المدن الصديقة للطفل: لكي تكون المدينة مكانًا أفضل لنا جميعًا

“نحن نعيش في عالمٍ حضريٍّ بشكل متسارع، مع أعدادٍ من الأطفال التي تعيش في المدن أكبر من أي وقتٍ مضى. بالتالي فإنه من الواجب علينا أن نصمم ونبني مدنًا تلبّي احتياجات الأطفال: منحهم فرصًا للعب والتعلّم، وتحفيز تفاعلاتهم الاجتماعية والثقافية.” كانت هذه عبارات البروفيسور «كلاوس شواب»، المدير التنفيذي للمنتدى الاقتصادي الدولي. ففي حين يشكل سكان المدن الآن أكثر من نصف سكان الكوكب، فإن عدد الأطفال الذين يعيشون في تلك المدن أيضًا يضطرنا إلى التفكير في وضعهم وحاجاتهم ورغباتهم. نتحدث هنا عن مفهوم «المدن الصديقة للطفل – Child Friendly Cities»، أي تصميم المدن وتخطيطها بحيث تكون ملائمة للأطفال ولطبيعتهم.

تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن الأطفال بعتبارهم محورًا للتصميم يصب في نهاية المطاف في صالح المجتمع بشكلٍ عام، ويشمل ذلك ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين وغيرهم من الفئات الأقل قدرة في المجتمع، إذ أن حاجاتهم كثيرًا ما تتقاطع مع حاجات الأطفال.

يعتمد التخطيط والتصميم الصديق للأطفال على نظرية النظم، والتعامل والتخطيط على عدة مستويات ومجالات لضمان نجاح هذا النموذج الآخذ في الانتشار حول العالم. بل إن لدى منظمة اليونيسيف برنامجًا خاصًا لتحفيز تحوّل المدن إلى مدن صديقة للأطفال.[1] سنتحدث في هذا المقال عن وضع الأطفال في المدن والمشاكل التي تواجههم بشكلٍ عام، وأبرز المفاهيم والمبادئ التي يتبناها التصميم الصديق للأطفال والفوائد التي يمكن أن تعود على المدن جراء تبني هذا النموذج للتطوير والتحسين. من ثم نستعرض بعضًا من الاجراءات الممكنة لتطوير المدن ضمن هذا الإطار ونبذة عن بعض المدن والمبادرات التي طبقت بالفعل مبادئ ونماذج للمدن الصديقة للطفل.

إن لندن ملائمةً للأطفال ولصغار السن ستكون لندن ملائمةً لنا جميعًا.

-من تقرير مكتب عمدة لندن بعنوان “جعل لندن صديقة للأطفال”.[2]

المدن والأطفال: علاقة غير صحية

كانت المدن الحديثة في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تعاني من عدة مشاكل رئيسية كالأمراض والتلوث والاكتظاظ وغياب المساكن المناسبة، ما جعل مراكز المدن -الصناعية بالأخص- أماكن غير محببة للسكن بالنسبة للميسورين ماديًا. في هذا السياق ظهرت ضواحي المدن «Suburbs» كملاذٍ آمن من علل المدن، واستمرت كذلك بشكلٍ رئيس لما بعد الحرب العالمية الثانية وتظل نمطًا سائدًا في التخطيط الحضري إلى الآن في عدة دول. منذ ستينات القرن الماضي وهذا النمط الحداثي بالأساس محل نقد شديد من ممارسي التخطيط العمراني والعمارة على حدٍ سواء لعدة أسباب، سنذكر منها هنا تلك المتعلقة بموضوعنا.

◾الاعتماد على السيارات

بدايةً، تبنّى النمط الحداثي في تخطيط المدن السيارات كوسيلة أساسية للتنقل، ما دفع بالمدن إلى تطوير شبكات الطرق وتوسيعها ولو على حساب الأحياء السكنية، وتوفير مساحات شاسعة من المواقف. لكن السيارات بطبيعة الحال من أشد الأشياء خطرًا على الأطفال وصغار السن؛ فحسب منظمة الصحة العالمية كانت حوادث السيارات السبب الأكبر في وفيات اليافعين من سن 10-19 سنة حول العالم عام 2015. وتتواتر الدراسات والتحقيقات عن أثر السيارات على شعور الأطفال بالأمان في الشوارع وشعور الأهل بالطمأنينة على أطفالهم في التنقل واللعب خارجًا، ما يعني اعتمادهم في الحركة على السيارات وبقاءهم في الداخل لفتراتٍ أطول وما يتبع ذلك من آثار على صحتهم النفسية وعلاقاتهم الاجتماعية ونموهم الشخصي. ناهيك بالطبع الآثار الصحية السلبية للتلوث الناجم عن السيارات والتوتر الناتج عن الازدحامات المرورية.

إعلان

المدن الصديقة للطفل

◾التوسع في الضواحي مقابل الإسكان عالِ الكثافة

بالطبع فإن البناء في ضواحي المدن وعدم توفير وسائل نقل عامةً بشكل كافٍ ساهم أيضًا في الاعتماد على السيارات. ففي ظل توسع المدن بشكلٍ أفقي، تقل كثافة السكان وتقل معها إمكانية توفير وسائل النقل العام بسبب تباعد المسافات. وبطبيعة الحال فإن المسافات البعيدة تزيد من صعوبة الحركة لصغار السن ومن يعانون صعوبات في التنقل، وتباعد بين المرافق اللازمة والمعنية بالأطفال ما يعني اعتمادًا أكبر على السيارة واستخدامًا أقل لتلك المرافق.

في مقابل التوسع قليل الكثافة في الضواحي، فإن التوسع عالِ الكثافة المرتكز على الأبراج والعمارات يؤدي إلى مشاكل أخرى، مثل العزلة وفقر المساحات العامة وتردي مستويات الأمن فيها، ما يعني أهمية البحث عن الكثافة السكانية المناسبة لجعل حيٍ ما فعّالًا.

◾إهمال المرافق المعنية بالأطفال وغيرهم

بشكلٍ عام، هُمّش الأطفال من المدن وتصميماتها بسبب عدم قدرتهم على ابداء آراءهم او التصويت. وفي ظل الظروف الحضرية التي أسلفناها، فكان من الطبيعي أن تخصص أماكن خاصة للأطفال -كالحدائق أو مدن الملاهي- بعيدًا عن نسيج المدينة الذي صار غير آمنًا وغير صحيّ بالنسبة لهم. أدى ذلك أيضًا إلى إغفال حاجات صغار السن -وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة- عند تصميم المباني والأحياء. ومن أوائل النقاد الذين أشاروا إلى هذا الخلل الكاتبة الأمريكية “جين جيكوبز” حين أشارت إلى دور الرصيف كملعب للأطفال وكمكان للتعلم فيه عن الحياة، في حين أن الكثير من الشوارع والطرق الآن -حتى في الأماكن السكنية- لا تحتوي على أماكن تسمح للأطفال باللعب فيها. تندّرت جيكوبز بالفكرة السائدة في المدن التي ترى في الشوارع خطرًا على الأطفال، ورأت أن ذلك ليس إلا نتيجة لاحتلال السيارات للمدن.

◾انعدام الثقة والتهميش الاجتماعي

لعدة أسباب، يوجد ميل لدى الكثير من المجتمعات باعتبار صغار السن أو من هم في سن المراهقة عناصر مشاغبة ومثيرة للقلق، ما يستدعي التنفير منهم وربما حتى التعامل الأمني معهم. وفي ظل غياب المرافق يزيد هذا التعامل من ضيق صغار السن ويفاقم من إشكالاتهم الاجتماعية والنفسية. الأمر يتفاقم في حالات انعدام المساواة المكانية، من حيث القدرة على الوصول إلى المرافق أو توافرها في الأحياء والمناطق الأقل حظًا وطبقة، والفصل المكاني أو العنصري ربما بين فئات المجتمع. بالإضافة إلى ما ذكرناه من عدم تمثيل الأطفال وعدم تمكنهم من التعبير عن همومهم (ففي النهاية، الأطفال لا يصوتون في الانتخابات) يخلق هذا الوضع نوعًا من انعدام الثقة وعدم التفاهم، ما قد يؤثر على النسيج المجتمعي في نهاية المطاف.

أبرز مفاهيم المدن الصديقة للطفل

يشمل التوجه الصديق للأطفال في تخطيط المدن على أنواعٍ ومستوياتٍ عدة من الإجراءات والمفاهيم، تشمل مجالات كثيرة (حضرية، معمارية، اجتماعية، أمنية، اقتصادية، وسياسية). إلا أنه يمكن جمع مبادئ وأهداف التخطيط الصديق للأطفال في مفهومين مركزيين: الحرية في الحركة المستقلة، والبنية التحتية المعنية بالأطفال.

◾ الحرية في الحركة المستقلة

تعني «الحريات اليومية» أو «الحركة المستقلة – Independent Mobility» قدرة الأطفال في التنقل بحرية في أحياءهم دون الحاجة لمرافقة أحد الكبار لهم، سواءً كان ذلك لللعب أو للمشاركة في أنشطة مجتمعية أو لممارسة أنشطة يومية مثل التسوق أو غيرها. بل إن أحد المقاييس التي يمكن معرفة بها مدى تمتع الأطفال في منطقةٍ أو حيٍ ما بالحرية في التنقل باستقلالية هو مقياس «الآيس كريم»، أي معرفة ما إن كان طفلٌ ما قادرًا على المشي بأمان لمتجر لشراء آيس كريم ومن ثم العودة إلى منزله قبل أن يذوب.

الحرية في الحركة المستقلة معتمدة على العديد من العوامل، منها قرب المرافق وخيارات الأنشطة المتاحة وتوفرها وتوافر معابر آمنة للطرق، كما تعتمد على عمر الأطفال وجنسهم وإحساسهم  وإحساس أهاليهم بالأمن. لذلك فإن من القواعد العامة المنظمة لهذا المبدأ تطبيع تواجد الأطفال وأنشطتهم كجزء من الحياة اليومية في المدن والأماكن العامة والشوارع. لذلك فللوصول إلى توازنٍ مناسب يجب أن تتوافر أيضًا أنشطة وفعاليات ومرافق كافية ومتنوعة تسمح للأطفال بالمشاركة فيها والتفاعل معها إضافةً إلى قدرتهم على التنقل إليها بسهولة. فانعدام المرافق والأنشطة يؤدي إلى بيئة فقيرة ومملة في حين أن توافرها مع عدم القدرة على الوصول بسهولة إليها يفقدها حيويتها ومغزاها.

◾البنية التحتية للأطفال

لا يقتصر تصميم وتوفير المرافق والبنى التحتية للأطفال على الحدائق والملاعب، بل يمتد ليشمل تخطيط الأحياء والطرق وتوزيع المتاجر والأماكن العامة لتكون في متناول يد الأطفال وصغار السن وتسمح لهم بالتنقل بسهولة وأمان. ويهدف توفير بنية تحتية مناسبة للأطفال إلى تطوير أماكن عامة متصلة ببعضها ومتعددة الاستخدامات ومتعددة الأجيال «Intergenerational»، لتكون أكثر حيوية وأكثر استدامة وتساهم بعوائد أكبر للحي والمجتمع بشكلٍ عام.

من محاور التطوير ضمن البنى التحتية للأطفال تحسين الشوارع والأماكن المجاورة للمنازل، فهذه الأماكن توفر أكبر فرصة للسماح للأطفال بالمشاركة المجتمعية بحرية وبسهولة. هذا يتطلب النظر أبعد من مجرد بناء الملاعب العامة والاهتمام بالمرافق التي يمكن للعوائل والمجتمعات الاستمتاع بها سويًا دون الحاجة ربما للتنقل بعيدًا عن مكان إقامتهم. كما أن توفير بيئات خضراء يساهم بشكلٍ شديد الإيجابية في جودة الحياة عامةً وللأطفال بشكل خاص.

رسم للأكاديمية الفنلندية ماركيتا كيتا يقسم المدن من حيث توافر الأنشطة للأطفال وقدرتهم على الوصول إليها بيسر. المدينة الصديقة للطفل تحتوي على انشطة وفعاليات أكثر وأسهل للوصول إليها

◾لعب الأطفال

بالنسبة للأطفال، فإن العالم وكل ما فيه شيءٌ جديد؛ شيءٌ يبعث على الدهشة.  ليس الأمر كذلك بالنسبة للكبار.

– جوستين غاردر، عالم صوفي

لا يخفى على أحد أهمية اللعب بالنسبة للأطفال -بل وللكبار أيضًا-، فقد يعتبر أكثر الأفعال التي يقوم بها الأطفال فطريةً وعفويةً. والأهم أن اللعب ليس مضيعة للوقت، بل هو الوسيلة الأساسية التي يتعلم بها الأطفال ويحافظون بها على نموٍ إدراكي وبدنيٍ سليم، وينشؤون مجتمعيًا بشكل سلس. بالطبع، تبقى سلامة الأطفال العائق الأساسي أمام لعبهم، سواءً بسبب مخاطر بيئية مثل السيارات أو انعدام الأمن أو بسبب إمكانية تعرضهم للحوادث. المشكل هو أن إيثار السلامة والخوف الزائد من أي إصابات جعل إمكانية لعب الأطفال في المدن أمرًا شديد التعقيد.

لذلك فإن العديد من المهتمين بالطفولة أدركوا أهمية التطبيع مع لعب الأطفال في المدينة. فمن الكتاب المشهورين في هذا السياق “تيم غيل» والذي ألف كتابه «الملعب في المدينة – Urban Playground» بهدفٍ التوعية بحق الأطفال في المدن وتقصير التخطيط الحضري تجاههم وكيف يمكن للمدن أن تصمم من وجهة نظر الأطفال.[3] ومن المعماريين الذين عرفوا باهتمامهم بلعب الأطفال في المدينة المعماريّ الهولندي «آلدو فان إيك».

فوائد المدن الصديقة للطفل

  1. الصحة وجودة المعيشة: سيضمن التخطيط الصديق للأطفال قدرتهم على ممارسة النشاط البدني وسهولة وصولهم إلى الأنشطة المختلفة والمناطق المفتوحة والخضراء، ما يساعد على الحفاظ على صحتهم النفسية.
  2. الاقتصادات المحليّة: يساهم الحفاظ على جودة حياة الاطفال في استقرار الأسر وتماسكها، كما يمكنه بث النشاط والحيوية في الأحياء والمزارات وتوفير المساحات.
  3. الأمن والسلامة: يحافظ على سلامة الطرق ويوفر شوارعَ أكثر أمنًا ونشاطًا. كما يساهم في تقليل شعور السكان بالخطر ويقلل من تحسسهم من وجود الأغراب وصغار السن.
  4. التماسك المجتمعي: يساعد في خلق مجتمعاتٍ وروابط مجتمعية جديدة، كما يوفر مساحاتٍ للتفاعل والاحتكاك المجتمعي سواءً للأطفال أو للأكبر سنًا بالإضافة لضمًه الفئات الأضعف كذوي الاحتياجات الخاصة إلى المساحات العامة.
  5. البيئة والاستدامة: يساهم في ربط الأطفال والمجتمعات بالبيئة وجعل المتنزهات أكثر مرحًا وتفاعلًا.
  6. المقاومة: قد يساعد المدن على أن تكون أكثر مرونة ومقاومة للمشاكل المجتمعية والتغيرات المناخية، ويجعل السكان أكثر تاقلمًا مع مدينتهم.
  7. محفز لتحسين المدن: تعمل المدن الصديقة للطفل كمظلة تجمع تحتها العديد من المفاهيم والمبادئ التي ترددت كثيرًا حول تحسين وتطوير المدن، لذلك فإن تطبيقها يضمن فعاليّة اكبر في تحسين المدن وربط المجتمعات بها وزيادة شعورهم بالانتماء لمناطقهم.[4]
المدن الصديقة للطفل
ساحة سبوليتو فينيني – ميلانو

المستويات المتاحة والمطلوبة للتطوير

كما ذكرنا وكما هو واضح من استعراضنا، فإن المدن الصديقة للطفل تصورٌ شاملٌ يسعى داعموه لأن يكون بديلًا للتصورات التقليدية عن تصميم وتخطيط المدن؛ وينبني على ذلك أن يندرج هذا التصور ومبادؤه في كامل النسيج الإداري والتخطيط للمدن، بدءًا بالسياسات العامة ومرورًا بالقوانين والبنى التحتية والخدمات (مثل النقل والأمن والصحة) وانتهاءً بمشاركة الصغار في عملية التخطيط والتصميم. وسنذكر هنا بعض الخطوات المبدئية التي يمكن البدء بها:

على مستوى السياسات

يمكن للمحليّات البدء بإدراج مفاهيم رعاية الأطفال كمسؤولية  لدى الموظفين وكهدف مجتمعي. كما ينبغي على المدن مراقبة أداء الأحياء والمناطق المختلفة وتقييمها من جهة “حرياتها اليومية” وسهولة التنقل فيها. بعد ذلك يمكن إدراج متطلبات في البنى التحتية تحث المطورين والمقاولين على إدماج الأطفال في النسيج الحضري، كفصل الطرق السريعة عن الشوارع السكنية أو توزيع المرافق بشكلٍ متزن ومتساوٍ بين الأحياء.

على مستوى المشاركة والإدارة

يشجع الداعمون لمشاريع المدن الصديقة للطفل على البدء في إشراك صغار السن في عمليات استشارة حول تطوير مناطقهم وأحيائهم. فناهيك عن الفائدة النفسية والشخصية التي تعود عليهم بذلك فإن الشعور بالإسهام في تشكيل الأماكن التي يستعملونها يمنحهم شعورًا بالاعتزاز بها ويساهم في الحفاظ على تلك الأماكن. أما على مستوى إدارة الأماكن العامة فإنه من المهم تطبيع تواجد الأطفال فيها، وعدم حصرهم في أماكن معينة أو الحد من حريتهم في التنقل على سبيل المثال.

على مستوى التصميم

أما على مستوى الممارسين، فيمكن البدء في إدماج الأطفال في المدن بالنظر إلى الأماكن باعتبارها أكثر من مجرد مساحات تؤدي وظيفة معينة، بل كأماكن يمكنها تحفيز لعب الأطفال واستكشافهم لبيئاتهم. بل يجب إعادة التفكير في المساحات العامة المحيطة بالمؤسسات والمرافق باعتبارها مساحاتٍ متعددة الاستعمالات ومتنوعة الديموغرافيات. أما من جهة تخطيط الأحياء فيجب مراعاة مبدأ الحركة المستقلة وتفضيل المشاة والدراجات على السيارات والأخذ في الاعتبار أن الأفضل للسكان بشكلٍ عام وللصغار والفئات الأقل قدرة بشكل خاص هو المشي، ما يعني تصميم مساحاتٍ أصغر وأكثر ملاءمة للحواس البشرية.

نماذج عملية

لسنا في حاجة إلى ذكر أن مدن العالم اليوم أبعد ما تكون -في سوادها الأعظم- عمّا نحلم به، وعن كونها مدنًا صديقة للأطفال بحق. لكن العديد من المدن حول العالم بامتداد أقاليمه بدأت بالفعل في تطبيق مبادئ مراعية للطفولة في سياساتها وخططتها. تزايد أعداد المحليات والأحياء التي تفعل ذلك يبشّر بتوافر أمثلة إيجابية واقعية تساهم في تعميم هذا النموذج كما نأمل.

مناطق أولوية للأطفال – كولومبيا

أقامت مدينة بوغوتا عاصمة كولومبيا منطقة “أولوية للأطفال” حول مركز لرعاية الأطفال، حيث تم تجربة عدة تعديلات على المنطقة منها تقليص المرور و”تلعيب” الشوارع وإقامة حدائق متنقلة وإضافة مناطق جلوس عمومية، وعلامات تشير إلى أن المنطقة منطقة صديقة للأطفال.  تنوي البلدية دراسة نتائج هذه التجربة ومن ثم تعميمها على أكثر من 370 مركزًا مشابهًا في المدينة.[5]

◾هولندا: دمج الأطفال في نسيج مدينة روتردام

في عام 2006 لقبت مدينة روتردام في هولندا بـ”أسوأ مدينة للنشأة فيها”، لتقرر بعدها استثمار 15 مليون يورو في مشروع “روتردام صديقة للأطفال”. ركز المشروع على تطوير المساحات العامة والمرافق المجتمعية وجعل الطرق أكثر سلامة، بالإضافة إلى جذب أنواعٍ مختلفة من العائلات إلى عدة أحياء لتنويع تشكيلتها السكانية. شمل المشروع أيضًا تحويل عدة ملاعب مدرسية إلى حدائق مفتوحة للمجتمع، حيث توفر الملاعب وسائل للترفيه والراحة في حين يوفر اختلاط السكان واستعمالهم للمكان في أوقات مختلفة فرصًا اقتصادية واجتماعية للأحياء، ويكفل للأطفال فرصة للانغماس في الحياة اليومية للمجتمع.[6]

◾الهند: تسهيل الوصول للمساحات العامة

تسعى عدة مدن ومؤسسات مجتمعية هندية لتدعيم المساحات العامة والحدائق لتصبح أكثر ملاءمة للأطفال وللفئات الأقل حظوة عن طريق تطبيق استشارات مجتمعية وقواعد لتحسين أوضاع المشاة. نجحت تلك المبادرات في إعادة تصميم 14 حديقة، مانحة المئات من الأطفال طرقًا آمنة للوصول إلى الملاعب وسمحت للآلاف من سكان مدنٍ مثل بنجالور بالسير وركوب الدراجات بأمان. شملت بعض هذا المبادرات عمليات تخطيط وتصميم مبسطة لتساعد المجتمع والأطفال على المساهمة بأفكارهم واقتراحاتهم -ولو بمجرد الرسم على الورق- لتحسين حالة المدن.[7]

◾المساحات العامة كأداة بيئية – جاكرتا

تسعى جاكرتا إلى بناء الآلاف من الحدائق العامة بحلول عام 2030، أي تحويل ما يقرب من 30% من مساحة المدينة إلى مناطق خضراء ومفتوحة بهدف تسهيل الوصول إلى المناطق الخضراء وتحسين جودة الهواء والصحة العامة. تعمل تلك الحدائق والمساحات العامة أيضًا كمصارف لمياه السيول، إذ ساهمت البنية التحتية للحدائق في تقليص مدة السيول من 3 أيام إلى 3 ساعات أحيانًا. عانت جاكرتا على مدار العقود الماضية من تآكل المساحات العامة والخضراء، وجاءت هذه الخطوة بدمج مشاريع البنية الخضراء للمدينة مع التخطيط الصديق للأطفال لمعالجة هذه الظاهرة والتعامل مع الازدياد السكاني وتصريف السيول.[8]

المدن الصديقة للطفل
ملعب وحديقة كاليدوجو – جاكارتا

في النهاية، يجدر القول بأن تخطيط المدن لتكون صديقة للأطفال قد يكون بالفعل نضالًا ضد عواملٍ كثيرة أخرى، لكنه نضال لا بدّ منه إذا أردنا أن يحيا أبناؤنا وأهلنا في مدنٍ أكثر أمنًا وصحةً وتفاؤلًا وحياةً. كل ما عليك فعله لتدرك ذلك هو أن تنظر إلى تعابير وجه طفلٍ يلعب في الشارع أو آخر يشعر بالفضول وحب الاستكشاف، لتعلم أن الأطفال -بحقّ- رمزٌ لحب الحياة.

نرشح لك: تعرف على المدن الذكية وفوائدها في تحقيق التنمية المستدامة


[1] Child Friendly Cities Initiative 
[2] Making London Child Friendly
[3] Urban Playground
[4] Cities Alive: Designing for urban childhoods
[5] The children’s priority zone debuts in Bogotá
[6] Rotterdam wins a national prize for the most child friendly city initiative 
[7] India: Livable Cities Project
[8] Cities100: Jakarta - Alleviating Floods with Parks for Children


للإطلاع على المزيد بخصوص المدن الصديقة للطفل:
[1] What would the ultimate child-friendly city look like
[2] Where Will the Children Play? How to Design Stimulating and Safe Cities for Childhood

إعلان

اترك تعليقا