ما زلت تماطل؟

الخوف هو شعور يُثار لجعل بعض الناس يتخذون إجراءات لمعالجة المشكلات التي تواجههم وفي بعض الأحيان، نطلق على هؤلاء الأشخاص مُسمى “الأبطال” ، لأنهم في الظاهر يركّزون على مواقع الخطر والخوف على شيء ما أو على شخص آخر غير أنفسهم.
الخوف هو شعور يؤدي إلى توقف استجابة الناس الآخرين وعدم قدرتهم على التفكير بوضوح والتصرف بفاعلية والبدء بالمهام أو إكمالها وهذا الشعور بالقلق يؤدي إلى التردد والكسل والخمول.
وقد يدفعنا الخوف إلى التساؤل: هل ما زلنا نماطل؟

ما هي المماطلة؟

كتبت قبل عشرة أعوام وبالإضافة إلى الكتب والمقالات العلمية حول المماطلة والتسويف كتابًا يستعرض الأسباب والعواقب، بالإضافة إلى بعض “العلاجات” المستندة إلى قاعدة بيانات عن التسويف المزمن، وعلى مدى كل هذه السنوات، وجدت أن العديد من الناس لا زالوا يعتقدون أن المماطلة مجرد سوء إدارة للوقت وكسل، حسنًا، وكما أقول عندما أتحدث إلى الجماهير: “كلنّا نؤجل، ولكن ليس جميعنا يُماطل”، لقد تطور تعريف المماطلة والتسويف مع الكشف عن الآليات النفسية الكامنة وراء هذا الميل، واليوم يقول الكثيرون الذين يدرسون في هذا المجال أن المماطلة هي التأخير المقصود في بدء وإكمال المهمة المقصودة مع الشعور بعدم الارتياح لتأجيلنا إياها، وبعبارة أخرى، يؤخر هذا الشخص المهمة عمدًا مع شعوره بالسوء حيال الأمر.

حسنًا، هذه هي عملية المماطلة والتسويف، ولكن بالنسبة للعديد من الناس، الذين يعتبرون أن التسويف أسلوب حياة غير قادر على التكيف، وأسلوب حياة غير فعال، ويستخدمون التسويف للتغلب والهروب مما يجب عليهم فعله، فهل هذا هو الخوف؟
هذه التصرفات أكثر من مجرد تأخير وانتظار وتأجيل، لأن كلّ هذه التصرفات قابلة للتكيف إذا أحسن المرء التصرف.

فالذين يعانون من التسويف المزمن لن يحسنوا التصرف، فهم رائعون في خلق الأعذار، ويجعلون الآخرين أن يسمحوا لهم بالانسحاب قبل المواعيد النهائية، فهم متسمّرون في مخاوفهم مما قد يفكر الآخرون بهم، يتصرفون كذلك محاولين حماية إجلالهم واحترامهم الاجتماعي، نحن نعذرهم، وندعهم يفلتون مما يجب القيام به، لأننا نرى أنه من غير المهذب إلزام الآخرين بالمواعيد النهائية.

ما مدى انتشار التسويف المزمن؟

ولقد رأيت مؤخرًا مؤلفين يزعمون أن معدلات التسويف في العقد الماضي آخذة في الازدياد، وبكل احترام أنا لا أويدهم.
نُشرت دراسة عام 1991، حيث وجدت أن 20٪ من الرجال والنساء البالغين يعرّفون أنفسهم على أنهم “مسوفون مزمنون”، أي أنهم يؤخرون عمدًا المهام المنزلية والمدرسية وفي العمل والعلاقات والمواعيد وما إلى ذلك، ويقولون أن هذا هو أسلوب حياتهم.

إعلان

بإمكانك الملاحظة أن هذه النسبة أعلى من نسبة التشخيص بالاكتئاب وتعاطي المخدرات وإدمان الكحول ونوبات الهلع، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، ومع ذلك يعتبر الناس التسويف مسألة فكاهية وغير مهمة. ووجد أن هذا المعدل ثابت إلى حد ما في آخر ثلاثين عام في جميع أنحاء الولايات المتحدة وعالميًا، في إنجلترا وأستراليا وأيرلندا وكندا وإسبانيا وبيرو وفنزويلا وبولندا وإيطاليا والنمسا وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا وفلسطين والمملكة العربية السعودية والهند على سبيل المثال لا الحصر. وأنا أتحدث عن التسويف المزمن – وليس الرغبة في تأخير الدراسة أو تغيير الزيت أو تنظيف الأطباق، إلخ.

هذه الأمثلة ظرفية، فعلى سبيل المثال قد يتعمد الطالب تأخير قراءة نص أو دراسة أو كتابة ورقة، ولكن لن يماطل في الذهاب للشرب إذا كان يوجد بيرة خالية من الكحول في السكن الطلابي، ولهذا السبب وفي الحقيقة هناك 70% – 75% من طلاب الجامعات ينخرطون في التسويف والمماطلة وليس 95% كما يزعم البعض.

يتحدث الطلاب عن سلوك معين لا يرغبون في القيام به. وتركيزي هو على هؤلاء الذين يعانون من التسويف المزمن والذي تبلغ نسبتتهم 20% من خلال مسؤوليتهم في عمل المهام المتنوعة.
ومع أن التسويف لم ينتشر أكثر إلا أن وسائل الإعلام وحتى علماء النفس البحثيين ما زالوا يناقشون ويدرسون مواضيعه أكثر.

عندما قررت دراسة رسالة الدكتوراة الخاصة بي 1988- 1989 والتي أسميها أنا “proc”، لم يكن هناك أي عمل منشور حول هذا الموضوع سوى بضع أوراق بحثية “كاتب الكلمات” و”التردد الوظيفي”. وأنا كطبيب نفسي اجتماعي، أردت معرفة المزيد عن هذا الاتجاه الشائع، ومن هنا بدأت مهمتي في الفهم.

لماذا يماطل الناس؟

هذا هو السؤال الأساسي وبالواقع كان هناك العديد من الآراء والتفسيرات، وفي عام 2017 نشرت أنا وتييم تيبت -طالب دكتوراه في جامعة تكساس A& M – مقطع موسوعة قصير عن أنواع وأسباب التسويف، وأدعوك لقراءته، واقرأ أيضًا كتابي الذي يربط المواضيع حول التسويف.

يدّعي بعض العلماء أن التسويف المزمن هو آلية فشل التنظيم الذاتي، حيث يفشل الناس في الموازنة بين المهام التي يتعين القيام بها بشكل فعّال، وهذا صحيح بالنسبة لبعض الناس، ويرى باحثون آخرون أن التسويف المزمن استراتيجية لإعاقة الذات، وإلقاء اللوم على الأداء الضعيف للمهمة بطريقة قابلة للتصديق ولكن ليس إلقاء اللوم على الذات، وهذا صحيح أيضًا بالنسبة لبعض الناس.
فلا يزال علماء آخرون يقولون أن التسويف المزمن هو نتيجة الخوف والقلق والاكتئاب والمثالية ونقص الانتباه والانتقام والعدوانية السلبية وما إلى ذلك، وهذا صحيح لنسبة لبعض الناس أيضًا.

إذن ما هو السبب؟ يعتمد ذلك على ما إذا كنت تدرس التسويف كسبب أو نتيجة؛ سواء كان استكشاف فعل معين مثل التأخيرات الأكاديمية التي تسمى التسويف الأكاديمي أو ميل أكثر في الرغبة بالتصرف الذي يؤثر على نوعية حياة المرء مثل التردد قبل كل شيء، فلا تدع الخوف يمنعك من أن تكون أنت.

في المشاركات المستقبلية، وإلى جانب القضايا المتعلقة بالتسويف التي قد تسألني عنها، سأغطي موضوعات أخرى ذات أهمية مثل الروحانيات والتغيير المجتمعي والتشرد والفوضى. وأخطط لمشاركة كيف ولماذا نحتاج إلى تركيز وقتنا ومواهبنا وكنوزنا لتحسين حياة الآخرين، نشكرك على اهتمامك وصبرك وانفتاحك لاستكشاف هذه المواضيع، شكرًا لكل ما تفعله للآخرين.

المصدر

إعلان

فريق الإعداد

ترجمة: فرح سلمان

اترك تعليقا