حب للبيع: الوجه السيء للعالم / لـ محمد محمود السيد

الفقر أبو الجريمة.

ماركوس أوريليوس، التأملات

قبل البدء في تحليل الظاهرة الإجتماعية التي لا يتم تناولها دائمًا، ولم تلق اهتمام العديد من الكتُّاب؛ سنعرِّف الدعارة. فالعاهرات أو المومسات حسب تعريف بول لاكروا (Paul Lacroix): كلّ النساء اللائي ارتكبن الجماع خارج إطار الزوجية. أما في قاموس واردلو (Wardlow) فيعرِّف الدعارة بأنَّها العلاقة الجنسية غير الشرعية.

وينصُّ التعريف الشائع بين الناس على أنَّ المرأة التي تقرض جسدها لمجموعة من الرجال في مقابل المال هي عاهرة. وتعريف الدعارة طبقًا لقاموس ويبستر (Webster): الاستلام للبذاءة والخلاعة مقابل المال.

في المعجم العربي؛ يقال شخص دعر فهو داعرٌ أي فسُدت أخلاقه. وبيت الدعارة هو المكان الذي تمارس فيه الرذيلة.

ويتضِّح من كلِّ التعريفات أنَّ الدعارة هي فعل غير أخلاقي دون النظر إلى الدافع لتلك النسوة في عرض أجسادهن مقابل المال الزهيد، فقد يكن عرضن أجسادهن هروباً من الفقر أو البطالة، ومساعدة أسرهن الفقيرة، ومواجهة تحديات الحياة والمصاعب التي تواجههن منذ سقوطهن في الكينونة والزمان.

مكانة العاهرات في الحضارات القديمة: الجنس المقدس في الهند

ما من مكانٍ في العالم عرَض بوضوح العلاقات الوثيقة بين الدين والجنس كما حدثَ في الهند، إذ تم إيضاحها خلال عرضٍ وافر لنماذج النشاط الجنسي الإلهية والبشرية.

إعلان

الإثيفاليك (Ithyphallic) صورة عضو التناسل. عُرِف هذا الشكل باسم شيفا-الزمن، لأنه قد كان في الهندوسية اللاحقة الإله العظيم شيڤا (Shiva) الذي يُصوٌَر أحياناً بثلاثة وجوه أو أربعة هو إله الخصب الذي يرمز إليه بالقضيب، كما يعرف بأنٌَه إله اليوغا أو رب البهائم.

في خرائب سهول السند كُشف النقاب عن الكثير من التماثيل الطينية الخشنة الصغيرة لنساء عاريات، أو شبه عاريات ويُعتَقد أنها أيقونة الإلهة الأم. وهناك أيضاً تماثيل من البرونز يظهر أنَّه شكل فتاةٍ نحيلة عارية إلَّا من قلادة وخلاخيل، وهي واقفة في وضعيةٍ مثيرة. فمن المفترض أنَّها تعدُّ النموذج الأسبق لديفاداسي (Devadasis) راقصة المعبد وإحدى بغايا العصور اللاحقة. كما وُجِد رسومات للمهبل الذي غدا في الهندوسية اللاحقة موضع تبجيل.

 

يتضِّح من الكتابات الفيدية والأساطير الهندوسية أنَّ الجنس مع غير الزوج يُعتبر خطأً فادحًا، لكن حسب ما ورد في الأساطير فإنَّ الأزواج تأقلموا مع الجنس خارج نطاق الزوجية خوفاً من الخراب. يظهر ذلك في أسطورة الإله كريشنا إله الحب هذا التنازل من الناس في نطاق التقديس للآلهة، هذا التنازل الذي سيكون له تأثير على عقلية الأجيال اللاحقة سواء أكان هذا الفعل مقدس أو مدفوعاً بالفقر للعمل في الدعارة لإعالة الأسرة.

لنرجع بالزمن إلى شيڤا، تقول الأسطورة أن بعد زواجه من بارڤاتي (Parvati) مارسا الحب، ولكن إفراطه اللاحق في المغامرات المثيرة أفقده طاقاته الجنسية تدريجياً، فاعتزل في غابة أملاً في استعادة طاقته عن طريق التزهُّد. زلزلت الأرض زلزالها من جراء طاقاته التزهُّدية، الأمر الذي جعله يتخلَّى عنها وهام في الغابة عاريًا على نحو فاسق راقصًا ومستجديًا وفي يده جمجمة، فوقعت زوجات الحكماء في حبِّ شيڤا وتبعنه إلى حد جعل الحكماء يصبون لعناتهم إلى عضوه الذكري “اللينغا” (Linga) فيطرحونه أرضًا مما سبَّب اندلاع نار رهيبة وبذل الإلَهَان براهما (Brahma) وفيشنو (Vishnou) جهودهما للعثور على نهاية اللينغا الهائل ولكن دون جدوى، ولم يستتب الأمن إلا بعد أن وافق الحكماء وزوجاتهم على عبادة اللينغا. وحين عاد شيڤا إلى زوجته بارڤاتي مارسا فصلاً من العشق بلغ معه احتكاك الجسدين ذروة أدخلت الهلع من جديد في نفوس الإله براهما وزوجة الإله فيشنو وكانت تسمى شري.

أما عن كريشنا (Krishna) فله من الغراميات الكثير، وتقول الأسطورة أنَّه كانت هناك مجموعة من راعيات الأبقار تستحممن في النهر فأخذ الإله كريشنا ملابسهن وأمرهن بالخروج عاريات لأخذِ ملابسهن. بعدما أعطاهن ملابسهن وقعن في حبه فاستطاع عبر قواه السحرية أنَّ يوفر لكل فتاة نظيراً لمثله، فخلعن ثيابهن وقدَّمْنها له عن آخرها، وبعد أن استحم معهن أرسلهن إلى بيوتهن.

إنَّ الفكرة الرئيسية التي تطورت في الأسطورة؛ هي اختفاؤه من حلقة الرقص، وممارسة الحب مع فتاة على وجه التحديد تسمى رادا (Rada) خليلته الأجمل بين كل راعيات البقر. وغدت غراميات كريشنا ورادا موضوعاتٍ محورية لاحقًا حيث تعد رغبتها الجنسية وممارستها للزنى بعد هجرها لزوجها من الأوَّليات التي يقضي الإله بتحقيقها إخلاصاً للحب.

بعد القرن الثالث عشر للميلاد طوَّرت البراهما ڤاڤاترا بورانا (Brahma Vavtra Purana) علاقة الممارسة الشهوانية بالعبادة ووصفت إتحاد الزوجين بأكثرِ التعابيرِ حسية.

بكلتا ذراعيه جذب كريشنا رادا إليه؛ فعراها ثم قبلها بطرائق أربع مختلفة إلى تخلعت أجراس حزامها في معركة الحب، وفيما بعد اعتلت رادا صدر كريشنا فولجها بطريق معكوسة واتخذ معها بعدئذ ثماني وضعيات مختلفة، فتمزق جسدها بالعض والخدش إلى أن أصبحت عاجزة عن تحمل المزيد إذ ذاك أوقف معركتهما.

كانت لا تزال هناك راعيات بقرٍ أخريات تعدادهن تسعمئة ألف راعية، ولكي يشبع رغباتهن جميعهن استحال كريشنا إلى عدد مُكافئ من الرجال حتى أنٌَ كلا منهن خالت كريشنا يعاشرها. كن رائعات الجمال في عريهن وقد ثملن باللذة إلى أن ضج المرعى بهذه الممارسة الجماعية.

إنَّ لغةً طافحة بالشهوانية كهذه هي التي وصف بها الأسلوب الحميمي للانغماس في عبادة كريشنا، وحتى أيامنا هذه يزور الحجاج المطارح التي حدثت فيها الأساطير ويتابعون باهتمام موضوعات هذه القصة.

الهند الغامضة

في كتابه حب للبيع، أوضح نيلس يوهان رنجدال (NILS JOHAN RINGDAL) كيف تحوَّلت الهند القديمة من عبادة الإنثى الخصبة إلى عبادة الذكر الذى أتى مع الغزاة الآريِّين. ليس هناك أدلة كثيرة توضح كيف كانت الحياة الاجتماعية والدينية قبل العصر الفيدي فقد دمَّر الغزاة كل شيئ لكن هناك تراتيل تذكر عبادة الأنثى:

رحم المرأة مذبح

شعرها عشب مقدس

جسدها كأس من شراب جسدها المقدس

شفتيها مثيرة للشهوة،

النار التي تلتهم الجميع.

 

في النصوص الفيدية هناك روايات عن الإمبراطورية الأسطورية بهاراتا، وأنَّ الهنود كانوا على وعي بالدعارة فكان هناك تقسيم للعاهرات حسب درجة تعليمها. وهناك إشارة إلى تحرير المرأة، النسوة المشرَّدات، العلاقات الجنسية للفتيات غير المتزوِّجات. كما أنَّ الكلمة الهندية سدهارني تشير إلى المرأة التي تعرض الجنس مقابل الدفع.

وفي نصوص الأوبانيشاد وصف للآبناء الذين ليس لهم آباء، وهذا يجعلنا نتجه إلى الحديث عن دعارة اليوم الوجه السيئ للعالم؟

الدعارة كمهنة

كما ذُكر في البداية فالفقر أبو الجريمة، والاستعمار جحيمٌ على الشعب المهزوم. هناك قرى في الهند تعاني من الفقر المدقع، ولا نبالغ فإنَّ الفقر والحاجة يدفع النسوة إلى امتهان الدعارة لإعالة الأسرة كالقرى التي تقع ضمن راجاستان، أوتاربراديش، ماديابراديش. فسكان هذه المقاطعات يُعتبرون كبدوٍ رحل، منبوذين من المجتمع الهندي وغير متعلِّمين حيث الجميع يهرب منهم. وربُّ المنزل هنا ليس الرجل بل الأنثى فهي التي تملك المال، وهي التي تنفق.

 

لا أحد يعلم حجم الأذى النفسي والجسدي الذي تتعرَّضن له النسوة اللاتي يمارسن الدعارة، أو كم من الحزن القابع في نفوسهن.

إنَّ تقنين الدعارة ليس حلًّا لهذه الجريمة إذن بل تأكيد قبح العالم وجرائم المجتمع. والأفضل هو البحث عن حلِّ لمشكلة هؤلاء النسوة، والقبائل غير المتعلِّمة، وتثقيفه‍م وإيجاد عمل لهم حتى يندمجوا في المجتمع بدلًا من نبذهم، أو استمرار اقتراف الجريمة.

—————————————-

مراجع:

1 – Love for sale, A world history of prostitution, NILS JOHAN RINGDAL Translated from the Norwegian by RICHARD DALY

2 – الجنس في أديان العالم، جيفري باردنر ترجمة نور الدين بهلول، دار الكلمة، ص ١٦، ١٧، ١٨، ١٩

3 -The history of prostitution, William W. Sanger, NEW YORK: HARPER & BROTHERS, PUBLISHERS,PEARL STREET, FRANKLIN SQUARE

4 – Love for sale, A world history of prostitution, NILS JOHAN RINGDAL

إعلان

اترك تعليقا