كيفَ تُحَدِّد قيمَة نفسِك؟ “بين مِطرَقة الرّغبات وسندان الاحتياجات”

إن لم تختَر ما تريدُه من الحياة فإنّ شخصًا آخر سيختارُ لك ذلك.

-سيغموند فرويد

من أنا؟!

دون أن ندري أصبحنا كآلاتٍ يحرِّكنا الآخرون، وكلّما كان تأثيرهم مُباشِرًا أكثر تمكّنوا من جعل جهاز التحكم خاصتك في أيديهم.
نجد أنفسنا فجأة نتحدّث مثل فلان ونضحك مثل عِلاّن، حتى انفعالاتنا ومشاعرنا أصبحت لاتنتمي كليًّا لنا، بل هي حصاد ما زرَعَه الآخرين فينا.
وصارت غُربة عن نفسك تقودك لغربةٍ أخرى، وأنت في ذلك تلعب دورَ المشاهد فقط..
دائرةٌ مغلقة أشبه بالشرنقة، منها وإليها تعود، اسألك عن نفسك فتشير إلى الاخرين.
ما أضعف الإنسان حين ينزوي على نفسه في سلسلة لامتناهية من التجارب تنعقد حبّاتها كُلّما أردنا أن نصِل إلى طرف الخيط.
ويظلّ دائمًا يراودنا ذاك السؤال الصعب، السؤال الذي لو استطاع كلٌ مِنّا إجابته لَنَهَضَ بنفسه وفاز بها.
سؤال من أنا؟!
سؤال من خمسة حروف يبدو وكأنّه سؤال عن الاسم، السن، المعتقد وحالتك الاجتماعية، ولكن عند النظر إلى ما هو أعمق نجد أنّنا لسنا اسمنا ولامعتقدنا ولايمثلنا السن ولايعبرعن وجودنا.

في رحلةِ البحثِ عَن ذاتِنا

نبدأ رحلة البحث بينما كُلّ المُعطيات عبارة عن علامات استفهام، وكلّ الاستفهامات فارغة، رحلةٌ شاقّة من البحث خاضها آخرون وانتهت بهم الحياة في البحث فقط
وغيرهم لم يلقوا بالًا على الرغم من مرورهم هنا، ولكن حين تسألهم عن أنفسهم تجد إجاباتهم فارغة.
إنّه لشيء بالغ الصعوبة أن يسيرَ الإنسان طريقًا لا يملك له دليلًا واحدًا، ولم يمرّ منه أحدٌ من قبل.
ستجد في الرحلة من يتحمّل العناء من أجل البحث فقط عن معنى، وستجِد من عاش دون درايةٍ منه بمعنى من الأساس.
فلا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال ان يحكي كُلًّا منهما نفس التجربة، ولا أن يصِلا إلى ذاتهم بنفس القَدر.
ربما يصل الأوّل، ويَضِّلُّ الآخر دون أن يدري حتى أنّه قد ضَلَّ.
فحين نفتِّش في أنفسنا عن إجابة ذاك السؤال، يجب أن يتوارد إلى أذهاننا كلّ مايتعلق بكوننا أناسًا على قيد الحياة.
ولذلك يجب أن يتوجّه بحثنا أوّلًا عن حاجاتنا الإنسانية.
فكيف يصل الإنسان إلى نفسِه دون أن يعلم ماتحتاجه نفسه؟!

الرغبات
هرم ماسلو

نظرية الدافع البشريّ

قَدَّمَ عالِم النفس “إبراهام ماسلو” في ورقته البحثيّة (نظرية الدافع البشري) الاحتياجات الإنسانية في شكلِ هرم أطلق عليه (هرم ماسلو) أو (تدرّج ماسلو للاحتياجات)
حيث حدَّدَت النظرية خمس احتياجات رئيسيّة للإنسان.

وقامت النظرية بتقديم فكرة أنّ الإنسان بحاجة إلى تحقيق الاحتياجات الموجودة في أدنى الهرم ليتمكّن من البدء في تحقيق الاحتياجات التي تقع في المستوى الأعلى من الهرم.
وعلي الرغم من أن تلك النظرية لاقت تِرحابًا كبيرًا من البعض، ألا إنّها لاقت أيضًا نقدًا شديدًا من الآخرين؛ حيث أشاروا أنّ ترتيب الاحتياجات يختلف من شخصٍ إلى آخر، فمثلًا هناك الشخص الذي يهتم أوّلًا بالإبداع والإنجاز، فيجعله هذا قد يبدأ السُلّم من الحاجة لتحقيق الذات، أمّا الشخص الذي يقدّس الأُسرة والعائلة فقد يبدأ السلم بالاحتياجات الاجتماعية.

إعلان

رأى آخرون أنّ النظرية تخبرنا بأنّه يتعيّن علينا أن ننتقل لتسديد احتياج تلو الآخر، ولكن ما يحدث في الواقع هو أنّنا نقوم بتسديد أكثر من احتياج في آنٍ واحد.

بين الاحتياج والرغبة

بينما أختلفت الآراء وكثرت النظريات، ظلّ التشابه الوحيد هو أنّ للإنسان مجموعة من الاحتياجات، يرتبط تسديدها ببقاء الفرد وجودة حياته، ولكن حين نذكرالاحتياجات يجب علينا ذكر الرغبات حتى لايختلط الأمر؛ فالرغبات تختلف عن كونها أشياء يرغب بها الإنسان وتنفيذها يظل اختياريًا أي أنّ الفرد سيبقى حتى إن لم يتم تلبية هذه الرغبات إذ تضيف تلبية هذه الرغبات المزيد من وسائل الراحة.
على سبيل المثال أنت تحتاج للطعام كي تبقى على قيد الحياة، وقد ترغب في تناوله في الشرفة، إذ أنّه يمكنك الاستغناء عن الشرفة ولكن يظلّ الطعام مصدرًا للتمسك بالحياة.
فمن الطبيعي أن تختلف كإنسان حر في ترتيب وتحديد احتياجاتك؛ سواء من احتياجات نفسية، فسيولوجية، اجتماعية.. ولكن تمسّك ببوصلة اختياراتك وهي “صوتك الداخلي”

القيم الداخليّة

قيمك الداخليّة هي صوتك الحقيقي، وهي التي تقوم بترتيب احتياجاتك عن ترتيب الآخرين. فأنت تضع الوظيفة الثابتة والمرتب الثابت في أوّل احتياجاتك؛ لأنّ قِيَمك العٌليا هي الأمان المادي والاستقرار الوظيفي.
وغيرك يحتاج إلى تكوين أسرة، وباستطاعته ترك كل شيء من أجل ذاك الهدف لأنه يمثل قيمته العُليا.

القيم الداخلية هي كلمة السر في أن يجد الإنسان ذاته، فالحُر تكفيه الإشارة، وما أن حدّد الإنسان قيمَهُ الداخليّة حتى فُتِحَت في وجهِه جميع الأبواب المغلقة، وزالت كل الاسئلة، بينما كلما ابتعد عنها شعر بالسوء والغربة عن نفسه, وعن من حوله كشيء ما بداخله يخبره بأنّه ينتظر قطارًا لم ولن يأتي لأنّه يقف في محطةٍ مهجورةٍ.

بوصلة الطريق

لم يكن أبدًا ما نجيد فعله وما نعمل به من وظائِف هو ما يقود قراراتنا، ولا ما يملأ خزّان السعادة لدينا، لكن دائمًا وأبدًا هي قيمنا الشخصية.
قم بتحديد قيمك وحينها ستجد الوظيفة المناسبة والصحبة المناسبة.
ستجد رسالتك وفقًا لما تعبّرعنه نفسك الحقيقية دون أيّ مؤثراتٍ أخرى، وسيجعلك هذا متسقًا مع ذاتك.
فرحلتك الخاصة تعبّر عنك.. تخبرك من أنت.
واحتياجاتك جزءٌ لايتجزّأ منك، وتجاهلها قد يؤدّي إلى انهيارك..
فقط عليك حين تحدِّد وجهتك أن تُحرِّر نفسك من أن هناك مصدرًا واحدًا لتسديد احتياجاتك، فحينما تتحرّر من ذلك السجن وتعدّد مصادرك الصحيّة التي تتلقّى منها هذه الاحتياجات حينها تتحرّر خطواتك الساكنة وتمضي قُدُمًا حتى وإن كانت خطواتك بطيئة.

تحريرٌ النفس والبداية

معرفة نفسك هو بدايَة كُلَّ حكمة.

-أرسطو

يشقى المَرء بغربته عن نفسه ويضل حتى لو بدا لهٌ عكس ذلك، وما عِشناه من تخبطات وحيرة سيكون يومًا ما الضوء الذي ينير عَتمة الطريق، والصوت الذي سيخبرك بأنك أخيرًا على الطريق الصحيح.
فكما قال سيغموند فرويد: “لاشيء مثل الألم يجعل الناس يتغيرون
لم يفت الأوان بعد، فلا يوجد ما هو أهم من أن تجد قيمك التي ستقودَك في نهاية الأمر لنفسك وإلى حياة أخترتها أنت بنفسك ولم تُفرَض عليك.
فما زال بإمكانك أن تجد إجابة لسؤال من أنا، دون أن تذكر اسمك وسنك وحالتك الاجتماعيّة.

المقال إعداد: مروة قاسم

نرشح لك: ما هو تقدير الذات و هل لديك تقدير عالٍ أم ﻻ ؟

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: مروة قاسم

تدقيق لغوي: ندى ناصر

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا