“وأقولك عاللي سهرني”، سبعة أسئلة تؤرق علماء الفيزياء

لسنا بصدد ملتقى لتبادل الاعترافات، بل هو اجتماع لنخبة من كبار علماء الفيزياء يتساءلون فيما بينهم عن قضايا علمية، أطارت من عيونهم النوم ليال طوال، هكذا كان المشهد منذ بضعة أيام في تلك القاعة المكتظة في معهد Perimeter في واترلو بكندا، عندما طُلب من مجموعة من علماء الفيزياء الرد على سؤال: “ما الذي يُبقيك مستيقظًا في الليل؟

السؤال الأول: لماذا يتمدد الكون؟

في مسعى الفيزيائيين لمعرفة قوانين الطبيعة الأساسية، ما يزالون يعملون جوهريًا ضمن إطار عمل paradigm يرى البعض أن الزمن قد تجاوزه، فما زال الجميع يبحث عن الإجابة على سؤال واحد

لماذا يجب أن يكون الكون كما نراه؟

لكن ماذا لو توصلنا يومًا إلى قوانين فيزيائية مختلفة عما تعارفنا عليه في كوننا المنظور، فما المانع من وجود أكوان أخرى تهيمن عليها تلك القوانين في مكان آخر؟ يقول شون كارول Sean Carroll – من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا-: “ربما لم نعثر حتى الآن على بديل للكون الذي نعرفه، لكني أظن أن ذلك ليس صحيحًا”

يجد كارول من السهولة تصوّر أن الطبيعة تسمح بأنواع مختلفة من الأكوان بقوانين مختلفة؛ فيقول:

إعلان

لذا في كوننا، يصبح السؤال لماذا هذه القوانين وليست قوانين أخرى؟.

السؤال الثاني: ما المكونات الأساسية للكون؟

صورة من تلسكوب فيرمى

أصبح واضحًا الآن أن المادة العادية -الذرات والنجوم والمجرات– تشكل الـ 4 في المائة البسيطة من إجمالي طاقة الكون الكلية، لكن النسبة الباقية في المائة الأخرى هي التي تشغل بالَ فيزيائية جامعة ميتشيجن كاثرين فريز Katherine Freese . التي تبحث في طبيعة تلك المادة المفقودة والتي نطلق عليها المادة المظلمة dark matter، وربما اقتربت من الحل، إذ تشير فريز إلى أن البيانات الجديدة التي أمدتنا بها تجارب القمر الصناعي فيرمي التابع لناسا NASA’s Fermi satellite، تنسجم مع فكرة أن جسيمات المادة المظلمة في مجرتنا تبيد بعضها البعض بمعدل قابل للقياس، مما قد يمكننا يومًا من الكشف عن خصائصها، وخصوصًا دورها في تزايد سرعة توسع الكون.

لكننا ما زلنا بصدد مجموعة واسعة جديدة من الألغاز التي لا توجد لها إجابات فورية تلوح في الأفق، من ضمنها طبيعة الطاقة المظلمة نفسها، ودورها في تشكيل المجرات والنجوم ونشوء الحياة.

السؤال الثالث: من أين أتي كل هذا التعقيد؟

يري” ليو كادنانوف Leo Kadananoff “عالم الفيزياء والرياضيات التطبيقية في جامعة شيكاغو أن القضايا الأكثر جاذبية هي تلك التي تبحث في مسألة ظهور الأنظمة المعقدة، من السلوك الذي لا يمكن التنبؤ به في الأسواق المالية إلى ظهور الحياة من مواد أولية بسيطة، وهنا يبدو لنا مفهوم مدى القلق الذي يعانيه كادنانوف حين يخبرنا بحجم العمل الذي لا يوليه علماء فيزياء الجسيمات وعلماء الكونيات اهتمامًا حيث يركزون فقط على الجزيئات الصغيرة جدًا والكبيرة جدًا، دون تناول الآليات التي تربط فيما بينها.

يقول كادنانوف:

ما زلنا لا نعرف كيف تعمل نافذة زجاجية عادية وتحافظ على شكلها، فإن التدقيق في الأشياء المألوفة يكون مهمًا أيضًا في البحث عن المعرفة.

الحياة نفسها -كما يقول- ستصبح مفهومة فقط بدقة، بفك شيفرة كيفية أن عناصر بسيطة مع تفاعلات بسيطة يمكن أن تؤدي إلى ظواهر معقدة.

اقرأ أيضًا: خمسة كتب من علماء الفيزياء تساعدك على فهم الكون

 

السؤال الرابع : هل سنتأكد يومًا من صحة نظرية الأوتار؟

يعد الفيزيائي ديفيد تونج من جامعة كمبردج من أشد المتحمسين للجمال الرياضي لنظرية الأوتار string theory” وهي فكرة أن الجسيمات الأساسية التي نلاحظها ليست في حقيقتها نقاطًا وإنما أوتار صغيرة جدًا”

لكن تونج لا ينكر أن النظرية أوصلته -ذات مرة- إلى أزمة فلسفية، عندما أدرك أنه قد يعيش حياته كلها لا يعرف ما إذا كانت النظرية تمثل فعلًا وصفًا لكل الحقيقة، لأن التجارب مثل تلك التي تجري في مصادم الهادرون الكبيرLarge Hadron Collider أو بواسطة القمر الصناعي بلانك Planck satellite – والتي جرى تصميمها بشكل جيد للكشف عن خبايا الفيزياء الحديثة – لا يحتمل أن تخبرنا بشيء حاسم حول الأوتار.

ومع ذلك يجد تونج العزاء في الأمل الذي يراود البعض في أن أساليب نظرية الأوتار يمكنها العمل على مواضيع أقل أساسية، مثل سلوك الكواركات quarks والمعادن الغريبة.

يقول تونج:

إنها نظرية مفيدة، لذلك أنا أحاول أن أوليها كل اهتمامي وتركيزي.

السؤال الخامس: ما هي المفردة؟

يرى نيل توروك عالم الكونيات ومدير معهد Perimeter- أن اللغز الأكبر الذي تواجهه الفيزياء، هو ذلك الحدث الذي بدأ بعده كل شيء، إنه الانفجار العظيم big bang.

تشير النظرية التقليدية عن الانفجار العظيم إلى أن الكون بدأ ساخنًا وكثيفًا بصورة لانهائية، لدرجة أن القوانين المعروفة في الفيزياء لا يمكنها وصف ماحدث في تلك اللحظة.

يقول توروك:

إننا لا نعرف كيف نصف ذلك، وكيف يمكن لأحد أن يدعي أن لديه نظرية كل شيء دون أن يملك القدرة علي تفسير كيف بدأ كل شيء ؟

يأمل توروك في أن تقدم نظرية الأوتار وما لحقها من تطوير من خلال “مبدأ الهولوجرام holographic principle “، الذي يعرض المفردة في ثلاثة أبعاد يمكن ترجمتها إلى كيان رياضي طيّع ذي بعدين (والذي قد يدل ضمنًا على أن البعد الثالث والجاذبية نفسها خدعتان).

يقول توروك:

هذه الأدوات تعطينا طرقًا جديدةً للتفكير حول هذه المسألة، أدوات مقنعة للغاية بالمعنى الرياضي.

السؤال السادس: ما هو الواقع فعلًا؟

يبدو العالم المادي عصيًّا على الفهم -إلى حد ما- لكن أنطون زيلنجر Anton Zeilinger أستاذ الفيزياء في جامعة فيينا، متفائل بشكل كبير أن الفيزيائيين لم ينجزوا إلا القليل جدًا، زيلنجر المتخصص في تجارب الكمّ التي تُظهر جليًا مدى التأثير الواضح للمراقبين في تشكيل الواقع الملموس يقول:

ربما الإنجاز الحقيقي سيأتي عندما نبدأ في إدراك الروابط بين الواقع والمعرفة وأعمالنا.

هذا المفهوم معقد وصعب فهمه، ولكنه راسخ في الممارسة العملية، فقد أظهر زيلنجر وآخرون أن الجسيمات التي يتم فصلها على نطاق واسع يمكن -بطريقة ما- لها حالات كمومية مترابطة.

السؤال السابع: إلى أين تأخذنا الفيزياء؟ 

ربما السؤل الاكبر من كل ذلك، هو عمّا إذا كانت عملية البحث التي كشفت لنا الكثير من أسرار الكون منذ عصر جاليليو وكيبلر قد وصلت إلي نهاية الشوط.

يقول لورانس كراوس Lawrence Krauss من جامعة ولاية أريزونا:

يعتريني دومًا القلق من فكرة أننا قد وصلنا إلى حدود العلم التجريبي.

على وجه التحديد، يتساءل كراوس هل نحتاج إلي التعرف على  عوالم أخرى- مثل تلك التي طرحها كارول- لنفهم لماذا كوننا على ما هو عليه، ف إذا كانت مثل تلك المعرفة من المستحيل الوصول إليها، فهذا قد يعني أننا فقدنا القدرة علي فهم عالمنا بصورة أعمق مما توصلنا إليه حتى الآن.

يقول توروك:

هذا هو بالضبط السبب في وجود معهد Perimeter ، للاستفادة من أفكار ألمع العقول الشابة على مستوى العالم في بيئة غير مقيدة، تتيح ظروفًا أكثر ملائمة للتفكير الخلّاق، مما يعطينا الأمل في تجاوز هذا المأزق الذي تواجهه الفيزياء الحديثة.
لقد نظر الكثير إلي إنجازات  الفيزياء النظرية علي أنها كانت دومًا محض صدفة، نحن الآن بحاجة إلى أن نسأل، ما إذا كانت هناك باستطاعتنا وضع استراتيجية جديدة للتعامل مع العالم بطريقة تسرع الفهم والاكتشاف.

نرشح لك: الأكوان المتعددة وقوانين الكون العميقة

المصدر
https://www.newscientist.com/article/dn18041-seven-questions-that-keep-physicists-up-at-night/#.VMUJhi7SlWo

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: مصعب محيسن

تدقيق علمي: زكريا احمد عبد المطلب.

ترجمة: عبد الحفيظ العمري

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا