استقلال علم الاقتصاد: قراءة في كتاب “مبادئ الاقتصاد” – ألفريد مارشال

سلسلة أشهر الكتب الاقتصادية The Principles of Economics

” مبادئ الاقتصاد” للعالم الشهير ألفريد مارشال هو الكتاب الثالث في سلسلة المراجعات الأسبوعية التي أكتبها على صفحات موقع المحطة عن أشهر الكتب الاقتصادية في التاريخ. وأحسب أن طلبة أقسام الاقتصاد يعرفونه أو يعرفون بكل تأكيد تلك الرسومات البيانية لمنحنيات الطلب والعرض التي عادةً ما تملأ “سبّورة” المحاضرات في مادة الاقتصاد الجزئي في كافة الجامعات المصرية. صاحب هذه الرسومات المزعجة هو مؤلف هذا الكتاب (١٨٤٢-١٩٢٤) وأستاذ الاقتصاد في جامعة كامبريدج العريقة ببريطانيا، وأحد أعظم الاقتصاديين قاطبةً في تاريخ علم الاقتصاد، ومؤسس المدرسة الكلاسيكية الجديدة. إنه ألفريد مارشال ياسادة!

أولًا: أسباب اختيار كتاب مبادئ الاقتصاد

تحرير دراسة الاقتصاد من براثن الفلسفة والسياسة: عندما أطلق ألفريد مارشال برنامجه لدراسة الاقتصاد على مدار ٣ سنوات  ِِEconomics Tripos في جامعة كامبريدج عام 1903 ليحصل بعدها الطالب على درجة جامعية في الاقتصاد (بكالوريوس الاقتصاد)، كانت هذه الشهادة هي الأولى من نوعها في العالم التي تٌخصص لعلم الاقتصاد وحده دون شريك . قبل ذلك، كان علم الاقتصاد يُدرس  كجزء من بكالوريوس الفلسفة والأخلاق أو تحت عنوان واسع يسمى “الاقتصاد السياسي” الذي يجمع الاقتصاد بالأيديولوجية والسياسة. وشكّل هذا الكتاب، الذي يعرف باسم ”المبادئ“ اختصارًا، مواد المنهج الدراسي لهذه الثلاث سنوات، وهو بذلك مثل علامة فارقة في تاريخ الاقتصاد حيث صاحبه ولأول مرة في العالم وجود تخصص مستقل للاقتصاد بعيدًا عن السياسة وعلوم الأخلاق والاجتماع.

ثانيًا: هدف كتاب مبادئ الاقتصاد

استهدف ” ألفريد مارشال” من كتابه العظيم هذا (مبادئ الاقتصاد) تأصيل مبادئ دراسة هذا الفرع على أسس علمية، وحاول الابتعاد عن لغة العلوم الاجتماعية والسياسة الَّتي تركز على إبراز الصراع الاجتماعي بين قوى الإنتاج. ولقد تمكن مارشال من تحويل قِبلة الاقتصاد من التوصيف النظري إلى القياس الكَمّي واستخدام المعادلات الرياضية والرسومات البيانية. ودعا مارشال إلى التعامل مع الاقتصاد كعِلم منفصل عن العلوم الاجتماعية، والسياسية بوجه خاص، على اعتبار أنه مثل العلوم الطبيعية يحتوي على نظريات قابلة للتطبيق والاختبار. ومع هذا، استخدم الفريد مارشال في كتابه لغةً بسيطةً تعليميةً موجهةً إلى الراجل العادي مع الرسومات الإيضاحية والرياضيات في أضيق الحدود.

ثالثًا: مكونات الكتاب

صدر هذا الكتاب في أول طبعة له عام 1890 وأتمّه مارشال في عام ١٩٠٣ عندما أصبح أستاذًا للاقتصاد في جامعة كامبريدج. وينقسم الكتاب الذي تبلغ عدد صفحات طبعته الأخيرة ٨٧٠ صفحة إلى ستة أجزاء ضخمة وعشرة ملاحق. يناقش الجزء الاول والثاني في الكتاب التعريفات التمهيدية في علم الاقتصاد، والجزء الثالث عن الطلب demand والرابع عن العرض supply، والخامس يجمع بين العرض والطلب لتحديد السعر، والسادس حول الدخل القومي والتوزيع. ذلك بالإضافة إلى عدد من الملاحق تغطي نظرية ريكاردو للقيمة، والمنهج المطبق في علم الاقتصاد.

رابعًا: المفاهيم الجديدة التي أدخلها ألفريد مارشال

(أ) تعريف علم الاقتصاد

في الوقت الذي عرف فيه آدم سميث علم الاقتصاد على أنه العلم الذي يدرس الكيفية التي تمكن الأمة من الحصول على الثروة ووسائل تنميتها، مركزًا بذلك على الإنتاج، عرف ألفريد مارشال علم الاقتصاد بأنه  ذلك العلم الذي يدرس البشر في أعمال حياتهم العادية، وهو دراسة للثروة من جهة، ودراسة للإنسان من جهة أخرى.

(ب) نظرية القيمة

نقل “ألفريد مارشال” الاقتصاد السياسي نقلةً نوعيةً ليصبح الاقتصاد “فقط”، وأخرجه من دائرة الإنتاج إلى دائرة السوق حيث يسعى المستهلكون إلى تحقيق أقصى منفعة بأقل تضحية ممكنة، أما المنتجون فهم يعملون على تحقيق أقصى أرباح ممكنة بأقل تكلفة. وعلى هذا أصبحت العلاقات الاجتماعية (العلاقات بين المستهلكين والمنتجين) علاقات بين الأشياء المادية، ويمكن منها استخلاص قواعد عامة ومجردة تنطبق في كل زمان ومكان، وفي كل مجتمع، وبغض النظر عن علاقات الإنتاج في هذا المجتمع. ولم تعد قيمة السلعة تتحدد بكمية العمل الضروري المبذول في الإنتاج كما رأت المدرسة الكلاسيكية، إنما صارت هذه القيمة متعلقةً بما يراه كل شخص في السلعة من منفعة بالنسبة له، فقيمة الشيء باتت تُحسب على أساس المتعة التي تحققها، وتتفاوت من شخص لآخر ومن ثم أصبحت “ذاتية” subjective.

(ج) مقص الطلب والعرض

في الوقت الذي أكّد فيه آدم سميث وريكاردو على أن تكاليف إنتاج أي سلعة أو “العرض supply” بمعنى أدق -هو محدد سعرها، بينما رأى ويليام ستانلي جيفونز أن الطلب هو الذي يشكل السعر، رأى مارشال أن قوتيّ العرض والطلب يعملان كأنهما طرفي مقص يعملان معًا لإيجاد سعر يعكس القوتان (الطلب والعرض). وعبّر مارشال عن “العرض في خط صاعد في رسم بياني وأشار إلى أنه عندما ترتفع أسعار أي سلعة تبدأ المنشآت الاقتصادية في زيادة العرض أو المعروض من السلعة. وأضاف أن ذلك يقابله قانون الطلب والذي يشير انه إذا انخفضت الأسعار يزداد إقبال الناس على شراء السلعة، وهكذا هناك حالة من التصحيح الذاتي وعمليات التوافق بين الطلب والعرض ينجم عنها سعر التعادل equibliruim price للسلعة المعنية ويصاحب هذا التوزيع الأفضل للموارد.

(د) المرونة السعرية price elasticity

من أشهر المفاهيم الجديدة التي أدخلها ألفريد مارشال هي مفهوم المرونة السعرية. وتعني مدى تأثر الطلب (أو العرض) على سلعة ما بالتغير في السعر، فإذا ارتفع السعر انخفض الطلب والعكس صحيح. لكن هناك سلع لاتتمتع بالمرونة inelastic مثل الوقود والدواء فسيظل الناس يحتاجونه مهما ارتفع السعر.

(هـ) المنفعة الحدية Marginal Utility

على الرغم من أن مفهوم المنفعة الحدية يمكن أن ننسبه إلى ويليام جيفنز وكارل مينجر وليون والارس إلا أن ألفريد مارشال تناوله باستفاضة في كتاب مبادئ الاقتصاد. صنّف مارشال احتياجاتنا إلى ثلاث “الضروريات” و”وسائل الراحة” و”الكماليات”. على سبيل المثال، المنفعة التي أحصل عليها، عندما أشتري سيارة، وأنا مضطر يوميًا للمشي خمسة كيلو مترات للعمل، منفعة كبيرة للغاية. وفي وقت لاحق إذا اشتريت سيارة ثانية لزوجتي، فسوف تصبح الحياة أكثر راحةً، لكن القفزة في مستوى المنفعة لن تكون كبيرة، حيث يمكنها استخدام وسائل النقل العامة. وبعد سنة أشتري سيارةً رياضيةً للتجول بها في عطلات نهاية الأسبوع، وهي جميلة إلا أنها ليست ضرورية. ويخبرنا مارشال أنه مع كل سيارة تالية يتم شراؤها، تقل فائدتها أو نفعها utility فبينما أحدثت أول سيارة فرقًا كبيرًا هائلًا في حياتي فإن السادسة لم تُحدِث فارقًا يذكر.

تعليق ختامي

ربما يكون النقد الرئيسي هو الموجه لفكرة الأسواق الكاملة أو التي تتمتع بالمنافسة الكاملة حيث لم يأخذ ألفريد مارشال في اعتباره عدم تساوي مستوى المعلومات عن سلعة ما لدى جميع الأطراف خاصة في حالات الاحتكار وأي تشوهات سعرية في الأسواق. ومع هذا، فإن هذا الكتاب بالغ الأهمية لكنه ضخم الحجم لا يُقبل على قراءته إلا المهتمون بتاريخ الفكر الاقتصادي. لكن بالنسبة للقارئ العادي فإني أنصحه فقط الاكتفاء بالجزء الأول من الكتاب لمتعته الفكرية واللفظية، أما باقي الكتاب فإن مفاهيمه كلها تملأ كافة الكتب الأكاديمية لدراسة الاقتصاد.

إعلان

اترك تعليقا