مراجعة مسلسل messiah ، ماذا لو عاد المسيح في القرن الواحد و العشرين ؟

مسلسل المسيح عملي فنِّي من إنتاج  نتفليكس وتأليف مايكل بتروني، يجمع عدَّة ممثلين من جنسيات مختلفة قام بدور بطولته الممثل البلجيكي مهدي دهبي الذي تقمَّص شخصية المسيح مع الأمريكيَّة ميشيل موناغان بدور بطلته وإيفا، وتومر سيسلي وجون أورتيز بدوري أفيرام وفيليكس .
عُرض المسلسل بداية من 1 يناير 2020 حيث حصل على تقييم 6.3 على IMDb وقد اتسَّم تقييم الجمهور على مواقع التواصل بالسلبية بالإضافة إلى تعرِّض المسلسل لحملات شرسة على كافة المنصات كونه سلَّط الضوء على شخصية حساسة ومهمة في الديانتين المسيحية والإسلام.

قد يبدو مسلسل نتفليكس بداية من التريلر الخاص به الذي حصل على تقييم 7.7 أن شخصية المسيح -من دون شك- هي واحدة من بين هذه الاحتمالات الأربعة التالية:
عدو المسيح (المسيح الدجال ٫ antichrist)، أو أحد الأنبياء الكذبة الذين حذّر المسيح منهم.
رجل إرهابي يقوم بجمع أكبر عدد من الناس من أجل القيام بغارات أو أعمال شغب في إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
متمرد مدعوم سياسيًا ومدِّعي يقود جيشًا من سوريا نحو أمريكا لحمايته أملًا في تعريف العالم بأفكاره المناهضة للنظام العالمي.
مريض نفسي متوهِّم يظن نفسه المخلِّص.

لكن وعلى عكس ما يتراءى لنا، فسرعان ما يجد المشاهد الذي تابع مسلسل المسيح نفسه متخبِّطًا بين مشاهده وفي كل تفصيلة، فتارة يظن أنَّ البطل هو المسيح الحق على عكس التوقُّعات من خلال الكوارث الطبيعية التي تحدث عند ظهوره وتنفيذه أمورًا إعجازية معينة كإعادة إحيائه الفتى الفلسطيني، بالإضافة إلى مشيه على الماء، أو حكمته المزعومة، وربما في نفس الاحتمال، قد يكون رجل سلام يجاهد في دعوة الناس من أجل تبنِّي موقفه دون تمييز.

لكن من جهة أخرى، فإنَّ هذه الشخصية قد تبدو مدَّعية وكاذبة أو متوهمة وهذا ما نصطدم به حين نرى المسيح يقتل أحد الكلاب المحتضرة دون رحمة بالإضافة إلى عدم رغبته أو عدم استطاعته ربما بمعالجة فتاة مصابة بالسرطان، أو كشف الاستخبارات الأمريكية حقيقة حياته؛ فنحن نعلم مثلًا من بياناته أنه رجل إيراني يُدعَى إيام غوتشيري اعتاد على تعلَّم ألعاب الخفة والسحر منذ صغره على يد عمه الذي كان يؤدي عروضًا للجماهير، ناهيك عن تأثُّره بأحد المتمرِّدين الحاملين لنظرية سياسية وأنثروبولوجية تهاجم فيها سياسة أمريكا.

أما المثير للاهتمام فقد كان مشهد ختام مسلسل المسيح الذي جعل نهايته مفتوحة ما يجعلنا نعتقد أنه ما هو إلا مخلِّص حقيقي مظلوم فتتراود إلى أذهاننا تبريرات بشأن ما فعله، فقتل الكلب كان مقدرًا له منذ البداية كما كان إنقاذه لحياة الفتى الفلسطيني مقدَّرًا وتجنب معالجة الفتاة أيضًا أما حياته المليئة بالألعاب السحرية فيمكن أن تكون صدفة باطنها رسالة ساخرة أو تأكيداً بأنَّ المخلص بوسعه أن يكون أي شخص بالتجسَّد حتى لاعب خفة من دون أن يكون في ذلك يد بمعجزاته التي تختص بالألوهة أو النبوة أو العكس تمامًا، كما يمكن له أن يكون متأثِّرًا حتى بكتب أحد الأشخاص الأقل منه منزلة مهما كان فالمسيح هو ناسوت أيضًا.

إعلان

على صعيد آخر، فإن هوليوود أو ديزني أو أي جهة سنيمائية وفنيّة قد عرفوا بتبنيهم الاستشراق المتطرف الذي غالبًا ما صوّر البلدان المشرقية والاسلامية على أنها بلدان تتفنن في مظاهر التخلف والانحطاط اقتصاديًا وأخلاقيًا وقد نجحت نتفليكس في هذه الرؤية الاستشراقية النمطيّة حين قامت بوضع رجل مغربي من تنظيم الدولة الإسلامية يجتذب المراهقين لفكره، أو أثناء نهاية الفيلم حين تم تصوير تحطم الطائرة في صحراء مغربية ليس بعيدًا عن أطفال رعاة يتعلمون دروسًا باللغة الفرنسية بوسائل تكنولوجية متاحة لهم، هذا التناقض أيضًا ما بين الانعزال والتكنولوجيا والتعليم في بلدان العالم الثالث. لكن لعل أهم ما يميز المشهد الأخير الخلاب هو حقل الأزهار المبهر الذي وقعت فيه الطائرة بالصحراء وصورة المسيح وهو واقف فيه في آخر لقطة واضعًا يده على أحد الرجال الذين أعادهم للحياة بينما يحدق إليه أحد الإسرائيليين الذي كان يستميت في إهانته قبل الحادث، الشيء الذي يجسُّد أيقونة ترمز ربما إلى الفردوس أو الملكوت ومنزلة المسيح وسط القفر والصحاري مهمتها في المقام الأول جمالية ودينية لتؤثر في المشاهد.

السياسّة :

يتناول المسلسل عدَّة أبعاد أولها البعد السياسي فهو يظهر العلاقة القوية بين إسرائيل وأمريكا وفي نفس الوقت العداء المبطن بينهما والمنفعة الدولية كذلك في تعاونهما المشترك. أما أحد شخصيات المسلسل المراهقة المؤيدة للمسيح باسم جبريل فيتم استغلاله من قبل بعض الأشخاص لجعله محرك من أجل دغدغة بعض مشاعر الشعب الفلسطيني نحو أمور سياسية وتاريخية حول قضيتهم رغم صغر سنه فكان الأمر استغلال مراهق غير عالم بما يحدث نتيجته تفجير داخل أحد المساجد خلال كلمة ألقاها بعدما تم تحفيظها له من دون معرفته حتى القراءة لكن من جهة أخرى يتم استغلال صديقه سمير من داعشي مغربي قاطن في المشرق بعد أن انفصل عنه بعد رحلة صداقة طويلة.

الدين :

على صعيد الصراع الديني، لا ندري حقًا إذا كان هذا المسيح هو مسيح القرآن أو مسيح المسيحية أو مسيح الأديان الإبراهيمية والأمم جميعًا أم مجرد شخص يطلب السلام للجميع باسمه إذ استشهد المسلسل بالقرآن والكتاب المقدس معًا والمسيح يجتذب أتباعًا مسلمين ناحيته ثم أتباعًا مسيحيين على رأسهم قس لينتهي بهم الأمر إلى أزمات نفسية بعد معرفته لكن النتيجة هي أن كل شخص يتعرف عليه ما يلبث أن تتغير حياته للاسوأ أو الأفضل لكن يبدو أن كل شخص مسيحي سيتعامل معه على أساس مسيح المسيحية أما المسلم فسوف يراه النبي عيسى لكن من نظرة موضوعية بعيدًا عن ذلك فربما يكون مسيحًا للجميع و لا يهم لو كان مجرد نبي أو رجل سلام أو إله.

المجتمع :

أما اجتماعيًا، فإن المسلسل قد طرح اختلافات متنوِّعة بين فئات المجتمع فهو يمثِّل كافة أطيافه وطريقة مواجهة مسيحهم فأنت تجد مسلمين يتأثرون به ومسلمين يكفِّرونه، تجد مسيحيين يتبعونه ويصلُّون مستعدين للقيامة ثم تجد البعض يستهزئ به أو متهورين يقومون بأعمال تخريبية ضده وحتى بعض رجال الإعلام المستغلين لقصته تحت سلطان المال. أشخاص مرضى لديهم أمل فيه وبائسين يرونه طوق نجاة، فضوليون يتوقون لرؤيته. أنت ترى في المسلسل علمانيين، متشددين، هيبيز، ألفيين حاضرون في سبيل معرفته.

اللادينية :

-للمسلسل بعدٌ لاديني وديني أيضًا، ففيه شخصيات ملحدة مثل الإسرائيلي فيرام الذي يواصل اللحاق به من دون سبب مع أحد موظَّفات الاستخبارات المدعوة إيفا وبالمقابل تتركَّز لنا على الواجهة شخصيات متخبِّطة ومشكِّكة في إيمانها كحالة القس فيليكس الذي وصل الى أقصى حالات اليأس من الإيمان والذي سرعان ما تحول إلى إيمان توماوي عند لقاءه المسيح (استعرتها من توما الذي شكك التلاميذ في أن يكون المسيح هو نفسه عاد حتى لمس آثار الثقب في يده والحربة في جنبه).

المرأة :

يمتلك المسلسل أبعادًا نسوية وأمومية فالمسيح يبدو عليه من أحد المشاهد أنه مؤيد للمساواة بين الجنسين ومناهض للتمييز الجنسي وكذلك في قصته مع أحد فتيات الليل الذي يظهر فيها صاحب نظرة راديكالية حول هذه المهنة التي يراها مقيتة وفظيعة للروح البشرية والمرأة بشكل عام بغض النظر عن حريتها الشكلية في اتخاذ قرارها، كما أنَّ أحد شخصيات المسلسل الرئيسية المهمة يسلَّط عليها الضوء باعتبارها امرأة ناجحة قوية غير أنها تشكو من مشاكل في حياتها مع والدها وإجهاضاتها المتكرِّرة مع وفاة زوجها مما يجعل القصة تتناول موضوع المرأة وصراعها في الحياة ما بين عملها وأسرتها وكونها أنثى.

المثلية :

أما يبدو مثيرًا للاهتمام في المسلسل هو الجانب المثلي الذي ظهر بصورة غير مباشرة واستثنائية. فويل أحد الشخصيات الذي يعمل لصالح السلطات ويتعاون مع الاستخبارات، سرعان ما تُعجَب به ميشال موناغمان التي تلعب دور إيفا غير أن ويل يرفض من دون تردّد محاولاتها في التقرُّب منه والتودُّد إليه فتظهر في النهاية ميوله المثلية عند عودته لحبيبه الذي تجمع بينهما قصة حب تبدو أعمق، وقد نجح صناع المسلسل بجعلنا نشعر بحميمية وقوّة علاقتهما في مشهد واحد فقط.

مسلسل المسيح

الطبيعة والإقتصاد :

لا شك أن المسلسل جسَّد مشكلة اقتصادية وطبيعية تخص الولايات المتحدة الأمريكية عكس ما يظنه الكثيرون عن أنَّها جنة أرضية لا تشوبها شائبة فأحد المناطق الهامة في المسلسل وهي بلدة صغيرة تعد من بين أبسط إذا لم نقل أفقر الأماكن تحمل عدة مشاكل مادية تقض مضجعها ناهيك عن الأعاصير التي تعترضها وتمس أمان السكان ودور أحد الفتيات التي تعيش فيها وهي ريبيكا ابنة القس فيليكس التي تريد عيش حياة المدن والتطور بعيدًا عن هذا المكان أما فيما يخص بطل المسلسل فإن المشاهدين مضطرون على رؤية المسيح بدواعي تطور عصرنا واقتصاده وطرازه في الحياة بشكل آخر إذ قد نرى المخلص يرتدي سروال جينز أو سترة وفي مشهد آخر نراه جالسًا بملابس السجن في شكل غير معتاد على إنسان القرن الحادي والعشرين رؤيته بملابس تنتمي للقرن الأول ميلادي في مخيلته والأفلام.

التكنولوجيا و الإعلام :

ما يلفت الانتباه هو ما كشفه المسلسل حول دور مواقع التواصل الاجتماعي في احداث أمور بعيدة عن توقُّعاتنا ستحصل إذا ما عاد المسيح وقت وجودها وكيفية التعاطي مع شخصية مثله فصور المسيح وفيديوهاته تكتسح منصات التواصل من فيسبوك وانستغرام وتخلق البلبلة في أوساط المراهقين والشباب أما القنوات الإعلامية والجرائد فأقصى طموحاتها هي أن تفوز بلحظة أو سبق صحفي مع هذا الرجل الغريب لتحقيق مصالح رؤسائها وأفرادها.

الأخلاق :

إنَّه لمن الواضح ادراكنا اليوم  كم البعض منا منخدع بقيم التحضر والسلمية والأخلاق والدين حتى أحسنهم خلقًا فالطالب الجامعي المؤدَّب والخلوق في مسلسلنا هذا لا يجد مشكلة في ارتكابه لجريمة سرقة في أحد المتاجر التي تُكسَر على يد مجموعة لصوص، الأمر الذي يجعلنا نقف متأملين هذا البعد وهو الأخير حين نتذكَّر أحد أقوال الفيلسوف فريدريك نيتشه عن الإنسان الأوروبي الذي ينطبق على الإنسان المتحضر بشكل عام ومفاده أن المتحضِّر ليس كذلك بذاته ولذاته ولا حتى بمفعول تأثير جوهر أخلاقي ما؛ بل كنتيجة للقانون والقوة والردع فقط.

قد يعجبك أيضًا

“يتظاهر إنسان القطيع اليوم بأوروبا أنه النمط البشري الوحيد المسموح به ويمجِّد صفاته التي جعلته أليفًا ومسالمًا ومفيدًا للقطيع بوصفه الفضائل البشرية الحقيقية” ما وراء الخير والشر.

تساؤلات :

وكنهاية سنجد من الضروري طرح بعض الأسئلة التي تراود كل مشاهد تابع هذا العمل، بداية من التساؤل في قدرتنا يوماً ما على التخلي عن قيَّما الأخلاقية والعقد الاجتماعي أو الأوامر الرادعة لنا التي تروُّضنا عند انتشار الفوضى أو ظهور المسيح غير آبهين حتى إذا ما كان سيكون حقيقي أو نقيضه ونتجه للفساد وإشباع مصالحنا الخاصة؟ هل سنشكِّك به أو بحواسنا ونحن نراه رغم ذلك يمشي على الماء أو يلقينا في النار؟ وهل نتجاهل مجيء القيامة وننشغل فقط بأبنائنا وفرصتهم في الشفاء من الأمراض أو عملنا في الاستخبارات والإعلام واستخدام مواقع التواصل لملاحقة المسيح حتى لو كان على صواب سواء في نواياه أو طبيعته؟

من دون شك في ضوء معطيات ما تعيشه مجتمعاتنا فإننا على الأغلب سنتعامل مع أمور مثل هذه بما يتناسب مع دواعي عصرنا واختلافاتنا الفكرية والدينية والاجتماعية إلا في حال حدوث ثورة فكرية، وغربلة إنسان هذا القرن.

- شرح المفاهيم و المصطلحات : 
- أنثروبولوجية : من الأنثروبولوجيا و هو علم الإنسان ، حيث يعد من العلوم الإنسانية و قد كان فيما مضى جامعا لها .
- الإستشراق : هو دراسة بلدان المشرق ثقافيا و دينيا على يد شخصيات غربية لحد الوصول إلى حالة من الولع بها أدى الى هذه التسمية و قد بدأ عن طريق الإحتلال الغربي للمشرق .
- هيبيز : هي ظاهرة و حركة شبابية ظهرت في الستينات تتمرد على القيود الإجتماعية و الإقتصادية و تدعو للحب و السلام معروفين بعبارة " مارسوا الحب لا الحرب" ، يتميزون برموز وملابس وقصات شعر معينة مع ولعهم بالموسيقى والتنقل .
- ألفيّين : هم المسيحيين الذين ينتظرون عودة المسيح الثانية و الملك الألفي له و على الأغلب هذا الإعتقاد مشتق من جذور يهودية مسيانية
- راديكاليّة : القصد من ذلك هي النسوية الراديكالية التي تناهض بشدة الدعارة و الإباحيّة و تعتبرها أداة لإذلال المرأة و اضطهادها من المجتمع الأبوي

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: سارة عمري

تدقيق لغوي: جميل سليمان

تحرير/تنسيق: خالد عبود

الصورة: imdb

اترك تعليقا