آدم -عليه السلام-: بين نظرية التطور ونصوص الخلق

عرض للآراء الإسلامية حول خلق آدم، بين النظرية والنص

لعل أكبر إشكالية تواجه نظرية التطور في العالم العربي والإسلامي هي العلاقة بين نظرية التطور -أو بالأحرى الجزء المتعلّق بنشوء البشر منها- وبين نصوص وقصص الخلق القرآنية. فالمتابع لجدالات مواقع التواصل عن التطور سيجد أن أغلبها ينحو في البداية والعموم منحى رفض النظرية لأن “ربنا يقول …” أو لأن الدين يرفضها. تأتي بعد ذلك إشكاليات أخرى مثل استعياب مفهوم العلم ثم العلاقة بين العلم والدين، إلا أنه يمكن لمتابع الجدل العلمي في عالمنا العربي أن يعترف أن السبب الرئيس لرفض نظرية التطور هو الدافع الديني بالأساس.

في هذا المقال سأحاول استعراض اعتراضات المسلمين على نظرية التطور المتعلقة بقصة خلق آدم -عليه السلام-، وعرض بعض الآراء التي تتعرّض لهذه القضية. لن يكون هذا المقال لتقديم أو ترجيح رأيٍ معين، بل غايته مجرد عرض الآراء الموجودة وتوضيح أن نظرية التطور لا تتعارض بالضرورة مع الإسلام، وأن هناك مجالًا للتفكير والتوفيق بينهما.

ما هي مشكلة المسلمين مع نظرية التطور؟

مبدئيًا، نستطيع باطمئنان أن نقول إن “مشكلة” المسلمين مع نظرية التطور -من جانبٍ دينيّ- تتلخص في نقطتين: قصة خلق آدم، وقضية العشوائية (هذا بالتغاضي عن قضية التفريق بين الغيبي والعلمي الحسّي والتي لا مجال للحديث عنها هنا).

ويكفينا بخصوص قضية العشوائية أن نقول أن التطور ليس عمليةً عشوائيةً كما يتصوره الكثيرون، وقد أفردت في السابق مقالًا لاستعراض ومناقشة قضية العشوائية في التطور. ولكن اختصارًا، فالتطور عملية تخضع لقوانين بيولوجية وفيزيائية وكيميائية مختلفة، ولا يحدث اعتباطًا، والعشوائيّ في عملية التطور هو النتائج النهائية للتطور والتي لا يمكننا التنبؤ بها (كما لا يمكنك -على سبيل المثال- تحديد أي صفات بالضبط سيرثها ابنك منك). فمفهوم “العشوائية” وكلمة “صدفة” التي يتندر بها الكثيرون حولها لغطٌ كبير.

بل إن علماء مؤمنين كثيرين لا يرون مشكلةً في أن يكون التطورُ هو سنةَ اللهِ في خلقِ الكائنات، بل وحتى العديدُ من الدعاةِ والشيوخِ والعلماءِ المسلمين -حتى منكرو التطور منهم- لا يرونَ مشكلة في اعتبار التطور هو سنة الله لخلق الكائنات.

إعلان

فعلى سبيل المثال، الشيخ عبد الله العجيري -مدير مركز تكوين وأحد أبرز الكتّاب السلفيين حاليًا- يقول:

هل ثمة مانع عقلًا أو دعنا نقول شرعًا؟ إن الله عز وجل طوّر أجناسًا بعضها من بعض؟ ما يَظهر لي والله أعلم أن ليس ثمة إشكالية في ما يتعلق بهذه القضية [الحديث عن المملكة الحيوانية والنباتية وغيرها]. لو ما ورد النص القطعي في ما يتعلق بآدم لكان من الجائز عقلًا أن الله خلق الإنسان -كما خلقه من تراب- أن يخلقه من قرد. ليس ثمة إشكالية من جهة المبدأ العقلي، وبالتالي ليس ثمة إشكالية إن الله طوّر الأجناس بعضها من بعض.(1)

هذا والشيخ العجيري يبدي تحفظًا على نظرية التطور ولا يمكنني القول أنه يقبلها، وإشكاليته الرئيسية معها كانت نصوص خلق آدم القطعية في نظره، وقد لخص رأيه بخصوص النظرية في حلقة من برنامج فنجان.

لكن نصوص خلق آدم كان هناك بعضُ الآراءِ حول قابليتها للتأويل، ومن أول تلك الآراء الشيخ حسين الجسر عام 1888 (منذ 130 سنة) والذي قال أن نصوص الخلق ليست قطعية ولكنَّ ظاهرها يشير إلى الخلق الخاص، فلو قام دليل على التطور يمكن تأويلها ولا تعارض.
والدكتور عبد الصبور شاهين له كتاب عام 1998 (أبي آدم: قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة) يعرض فيه تفسيرًا مختلفًا لخلقِ البشر انطلاقًا من كونه متخصصًا في اللغة العربية، وفي كتابه هذا قال أنه كان هناك “بشر” قبل آدم ولكنه كان أول “إنسان“. (بالمناسبة رُفعت على الدكتور 4 قضايا تكفير لكن الأزهر أنصفه وقال أن اجتهاداته لم تتجاوز الحد!) (2)

وحتى الدكتور يوسف القرضاوي في حلقةٍ لبرنامج الشريعة والحياة عام 2009 قال: “إن الإسلام لا يمنع من البحث في نشأة الخلق (قل سيروا في الارضِ فانظروا كيفَ بدأَ الخلق)، ولو ثبتت نظرية داروين لدينا من الآيات ما يمكن تأويله ليتوافق معها”.

فهذه آراء تقول أن النصوص ليست قطعية بالضرورة، لكن حتى ولو فرضنا أن النصوص قطعية، وأن آدم عليه السلام خلق خاصٌ مباشر لله فيمكن قبول نظرية التطور أيضًا ولا إشكال.

آراء بخصوص القضية

بعد هذه المقدمة، يمكننا أن نتفق على أنه يمكن قبول التطور بدون تعارض بالضرورة مع الإسلام، ويتبقى أن نرى كيف يمكن التوفيق بينه وبين قصة خلق آدم.

أغلب الآراء الإسلامية التي مررت بها بخصوص التطور وخلق آدم تكاد تنقسم إلى خمس توجهات رئيسية:

1- الأول هم منكرو التطور، الذين يرَونَ أنه مجرد “تخمين” وليس عليه أدلة، وبالتالي فمن العبث التوفيق بينه وبين الإسلام أو محاولة إسقاطه على النصوص من الأساس. وهذا -للأسف- موقف أكثر الدعاة والشيوخ حاليًا ولعل أبرزهم الدكتور إياد قنيبي والدكتور هيثم طلعت. ولكن في سياق هذا المقال لن نتعرض كثيرًا لهذا الرأي. رأي آخر شبيه هو من يقبل التطور لكن يستثني منه البشر، لكن هؤلاء سيواجهون بأدلة التطور التي تنطبق علينا أيضًا، فموقفهم لم يقدّم أو يؤخر شيئًا.

2- الرأي الثاني رأي يقبل التطور، لكنه يرى أن نصوص خلق آدم نصوص قطعية، وبالتالي فإن آدم عليه السلام خلقٌ خاص إعجازي، فلا مانع من أن يكون هناك “بشر” قبل آدم لكن (تكريمًا له) خلقه الله خلقًا خاصًا (مثل خلق سيدنا عيسى، فالطبيعي أن للبشر أب وأم لكن عيسى عليه السلام خلقٌ خاصٌّ إعجازي). ممن يقول بهذا الرأي الداعية الإنجليزي ياسر قاضي؛ وهو كما سبق رأي لا يرفضه الشيخ عبد الله العجيري.
ومن الآراء المثيرة للاهتمام اللي سمعتها بهذا الخصوص كان للشيخ أنس السلطان، فهو يرى بأهمية التفريق بين القطعي والظني، ففي رأيه أن نصوص خلق آدم خلقًا خاصًا قطعية، لكن ليس بالضرورة أن يكون آدم مختلفًا جسمانيًا عن باقي الكائنات مثلًا أو إن كان هناك بشر قبله فهذه من الظنيات التي يمكن الاجتهاد بشأنها، وقد ذكر هذا في مقدمة ندوة “نظرية التطور بين علم الأحياء والعقيدة – وجهة نظر أخرى“.

3الرأي الثالث هو رأي يقبل التطور ويرى أن نصوص خلق البشر غير قطعية، وبالتالي يقبل تأويلها. ويستند هذا الرأي لكتابات مثل كتابات الشيخ حسين الجسر -في الرسالة الحميدية- والدكتور عبد الصبور شاهين، ويحاول تأويل آيات الخلق في ضوء نظرية التطور؛ ومن المؤيدين لهذه الفكرة الدكتور محمد باسل الطائي  والدكتور عمرو شريف.

بعض مؤيدي هذا التوجه يرى أن آدم عليه السلام كان أول إنسان، من حيث الوعي والشعور الديني أو ما يميز الإنسان الحديث عن غيره عمومًا. ولا مانع أن يكون آدم قد خُلق عن طريق التطور. وممن يميلون لهذا الرأي الدكتور نضال قسوم  والدكتور عدنان إبراهيم.

4 -البعض الآخر يرى أن آدم عليه السلام موضوع إيمان واعتقاد، لا داعي لإسقاطه على النظرية العلمية، بل لا يمكننا أصلًا البحث عن سيدنا آدم لأننا لا نعلم قطعًا أين كان ومتى عاش، وبالتالي كيفيةُ خلقِ آدمَ عليه السلام لن تفرقَ معنا لا دينيًا ولا علميًا. وممن يقول بهذا الرأي الدكتور هشام سلام (9) والدكتور محمد عادل جمعة.

تنويه مهم هنا، وهو أن البعض يدّعي أن القرآن يحتوي على أدلة لنظرية التطور وآيات صريحة على حدوث التطور. وهذا شبيه بفكرة الإعجاز العلمي، ولكن هذا التوجه أرفضه تمامًا ويختلف عمّا أتكلم عنه هنا.

5- الرأي الخامس يقول بأن قصة خلق آدم في القرآن هي قصة رمزية، وليست حدثًا تاريخيًا أو ذكرًا لوقائعَ حدثت بالفعل، وإنما هي قصة للعبرة والموعظة. ومن مؤيدي هذا الرأي الدكتورة رنا الدجاني (10) ويذكر البعض كتابات للإمام محمد عبده بهذا الصدد.

هناك مفكرون مسلمون مثل عباس العقاد ورشيد رضا ومحمد عبده قالوا إنه لا داعٍ لرفض نظرية التطور بسبب النص الديني لأنه إذا ثبتت فيما بعد نكون قد خلقنا صراعًا بين العلم والدين بدون داعٍ. وفي النهاية هدف هذا المقال هو عرض للآراء الإسلامية الموجودة بخصوص التطور؛ وإنه لا داعٍ ولا مبرر لرفض نظرية علمية رصينة وإنكار حقائق طبيعية مشاهدة.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: زياد حسنين

تدقيق لغوي: أبرار وهدان

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا