كيرة والجن: عن الأبطال الذين يجب أن ينهزموا

أصبح فيلم (كيرة والجن) لمؤلِّفه أحمد مراد ومخرجه مروان حامد، هو أعلى فيلم مصري من حيث الإيرادات على مر العصور. -دون حساب معدل التضخم- الفيلم يحكي عن مجموعة من أبطال المقاومة المصرية ومواجهاتهم مع سلطات الاحتلال البريطاني في بدايات القرن العشرين.

على المستوى البصري فالفيلم جيد جدا؛ تصميمات المعارك أيضا كانت ربما هي الأفضل خلال تاريخ الأفلام المصرية. أما عن القصة فهذا أمر آخر.

مجموعة من ستة أشخاص؛ خمسة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء كانوا قادة المقاومة المصرية ضد الاحتلال، ومقرهم كان أسفل مقهى شهير في وسط البلد بالقاهرة.

يُحسَب للمؤلف أحمد مراد أن أربعة من هؤلاء الأبطال هم شخصيات حقيقية بالفعل. فأحمد حسن عبد الحي كيرة، وعبد القادر شحاتة (الشهير بالجن)، ودولت فهمى، وأيضا محمد نجيب الهلباوى. كلهم شخصيات واقعية بالفعل، وثلاثة منهم كانوا من ضمن أيقونات المقاومة المصرية وقتها.

لكن إن كان الأمر هكذا، لماذا إذاً لم تشتهر تلك الشخصيات بعد الفيلم؟ لماذا لم يصبحوا “تريند”؟ دعنا نصيغها بصورة أخرى؛ لماذا رأينا في الفيلم كريم عبد العزيز وأحمد عز وهند صبري وسيد رجب. بينما لم نتأثر بكيرة والجن ودولت والهلباوي (بالترتيب) ولم نتذكَّرهم بعد نزول كلمة النهاية؟

إعلان

دعنا نوسّع مقياس السؤال: متى يؤثر بنا أبطال الفيلم؟ ماذا إن وسّعنا المقياس لحدود أكبر؟ ومتى نتأثر بأي شخص؟ أو بأي شيء؟

التأثَّر هو شعور عاطفيّ ناحية الآخر، قد يكون من الصعب تفسيره للوهلة الأولى، ولكننا ندرك بعد قليل من التفكير أنَّ تأثُّرنا بشخصٍ ما يرجع لأننا ارتبطنا به معنوياً على مستوى ما؛ أي أنَّنا رأينا فيه شيئاً نعرفه، وجدنا فيه جزءا من أنفسنا أواكتشفنا أنه انعكاس لنا بشكل ما.

وهذا الأمر لا ينطبق على البشر فقط، ولكنَّنا نرتبط مع الحيوانات الأليفة والأماكن والسيارات بنفس الشكل تقريبا.

لماذا لم نرتبط شعوريا مع أبطال كيرة والجن إذا؟

الأمر لا يرجع لاختلاف الحقبة التاريخيَّة ولا الأزياء وطريقة الكلمات عن الآن، فكثير من الأفلام كانت في حقب تاريخية مختلفة -بل وفي كواكب مختلفة أحيانا- وتأثَّرنا بأبطالها بل ربما توحَّدنا معهم -بمصطلحات علم النفس– لكن السبب -من وجهة نظري على الأقل- أنَّ هؤلاء الأبطال كانوا أبطالاً أكثر من اللازم.

أحيانا ينسى كتّاب السيناريو أن البطل لا يزال إنسانا، ليس فقط من ناحية كونه يأكل ويشرب ويموت، بل أيضا إنَّ تجلِّي طبيعة البطل الإنسانية يكون في ضعفه وخوفه وحيرته وتردده وفشله وهزيمته.

إن كان البطل بطلا طوال الأربع والعشرين ساعة، فهو -ببساطة- ليس أنا، ولن يكون أنا. هنا يكون قد أقام السيناريو جدارا عاليا يفصل بين البطل والمشاهد. البطل يظل فيه “هناك” على الضفة الأخرى بينما نحن هنا نأكل (الفيشار) ثم سنرحل.

هل تعرف (سوبر مان)؟

بالتأكيد تعرفه أو سمعت به من قبل، إنَّه ذلك البطل الخارق الذي يطير ويطلق أشعة الليزر من عينيه ويمكنه أن ينطلق بسرعة تقترب من سرعة الضوء، بالإضافة لكون جسده منيعا ضد الرصاص والقنابل.

إذا فلا شكّ أنَّك سمعت عن (الكريبتونايت)؟

إنَّه ذلك المعدن الذي إذا اقترب من سوبرمان جرَّده من كل قواه الخارقة وجعله رجلا عاديا.

لماذا في رأيك يمكن أن يضمّن كتّاب الكوميكس (القصص المصورة) والأفلام، وجود مادة كالكريبتونايت في قصص سوبرمان؟. مادة كهذه تجعله ضعيفاً ومعرضاً للقتل.. ما الداعي لها إذا؟

وجود الكريبتونايت يعني أنَّ سوبرمان هذا ليس منيعا بدرجة مطلقة، فوجودها يعني أنَّه معرض طوال الوقت لأن يصير “رجلا عاديا”. وأنَّ لديه نقطة ضعف يستطيع أن يستغلها الأشرار، وأنَّه سيظل يحيا في توتّر وخوف من أن يستخدمها أحدهم ضده. وجودها يعني أنَّه مثلنا، معرَّضٌ للهزيمة في أيّ لحظة.

وهذا أيضا الذي حدا بالكتّاب أن يجعلوا له أبا وأما بشريين يتبنونه، أن يكون له زملاء عمل وأصدقاء وحبيبة أيضا (لويس لاين). كل هذه أشياء تجعله أكثر بشرية، تجعلنا ننسى أنَّه مجرد كائن فضائي، تجعلنا نراه قريبا لنا، وأن نرى فيه جزءا من ذواتنا.

و-بالمناسبة- كانت هذه هي نقطة الذروة في فيلم (باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة – Batman Vs Superman: Dawn of justice)

سوبرمان وباتمان:

في هذا الفيلم كان الرجل الوطواط (باتمان) قد ضاق بكون سوبرمان كائنا لا يُقهَر، وضاق من قدرة سوبرمان اللا متناهية التي تجعله قادرا على تدمير كوكبنا بمن عليه خلال ثوان معدودات، فسوبرمان -في نظره- مخلوق فضائي لا تهمه الأرض في شيء.

لذلك خطَّط باتمان لتدمير ذلك الكائن اللا بشري، ونجحت خطته بالفعل. وفي اللحظة الأخيرة التي يدفع فيها باتمان بصولجان من الكريبتونايت في قلب سوبرمان، إذ بسوبرمان يطلب منه أن ينقذ (مارثا).

(مارثا) هي المرأة التي تبنّت سوبرمان صغيرا مع زوجها، وهي التي كان يحتجزها أحد الأعداء وقتها ليقايضها بجثة باتمان. ولكن (مارثا) أيضا كان اسم أم باتمان المتوفاة.

إذا ففي اللحظة الحاسمة، أدرك الرجل الوطواط أنَّ سوبرمان لديه أم أيضا، وأنه لا يقل بشرية عن أيّ ابن آدم أرضي، بل ربما يفوقه هو نفسه بشريةً.

كل بطل في أي فيلم، يجب أن يظهر جانبه البشري الضعيف، وإلا فما الذي يجعله بطلا حقا؟

كان الزعيم الجنوب أفريقي الشهير نيلسون مانديلا يقول. “الرجل الشجاع ليس هو الذي لا يشعر بالخوف، بل هو الذي يتغلب على خوفه”.

لذلك، كان على أبطال (كيرة والجن) أن يظهروا بعض الحيرة، بعض التردَّد، الفشل والهزيمة.

بالتأكيد هناك لحظات إنسانية في الفيلم، حين يموت أحد الأبطال أو عندما تخرج إحدى خططهم عن السيطرة أو ينجذب أحدهم عاطفياً لآخر.

ولكن تلك اللحظات الإنسانيَّة القليلة تذوب وتتلاشى في بحرٍ من الثقة الكاملة التي يتكلَّم بها كريم عبد العزيز دائما. تتلاشى وسط إيفيهات أحمد عز المنسوخة من باقي أفلامه، تتلاشى وسط ثلوج ملامح أحمد مالك، ووسط سيناريو نزع من هؤلاء الأبطال بشريتهم وجعل منهم أنصاف آلهة.

لماذا على بشريتنا أن تكون سبّة في حق الأبطال وعلى كاتب السيناريو أن ينفيها عنهم بقدر استطاعته؟

من قال أن على البطل ألا يكون إنسانا ضعيفا؟ إنَّ ما يجعل البطل بطلا بالفعل هو كونه ضعيفا بالأساس.

كون البطل ضعيفا يعني كونه قابلاً للهزيمة، بل وربما كونه انهزم بالفعل.

أما البطل الساخر دائما والواثق، ذو الملابس المهندمة وتسريحة الشعر المنمَّقة، الذي يعرف ما الذي يجب فعله دائما، فهو ليس بطلا. هو مجرد تمثال بالغ الروعة، ولكنَّه يظل تمثالا، لا أحد يربح دائما في الواقع ولا يجب على أحد أن يكون هكذا في الأفلام كذلك.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: جوزيف تامر

تدقيق لغوي: رنا داود

اترك تعليقا