ما مدى صلاحية علم النفس التطوري؟ – ترجمات

لماذا نجدُ المناظرَ الطبيعيّة -كالحقول الخضراء والأشجار والأنهار- جميلة وجذّابة؟ لماذا هناك رغبة دائمة لدى الناس لكسب الثروة والسلطة؟ لماذا يخوض البشر الحروب؟ لماذا البشر مُبدعون؟
وفقًا لعلم النفس التطوري، فإن الإجابات على هذه الأسئلة مرتبطةٌ بالبقاء والتكاثر. يشرح علم النفس التطوري السمات والخصائص البشريّة في الوقتِ الحاضر من حيث قيمتهم التكيفيّة لأسلافنا في الماضي. لقد نجت هذه السمات لأن الجينات المرتبطة بها قد تم ”اختيارها“ طبيعيًا، وظلّت جزءًا من تراثنا الجيني. من حيث الأمثلة المذكورة أعلاه، نجد المشاهد الطبيعية جذّابة لأنها مثَّلَت البقاء بالنسبة لأسلافنا؛ النباتات المُورقة، والأشجار المُحمَّلة بالفواكه، والأنهار، كطعامٍ وشراب. لدى الناس الرغبة في اكتساب الثروة والسلطة لأن في عصر ما قبل التاريخ رفعت الثروة والسلطة من فرصهم في البقاء على قيد الحياة، ومن إمكانيّاتهم الإنجابية. إن غريزة شَنّ الحرب قويةٌ للغاية؛ وذلك لأنَّ قبائل ما قبل التاريخ كانت في منافسةٍ مستمرّةٍ على الموارد الطبيعية مع القبائل الأخرى. يمكن أيضًا النظر إلى غريزة الإبداع على أنها طريقة لزيادة إمكانياتنا الإنجابيّة؛ فالإبداع يزيد من مكانتنا، وبالتالي يجعلنا أكثر جاذبيّة للشركاء الجنسيين المُحتلمين.

يتّضِح من هذه التفسيرات (التي تم طرحها جميعًا بواسطة علماء النفس التطوريّ) أن علم النفس التطوري لديه قدر كبير من القوة التفسيرية، فنادرًا ما يتم استخدام مثل هذه الفكرة البسيطة (البقاء والتكاثر) لشرح مثل هذا التنوّع الواسع للسلوك البشري. ربما يكون هذا هو السبب الذي جعل النظرية تحظى بشعبيةٍ كبيرة، خاصةً في وسائل الإعلام وبين غير المُتخصصين. كبشر، نحن بحاجة دومًا لإيجاد تفسيرات نفهم بها سلوكنا والعالم من حولنا. من نحن؟ ولم نحن موجودون؟ وكيف أتينا إلى هنا؟ وإلى أين سنذهب بعد الموت؟ (هذا أحدُ الأسباب التي تجعل الأديان جذّابة للعديد من الناس أيضًا). ومع ذلك، فإن الجانب السلبي من هذا هو أنه عندما يكون للنظرية قوة تفسيرية، فإننا نميل إلى أن نكون أكثر حماسًا حيالها، ونبالغ في تقدير صلاحيتها. وأعتقد أن هذا هو الحال مع علم النفس التطوري. نادرًا ما حظيت نظرية بمثل هذا التأييد الواسع، بينما تستند في الواقع إلى مثل هذه الأسس الهشة.

بعد قولي هذا، فإنّ مشكلتي مع علم النفس التطوّريّ لا تتعلق بالنظرية نفسها بقدر ما تتعلق بكيفية استخدامها لتبرير وجهة نظر معينة عن الطبيعة البشرية. بعد كل شيء، من المنطقي أن نفترض أننا ورثنا بعض الميول السلوكيّة من أسلافنا، وأن بعض الغرائز التي نحملها نشأت منذ ملايين السنين. كما أقترحُ لاحقًا، قد يكون من الممكن صياغة تأويل بديل لعلم النفس التطوري يتوافق بشكلٍ أكبر مع الأدلة الأنثروبولوجية.

الافتراضات التطوُّريّة

كما أشار العديد من العلماء، فإن علم النفس التطوري يعتمد إلى حدٍ كبيرٍ على الافتراضات بدلًا من الأدلّة، وعلى هذا النحو فإن الإشارة إليه على أنه ”علم“ تظل موضع خلاف (نظرًا لأن فرضياته بشكل عام غير قابلة للتخطئة). تفسيرات علم النفس التطوري للسلوك البشري هي تخمينات تستند إلى افتراضاتٍ حول ما كانت عليه الحياة البشرية في عصور ما قبل التاريخ. يميل أتباع علم النفس التطوُّري إلى اختيار جوانب معينة لِمَا يعتقدون أنّه ”طبيعة بشرية“، ثم يخلقون قصصًا لتبرير تطوُّر هذه الجوانب، بناءً على الفوائد التطورية المُفترضة لها في بداية تاريخ البشرية.

بشكلٍ واضحٍ، تستَخدِم هذه القصص عادةً العديد من المصطلحات مثل ”يُمكن“ أو ”ربما“. على سبيل المثال، فقد تم اختيار الأنانية ”الفطرية“ للبشر طبيعيًا؛ لأنه في عصور ما قبل التاريخ كانت الحياة صعبة للغاية، وكان الأشخاص الأكثر قسوةً والأقل تعاطفًا هم الأكثر قدرة على الاحتفاظ بالطعام والموارد لأنفسهم، وبالتالي كانت فرصهم للبقاء على قيد الحياة أكبر. ربما كان من المُحتمل أن يؤدّي التعاطف والرغبة في مشاركة الموارد مع الآخرين إلى تقليل فرص الفرد في البقاء على قيد الحياة. بطريقةٍ مماثلةٍ، كان من الممكن اختيار العنصرية طبيعيًا كصفة؛ لأن الإيثار تجاه مجموعة أخرى كان سيقلل من فرص المجموعة الإيثارية في البقاء على قيد الحياة. كان من المُفيد حرمان مجموعاتٍ أخرى من الموارد والسلطة من أجل زيادة فرص وصولنا إليها.

إعلان

إحدى المغالطات في ذلك هي أن ”الطبيعة البشرية“ غير واضحة للغاية. من السهل أن تختار الخصائص التي تعتقد أنها تُشكل الطبيعة البشرية، وتبتكر ”قصتك التطورية“ لتفسيرها، وتتجاهل الأدلة الأخرى التى تتعارض مع هذه القصة (مُغالطة انتقاء الكرز). فغالبًا ما يكون البشر متعاونين أكثر من كونهم أنانيين. يوجد العديد من الأفراد العنصريين، ولكن هناك أيضًا العديد من الأشخاص الذين يشعرون بالتعاطف تجاه المجموعات العرقية الأخرى. حتى أن بعض علماء النفس التطوري اقترحوا أن للاغتصاب أساسًا تطوريًا؛ فيمكن اعتباره محاولة يائسة لنسخ جينات رجال ذوي مكانة متدنية لا يستطيعون جذب شركاء جنسيين راغبين. ومع ذلك، فماذا عن الغالبية العظمى من الرجال العزاب ذوي المكانة المتدنية الذين قد يجدون أن فكرة الاغتصاب همجية؟

يُسلط المثال الأخير الضوء على مشكلة أخرى في علم النفس التطوري؛ الافتراض الأساسي بأن أي سمات بشرية نجت يجب أن يكون لها قيمة تكيفية (فائدة تطورية). إذا لم يكن لهذه السمات أي قيمة تطورية، فلن يتم انتقاء الجينات المتعلقة بهم طبيعيًا. هذا هو السبب في أن علماء النفس التطوري يشعرون بأنهم مُلزَمون بتقديم تبريرات سخيفة ومُهينة لسلوكيّات مثل الاغتصاب. ومع ذلك، هناك العديد من السمات البشرية السائدة التي ليس لها بالضرورة قيمة تكيفية مثل سمة ”الوعي“.

قد يتساءل شخصٌ كيف لا يخدم وجود الوعي أغراضًا تطوريّة؟ يمكننا في الواقع التفكير في طرقٍ متعدّدة يمكن من خلالها أن تكون الحالات الواعية الذاتية تكيفية، وتزيد من فرص بقاء وتكاثر الكائنات، وبالتالي يتم انتقاؤها طبيعيًا.

على سبيل المثال، الشعور بالمتعة الذي يأتي مع النشوة الجنسية، هو حالة وعي ذاتية شخصية. ويمكننا القول أن هذا الشعور هو ما يدفع الكثير من الناس إلى ممارسة الجنس؛ لذا فإن الأشخاصَ القادرين على تجربة هذا الإحساس سيتزاوجون بشكلٍ أكبرٍ ويتركون المزيد والمزيد من الأبناء. الشعور بالخوف هو أيضًا تجربة واعية ذاتية تزيد من اللياقة التطورية، فمثلًا، خوف الغزال أو الحمار الوحشي من أسد أو ضبع يطارده يدفعه للجري بسرعةٍ بعيدًا عن المفترس.

الوعي أيضًا يُمكِّن الكائنات من التركيز على المهام، كما يُمكّنهم من توحيد المعلومات الواردة لهم من مصادر حسيّة مختلفة، واتخاذ قرارات معقّدة بمرونةٍ عالية، وكذلك يُمكّنهم من التفريق بين الماضي والحاضر من خلال الذاكرة، وكل هذه الأشياء بالتأكيد ضروريّة لتكيُّف الكائنات.

لكن المشكلة هي أنه يمكن توليد كل هذه السلوكيات البيولوجية المذكورة بالأعلى بطريقةٍ لا واعية، وذلك بواسطة النشاطات الدماغيّة العصبية، بدون وجود لهذه المشاعر والأحاسيس الذاتية الواعية، وبالتالي فهذه المشاعر والأحاسيس الذاتية ليس لها أي قيمة تطورية غير ضرورية لتكيُّف الكائنات.

فمثلًا، كل ما يحتاجه الغزال للبقاء على قيد الحياة وبالتالي التكاثر هو الجري بسرعةٍ وكفاءة بعيدًا عن الأسد أو الضبع. كل ما هو مهم من وجهة نظر تطورية هو أفعال أو سلوكيات الحيوان فقط. التطور يهتم بما يفعله الكائن، وليس بما يشعر به، فيمكننا بكل سهولة توليد السلوك البيولوجي الذي يزيد من فرص بقاء وتكاثر الكائنات وهو ”الجري“ في هذه الحالة، وذلك من خلال تنشيط الدوائر العصبية الدماغية بطريقة لا واعية، وبدون أن يكون هناك شعور مصاحب بالخوف لهذا التنشيط العصبي، وسنحصل على نفس النتيجة تطوريًا.

لا يحتاج الغزال للشعور الرهيب بالخوف في مثل هذا الموقف ليبقى ويتكاثر، المهم هو أن يجري، وسواء صاحب أو لم يصاحب هذه النشاطات العصبية التي تولد الجري شعور واعي بالخوف، فالنتيجة من الناحية التطورية واحدة، ولا فرق بالنسبة للياقة الكائن التطورية. لا فائدة تطورية من تجربة الخوف الواعية هنا.

يمكننا كذلك اتخاذ قرارات مُعقدة بمُرونةٍ عالية، والتركيز على المهام وجمع البيانات الواردة لنا من أكثر من مصدر، كما يُمكننا أن نُفرّق أيضًا بين الماضي والحاضر بطريقةٍ لا واعية. فمن خلال دوائر كهربائية وخوارزميات شديدة التعقيد تحاكي عمل الدماغ البشري، يمكننا مثلًا تصميم روبوتات قادرة على الجري بكفاءةٍ عاليةٍ، ومع ذلك فهذه الروبوتات لا تشعر بالخوف، ولا تدرك أنها موجودة. يمكننا كذلك تصميم أجهزة كمبيوتر قادرة بكلِّ تأكيد على اتخاذ قرارات مُعقدة بمُرونةٍ عالية، وقادرة أيضًا على التركيز على المهام وجمع البيانات الواردة لها من مصادر مختلفة، وكذلك لها القدرة على التفريق بين الماضي والحاضر (لن يواجه حاسوب منزلك صعوبة في التفريق بين صور إجازات العام الماضي والبث المباشر لكاميرا الويب مثلًا)، ومع ذلك فأجهزة الكمبيوتر ليس لها حياة واعية داخلية. الانتخاب الطبيعي لن يفضل ”كائن/دماغ واعٍ“ على ”كائن/دماغ زومبي“ طالما كلاهما قادران على التصرف بنفس الكفاءة. وبالرغم من ذلك، فنحن نملك سمة ”الوعي“.

في الواقع، يُمكننا النظر للوعي الذاتي على أنه سمة تقلل من اللياقة التطورية، فهو يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية كالاكتئاب والإحباط والقلق وكره الذات.

بالعودة للمثال الأول في المقال، من المنطقي أن نقترح أننا نجد المناظر الطبيعية الخصبة جميلة لأنها مرتبطة بموارد وفيرة، وبالتالي فهي تُمثل البقاء. ومع ذلك، يجد الكثير من الناس أيضًا أن المناظر الطبيعية الصحراوية جميلة، في حين أن مثل هذه المناظر الطبيعية ستُمثل الموت بالتأكيد. كثير من الناس يجدون السماء الصافية جميلة، والسماء الرمادية كئيبة، في حين أنه من وجهة نظر تطورية فالسماء الرمادية أفضل؛ لأنها تعِد بالمطر. كثير من الناس يجدون البحر جميلًا، والذي على الرغم من أنه يحتوي على موارد وفيرة إلا أنّه محفوف بالمخاطر الخفية.

مُغالطات عصور ما قبل التاريخ

ربما تكون أخطر مشكلة في هذه التفسيرات هي أنها تستند إلى افتراضات خاطئة حول ماضي الجنس البشري. الافتراض الأساسي لمعظم علماء النفس التطوري هو أن الفترة المبكرة التي تطورت خلالها السمات البشرية كانت صراعًا صعبًا وقاتمًا من أجل البقاء. ما يشار إليه بـ ”بيئة التكيُّف التطوري“ كان وقتًا صارت فيه حياة الإنسان ”قذرة ووحشية وقصيرة“، لقد كانت -كما يفترضون- فترة من المنافسة الشديدة من أجل البقاء، نوعًا من معارك المصارعة الرومانية التي تم فيها اختيار السمات التي أعطت الناس ميزة البقاء فقط، وسقطت الصفات الأخرى على جانب الطريق.

لكن هذا رسم كاريكاتوري فظ لحياة ما قبل التاريخ. حتى حوالي 8000 سنة قبل الميلاد، عاش جميع البشر كصيادين وجامعين. لقد نجوا عن طريق صيد الحيوانات البرية (وظيفة الرجل)، والبحث عن النباتات البرية والمكسّرات والفواكة والخضروات (وظيفة المرأة). عندما بدأ علماء الأنثروبولوجيا النظر في كيفية استخدام الصيادين وجامعي الثمار المُعاصرين لوقتهم، فوجئوا بأنهم يقضون 12 إلى 20 ساعة فقط في الأسبوع في البحث عن الطعام، أي ما بين ثلث ونصف متوسط ​​أسبوع العمل الحديث. وبسبب هذا، أطلق عالم الأنثروبولوجيا “مارشال ساهلينز” في ورقته الشهيرة التي تحمل هذا الاسم -على الصيادين الجامعين اسم ”المجتمع الأصلي الثري“، والذي يحظى بدرجةٍ كافيةٍ من الراحة الماديّة والأمان.

على الرغم من أنه قد يبدو غريبًا، إلا أن النظام الغذائي للصيادين كان أفضل من العديد من الشعوب الحديثة. بصرف النظر عن الكمية الصغيرة من اللحوم التي أكلوها (10%-20% من نظامهم الغذائي). كان نظامهم الغذائي متطابقًا عمليًا مع النظام الغذائي للنباتيين المعاصرين، حيث لا توجد منتجات ألبان، وفي المقابل توجَد مجموعة متنوّعة من الفواكه والخضروات والمكسرات، وكلها تؤكل نيئة (يخبرنا خبراء التغذية أنها أفضل طريقة لتناول هذه الأطعمة). يفسر هذا -جزئيًا- لماذا الهياكل العظمية للصيادين القدامى كبيرة وقوية بشكلٍ مدهشٍ، وتظهر عليها علامات قليلة للأمراض التنكسية وتسوس الأسنان. كان الصيادون أقل عرضة للإصابة بالأمراض من الشعوب اللاحقة. في الواقع، حتى تقدَّمَا الطب الحديث والنظافة في القرنين التاسع عشر والعشرين، ربما عانوا من المرض أقل من أي إنسان آخر في التاريخ. العديد من الأمراض التي نحن الآن عرضة للإصابة بها (مثل نزلات البرد والإنفلونزا والحصبة والجدري) لم تصل فعليًا إلا عندما قمنا بتدجين الحيوانات وبدأنا بالعيش بالقرب منها. في ضوء ذلك، ليس من المُستغرَب أنه مع ظهور الزراعة، أصبحت فترات حياة الناس أقصر.

كانت حياة ما قبل التاريخ أيضًا سهلة نسبيًا، بمعنى أن الحرب كانت غير شائعة. على الرغم من أن بعض العلماء مثل “ستيفن بينكر” يزعمون أن الحرب كانت منتشرة في عصور ما قبل التاريخ، فإن العديد من علماء الأنثروبولوجيا يعترضون على ذلك، حيث لم يكن هناك في الماضي إحساس كبير بالأرض التي يجب حمايتها، وكان عدد السكان قليل لدرجة أنه لم تكن هناك حاجة كبيرة للتنافس على الموارد. كان الصيادون لا يفكرون في منطقة معينة من الأرض على أنها ملك لهم وحدهم، ولا يقاومون بشدة أي شخص يتعدى على أرضهم. في الواقع، بدلًا من كونهم في صراع، فقد تفاعلوا مع بعضهم البعض بشكلٍ جيّد، زاروا بعضهم بانتظام، وأقاموا التحالُفات بالزواج.

المساواة

هناك العديد من ”قصص علم النفس التطوري“ لا معنى لها في ضوء الدليل الأنثروبولوجي. فكرة أن البشر مُنافسون بطبيعتهم وأنانيون لا معنى لها في ضوء المساواة بين مجموعات الصيد والجمع. يتحدث عالم الأنثروبولوجيا “جيمس وودبيرن” عن ”المساواة العميقة“ لمجموعات الصيادين الجامعين، بينما يتحدث عالم الأنثروبولوجيا الآخر “تيم إنغولد” عن ”التزامهم الأخلاقي“ بمشاركة كل شيء. كما أن الناس الذين يبحثون عن الطعام هم أيضًا ديمقراطيون بشكلٍ لافتٍ للنظر، مع عدم وجود تسلسل هرمي للسُلطة، تعمل معظم المجموعات مع قائدٍ من نوعٍ ما، لكن سلطته عادةً ما تكون محدودة للغاية، ويمكن عزله بسهولة إذا لم تكن بقية المجموعة راضية بقيادته.

تمتدّ المساواة هذه إلى النساء أيضًا؛ مما يهدم فرضية أن هيمنة الذكور أمر طبيعي إلى حد ما. تشير حقيقة أن النساء قدمن غالبية طعام المجموعات (بنسبة تصل إلى 90% وفقًا لبعض التقديرات) إلى أنهنّ متساويات في الوضع مع الذكور، لأنه من الصعب معرفة كيف يمكن أن يكون لهم مكانة مُتدنية أثناء أداء مثل هذا الدور الاقتصادي الهام. كما يلاحظ تيم إنغولد، في مجتمعات الصيد والجمع، ليس للرجال سلطة على النساء. عادة ما تختار النساء شركائهن في الزواج، ويقمن بالعمل الذي يرغبن في القيام به متى شئن، وإذا انهار الزواج، فإنهن يتمتعن بحقوق حضانة أطفالهن.

علم نفس تطوري بديل؟

في الواقع، من السهل تخيل تأويل بديل لعلم النفس التطوري، بناءً على وجهة نظر تستند إلى أدلة أكثر لماضي الجنس البشري. يُفسر هذا النوع من علم النفس التطوري لماذا أصبح الإيثار والمشاركة والتعاون سمات فطرية للبشر. قد تكون ”القصة“ لشرح ذلك هي أن روح المساواة في مجموعات الصيادين الجامعين كانت قوية جدًا، لدرجة أن أي شخص أظهر رغبة قوية في السلطة الشخصية أو الملكية سيتم نبذه من المجموعة، وبالتالي ستقلّ فرص نجاته. لذلك كان من الممكن بسهولة “اختيار” المساواة والإيثار طبيعيًا. تكمن الصعوبة في هذا النوع من علم النفس التطوري في تفسير سبب ميل بعض البشر أيضًا إلى الأنانية والبحث عن المكانة. فهذه القصة التطورية تتجاهل هى الأخرى حقيقة وجود بشر أنانيين وباحثين عن المكانة بيننا الآن، كما تتجاهل القصصُ التطورية السائدة الأدلةَ التي تناقضها.

مقال مترجم بتصرف:

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: سلمى عصام الدين

ترجمة: حسام جمال

اترك تعليقا