الألم الذي يهبنا الحياة

بين التعريف والإدراك

عُرِّف الألم أنه تجربة حسيّة أو معنويّة يمكن وصفها بأنها حالة موحشة يشعر فيها الفرد بشيء من الانزعاج وعدم الراحة نتيجة حدوث خلل ما سواء عضويّ أو نفسيّ، آلة حيويّة تعزّز البقاء وبمثابة جرس الإنذار بأنك تختبر شيئًا ما يجب الانتباه إليه، استقبلته أنا وأنت حتى بات جزءًا من تكويننا الإنسانيّ، تارةً نبكيه وتارةً يبكينا ولم يحدث ولو مرة واحدة أننا اعتادناه، يأتينا كل مرة على أنه أول مرة.

فالألم الذي تشعر به عند فقد عزيز ليس مثل ما تشعر به عند رسوبك في بامتحان ما، لكل غصة منهما شعور مختلف أنت الشيء الوحيد المشترك في الأحداث ومهما اختلف وصفك في كل مرة لما تشعر به يبقى تعريفك لما تشعر أنه ألم، وعلى الرغم من اختلاف درجة وطريقة استجاباتنا له إلا أننا جميعا نشعر حياله بشعور مؤسف نشترك به ولو أخطأنا فهمه أو صعُب علينا إيجاد مرادفٍ صائبٍ له.

أحدنا يتجاوز ما لا يقدر على تجاوزه الآخر ويصل مهما كان ممزقًا، وأحدنا يتم ابتلاعه داخل دائرة الألم حتي يلفظ أنفاسه الأخيرة.

هنا من يتألم وهنا من يعاني وأنا وأنت وغيرنا قد نخطئ ونعتقد أنهما يختبران الشعور ذاته.

الألم والمعاناة

نحن نطلق على الألم معاناة ونخطئ في التفريق بينهما بل ونخطئ في فهم مانشعر به، ولطالما كان الألم شعور يختبره الجميع رغمًا عنهم ولا مفر منه إلا أن المعاناة اختيارية فهي تكمن في موقفك من الحياة عمومًا وثوابتك التي تقودك لإدارته أو التعامل معه، نتيجة حتمية عندما نترك له العنان في التأثير على مجريات أمورنا واستقرارنا النفسي ولهذا نحن جميعا نتألم ولسنا جميعًا نعاني.

إعلان

إن النظرة العجلى التي تخلط بين الألم والمعاناة تجعلنا نستصدم بذواتنا حينما نصدر أحكامنا علي أنفسنا ومن حولنا ننظر نظرة غير منصفة ونسفه من كل مجهود يبذل في النجاة من المعاناة، ننظر لمن يتألم بعين الشفقة لا بعين الصواب العادل لأن مايمر به أمر أنا به ويمر به الجميع وتجعلنا ننظر للمعاناة على أنها هي السائد ونفقد عين الحكمة والاختيار حتى نجد أنفسنا خاضعين ومُرّحبين بدور الضحية من باب أننا جميعا نعاني.

حصاد معتقداتنا وآرائنا هو ما يجعل أحدنا يتجاوز الألم والآخر يغرق في دوامة المعاناة، كأن تنعت الحياة بأنها جحيم لأنك تمر بظرف سيئ وغيرك في نفس الموقف يبحث عن حلول لمخرج آمن ولهذا الألم حتمي والمعاناة اختيارية.

نظرة المجتمع

الكثير من الضغوط تمارس في مجتمعاتنا لتحجيم كل شعور إنسانيّ، بل ومحو بعض المشاعر واستبدالها بمشاعر الخزي تجاهها وتجاه كل من يشعر بها وأحد هذه المشاعر هو الألم فنظرة المجتمع لكل من يعبّر عن ألمه تكون بعين القوة والضعف وهذا يرسّخ فكرة أن الألم والحزن للضعفاء، فبدلًا من خلق حالة من التوازن العاطفيّ تتواجد مؤثرات خارجية تصدر لنا الخزي من أنفسنا و تنعت مشاعرنا وتحكم عليها ونتيجة لذلك يتولد الكبت، عليك أن تصطنع وتستعير ابتسامات كاذبة كي لا تخرج عن القطيع ولا يطولك النبذ فتجد نفسك مع مرور الوقت قد تحولت لآلة تنبذ كل ماهو انساني وتفتقد كل شعور يعزز بقاءك ويحكي عنك.

ومابين خوفك من حكم المجتمع وخوفك من الألم في حد ذاته تصبح في دوامة الخوف غريقًا جائعًا دومًا للطمأنينة والثبات.

الخوف من الألم

نحن نسعى لأن نتجنب الألم أكثر من سعينا لأن نجد السعادة.

سيغموند فرويد

نحن نفزع حين نرى أي ملمح لقدوم الألم وينتابنا الشعور بالريبة في قدرتنا على تجاوزه، نظن أننا إن اختبرناه سنبقى فيه للأبد، لانستطيع حينها رؤية ماضينا الذي عايشنا فيه الآلام التي بفضلها نحن هنا الآن، نرى فقط توجسنا وانقباضة قلوبنا فتتوهج آليات الدفاع وتبلغ أشدها لإنهاء الأمر قبل بدايته.

ذاك الشعور الموحش الذي يعترينا حين نختبر الألم هو مايجعلنا نقطع أميالاً في سبيل الهرب منه، نسلك دروبًا لولا الفزع منه ماسلكناها ونصادق أناسًا ونهجر آخرين فقط من أجل ألا نلقاه فما نجد إلا أننا نصطدم به بقدر مانهرب منه، لم يكن الألم يومًا هو العلة في حد ذاته بل مايجره معه، فنحن من فرط الخوف حينها يُخيَّل لنا أننا سنبقي فيه للأبد ومهما بذلنا من محاولات جادة للتكيف حتى ولو نجحنا نجد أنفسنا لو خيرنا سنختار ألا نتألم من الأساس وذلك لأننا لم نصادق آلامنا، نحيا في غربة عن طبيعتنا البشرية وننظر له على أنه شر بائن نسلك كل طرق الهروب الممكنة وغير الممكنة حتى نفر منه.

نعمة الألم

يلعب الألم دور ناقوس الخطر فهو ينجينا من مخاطر لولاه لما انتبهنا لها، يرسل لنا رسالة مضمونها أمعن النظر هنا وهنا يجب التنقيب والبحث فيجنبنا هذا تفاقم الأمر.

يتراود إلى ذهني كيف يبدو من لا يتألم

ماذا يشعر حين ينفطر قلبه وحين ينزف دمه وحين تحرق أصابعه؟كم من مجهود يبذل كي يشرح نفسه، كيف يشعر بي وبك حين نخبره عن الألم بل كيف ينظر إلينا حينها، كيف يختبر حرقة الشمس وبرودة الجو، كيف يصف شعور الراحة وكيف يتماثل الشفاء، كيف لشعور واحد حينما يُفقد تصبح كل المشاعر سواء؟كيف يصبح حزنه مثل حزني وفرحه مثل فرحي، كيف تكون ابتساماته صادقة، هل يبكي؟ماذا سينقذ حياته وكيف سيدري عن علة في جسده، من أين كانت ستولد الرحمة في قلبه ويشعر بألم غيره إن لم يتألم هو.

فإن تتألم وتعيش أحيانا مشبوب القلب خير لك من أن تعيش خامد النفس فاقد الشعور

ولهذا تكمن المعاناة الحقيقية في عدم الشعور بالألم، أما عن فضله فأنا وأنت هنا لأننا نتألم.

قبول الألم

لا بدّ أن نتألم حتى النهاية في سبيل سعادتنا المقبلة، يجب أن نشتريها بآلام جديدة. إن الألم يطهّر كل شيء.

-فيودور دوستويفسكي

لم تعطي أبدًا الحياة دروسًا مجانية ولم يخلو أي رغد من شقاء تلك هي طبيعة الحياة وتقبل تلك الحقيقة سيجعلنا نؤمن بفكرة أن الحياة ليست مدينة لنا بشيء وأن كل شيء هنا بثمن فإن لم تشعر بالآلام لن تعرف معنى الراحة ولن تنعم برفاهية اختيار ألا تعاني ولن تذق متعة النجاة.

فهمنا لما نمر به ووصفه كما هو يجعلنا نجيد شرحه وإدراكنا لطبيعتنا الإنسانية ونظرتنا للألم علي أنه شعور إنساني كالقلق والخوف والفرح والحزن يأتي ويذهب يساعدنا على رؤية الجانب المضيء في أن نُبصر دواخلنا ونكتشف أنفسنا، بل إن هذا يجعلنا نشعر بالامتنان حيال الشعور في حد ذاته.

فالحياة ليست على وتيرة واحدة ولا شيء مثل الألم سيرينا قدرتنا الفائقة على النهوض والسعي وينبه غريزة البقاء لدينا ولا شيء سيخلد تجربتنا ويثريها مثله.

فنحن نبقى بأثرنا ولا شيء سيعبر عن رحلة سعينا والشقاء الذي كان رفيق رحلتنا مثل الألم، الذي لطالما كان خير معين وخير ما بث فينا الأمل.

تذكر، الأمل شيء جيد، ربما أفضل الأشياء، ولا شيء جيد يموت.

-(Shawshank redemption) Andy dufresne

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: مروة قاسم

تدقيق لغوي: بيسان صلاح

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا