هل قدرتك على التخيل أهم من المعرفة في صناعة الواقع ؟

قد يستغرب البعض عندما يقول العلم أن العقل لايميز بين الحقيقه والخيال، نعم إن العقل (او الدماغ ) كأداه لاستقبال المعلومات وتحويلها لصورة ذهنية لا يفرق بين مايستقبل ويرى بالعين، وبين مايستقبل ويرى بالمخيلة (مايتخيله الإنسان وعيناه مغلقتان ). إن علماء النفس الاكلينيكي والتجريبي أثبتوا بما لايقبل الشك أن الجهاز العصبى أو الدماغ لا يستطيع التفرقه بين الحقيقه والخيال، وهذا بناء على مئات التجارب المختلفة والتى تمت إعادتها عشرات المرات وفي كل مره تكون النتائج متشابهة.
فى إحدى هذه الدراسات أتوا بلاعبي سلة واعطوا كل واحد عددا معينا من الرميات الحرة، وتم تحديد نسبة التسديد الناجح بدقه لكل لاعب، وتمت إعادة التمرين مرات عديدة للتأكد من دقة هذه النسبة لكل لاعب، وتم تقسيم اللاعبين عشوائيا إلى ثلاث مجموعات…
المجموعة الاولى: جعلوها تتدرب كل يوم لعدة ساعات على الرميات الحرة.
المجموعة الثانية: لم تتدرب أبدا.
المجموعة الثالثة: طلب منهم الجلوس على المنصة، وأن يتخيلوا أنهم يتدربون على الرميات الحرة بخيالهم لعدة ساعات في اليوم، وهي نفس الفترة الزمنية للمجموعة الأولى.
وبعد الانتهاء من التمارين في الثلاث مجموعات، وجدوا أن المجموعة الأولى التى تدربت بالفعل، تحسن أداؤها بشكل ملحوظ، أما المجموعة الثانية التي لم تتدرب على الإطلاق فوجدوا أنه ليس لديها أي تحسن. والآن …كيف تظن أداء المجموعة الثالثة التى كانت تتدرب بخيالها فقط؟ هل تعتقد أن أداءها تحسن ولو قليلا ؟ لقد وجد فى هذه التجربة وفي كل التجارب المتشابهة أن مستوى المجموعة الثالثة تحسن تقريبا بنفس نسبة المجموعة التي تدربت فعلا. ولكن كيف حدث ذلك؟
فى أولمبياد عام 1980، قام الفريق الروسي باستخدام طريقة التدريب هذه، فقسم الفريق عشوائيا إلى أربع مجموعات .. المجموعة الأولى: 100% تدريب تقليدي جسدي. المجموعة الثانية: 75% تدريب تقليدي جسدي، و25% تدريب عقلي او تخيلي. المجموعة الثالثة: 50% تدريب تقليدي جسدي، 50% تدريب عقلي او تخيلي. المجموعة الرابعة: 25% تدريب تقليدي جسدي، 75% تدريب عقلي او تخيلي. والنتيجة كانت ان المجموعة الرابعة حققت أكبر قدر من أوسمة الفوز. مثال آخر مشهور، قصة الطيار الحربي جورج هول الذي وقع أسير حرب في فيتنام ووضع في صندوق مظلم لمدة سبعة أعوام، وفي كل يوم كان الطيار يتخيل نفسه يلعب الجولف ليمضي الوقت وكي لايفقد عقله في هذا السجن المظلم، وبعد إنقاذه من الأسر بأسبوع واحد، شارك جورج هول في مسابقة عالمية للجولف وفاز بمرتبة متقدمة جدا.
إعلان
ما الذي حدث في كل هذه التجارب والقصص؟؟
إن الدماغ البشري لم يميز بين التدريب الحقيقي والتدريب العقلي، والفائدة التي كان من المفترض أن يجنيها المتدرب من خلال الممارسة الفعلية الجسدية، عوضها العقل ببناء الثقة الناتجة عن عدم إضاعة رمية واحدة في التدريب العقلي التخيلي، بينما في التدريب الحقيقي هناك رميات تضيع لأن هذا هو الشىء الطبيعي،
ولهذا قال أينشتاين
إن القدرة على التخيل أهم بكثيير من المعرفة أو المعلومة.
وبما أن الدماغ لا يميز بين ما هو حقيقي مرئي وبين ما تغذيه به من أفكار تخيلية، نجد أن الأشخاص الذين يستطيعون تغذية عقولهم دائما بالصور والأفكار الإيجابية يحققون من النجاحات والإنجازات ما لا يستطيع أن يحققه من يستسلم لواقع سلبي ويقضي معظم وقته وهو يفكر في السلبيات (العقل السلبي).
وفى كتاب ميزة السعادة Happiness Advantage يوضح الكاتب شون آكور أن المفهوم التقليدي: أنك إن عملت وثابرت واجتهدت ستنجز وتنجح، وهذا الإنجاز والنجاح سيجعلك سعيدا، مفهوم غير دقيق، حيث أن الأبحاث والدراسات الحديثة في علم النفس الإيجابي وجدت أن هذه المعادلة مقلوبة
نعم هذه المعادلة مقلوبة، فالسعادة هي التي تغذي النجاح وليس النجاح هو من يؤدي إلى السعادة…. فعندما نكون سعداء ايجابيين في الحياة بشكل عام، ونبحث عن كل شىء إيجابي حولنا، فإن العقل البشري سيستقبل هذه الصور الإيجابية المتفائلة، مما يؤدي لإفراز كمية أعلى من هرمون الدوبامين الذي يقوم بوظيفتين؛ الأولى أنه يضفي السعادة على الإنسان وبالتالي يزيد النشاط والحيوية والطاقة والتطلع لمزيد من العمل، والثانية أنه يجعل الإنسان أكثر ذكاء وأكثر قدرة على رؤية الفرص المتاحه واقتناصها، وبالتالي إنجازات أكبر، مما يؤدي لسعادة أكبر وبدوره إفراز أكبر الدوبامين.
وبذلك فإن هذا الشخص الإيجابي ينتقل من إنجاز لانجاز، ومن نجاح لنجاح، ويكون دائما ممتلئا بالنشاط والحيوية والتفاؤل للحياة، بعكس الشخص الذي لا يرى في الوجود حوله سوى السلبيات (العقل السلبي ) المبرمج على السلبيات.
وهذا يفسر لنا كيف أن إنسانا فى ظروف خارجية صعبة يستطيع أن يتجاوزها بتغذية عقله بالصور الإيجابية، كمن يقضي في الفقر حياته وهو لا يرى منه إلا نعيم الجنة كأنه يعيش فيها، وآخر يسكن القصور وهو بصحة وعافية وليس من مكدر لعيشه وينتهي الأمر به إلى الاكتئاب، والانتحار أحيانا اخرى، لأن عقله لا يرى من العالم إلا مايغذيه به صاحبه، بغض النظر عن الواقع الذي يعيش فيه.
وقد حثنا ديننا على صناعة الإيجابية، فمن حديث “أنا عند ظن عبدي بى” نتعلم أنه لا بد للإنسان أن يظن خيرا، وأن يفكر بطريقة إيجابية، وكما في أمر الرؤية الصالحة الإيجابية التي طلب منا أن نقصها حتى نكون مؤمنين بها، والرؤية السيئة التي يجب أن ننساها ولا نذكرها ونسعيذ بالله منها.
إن أعظم الإنجازات التي حققها الأفراد كانت تحت ظروف قاسية جعلت هذه الإنجازات تبدو مستحيلة في بدايتها، لكن كل هذه الإنجازات العظيمة بدأت هناك … داخل عقل الإنسان الذي يراها وكأنها حقيقة ويغذي عقله بها كل يوم ليستقبلها العقل كأنها واقع مسلم به، فيؤمن بها القلب إيمانا راسخا لا يتزعزع بأنها ستتحقق، وبدون هذا الإيمان والعقل الإيجابي تبدو بحق كل الإنجازات العظيمة التي تحققت على أرض الواقع شبه مستحيلة.
يقولون:
راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعالا وراقب أفعالك لأنها ستصبح عادات، وراقب عاداتك لأنها ستصبح طباعا، وراقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك.
في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى، نرشح لك
الذكاء الاصطناعي .. صناعة عبد للبشرية أم عدو؟
كل ما تريد معرفته عن أيفون X الجديد وتحديث IOS 11
إعلان