ميكافيللي مؤسس الحداثة والسياسة الحديثة

يُعرف نيكولا ميكافيللي بأنه علامة فارقة في عالم السياسة (تاريخ، منهج، وفلسفة)، واسمه دائمًا يكافئ دليل العمل السياسي المتمثل بأطروحته المسماة (الأمير) والتي نُشرت لأول مرة بعد وفاته 1532م.

يمكننا رؤية علمنة الفلسفة السياسية في فكر ميكافيللي، فقد كان دبلوماسيًا ومسؤولًا متمرسًا، ومنذ أن ذكر بوضوح كيف تم إجراء الصراع على السلطة في عصر النهضة في إيطاليا حصل على سمعة صادمة، ومع ذلك لم يكن فكره يخلو من المثالية حول الجمهورية الرومانية القديمة، كان أيضًا معجبًا بالروح المستقلة للمدن الألمانية والسويسرية، وقد جعلته هذه المثالية وهذا الإعجاب أكثر اشمئزازًا من السياسة الإيطالية التي قام بتحليلها بخيبة أمل وموضوعية في الوقت عينه.

كتب ميكافيللي في حديثه عن التقاعد بعد الخزي السياسي: إن الرجال جاحدون، متقلبون، مزيفون، جبناء، طماعون، وطالما بلغت ما أردت فهم ملكك تمامًا، سيقدمون دماءهم وممتلكاتهم وحياتهم”.

بما أن رغبات البشر لا تشبع فإن الطبيعة تدفعهم إلى الرغبة في كل الأشياء، والثروة التي تسمح لهم بالاستمتاع ولكن قليلًا، ينتج من ذلك استياء دائم في أذهانهم وكراهية لما يمتلكون.

مع هذه النظرة الموضوعية للطبيعة البشرية لدى ميكافيللي التي خالف بها نظرة أفلاطون وأوغسطين فقد نصح الحاكم بالتصرف وفقًا لهذه الطبيعة، وصرح بأن الأمير يجب أن يجمع بين قوة الأسد ومكر الثعلب، ويجب أن يكون قاسيًا يقظًا، قاسيًا يقضي على خصومه دون سابق إنذار.

يجب معاملة الرجال معاملة حسنة، أو يجب سحقهم تمامًا حتى لا يستطيعوا الانتقام.

وعلاوة على ذلك فقد رأى عدم حاجة الحاكم للإيمان كالأشخاص العاديين، وبما أن السياسة تعكس قانون الغاب، فالدولة قانون في حد ذاته، والقواعد الأخلاقية العادية لا تنطبق عليها.

إعلان

لقد صرح ميكافيللي بواقعية غير مشكوك بها عن تصرفات الطغاة، فقد رأى أن لكل حاكم قانونه الخاص بداخله، وقد اعتبر الحاكم الناجح فوق الأخلاق لأن سلامة الدولة وتوسعها الغاية الأسمى، ونرى بذلك تجاهله للرؤية الكونية لدى دانتي والإكويني حيث أن السياسة هي صراع البقاء.

وقد قدم أفكاره حول التاريخ على أنها طريق جديد من شأنه أن يوفر تعليمات لرجال الدولة في عصره، من خلال حشد أمثلة من التاريخ القديم كما كتب في (نقاشات حول ليفي).

كل من ينظر إلى الماضي والحاضر سيلاحظ بسهولة أن جميع المدن والشعوب قد نشأت بنفس الماضي والرغبات، حتى يكون من السهل من خلال الدراسة الدؤوبة للماضي التنبؤ بما قد يحدث في المستقبل في أي جمهورية، وتطبيق كل الطرق والعلاجات التي استخدمها القدماء، أو ابتكار أخرى جديدة استلهامًا من تشابه الأحداث”.

وهكذا يصبح التاريخ علمًا سياسيًا.

في كتابه الأمير يؤسس لعلم السياسة الحديثة، حيث يوصي بالذهاب للحقيقة الفعلية للأشياء والتخلي عن معيار “ما يجب فعله“، ويجب على الأمير أن يسترشد، ومن هذا المنطلق نجد أن حالة الضبط أو الحالة الناظمة تفرضها الحالة الفعلية للعالم، بدلًا أن يكون العالم (يوتوبيا) كجمهورية أفلاطون أو (مدينة الله) لأوغسطين، وعلى الرغم أن ميكافيللي ينصح باستخدام الحكمة ويقدم عرض علاجات وطرق بظروف معينة إلا أنه لا يسعى لوضع قوانين دقيقة للسياسة على طريقة العلوم السياسية الحديثة.

في الأوقات اللاحقة تأثر الكثيرون بفكر ميكافيلي بالرغم أن أعماله وضعت تحت قائمة الكتب المحرمة عام 1564م.

لكن ذلك لم يمنع المحامي والفيلسوف فرانسيس بيكون من الدفاع عن فكر ميكافيللي، ولم يمنع باروخ اسبينوزا من ذكره في رسالته في السياسة، حيث دافع عن نوايا ميكافيلي الحميدة في تعليم الحكام كيفية الوصول للحكم، كما رأى أنه جمهوريًا، أما جان جاك رسو في العقد الاجتماعي أكد أن ميكافيلي رجل أمين ومواطن صالح، وكتابه الأمير هو كتاب للجمهوريين، وهو بديل جماعي لللبرالية القائمة على المصلحة الذاتية.

وقد رأى شتراوس بميكافيللي مؤسس للحداثة بالرغم أنه كان نفسه يكره الحداثة ويحتقر الحداثيين في عصره، لكنه أكد على إمكانية قيام جمهورية دائمة وتؤسس نظام سياسي غير خاضع لتقلبات الثروة.

لا ندري أمتلَك ميكافيللي رؤية مقاربة لرؤية بيكون في وقته عن التقدم والعلمانية والمصلحة العامة من خلال المصلحة الخاصة!

لا ندري إذا امتلَك ميكافيللي مثل هذا الطموح، لكن ذلك لا ينتقص من عظمته وأسلوبه وحداثة تفكيره.

نرشح لك: ميكافيللي .. والمحنة الطبلاوية

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: نغم المحيثاوي

تدقيق لغوي: سلمى الحبشي

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا