بحث جديد يجعل الإنسان طرفًا في منافسة تحدث داخل جسده بين البروبيوتك والعطيفة

تتنافس بكتيريا البروبيوتيك وبكتيريا العطيفة داخل جهازنا الهضمي، فكيف نجعل البروبيوتك تنتصر؟ ولماذا؟ 

منذ أن وطأ الإنسان سطح الأرض وهو ينافس، فكانت أول قصة للبشرية على الأرض هي قصة منافسة الأخوين قابيل وهابيل على الزواج من الفتاة الأجمل، وحتى الآن لم ولن تنتهي قصص المنافسة على سطح الأرض، فهل هي دائمًا قصص حزينة؟
قد يخطر لك أن المنافسة لا تقع إلا بين البشر بعضهم البعض ولكن في الحقيقة المنافسة هي علاقة  تحدث بين جميع الكائنات الحية؛ فالحيوان يتنافس والنباتات تتنافس بل والبكتيريا تتنافس! 

وهنا وقف العلماء وقفة لفهم طبيعة التنافس بين البكتيريا وبعضها، ومحاولة السيطرة عليها لصالحنا؛ أي لصالح الإنسان في مواجهة البكتيريا المسببة للأمراض، وفي صف البكتيريا المُنشِطة للمناعة!. 

د. نهلة منصور وكيف دخلت المنافسة؟

كان من بين العلماء المصريين المهتمين بطبيعة المنافسة بين البكتيريا المُمرضة والبكتيريا المفيدة الدكتورة نهلة منصور؛ أستاذ البيولوجيا الجزيئية الميكروبية في قسم الصناعات البحثية الصيدلانية، وقسم كيمياء المنتجات الطبيعية والميكروبية في المركز القومي للبحوث، والتي أصبحت طرفًا في هذه المنافسة باكتشاف بحثي مذهل لثلاث سلالات من بكتيريا البروبيوتيك المُنشطة للمناعة والتي تنافس بكتيريا العطيفة الضارة، والمعرفة طبيًا بالإنجليزية باسم “Campylobacter”.

أصل الحكاية | كيف بدأت منافسة البكتيريا؟

بدأت المنافسة عندما اكتشف العلماء قديما أن بكتيريا العطيفة التي تستوطن أمعاء الدواجن -غذاء البشر- هي أكبر مسبب لالتهابات الأمعاء الجرثومية للإنسان في مراحل العمر المختلفة وتصيبه بالإسهال والأعراض المعدية أو المعوية الخفيفة، ولكن تصبح هذه الأعراض أكثر شراسة في الأطفال وكبار السن لدرجة التسبب بالوفاة في بعض الحالات.

أما الطرف الآخر، -المُنافس الطيب بالنسبة لنا نحن بني البشر- فهي بكتيريا مفيدة تسمى ” البروبيوتيك”، وهي توجد بشكل طبيعي في أجسامنا ولكن بكميات معينة، ووجد لها العلماء خصائص وصفات مناعية تحمينا من الأمراض المختلفة، فهي تتنافس مع البكتيريا الضارة بعدة ميكانزمات لتقضي عليها أو في بعض الأحيان تمنعها من استعمار أجسادنا من الأساس.

إعلان

ونظرًا لهذه الفوائد المُثبتة للبروبيوتك، سعت الدكتورة نهلة منصور في بحث منشور أن تساعد البروبيوتك أو البكتيريا النافعة في الانتصار على بكتيريا العطيفة المسببة للأمراض سواء داخل جسد الإنسان أو حتى محاربتها وهي في جسد الدجاجة قبل أن نأكلها.  

كيف نكسب هذه المنافسة؟ 

قامت الدكتورة نهلة منصور وفريقها البحثي بعزل 60 سلالة من بكتيريا البروبيوتيك من عينة براز لأطفال مصريين أصحاء حديثي الولادة ويستمدون غذائهم بالرضاعة الطبيعية فقط، فهنا -في أمعاء هؤلاء الأطفال- أفضل وأكبر بيئة لنمو بكتيريا البروبيوتيك النافعة.

وبعد العزل وعمل التجارب المعقدة تم اختيار 3 سلالات فقط بعد تحديدها واختبار قدرتها على مقاومة وعلاج الآثار الناتجة عن عدوى العطيفة بنجاح.

والآن تبدأ د. نهلة منصور داخل المختبر في دراسة هذه السلالات الثلاث دراسة تفصيلية شاملة لمعرفة كل ما يمكن عن قدراتهم المناعية في حماية الإنسان من العدوى، بل وعن قدراتهم على التعايش داخل جسد الإنسان بظروفه الخاصة إذا تم إعطائهم للإنسان على هيئة دواء من الفم.

وقد أثبتت البحث بالفعل أن للسلالات المختارة من البروبيوتك قدرة على وقف استعمار بكتيريا العطيفة للجهاز الهضمي للإنسان وذلك من خلال استراتيجيات مختلفة تبدأ بالتنافس وتمتد للتعديل المناعي؛ أي تحفيز الجسم على إنتاج أجسام مناعية محددة تهاجم العدوى.

 كما أثبت البحث المنشور في 2004 أن السلالات الثلاث المعزولة تتميز بخصائص أمان عالية تسمح بتضخيم عددها وتجريبها على البشر، بعد اختبار قدرتها على تحمل عصارات الجهاز الهضمي كالعصارة الصفراء وسوائل البنكرياس، وتحسسها من 6 مضادات حيوية مختلفة.

ما هو مستقبل هذه المنافسة؟

يأمل العلماء من خلال الاستمرار على تطوير هذا البحث بالنجاح في منافسة الإنسان لعدوى العطيفة والسيطرة على انتشارها وتقليل عدد الوفيات الناتجة عنها سنويًا بتوفير دواء فموي للإنسان يحتوي على البروبيوتيك الآمنة، وكذلك بتلقيح الدواجن بالبروبيوتك فهي المصدر الأكثر شيوعًا لوصول بكتيريا العطيفة لأمعاء الإنسان عن طريق الغذاء.

وبسؤال د. نهلة منصور وضحت أن أبحاثها حصلت على تمويل من صندوق نيوتن-مشرفة لاستكمال بحث وتطوير آليات جديدة لفهم ومواجهة الأمراض المنقولة عن طريق الغذاء.

وقالت: “قمت بتجربة نتائج البحث الذي أشرفت عليه داخل المختبرات المصرية على فئران التجارب وأثبتت نجاحها، أما أصدقائي العلماء في الخارج فقد وصلوا لمرحلة التجربة على الدواجن بالتواصل مع مزارع مختلفة ونجحوا أيضًا، وكذلك تم تطبيق هذا البحث من بعض العلماء على بكتيريا العطيفة في الزبادي”.  

وبسؤالها عن تأثير مثل هذه الاكتشافات الصغيرة الكبيرة على حياتنا اليومية المباشرة أجابت: “بالتأكيد ستكون الصلة كبيرة، لأننا بهذه الأبحاث نجعل مصادر الغذاء التي يتغذى عليها الإنسان أكثر أمانًا وأقل نقلاً للأمراض، ونساعد الإنسان نفسه على زيادة مناعته ضد الأمراض المنقولة عن طريق الغذاء، وتحسين الصحة ينعكس بشكل دائم على تحسين الاقتصاد”.

نرشح لك/ فيروس كورونا.. القاتل النبيل!

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: رنا داود

اترك تعليقا