السفر عبر الزمن: حقائق يزينها لنا الخيال العلمي

الكثير منا بالطبع شاهد أفلاماً وقصصاً تدور حول السفر عبر الزمن، من الكتيبات القصصية الصغيرة إلى الأفلام والمسلسلات والروايات الطويلة. كما تمنينا جميعاً أن يكون هذا ممكناً كلما أخطأنا أو ندمنا على فعلٍ ما. حسنٌ، دعنا ننظر للعالم الواقعي قليلاً، هل حقاً يمكن أن يحدث هذا يوماً ما؟ هل نسطيع أن نصلح الماضي أو نرى المستقبل؟ دعونا نرى رأي العلم في ذلك.

أينشناين و السفر عبر الزمن وجهان لعملة واحدة:

الجميع بالطبع قرأ أو سمع يوماً عن نظريات أينشتاين والتي أشهرها النسبية الخاصة والنسبية العامة. لكن ما علاقة هذا بـ السفر عبر الزمن ؟
يرى البعض أن نظرية النسبية تدعم موقف السفر عبر الزمن بطريقةٍ ما. لكن دعمها يختلف حسب كونها تتحدث عن “الخاصة” أو “العامة”. لنرى إذاً ما ناقشته النسبية الخاصة أولاً.

النسبية الخاصة و السفر عبر الزمن

تناقش النسبية الخاصة وجهة نظر كانت ثورية في عام 1905 أشعلها أينشتاين في نظرته للزمن، فكما غيّر منظور العلم للضوء غيّره للزمن. فكما يقول وباختصار تام، فالزمن يمر بنسب مختلفة على الأجسام المتحركة بالنسبة لأجسام أخرى، وكلما اقتربت من سرعة الضوء كلما كان التأثير أكثر وضوحاً، حيث تنقلب الموازين عند سرعة الضوء، كمثال:

إذا خرجت من الأرض في مركبة فضائية متجهاً لكوكب ما بسرعة تكسر حاجز سرعة الضوء، ومن ثم عدت إلى الأرض فلن يمر ربما سوى بضع سنوات عليكَ في هذه الرحلة الشيقة، لكنك ستُصدم عندما تهبط على الأرض وتجد أنه قد مر أضعاف هذه السنوات على ذويك في الأرض. فيما يُعرف ب Twins paradox (مفارقة التوأم). فإذا كان لك أخ توأم على الأرض ينتظر عودتك، فسيكون من الصادم تقدمه عليك في السن بعد هذه الرحلة في حين أنك لازلت شاباً ربما.

يعود ذلك إلى “نسبية” مرور الحدث على كل “إطار” أو اتجاه سلكه أحد التوأمان.
يبدو الأمر ممتعاً نوعاً ما أن تسافر ذهاباً وإياباً في ثنايا الزمن، لكن في مقالنا السابق تحدثنا عن مركبة فضائية أسرع من سرعة الضوء. وهو ما ليس له وجود نظرياً. لكن أينشتاين لم يترك الأمل بعيداً كذلك، فعلى الجانب الآخر نجد النسبية العامة مؤيدةً لجواز السفر عبر حدود الزمن.

إعلان

النسبية العامة الوجه الآخر

ثورةٌ أخرى أشعلها أينشتاين عام 1915 بعد عشر أعوام من ثورته الأولى. النسبية العامة، والتي ناقش فيها الزمان والمكان كوحدة واحدة أطلق عليها “الزمكان”، حيث ينحني هذا النسيج الكوني “الزمكان” بوجود الكتلة، كلما إزدادت الكتلة إزداد الإنحناء. توقعت هذه النظرية وجود شيء يدعى “الثقوب الدودية” أو كما تدعى أيضاً “جسر آينشتاين-روزين”، والتي تمثل بقنوات بين نقطتين مختلفتين من الكون.

الشرح المبسط لهذه الثقوب كالتالي:

إذا رسمت نقطتين على طرفي ورقة بيضاء، ما هو أقصر طريق بينهما؟ لا ليس الطريق المستقيم، فإذا حنيت الورقة إلى نصفين ستتطابق النقطتان. هذا تماماً ما تمثله الثقوب الدودية؛ ثقب أسود ضخم الكتلة والكثافة، تحني الزمكان بدرجة كبيرة. يقابله على النحو الآخر في نقطة أخرى “ثقب أبيض” يطابقه كبوابة ينحني عندها الزمان والمكان.

فكما تنقلك هذه البوابة أو “فوهات الثقب الدودي” من مكان إلى مكان، فهي أيضاً تُمررُك مروراً مختلفاً على الزمن. لكن تظل المشكلة هي تكون هذه الثقوب في باطن الثقوب السوداء، مما يصعب علينا عملية الرصد ويجعلها شبه مستحيلة. لكن دعنا نفرض أننا صنعنا أو رصدنا حتى ثقباً دودياً، فلن تستطيع الرجوع بالزمن أكثر من لحظة خلق الثقب الأول. فإن افترضنا أن الكون نشأ به عدد من الثقوب الدودية عند الانفجار العظيم، فمن المفترض أن يكون عدد احتماليات قدرتنا على السفر عبر هذه البوابات غير متناهٍ. ولكن لا أظن أحدهم قادراً حتى على النفاذ عبر هذه البوابات. مازال الأمر مستحيلاً لكنه أصبح أكثر تشويقاً من الجانب النظري. ولعل هذا الأمل أيضاً ينهار عندما أخبرك عن بحث نشره كيب ثورن العالم بجامعة كالتيك، حيث يربط بين النسبية العامة وعلوم الكوانتم. حيث افترض أنه ربما تنهار هذه الثقوب الدودية عن نفسها بمجرد تكوّنها. لكن يزال الأمر مفتوحاً للنقاش ولمناقشة المفارقات.

مفارقة الجد Grandfather paradox

إذا استطعت يوماً صناعة آلة الزمن خاصتك، وساعدتك على الرجوع بالزمن إلى زمن ما قبل زواج جدِك، وقتلته حتى لا يُولد أبوك وبالتالي لا تولد أنت فهذا الحدث يُلغي وجودك في الأساس في مستقبلٍ ما تصنع آلة الزمن تلك. هل الزمن عبثي إلى هذا الحد؟

طرح سيث لويد وفريقه البحثي في جامعة إم آي تي مبدأ يدعى”مبدأ الإتساق الذاتي لنوفيكوف”، والذي يضع حدًا لهذه الفوضى الزمنية بالاحتمالات، فمهما فعلت لن تُغير طريقة سير الأمور. سيجري الزمن بكل الطرق الممكنة ليعود لنفس النقطة مرة أخرى.

وكان على الجهة الأخرى يفترض البعض فرضية أكثر عبثاً، وهي أنه في مفارقة الجد، عند لحظة قتل جدك فالكون سيأخذ مجراه ولن تولد فعلاً، لكن في عالم موازٍ آخر حيث تستمر الأحداث كما كانت في العالم الأول الذي سافرت منه، وبالتالي فكل حدث سيتغير من الممكن أن يخلق عددًا لا متناهيًا من الأكوان الموازية.
لن أطيل عليكم في هذه النقطة، فهناك العديد من الأبحاث والآراء حول مفارقة الجد، فهناك من يربطها بوجود منحنى زمنيًا مغلقًا كما يفعل هوكينج، وهو ما يضع حداً لسببية الأحداث. وهناك من يربط بينها وبين علوم الكوانتم وبالتالي يلغي وجود السببية أساساً.

لايزال الأمر قيد البحث، ولعله طموح الكثيرين. لكن في نهاية هذا المقال أدعوك لمشاهدة مسلسلي “Dark” الألماني و “Stranger things” الأمريكي. اللذين قد يجعلانك تفكر جدياً في العودة إلى زمنٍ ما، لكنهما سيقودانك لتدور في نفس الحلقة المفرغة. فمهما ظننت أنك تُغير المستقبل بتغيير الماضي، كلما تغير الماضي ليناسب المستقبل الآت، وتستمر الأمور في التتابع كما قُدر لها.

نرشح لك: مترجم: سبع مرات غير فيها كسوف الشمس من تاريخ البشر

إعلان

اترك تعليقا