النوم كما لم تسمع عنه من قبل

هل فكرت يومًا بذلك الفعل الروتيني الذي نختتم به يومنا؟ الفعل الذي نقضي ثلث أعمارنا ونحن نمارسه، لماذا عليك أن تفكر؟ لا تفعل، فهناك من فكر عنك، ولكن كونك هنا فهذا يعني أنك مهتم بالاطلاع على النوم وما يخفيه هذا الفعل الجميل من معلومات وعمليات شائكة خلفه. ترجع أولى محاولات الكتابة عن النوم لأرسطو، إذ كتب في عام 350 قبل الميلاد كتابًا بعنوان “حول النـوم واليقظة”، أما الأبحاث العلمية التي أُجريت حول النوم في النصف الثاني فقد بدأت في القرن العشرين، ويرجع ذلك للتطور الكبير في مجال علوم الأعصاب بالإضافة إلى اكتشاف التخطيط الكهربائي الدماغي.

نظرة عامة

النوم هو حالة تنعدم فيها اليقظة، وتنخفض درجة التفاعل مع المؤثرات الخارجية إلى أقل مستوى، وقد اكتشف كل من “Nathaniel Kleitman”و “William Dement”و “Michel Jouvet”نوعي النـوم، النـوم البطيء والنوم المفارق.

النوم البطيء

يمتد لثلاثة أرباع الليل، ويتميز بانخفاض تدريجي للنشاط الكهربائي للدماغ مقارنة بحالة اليقظة، ففي حالة القيام بنشاط ما تصل عدد الشحنات إلى مئة شحنة في الثانية، وفي حالة الاسترخاء والراحة التامة تتراوح من ثمان شحنات إلى اثنتي عشرة شحنة في الثانية، وخلال النـوم البطيء تصل إلى ما دون الثماني شحنات في الثانية، ويصبح نشاط العصبونات متزامنًا مع بعضه بعضًا كأفراد الجيش في الاستعراضات العسكرية، وينقسم النـوم البطيء إلى نوعين أيضًا، الخفيف والعميق.

النوم البطيء الخفيف

في هذه المرحلة يتراوح النشاط الكهربائي من ثلاث إلى سبع شحنات، ويشغل 60% من المدة الإجمالية للـنوم.

النوم البطيء العميق

في هذه المرحلة، تصل الشحنات الكهربائية إلى أدنى مستوياتها لتتراوح بين النصف شحنة والشحنتين، وتحدث بتزامن دقيق، وتعد هذه المرحلة بمثابة العِوَض، فتزيل آثار التعب التي تراكمت طوال اليوم، ويصعب على الإنسان بشكل عام الاستيقاظ في تلك المرحلة، بل يحتاج إلى مغالبة الـنوم مغالبة شديدة، تشغل هذه المدة 20% من المدة الإجمالية للنـوم.

إعلان

النوم المفارق

هو الذي يلي النوم البطيء، ويمثل نسبة 20% من مدة الـنوم الكلية، تشهد هذه المدة نشاط دماغي كبير واسترخاء جسدي تام تتخلله بعض الاهتزازات، يكون النشاط الكهربائي للدماغ في هذه المرحلة مساوٍ للنشاط الدماغي في حالة الاستيقاظ، فيتراوح عدد الشحنات بين خمس إلى عشر شحنات بسعة ضعيفة، ويلاحظ تحرك العينين في محجريهما بسرعة، ويطلق على ذلك “حركة العين السريعة”، وتهتز طبلة الأذن كأنها تتلقى أصواتًا.

أنواع النوم

يخضع النوم لفترات تتناوب بين مراحل النـوم الثلاثة المذكورة أعلاه، ويبدأ الـنوم بالمرحلة البطيئة دائمًا، ويأتي النوم المفارق بعد ثمانين دقيقة، وبهذا تكون اكتملت دورة نوم كاملة -وهي بالعادة تتألف من نوم بطيء خفيف يتحول بشكل تدريجي إلى نوم عميق ثم إلى نوم مفارق-، نمر عادةً بثلاث إلى خمس دورات نوم، ويكون النوم العميق مفيدًا إذا جاء في أول الليل.

هل نمت يومًا بشكل متواصل؟ أنت لم تفعل ذلك أبدًا؛ نحن نستيقظ مرات عديدة خلال نومنا، وخاصةً عند انتهاء وبداية كل دورة من دورات النوم، ولا نتذكر تلك الفترات من اليقظة إلا إذا دامت أكثر من ثلاث دقائق، تبلغ مدة اليقظة بين دورات النوم نصف ساعة لكل ليلة، ويرجع سبب هذه الفترات إلى التأكد من كون البيئة المحيطة آمنة أم لا، وتحريك عضلات الجسم وتقليبه، ولإطلاق دورة جديدة من دورات النوم، وهناك يقظات من نوع آخر هي “اليقظات الصغرى”، تمتد من ثلاث إلى خمس عشرة ثانية، وتحدث من عشر إلى عشرين مرة في الساعة، ولا تؤدي هذه اليقظات أي دور في التنقل من دورة إلى أخرى.

عدد ساعات النوم

تنام النساء أكثر من الرجال حتى سن الخمسين، وينام الرجال أكثر من النساء من سن الستين فصاعدًا.

  • ينام الأطفال 66.7% من اليوم بمعدل 16 ساعة يوميًا.
  • ينام البالغون 33.3% من اليوم بمعدل 8 ساعات يوميًا.
  • ينام كبار السن 22.9% من اليوم بمعدل 5 ساعات ونصف يوميًا.

يحتاج الإنسان إلى ما يقارب السبع ساعات والنصف بشكل عام كل ليلة، ويختلف الأمر من شخص إلى آخر، فهناك أصحاب النوم القصير الذين يحتاجون إلى أقل من خمس ساعات ونصف في اليوم، وأصحاب النوم الطويل الذين يحتاجون إلى أكثر من 9 ساعات ونصف كل ليلة.

الدماغ أثناء النوم

أثناء استيقاظ الشخص يظهر التخطيط الكهربائي للدماغ نمطَ نشاطٍ سريع (عالِ التردد)، وذا سعة صغيرة، ولكن أثناء النوم يُظهر نمطَ نشاطٍ بطيء (منخفض التردد) وموجات كبيرة السعة، ينخفض استهلاك الدماغ للطاقة بنسبة 11% أثناء النوم البطيء والخفيف، و 4% خلال مدة النوم البطيء والعميق، ويتساوى استهلاك الطاقة في مرحلتي اليقظة والنوم المفارق.

كيف ننام؟

الساعة البيولوجية الداخلية

تقع الساعة الداخلية في الدماغ وهي تتمثل بجزء يسمى “النوى فوق المتصالبة” التي تقع تحت المهاد وتقع خلف العينين، يسهل علينا النوم عندما تنخفض درجة حرارتنا، ونستيقظ عندما ترتفع درجة حرارتنا الداخلية، الهيستامين أحد الجزيئات الموقّظة، ويعد الأوركسين من ضمن المتحكمات بالنوم، كما أن هنالك زيادة ملحوظة في ساعاتنا البيولوجية عن الساعة اليومية التي تبلغ 24 ساعة، إذ أن ساعتنا الداخلية هي 24 ساعة و11 دقيقة.

عندما نستيقظ يبدأ الجسم بمراكمة جزيئات الأدينوسين والسيروتونين مما يجعلنا نشعر بالنعاس، إلا أن تناول القهوة والشاي الغنيين بالكافيين يؤخران النوم عن طريق تعطيل جزيئات الأدينوسين.

الأحلام

القشرة الدماغية العليا توجه الأمر لانطلاق الأحلام، ويتم عندها إطلاق أوامر أخرى بإلغاء التحكم بحركة العضلات داخل النخاع الشوكي، مما يسبب شلل، ويمكن أن نحلم في أي فترة من فترات النوم لكن أحلامنا في النوم المفارق تكون أغنى وأعقد منها في النوم البطيء، وتفيد إحدى النظريات القائمة بأن الحلم هو ناتج ثانوي لمعالجة المعلومات وتقوية الذاكرة.

النوم والمراحل العمرية

  • الرضّع أو حديثي الولادة

يبلغ عدد ساعات الرضّع ما يقارب 16 ساعة يوميًا، وذلك في الأسابيع الأولى من حياتهم، ويحصل الرضيع على الميلاتونين من خلال حليب أمه، لا تكون ساعته البيولوجية متناسقة عند الولادة وتحتاج إلى أربعة إلى خمسة أشهر لكي يتم ضبط الساعة البيولوجية داخله، وبعد ستة أشهر تظهر دورة يومية على مدار 24 ساعة، تتضمن فترة نوم رئيسية بالإضافة إلى إغفاءات قصيرة أثناء النهار، وتستقر في سن 6-12 شهراً

  • الأطفال

ينخفض عدد الساعات من 16 ساعة إلى 8-9 ساعات يوميًا.

  • البلوغ والمراهقة
  • منتصف العمر
  • الشيخوخة

يحتاج الأشخاص الكبار في السن فترات أطول للخلود للنوم، وينخفض لديهم عمق النوم، تتكرر مرات الاستيقاظ أثناء النوم مما يقلل من فترة النوم ومن كفاءته، ويعتبر كبار السن من الفئات النهارية، وينخفض لديهم معدلات إنتاج الميلاتونين نتيجة لضعف قدرات الغدة الصنوبرية.

  • الحمل

يزداد النـوم ليلاً وتكثر الإغفاءات في الأشهر الثلاثة للحمل، حتى تصل إلى زيادة مدتها ساعة واحدة يوميًا، ويعود سبب هذه الزيادة إلى زيادة إفراز هرمون البروجيسترون الذي يزيد من النعاس. أما عن الجنين فإن إيقاعات ساعته الداخلية تتزامن مع إيقاعات ساعة أمه، حيث يتم المزامنة بين معدل ضربات قلب الأم وضربات قلب الجنين، ونومه مع نومها، ودرجة حرارته مع درجة حرارتها، وإيقاع إفراز الميلاتونين مع إيقاع إفرازاتها، ويحدث هذا في الربع الأخير من فترة الحمل.

لماذا ننام؟

لم تظهر فرضية شاملة تفسر هذا السلوك من حياتنا، وكان يُعتقد في بداية القرن العشرين أن الـنوم يساعد على التخلص من المواد السامة التي تراكمت في فترة اليقظة، لكن الأبحاث الحديثة قدمت دليلًا على الدور الهام الذي يضطلع به النوم في المساعدة على نمو الدماغ.

ومن الأسباب المرجح في أنها السبب الذي يدفعنا إلى النوم:

1.تجديد الخلايا

2.الحفاظ على الطاقة

ما يدعم هذه النظرية أن حركة النـوم غير السريعة تتميز بانخفاض الأيض، ومع ذلك تشير حسابات الطاقة إلى أن الطاقة التي نوفرها أثناء نومنا هي ما يعادل شطيرة نقانق (من 80 إلى 130 سعرًا حرارياً) في الليلة الواحدة، وبهذا “يبدو من غير المنطقي تحمّل هذا الثمن السلوكي الباهظ مقابل هذا العائد البسيط”، وما يعاكس هذه النظرية أن الأيض يزداد في الدماغ أثناء حركة العين السريعة.

  1. تعزيز الذاكرة والقدرة على التعلّم

إن الحرمان من النوم بعد تعلّم مهارة جديدة يؤدي إلى تدهور الأداء في الاختبارات اللاحقة، وهناك بعض المهام التي يتعذر تعلمها إذا حُرم الفرد من النـوم ليلاً بعد التعلّم، حيث اتضح بأن النـوم يعزز وبشكل ملحوظ القدرة على التفكير النقدي وحل المشكلات.

النوم والتعلم

يساعد الـنوم البطيء العميق على تعزيز الذاكرة الصريحة -التعليم الواعي-، بينما يساعد النوم المفارق في تعزيز الذاكرة الضمنية -التعلم اللاشعوري-، وقد بينت الدراسات أن الخلايا التي شاركت في عملية التعليم تبقى مشغّلة وتعمل أثناء النـوم، وتشغل أغلب المناطق التي ساهمت في التعلم عن شيء ما في النهار أثناء النوم، ويزداد القدرات التي تعلمتها بعد ليلة من النـوم.

النوم وعلاقته بالصحة

الإفرازات الهرمونية

تفرَز العديد من الهرمونات في الليل، ومنها:

  • هرمون النمو، ويطلق في بداية الليل وتحديدًا في المرحلة الأولى من اـلنوم البطيء العميق.
  •  وينتج الكورتيزول في الساعة الرابعة صباحًا ليصل حدوده القصوى في الساعة الثامنة، وهو ينشط عملية ارتفاع الغلوكوز والبروتينات في الدم، مما يوفر الشروط اللازمة للاستيقاظ، عن طريق تقديم الطاقة الضرورية لممارسة الأنشطة النهارية.
  • الميلاتونين، هو هرمون ينتج في الغدة الصنوبرية، يخضع للتناوب بين الضوء والظلمة، ولا يُفرز سوى ليلاً، وهو عامل مهم في تنسيق عمل الساعة البيولوجية، يبدأ إفراز الهرمون في حدود الساعة التاسعة، ويتوقف إفرازه في الساعة السابعة صباحًا.
  • اللبتين والغريلين، اللبتين يقطع الشهية بينما يحفزها الغريلين، وترتفع نسبة اللبتين في الليل.

 ضبط الحرارة

تنخفض درجة الحرارة الداخلية مساءً بأمر من الساعة الدماغية، حيث يتم توجيه الحرارة نحو الأطراف والجلد لتنتشر، ويستمر انخفاض درجة الحرارة خلال النوم البطيء، عن طريق توسع الأوردة الدموية، لذلك يكون لون وجه ويديْ من نام القيلولة القصيرة أحمرًا.

اضطرابات النوم

  • الأرق

لا يعد الأرق مرضًا محدداً لكنه عرَض شامل يتمثل في عدم القدرة على النوم، وهو أكثر شكاوى النـوم شيوعًا، وينقسم المرض إلى نوعين:

1- صعوبة في الـنوم (البدايات)

2-صعوبة في الحفاظ على الـنوم -الاستمرار به-

تعاني النساء من الأرق أكثر من الرجال، رغم أن الدراسات أثبتت أن جودة النـوم لدى النساء أعلى مما هي عليه عند الرجال، تزداد الشكوى من الأرق مع تقدم العمر، ويعاني نصف من يتجاوزون العمر 65 من مشكلة الأرق، وغالبًا ما يصيب الأرق الكبار في السن، بسبب نهوضهم بكثر في الليل للتبول، ويمكن أن يكون لدى الشخص استعداد وراثي للإصابة بالأرق.

ومن العوامل التي قد تسبب الأرق: تعاطي المخدرات أو الخمور، كثرة التبول أثناء الليل، تناول أدوية معينة، مشاهدة التلفاز قبل الـنوم، التعرض لضوء ساطع في وقت متأخر من الليل، الإفراط في تناول الكافيين، القيلولة أثناء النهار، القلق بشأن النـوم.

ويمكن أن يعالج المرض بإعادة هيكلة عادات النوم والتخلص من السلوكيات التي لها دور في الإصابة بهذا المرض: ممارسة أساليب الاسترخاء، والتخلص من المنبهات مثل التلفاز والهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمول والضوء في غرفة النوم وأي أجهزة تعطي ضوءًا قويًا، كما لا يُنصح بالبقاء طويلاً على الفراش إن لم يأتِ النـوم، وعلى المريض التحرك وممارسة بعض الأنشطة الخفيفة ومن ثم معاودة الـنوم، وكثيرًا ما يجري معالجة الأرق باستخدام العقاقير المنومة وهي عادةً ما تحتوي البنزوديازيبينات سريعة المفعول.

ويمكن أن تستخدم بعض مضادات الهيستامين للاستجلاب النـوم عن طريق تثبيط المؤثرات المنبهة للهستامين في الدماغ.

وهناك أدوية قد تزيد من حالات الضغط ومنها: منشطات الجهاز العصبي المركزي، بعض أنواع العقاقير الخافضة للضغط وأدوية الجهاز التنفسي، ومزيلات الاحتقان والعلاج بالهرمونات البديلة، وأدوية العلاج الكيميائي وحبوب إنقاص الوزن، والنيكوتين والكافيين.

  • ضيق التنفس

يعد ضيق التنفس أكثر الوظائف التي تتعرض للاضطرابات أثناء النوم، ويعود سبب ذلك إلى ارتخاء العضلات مما يسبب تقليص حجم الحنجرة مما يتسبب بإغلاق كلي أو جزئي لمجرى الهواء، مما يُشعر المريض بالاختناق ومن ثم الاستيقاظ من نومه، ويحدث الشخير عندما يمر الهواء في المساحة الضيقة محدثًا ارتجاجًا في أنسجة الحنجرة، أو عن طريق انزلاق اللسان قليلاً للأسفل مما قد يتسبب بالاختناق، التخلص من الشخير يعالج هذا الاضطراب عن طريق فتح المسلك الهوائي عن طريق ضخ الهواء في الأنف عن طريق ارتداء قناع صغير لضخ الهواء، أو استعمال طقم أسنان يجر اللسان إلى الأمام، ويمكن أن يكون تخفيف الوزن حل مثالي في حال كانت السمنة هي المسببة في حدوث المرض، أما إذا كان السبب كبر اللوزتين فسيضطر المريض إلى إزالتهما.

ينتشر هذا المرض بين أصحاب الوزن الزائد وخاصةً الرجال، فإذا كان مؤشر كتلة الجسم لديك 30 أو أكثر فهذه مؤشرات قوية لمخاطر الإصابة بتوقف التنفس أثناء النوم، بالإضافة إلى زيادة حجم الرقبة، حيث أن الدهون المتراكمة حول الرقبة قد تضغط على مجرى الهواء، ويمكن أن تتسبب عوامل أخرى في الإصابة بهذا المرض، منها ضخامة اللوزتين، كبر حجم اللسان، التكوين غير المعتاد للفك، قصر مجرى الهواء.

  • الخطل النومي

يندرج تحت هذا الاسم العديد من الاضطرابات الكريهة ومنها: المشي أثناء النوم، رعب الليل، الكوابيس، التبول اللاإرادي، الأكل أثناء النوم -يترافق هذا الاضطراب مع المشي أثناء النـوم-، ويندرج تحت هذا الاسم ما يقارب 12 فئة، وتشمل الحركات غير الطبيعية والانفعالات والأحلام والسلوكيات التي تحدث أثناء النـوم.

عواقب ترك النوم

تدهور عام في الحالة الصحية، فقدان للوزن، ضعف المناعة، تقرحات في الجلد، وستموت غالبًا بعد عشرين يوم بدون نوم.

استطاع “راندي جاردنر” البقاء لمدة 11 يوم و24 دقيقة بدون نوم، وبدون استخدام للمنبهات، ومن ثم نام 14 ساعة.

تقليل ساعات الـنوم سيتسبب بمشاكل على المستوى الصحة العقلية والأداء الشخصي، فبعد مرور أسبوعين تقريبًا من الـنوم لفترات تقل عن الست ساعات، ستنخفض معدلات الأداء لدى الشخص لتصل لنفس معدلات الشخص الذي يعاني من حرمان حادّ من النـوم لمدة 24 ساعة كاملة، وإن استمر الأمر لأسبوعين آخرين سيصبح معدل الأداء مساويًا لشخص ظل بلا نوم ليومين أو ثلاثة متواصلة.

ترتبط فترات النـوم القصيرة بزيادة خطورة الإصابة بعدد من الأمراض الخطيرة والمزمنة، منها: أمراض القلب والأوعية الدموية، السكتة الدماغية، ضغط الدم المرتفع، زيادة الوزن، مرض السكري، وأنواع معينة من السرطان.

أمراض القلب

يعاني الأشخاص الذين ينامون 6 ساعات أو أقل من مخاطر إصابتهم بضغط الدم المرتفع والسكتة الدماغية وأمراض القلب، وغالبًا ما يموتون بسبب النوبات القلبية أكثر من الأشخاص الذين ينعمون بفترات نوم أطول (7-8 ساعات يوميًا).

وأحد هذه الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع خطر الإصابة بهذه الأمراض هو أن قصر فترات النوم يؤدي إلى تقليل إنتاج السيتوكينات وتقلل من نشاط الخلايا البطانية في الأوعية الدموية، مما يساهم في الإصابة بأمراض القلب.

العمليات الأيضية

أظهرت الكثير من الدراسات أن قصر فترات الـنوم أو النـوم المتقطع يرتبط بحدوث زيادة في الوزن،  وازدياد ترسب الكتَل الدهنية، والسمنة، ومرض السكر، تفرز الأنسجة الدهنية والمعدة هرمونَي الليبتين والجريلين، وهي العوامل الرئيسية المنظمة للمراكز التي تتحكم في الشهية في الدماغ، حيث يمثل الليبتين هرمون الشبع، وتزداد معدلاته أثناء الليل وبعد تناول الطعام، بينما يتمتع هرمون الجريلين بتأثير معاكس، ويكون هناك تنظيم بين هذين الهرمونين في الحالة الطبيعية، لكن قصر فترات الـنوم يخل بهذا التوازن، حيث يقل كمية هرمون الليبتين وتزيد من كمية الجريلين، مما يزيد من الشعور بالجوع. وهكذا فمن المرجح أن قلة النـوم المزمنة قد تؤدي بنا إلى الإفراط في تناول الطعام، وتناول المزيد من الكربوهيدرات؛ مما يؤدي إلى السمنة، ومقاومة الأنسولين، وارتفاع معدلات الجلوكوز، وتزيد كل هذه العوامل من مخاطر الإصابة بمرض السكر من النوع الثاني.

النوم والمناعة

تم تلقيح مجموعتين من الأشخاص ضد فيروس الإنفلونزا مع تطبيق نظامين مختلفتين للـنوم، ووجد أن المجموعة التي سمح لها بالنوم ٤ ساعات فقط كل ليلة بعد حقنهم تمتعت بأقل من نصف معدل الأجسام المضادة الواقية من الفيروس مقارنةً بالمجموعة التي نعمت بالنـوم المنظم لمدة تراوحت من سبع ساعات ونصف إلى ثماني ساعات ونصف كل ليلة، ولقد ظهرت نتائج مشابهة لاستجابة الأجسام المضادة للقاح فيروس التهاب الكبد الوبائي A، الذي ضعُف مفعوله لمن يعانون من حرمان من الـنوم.

النوم والكافيين

الكافيين منبِّه للجهاز العصبي المركزي ويثبط آثار الأدينوسين الذي يتراكم أثناء الاستيقاظ كناتج ثانوي لاستهلاك مخزوننا الداخلي من الطاقة، وتشمل الآثار الدوائية للكافيين تحسين الانتباه وتقليل الوقت المطلوب لاتخاذ رد الفعل المناسب، ولكنها تشمل أيضًا زيادة ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، ورفع درجة حرارة الجسم، أما آثاره على النوم، حتى لو تم تناوله في الصباح، فتشمل تأخير الـنوم لفترات أطول، وتقليل مدة النوم، ومنع الـنوم العميق بطيء الموجات، وعند الحصول عليه بنسب كبيرة (تتمثل أقصى جرعة في أكثر من ٣٠٠ ملِّيجرام أو من ٥٠٠ إلى ٦٠٠ ملِّيجرام يوميًا)  يمكن أن يؤدي إلى زيادة العصبية والتشنج العضلي والصداع والقلق وخفقان القلب.

ومع الاستهلاك المزمن للكافيين بكميات كبيرة يمكن أيضًا أن يسبب القرحة ومرض الارتجاع المعدي المريئي ويؤدي إلى القلق واضطرابات النوم التي يسببها الكافين، وللكافيين «عمر نصفي» طويل؛ حوالي ٥ ساعات، هذا يعني أنه يستغرق حوالي ٥ ساعات ليحدث أيض لنصف الكمية المتناولة منه، هذا يعني أنه إذا احتسى أحدهم كوبًا من القهوة أو المشروبات الغازية يحتوي على 100 ميليجرام من الكافيين في العاشرة صباحًا فسوف يبقى 25 ميليجرام في الجسم حتى الثامنة مساءً، ونحو 12.5 ميليجرام حتى وقت الـنوم، وهو ما يسبب اضطراب النوم بشكل كبير.

إذا كنت تعتقد أن النوم مضيعة للوقت فننصحك بإعادة النظر في الأمر مرةً أخرى، النوم ليس انقطاعًا عن الحياة، بل هو جزؤها الأهم، هو فترة لا يكف فيها الدماغ عن العمل.

المصادر والمراجع

1-كتاب كيف ننام، أزأرنوف ود. أودييت، ترجمة: د. رشيد برهون، طبعة أولى 2012.

2-النوم مقدمة قصيرة جدًا، ستيفن دبليو لوكلي وراسل جي فوستر، ترجمة نهى بهمن، طبعة أولى 2015.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: حازم عمر زين العابدين‏

تدقيق لغوي: سلمى الحبشي

اترك تعليقا