ماذا يقول غاندي… عن اللاعنف والمقاومة والشجاعة؟

مُقدِّمَة

ربما لم يكن من الصواب اختيار هذا العمل كأوَّل فكرةٍ أو قراءةٍ لي لغاندي، أو لشيءٍ يخص غاندي إن صحّ القول، حيث من الطبيعي أن يكون هناك الكثير من التساؤلات، ولكن في مقدمة الكتاب يقول المؤلف أنّهُ قد قَرَأَ نصف مجلّدَات غاندي والبالغة 100 مجلد، وبسعة محصلته لا أعتقد أن أحدًا غيره كان باستطاعته أَسري بتعاليمِ غاندي كما فعلَ المؤلف نورمان جاري فينكلستاين، الباحث الأمريكي الذي تناول غاندي في هذا الكتاب المتوسط الحجم ببساطةٍ شديدة، دون مفاهيمَ كبرى قد تحتاج لتفسيراتٍ بحجم الكتاب نفسه.

يتناول نورمان في أربعةِ فصول فلسفة غاندي وكيف كان لها التأثير الكبير على كُل مناضلي العالم حتى لو كانوا يؤمنون بالعنف على عكس غاندي، الذي يُعتبر أهم شخصية في الهند، والأكثُر تأثيراً في مرحلتها ضد نضال الاحتلال الإنجليزيِّ.

فلتتحدوا جميعًا ولتتقدموا بكلِّ شجاعةٍ نحو حتفكم …

ينقسم الكتاب إلى 4 فصول تحت عناوين شيّقة، كلما تقدّمت خلالها تمت إزالة بعض علامات الاستفهام، ولكن للأسف مع كل إجابة يتشعب المزيد من الأسئلة.
فملخص مبدأ غاندي يعتمدُ ضـمـنيًا -كما وصفه- على اللاعنف، وهو ببساطة أن تمتلك الشجاعة على عدم الثأر أو الهرب؛ حيث يصل الأمر لمرحلة أنّه إذا تم احتلال بلدتك بواسطة الأعداء، فكلُّ ما عليك فِعلهُ هو أن تَتَّحِد مع جماعة سلميّة وتتقدموا معاً بكل ابتسامة وشجاعةٍ… نحو حتفكم!
أجل، فهذه هي “الساتياغرا المثالية” كما يسميها غاندي، فلا شيء يسعده أكثرَ من تهشيم جمجمة حبيب بواسطة العدو، فهو يرى أن الموت في نهاية المطاف حقٌ علينا جميعًا، ولا يوجد قانون يمنع الموت مبكرًا وكلنا يتم استبدالنا… وهكذا إلى آخره.

مبارزة فلسفية من نوع آخر…

بالطبع يدافع غاندي عن معتقده، ويقول أنَّ من أبرز مبرراته: إذا كان اللاعنف لا يفلح في الانتصار على عدو بلا رحمةٍ أو قلبٍ -كما قد يعتقد البعض- فإنه على الأقل يحمِلُ بعض الأمل في جلب تعاطفٍ للقضية، وبث الحياة في نفوس المتفرّجين للتحرُّكِ وربما ينتصر الجميع في النهاية دون خسائر، عكس العنف الذي يؤدي إلى سفك الدماء وإلى خسائر محتومة وربما لا ينجح أيضاً بعد كل ذلك. وبناءً على تلك المتضادات يضع الكاتب بَصمته، فيدخل فيما يشبه مبارزة فلسفية من نوعٍ آخر مع غاندي، فتارة يتفق معه وتارة أخرى يختلف واضعًا مَنْطِقَهُ الذي ربما يجعل من معتقدات غاندي متضادات صارخة، في البداية، ولكن عندما يستشهد بكتابات وأقاويل غاندي تجد نفسك أمام روح عائدة من الموت لترد على ما يُقال ضدها.

فعلى سبيل المثال، يُعظِّم غاندي بمن يُضحي بنفسه في سبيل الساتياغرا، ومع ذلك يقول أن الموتَ حقٌ على الجميع، فيقول الكاتب كيف له أن يجعل من الموت كل تلك العظمة مع أنه في النهاية حق، هل كل الناس عظماء حتى من لا يمتلكون الرأفة؟

إعلان

أو مثالٌ آخرُ أكثر أهمية، حيث يشجع غاندي على استخدام العنف فقط في حالِ تفضيلهِ عن الجبن، فكمعلم للاعنف يجب ألا يترك مجالًا للجبناء أن يختَبِئُوا وراء زي اللاعنف؛ لذلك يتقبله فقط إذا كان في حالة الدفاع الفرديّ عن النفس، كحالة تعدّي من عدة رجال على فتاة وما إلى ذلك، فيحق لها الدفاع عن نفسها مستخدِمةً العنف. وهكذا لا تعلم مع أيهما تتفق الكاتب أم غاندي؟ وإذا علِمتَ فلا يكون قبل الكثير والكثير من الحسبان والتفكير، وهذا ما جعلني أقول عنها مبارزةٌ من نوعٍ آخر، كما قد جعلني أيضاً كقارئ أشهد بإنصاف الكاتب.

متضاداتٌ صارخةٌ أم نعمةٌ في ثوبِ نقمة؟

إيمانُ غاندي يتطلَّبُ شجاعةً أكثر من العنف، وهو درس للبشرية أنّ السلام يحقق ما لا تحققهُ الحروب، فالكتاب بمثابة إبراز للصورة الوحيدة التي عَلِقَت في أذهاننا حول غاندي ومواقفه السلمية والسياسية، ويُنتج لنا صورة أكثرَ وضوحًا ألا وهي عبارة عن كومة مضطربة من التناقضات في أحيانٍ وأحلامِ العظمة في أحيانٍ أخرى.

ولمن لا يعرف، فلسفةُ غاندي باختصار متناهٍ هي فلسفةٌ حالمةٌ مبنيةٌ على التضحية بالذات في سبيل الخير الأعظم، تسعى لاكتساب التعاطف العالمي، فتتشكل جبهة ضغطٍ على الطرف الذي نحاول انتزاع حقوقنا منه.

ختامًا، ومهما كانت النتيجة التي قد يتوصل إليها أحدهم، نتفق جميعًا في النهاية على النقطة التي ربما كانت الوحيدة المشتركة بين المؤلف وغاندي، ألا وهي اقتباسٌ من الكتاب:

إنّ التحدي الأسمى أمام جيلِ الشباب، وهو يباشر النضال لإعادة تشكيل العالم، هو رؤية إلى أيِّ مدى يمكن التقدُّم دون الحاجة إلى استخدام العنف.

وكلما تقدمت الأمورُ بشكلٍ سلميّ، نُرجِّحُ أن يكونَ العالم الجديد أيضًا عالمًا أفضل من غيره الذي قد يُصنع بأي نوعٍ من العنف.

نرشح لك: جيفارا بين تقديس اليسار وشيطنة اليمين

 

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: حسن علي

اترك تعليقا