هكذا تكلم زرادشت.. رحلةٌ في فلسفة نيتشه

هناك العديد من الأشياء التي قد لا يقولها المرء بوضوح ومباشرة ، كوجهات النظر الدينية والفلسفية الأساسية. إنها جذور تفكيرنا ورغبتنا: ولهذا السبب لا ينبغي جرها إلى الضوء … بأسلوب شعري عظيم ناقش نيتشه أعظم أفكاره الفلسفية فجعل من كتابه هذا كتابا خالدا يقرأ في كل الأوقات
ولد فريدريك نيتشه في مدينة رويكن بالقرب من لايبزيغ عام 1844م، وتوفي في فايمار عام 1900. يعتبر أحد أهم الفلاسفة وعلماء اللغة الألمان. درس فقه اللغة الكلاسيكي وتأثر تفكيره بعمق بعلم اللاهوت لأنه جاء من عائلة متدينة. نيتشه هو واحد من أوائل الوجوديين أصحاب التأثير على الكُتَّاب اللاحقين، مثل جورج برنارد شو، ودي إتش لورانس، وجان بول سارتر.
(هكذا تكلم زرادشت) وصفه نيتشه بأنه أعمق أعماله الفلسفية، وهو أكثر انعكاس تمثيلي لتفكيره ورؤيته. هو كتاب للجميع ولا لأحد ، ويعد تحفة من تحف روائع الأدب، فهو عبارة عن مزيج من النثر والشعر، بما في ذلك القصائد القصيرة والمحاكاة الساخرة.

يصف الكتاب كيف ينحدر النبي الفارسي القديم زرادشت من عزلته في الجبال ليخبر العالم أن الله قد مات وأن Übermensch  -أي الإنسان المتفوق  أو ما يعرف بالسوبر مان- هو التجسيد البشري للألوهية، وخليفته، وإصراره على أن معنى الحياة يجب إيجاده من منظور إنساني بحت، كما أننا نستطيع القول بأنه تناول مشكلة إعادة بناء مجتمع قادر على الازدهار داخل ثقافة “موت الله” – حيث تبخر كل اليقين الأخلاقي والديني والفلسفي.
فكيف يمكننا أن نفكر، ونقدر، ونعيش ثقافة ما بعد سقوط هذه الركائز؟

لا يستبعد نيتشه إمكانية وجود تدين صحي، فنجد أن موقفه لا يختلف عن موقف فرويد (1927/1961م)، وربما ساهم في منظور فرويد. في الأساس نظر نيتشه إلى الله باعتباره إسقاطًا لرغباتنا (تحقيق الإرادة)، وهذه النظرة  ليست حقيقة ميتافيزيقية، لهذا السبب تعتمد خصائص الله على الفرد والثقافة. يساعد هذا في تفسير ادعاء نيتشه المثير للجدل بأن الله مات. في كثير من الأحيان، يتم تفسير هذا على أنه بيان ميتافيزيقي. ومع ذلك لم تكن هذه هي طبيعة ادعاء نيتشه، حيث أنه كان يعتبر أن الفهم الثقافي والفردي أو (خلق الله) قد مات، لذا فهو نقد للثقافة وللبشر وليس لله.

نيتشه، بالأسلوب المكثف والنَّظم الشعري يرى بأن معنى الوجود لا يمكن العثور عليه في التقوى الدينية أو الخضوع الوديع للسلطة، ولكن في قوة الحياة المطلقة: العاطفة والفوضى والحرية.

وقد رسم خطه الخاص، فعلى النقيض من فكرة التنوير الأساسية بأننا نريد أن يتم التعبير عن الحقيقة كاملة بشكل كامل وصريح، نرى نيتشه في هذا الكتاب يقول جزءًا مما يريد قوله و يترك بعض الأشياء بدون قول، ولكن يتم التلميح إليها  وذلك عن طريق التعبير عن الأشياء من خلال فن أعلى كالشعر، للسماح للقارئ بالكشف عن معنى خفي أعلى وهذا جزء من سبب كون زرادشت ممتعًا للقراءة وصعب الفهم، حتى عندما تجذبنا صوره واستعاراته الساحرة، والتي جعلت من نيتشه في هذا الكتاب شاعراً أكثر منه فيلسوفاً، حيث قال عنه اللأديب الألماني توماس مان أنه أفضل ما كتب باللغة الألمانية.

إعلان

أفضل ما قاله في هذا الكتاب :

«ليس هناك وجود مطلق وانما وجود يتكون، وليس هناك تجديد لا نهائي وإنما عودة أبدية، مثل الساعة الرملية الأبدية للوجود التي تعيد دورتها باستمرار، ولا يحتاج الإنسان فيه إلى شعور رقيق، لأن كل المبدعين يجب أن يكونوا أقوياء الإرادة».

يُرى في هذا الكتاب خلاصة لحياة نيتشه ومرآة تعكس تناقضاته، قرأ فيه محطات حياته واستعرض موته، إن قراءة هذا الكتاب ليس بالأمر اليسير ولكن تكمن فيه متعة عظيمة.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: نغم المحيثاوي

تدقيق لغوي: أمينة براهيمي

اترك تعليقا