكن اعتبارها تلقائيًّا بمثابةِ انتصارٍ سادي. إذًا موضوع رغبتهم يتحدَّد من خلال انتمائه إلى طرفٍ ثالثٍ وهو الزوج، وهكذا تستيقظ رغبة الطفولة المُبكِّرة لأنَّه يتمسَّك باستعادة ذلك الفقدان الطفليِّ غير المشبَّع تجاه الأم.

وتتمثَّل السمة الثانية لهذا المثال في كون هؤلاء الرجال أوفياء جدًا للنساء اللائي أُغرموا بهنّ، ولا يستطيعون الانفصال عنهنَّ إلا بصعوبةٍ بالغةٍ حتَّى لو نزعوا إلى تكرار التجربة التي مرُّوا بها مع المرأة الأولى مع امرأةٍ ثانية، بحيث يُكوِّنون سلسلة علاقات، ما يتعارض بجلاءٍ مع الوفاء. إلَّا أنَّ هذا التناقض يصير إلى صعيدٍ آخر؛ بمعنى أنَّ هؤلاء النسوة قابلاتٌ للإبدال الواحدة منهُنَّ بالأخرى، إلى حدٍّ يصبحن فيه في الواقع متطابقات. ولكن متطابقاتٌ في ماذا؟ يجيب فرويد على ذلك قائلًا: «يتطابق الوفاء الكبير مع المعنى الكبير للأم، ومع التعلُّق بها». من المستحيل أن لا يجري التساؤل في هذا المقام عن هذا المعنى الكبير للأم. ولكن فلنقتصر الآن على عرض بقيَّة أقوال فرويد، حيث يكتب: «يمكننا أن نتبيَّن بقدرٍ من الانتظام عند هؤلاء الأشخاص هوامَ الزواج. وبالتأكيد هم لن يتزوَّجوا بسهولة، إلَّا أنَّهم عندما يُغرَمون، يكون هوام الزواج حاضرًا على الدوام، بصدد نساءٍ لا يستطيعون الزواج منهنّ. تكشف أحلام وهوامات هؤلاء الأشخاص عن سنواتهم عندما كانوا صبيةً صغارًا، ما يعني، في نهاية المطاف وعلى الدوام: الزواج». أمَّا في ما يتعلَّق بتکوین سلسلة النساء، فإنَّه يعود إلى توقُّع العثور في التي تلي على الإشباع الذي كان ينقص الواحد منهم عند من سبقتها.

أمَّا السمة الثالثة من سماتِ بلورتنا الأوديبيَّة فهي تلك التي تبدو لفرويد الأكثر إثارةً للاهتمام والأكثر غموضًا في آنٍ واحدٍ نظرًا للتعارض الذي تبديه مع صورة الأم. يرجع فرويد هنا في الواقع إلى شكلٍ من الانفصال الذي سوف يعود إليه لاحقًا، في العام ١٩١٢، في عمله “اعتباراتٌ حول أكثر أشكال التحقير في الحياة الغراميَّة شيوعًا.” ويعني بذلك الفصل ما بين الحُبِّ النفسيِّ والحُبِّ الشهوانيّ. إذ غالبًا ما يلاحَظ لدى الشباب أنَّ شهوانيَّتهم، عندما تبلغ درجةً واضحةً من القوَّة، فإنَّها تحيد عن هدفها الأساسيّ، بمعنى أنَّها تقع تحت وطأة خطر مقاربة النساء اللائي يكنُّ لهنَّ هؤلاء الشباب احترامًا كبيرًا. لذلك فهم لا يقيمون علاقات جنسيَّة إلا مع نساءٍ وضيعات، كي لا تنقلب صورة قداسة الأمومة إلى صورة مومس. يوفِّر هذا النوع من النساء ميزة إجراء تسويةٍ تسمح بإعادة توحيد الميول التي وُسِمَت. «الانشطار الأصليُّ في الحياةِ الغرامية يكون فيه موضوع الحب هو امرأةٌ جديرةٌ بالاحترام، ومومس معًا».

زوال عقدة أوديب تحت سطوة خوف الخصاء

يستدعي فرويد، في مقالة عام ١٩٢٤ بعنوان «زوال عقدة أوديب»، مفهومًا أوَّل يذهب إلى أنَّ «عقدة أوديب تتلاشى نظرًا لفشلها الناتج من استحالتها الداخلية» وهي إمكانيَّةٌ غير قابلةٍ للتحمُّل؛ إذ أنَّ الأوديب يتطابق تحديدًا مع ظهور الرغبة الجنسيَّة الفعليَّة، في لحظةٍ تسبق النضج العضويَّ الذي يتوقف عليه إشباعها. يوضِّح مفهومٌ آخر أنَّ انحلال عقدة أوديب هو شيءٌ مبرمَجٌ من الطبيعة «تمامًا على غرار أسنان الحليب التي تسقط عندما تنمو الأسنان الدائمة». وأنَّ لحظر سِفاح القُربى دورًا كبيرًا في هذا المجال.

إلَّا أنَّه يتعيَّن علينا التروِّي. فعقدة أوديب تتضمَّن إمكانيَّتين للإشباع؛ إحداهما نشطةٌ تجعل الصبيَّ يرغب، على الصعيد الذكَريّ، في أن يحل محلَّ الأب ويتعاطى جنسيًّا مع أمِّه. عندها يبدو الأب بمثابة عائق. ولكن ابتداءً من اللحظة التي يُصبح فيها تهديد الخصاء قابلًا للتصوِّر؛ يتعرض هذا الأب لتحوّلٍ عميقٍ داخل الطفل، إذ لا يبقى ذلك المنافس الذي ينتقم، حتَّى لو اتَّخذ هذا الانتقام طابع الخصاء، وإنَّما يصبح الأب الذي يُعاقب. ويتابع فروید قائلًا: إنَّه تحت شعار العقاب يتسبَّب الإشباع النشط بالخصاء بمثابة نتيجةٍ مترتِّبة. بالتالي تتلاشى عُقدة أوديب عند الصبيِّ تحت تأثير عُقدة الخصاء وفقًا لفرويد.

في المحصِّلة ينصرف الطفل عن موضوعاته المحرَّمة كي ينقذ عضوه الذكريّ. يعني بالتالي أنَّ الصبي عندما يُخيَّر بين موضوعات رغبته المحرَّمة وعضوه الذكريّ؛ يختار عضوه الذكريّ. ولكن كي ننصف فكر فروید لابدَّ من التعامل عن قربٍ مع التفسيرات الأكثر توسُّعًا التي يعطيها عن الكيفيَّة التي يحدث فيها هذا الانصراف. يعود فروید إلى الأفكار التي طوَّرها في كتابه الأنا والهُوَ والقائلة بأنَّ توظيفات الموضوع سوف تُهجَر كي تحلَّ تماهياتٌ بالوالدين محلَّها. فسُلطة الأب أو الوالدين التي يجري اجتيافها في الأنا سوف تتكون فيه نواة الأنا الأعلى، الذي يستمدُّ من الأب صرامته، ويديم حظره للمحارم، ويضمن بذلك حماية الأنا ضدَّ العودة للتوظيف اللبيدي للموضوع.

«من الممكن أن يكون الأوديب قد انتظم بشكلٍ صحيحٍ وفي الفترة المناسبة؛ عند بعض الأشخاص. كما من الممكن أن يكون قد جرى الشغل عليه، وتعديله، وحتَّى الوعي به عند بعضهم الآخر. ولكنَّه لن يصل في أحسن الأحوال إلى أبعد من ترتيبه بدرجاتٍ متفاوتةٍ كي يندمج في الحياة اليومية بدون إحداث الكثير من الأضرار. إلا أنَّه لن يُحلَّ أبدًا، كما لا يمكن تجاوزه أبدًا، حتَّى ولا عند المحلِّلين النفسيين المشهود لهم. إذ كان لاكان يقول في جلساته الخاصَّة بأنَّه لم يكن متأكدًا من أنّّ فرويد قد أسدى خدمةً كُبرى للتحليل النفسيِّ من خلال تشاركه مع الآخرين في هذا المفهوم» ألدو ناوري

وفقًا لفرويد تستبطن الأسرة أوديب ويستبطنها. التحليل النفسيُّ المثاليُّ لا يؤدِّي إلَّا إلى أوديب، إلى الخصاء، إلى الرغباتِ القمعيَّة المحقونة في اللاوعي. ولكن كما يقول فوكو ناقدًا: إنَّ التحليل النفسيَّ ظلَّ أصمًّا إزاء أصوات الجنون. ذلك لأنَّه اختزل مصانع اللاوعي في مشهدٍ مسرحيٍّ مثل مشهد أوديب وهاملت؛ اختزال الاستثمارات الاجتماعيَّة لليبيدو في استثماراتٍ أُسَريَّةٍ وتطبيق الرغبة على إحداثيَّاتٍ أُسَريَّة، ذلك وفقًا لغيل دولوز في كتابهِ الموسوم “أوديب مُضادّ”.

  • هوامش:
  • ١.عُقدة أوديب في الرواية العربيَّة/ جورج طرابيشي
  • ٣.مدخل إلى التحليل النفسي/ سيغموند فرويد
  • ٤.سيغموند فرويد مكتشف اللاشعور/ مارغريت ماكنهوبت
  • ٥.الدين والتحليل النفسي/ ايريك فروم
  • ٦.في التفسير, محاولة في فرويد/ بول ريكور
  • ٧. أوديب مضادّ/ جيل دولوز وفليكس غواتاري

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: فرح علي

تدقيق لغوي: عبير الششتاوي

تحرير/تنسيق: خالد عبود

اترك تعليقا