فيلم waking life : عندما لا تستيقظ أبدًا

يقول جيس (إيثان هوك) عن حياته إنها مليئة بالدراما بشكل غير عادي ولكنه دومًا ماكان يشعر أن أمتع لحظات حياته هي مقابلته لأحدٍ ما يكون قادرًا على  التواصل معه. تلك الرغبة التي أحب أن يرى بها الحياه ويتعامل من خلالها في علاقاته.
ففي فيلم “Before Sunset” بقيت ذكرى سيلين (جولي دلبي) لجيس ليس فقط لانها حبيبته؛ ولكن لأنها من خلال حديثها العميق وأفكارها؛ جعلته يتفهم ذاته والحياة.

وبعكس جيس وسيلين قرر المخرج ريتشارد لينكليتر في فيلم “waking life” وضع بطله في حالة من المعاناة والغربة عن نفسه وعن مايحيط به؛ شيء ما أفقده القدرة على التواصل ومنع لفكره ووعيه أن يجعل لأي لقاء معنى؛ فكل شئ مآله الصمت والسكون، إنه غير مبال بأحد ولا يحرص على ذلك.

يحكي فيلم waking life عن شخصية توضع في عالم من الحلم لكن وجودها فيه هامشي ولديها مصير فوضوي متسلط عليها؛ حيث أن البطل دخل في حلم لايستطيع التحرر منه كون الحلم هو مصيره الأبدي؛ ولا يكترث ريتشارد في منح بطله فرصة وجود أي روح أخرى تحرره وتجعله على صلة بالحياة او على علم بها.

وعلى الرغم أنه خلال الحلم يتقابل مع العديد من الشخصيات بتركيبات وأفكار مختلفة لكنه لا يبدي أي رد فعل تجاههم؛ حيث انه في فوضوية تلك الأفكار وتدفقها المستمر يكون هو شديد التشتت والارتباك وكأنه وضع في طريق لا يعلم عنه شيئًا.

يقول الفيلسوف أفلوطين أن النفس هي التي تستدعي وجود الزمان وهي التي تخلقه وتحتفظ به مع كل ماتقوم به من نشاط وأعمال.

إعلان

بطل الفيلم (وايلي ويجينز) عكس سيلين وجيس لا يدرك قيمة اللحظة أو الزمن وهو في حالة من التشكك والقلق ورغبة دائمة في التأكد أن تلك اللحظات لن تضيع؛ يحدق في الساعة احيانًا لمعرفة هل مازال موجود حقًا؛ هل يحلم؟ ويحدث ذلك خاصة في اللحظات التي تلمسه مثلًا في مشهد حديث المخرجين عن السينما ونقاشاته مع بعض الفنانين أو الحب.

ولكن عقله مخدر مسلوب الإرادة ومن الصعب تحديد السبب النفسي أو المرضي لحالته؛ وأغلب لحظاته غير قابلة للادراك لذلك قد اتخذ الفيلم شكل الحلم ليعبر عن مضمونه بحرية أكبر.

فرويد افترض أن الأحلام هي طريقة اللاوعي واللاشعور في التعبير عن الرغبات كما أن لها لغة تحتاج الى تفسير وبتفسير تلك اللغة يمكن معرفة الرغبات التي يعبر عنها العقل اللاواعي. ويتم تفسير الاحلام وفقا لما ترمز اليه فيكشف الحلم عن مكامن اللاشعور بالاضافة الى دوره في حفظ النوم.

والأحلام غالبًا ماتكون ضد المنطق كما يغلب عليها التفكك والغموض؛  والرغبات فيها تكون اكثر زيغًا والتواءً وغموضًا من الواقع فمثلا هنا البطل يستمر في التحليق داخل الحلم مما يشير إلى رغبته في التحرر ولكن يتحرر من ماذا؟

ربما من فقدان الذات والصراع الفكري بين أفكار متعددة؛ حيث ذلك جعله غير متمكن من تكوين رؤية خاصة به للحياة؛ والاخرين يكشفون له وجوه متفرقة للحياة لكنها لا تلتقي لأنه ليس لديه من يشاركه وجدانيًا.

ولأن ذاته مفككة فهو مرغم على سماع بعض الاصوات لعلها تعينه؛ ولكن البطل شخص سلبي ولا نشعر أن تلك الحوارات بشكل عام ممتعة أو مؤثرة له. فهو لا يدخل في حوار بمض إرداته و لا ينهيه ولا يبحث عن صداقة اومغامرة أو يخلق لقاء دافئ قريب.

لذلك فتعبيراته نادرة الحدوث وكأن العالم يسير لديه بدون عاطفة ربما يكون ساخرًا في عقله من كل مايقابلهم.

والبطل نجده  نادرًا مايخلو بذاته فغالبًا مايكون هناك شئ يشتت انتباهه كالتلفاز الذي يقلب بين مضامينه وبرامجه دون أن يلتفت اليها كأنه يشير إلى الحياة في عالمنا والتي لا تعطينا تلك الفرصة لنتوقف؛ تلهينا دومًا بأشيائها حتى وإن بدت سخيفة كأن هناك طريق وعليك ان تكمله حتى لو تلقيت الصدمة والتشتت فكلنا كثيرًا ما نواجه ذلك الجوع من أجل إيجاد معنى.

فهناك من يقرر ان ينظر للحياة بصورة علمية أو فلسفية أو حتي بسطحية ولكن بالتأكيد كل منا له رؤية خاصة به وذلك ماعرضه الفيلم إلا أنه لا يحثك او يحث البطل على تبني أي شيء ولا ينوي من خلاله التأثير؛ حيث أن الفيلم به حس وثائقي لن يجعلك  ترتبط به من الناحية الشعورية أو تتعلق بأي شخصية من شخصياته المتعددة وعلى الرغم ان بطله شخص وحيد غير مهتم بالحب أو المشاعر الحقيقية لكنه بشكل خفي يبين أثر فقدان تلك المشاعر  ففي تلك السيولة الفكرية والحوارات العميقة لا تعرف الروح حينها سوى التمسك باللحظات الإنسانية الحقيقية أو اللحظات التى أحبتها أنفسنا.

و يخرج حوار الفيلم في ذلك عن دائرة النمطية  فلا يمكن من خلاله أن نتنبأ بالاحداث القادمة حيث أن قيمة الحوار انت من يحددها؛ كما أن هناك فكرة لكل مشهد وليست مرتبطة بالبطل ولا تمس مشاعره او مشاعرنا.

ولا يعتمد فيلم waking life على حبكة والأحداث فيه عشوائية كأنها تعبر عن عشوائية وضجيج داخلي يصاحب تلك النفس التي تحلم؛ انعكس ذلك ايضًا على المستوى البصري.

حيث أن هناك استغناء عن أحداث وشخصيات ذات صلة بالبطل كما أنه لا يوجد  زمان او مكان ثابت لتلك اللقاءات حتى في الكادرات نجد انه ليس هناك حدود فاصلة بين عناصر الصورة بعضها قد تتغير بشكل مفاجئ او لإضافه حس فكاهي وكثيرًا ما يكون من الصعب إدراك نهاية المشهد أو الحوار كيف بدأ أو تتوقع نهايته أو سببيته.

لذلك يندر أن يكون هناك أهمية للمكان أومفرداته المتنوعة والجديدة على الرغم من أنها في مضمونها تظهر حيوية في الصورة بشكل اخاذ.

ربما قد تكون من عيوب فيلم waking life أنه قد يتسرب اليك بعض الملل وهذا سبب وارد جدًا بسبب طبيعة الفيلم أو حواراته وعدم بناء روابط نفسية أو عاطفية اتجاه الشخصية الرئيسية أو الشخصيات الأخرى لكن من جانب آخر هناك وجود لإيقاع بصري مظبوط ومتماسك داخل كل مشهد  وشخصيات متعددة خلقت بعض المفاجآت مثلًا انتحار البعض او القتل.

وعملت الموسيقى في تلك الأحداث على خلق جو فانتازي يعبر عن أفعال الشخصيات والبطل؛ ربما بها نوع من البهجة أو المتعة وذلك سواء المشاهد الخاصة بالعزف أو المعبرة عن التحليق والفصل بين المشاهد كما أنه هناك تخصيص مشهد لرقصة التانجو؛

ذلك عمل على تكثيف الحالة وتطوير الحلم وربط المشاهد المتفككة وليس فقط إضفاء جو عام للفيلم. وخصوصًا الأكورديون كان موحيًا بتلك الحالة مابين الوصول والرجوع الذي يبقينا في سكون خاضع للحلم؛ إننا في حلم لن نخرج منه.

بالإضافة إلى الموسيقى كان فيلم waking life مثيرًا على المستوى البصري بداية من الحركة والتصوير غير الثابت فنشعر أننا في بحر يخطفنا بأمواجه إلى ما لانعرفه ولا نعرف من أين بدأ؛ نحن في المنتصف ولابد ان نصل الى النهاية.

ومن خلال استخدام الأنيمشن كان هناك تيمات شكلية متنوعة استطاعت التعبير عن فكرة الفيلم بحرية وحيوية فالألوان تتغير بتغير الشخصيات ولا يوجد سيطرة للون واحد أو شكل أو تيمة أو أسلوب عام يجمع الفيلم.

جميعهم يجمعهم الازدحام وعدم المنطقية ونادرًا مايتواجد مشهد بسيط على المستوى البصري وذلك تعبير عن حالة العبثية والعشوائية التي تتشكل بها حياتنا او مصائرنا.

على الرغم من أن كل مشهد له مزاج معين إلا أنها تندمج ونادرًا ماتشعر بانتهاء المشهد ومع ذلك ايضًا كلها متغيرة مفككة فكل المشاهد لا تفضي إلى أخرى وبعض المشاهد تستمر كمشهد الموسيقي والحلم وترتيبها ككل لا بسير وفق خط درامي وبعضها تتوقف بشكل مفاجئ لندرك أنه مازال في حلم يقاومه ما يجعل الاستغناء عن بعض المشاهد شيء ممكن؛ فكل مشهد يستطيع أن يوصل فكرته ويفي بالغرض.

لكن المخرج أراد أن يشعرنا كيف أن الحياة في مجملها مهما تعدد شكلها أو مضمونها  عاجزة عن تخليص الانسان من مصيره  فهو يؤكد على هامشية وجودنا وخاصة أن القدر يفاجئنا بشخصياته وألوانه ومفاجأته دون أن يترك لنا مجالًا للتأمل.

فهو فقط ينتزعنا من ذواتنا ورغباتنا لنقع تحت سطوته لذلك لانجد مجالًا لتضخيم أو الافراط في وجود الالام العاطفية او الاجتماعية؛ إننا نعيش في ذواتنا تحت رحمة مصير خلقناه بقصد او بدون قصد وكلما تعقدت الحياه كلما فقدنا قدرتنا بصورة أكبر على امتلاك أنفسنا وأصبح المصير هو من يقودنا  وإن كان الزمن أو الحياة قد تكافئنا أحيانًا في بعض لحظات صدقنا وشفافيتنا أن نعبر عن أنفسنا او نكون على صلة  بمن يشبهنا.

نرشح لك: This Is Us.. التّقليديّة تربح أحيانًا!

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: مي أمجد

اترك تعليقا