آني إرنو والكتابة الذاتيّة وجائزة نوبل للأدب 2022

يقولون أن نجيب محفوظ كان يستحقّ نوبل للأدب قبل أن تُقدّم له ويقولون أيضاً أنها كباقي الجوائز والمسابقات التي تشرف عليها لجنات أشبه بلجنة الأستاذ صنع الله إبراهيم تخضع هذه الجائزة لحسابات واعتبارات سياسية واجتماعية ولمركزيّة ثقافية وسلطة استعماريّة قد تتجاوز النصّ واللغة والقضايا التي يدافعان عنها. كلّها آراء لا تجانب الخطأ، يصدح بها نقّاد وقرّاء وكتّاب ومترجمون.
إلّا أنّه بعد فوز من لم نعرفهم أو نسمع عنهم جهلا وتقصيرًا منّا أو انغلاقاً مِن مَن يختارون ويقرّرون، فازت بنوبل للأدب هذا العام الكاتبة الفرنسية آني إرنو، ليلمع نجمها حذو نجم لويس غلوك وأليس مونرو وهرتا موللر ودوريس ليسينغ والبقيّة، ولتستردّ معها السير الذاتيّة التي تخرج الذاتي من الجماعي قيمتها بين كل الأجناس والتصنيفات. فمن هي آني إرنو؟ ما الذي كتبته ولِما لم تحظى كتبها بأحد رفوف مكتباتنا؟

تقول آني إرنو:” أدركت أن لا وجود للهوية. نحن لا نعرف من نحن. لكننا نستطيع أن نلتقط ذلك عبر التاريخ، عبر تراكم الحقب الزمنية. فأنا صنيعة الحقب المتعاقبة التي عشتها”، ملخّصة بذلك درباً اختارت أن تمشي فيه من خلال قطار الكلمات. فهي تكتب حياتها التي تقتطع منها في كلّ أثرٍ تنشره جزءًا، تصنع منه خيوطاً كثيرةً كما صنعت علّيسة بجلد الثور، ثم تربطه بحبال وصفٍ دقيق يقرّبه من تجارب الآخرين، لتنحت بذلك سيرة جماعيّة تتشابه فيها الحيوات.

نشأة الكاتبة الفرنسية آني إرنو

ولدت إرنو لأبوين من الطبقة الكادحة في 1 سبتمبر 1940 بليلوبون. درست حتى صارت مدرسة أدب فرنسي وكاتبة، ونشرت كتابها الأوّل سنة 1974. في هذا الكتاب، عرّت إرنو تجربة الإجهاض بكلّ ما فيها من وجع ووحدة ومعاناة وبكلّ ما يحيط بها من تدنيس مجتمعيّ وحتّى قانونيّ. كتبت حياتها التي تشكّلت مع والديها، بعد موت أختها وتعويضا لها وواصلت كتابتها في فترة المراهقة ثم قبل رحيل زوجها. كتبت بأسلوب حادّ وناضج مشاعرها، وجعلتها مكثّفة، حقيقيّة، واضحة كما لو كانت أشياء ذات حوافٍ ملموسة وألوان جذّابة. تحدّثت عن الفوارق الاجتماعية وعن سرطان الثدي والزهايمر وتجارب الحبّ والزواج والفراق والغيرة التي تلي الانفصال ورسمت الوجود كما هو، بتفاصيله وملامحه دون أن تتنفي في خطوطه الصغيرة وزواياه قيمته وقيمة كتابة الذات واليومي. أحيت الذاكرة الجمعية عبر إحياء الذاكرة الفردية، فصار الحميميّ مشتركاً، جماعياً، لا يخصّ الأنا فقط وإنمّا يحيط بنا معاً، إذا ما تقاسمنا أعباء الفكرة الواحدة والوجود الواحد. كانت إرنو تكتب الذاكرة وتلملم الماضي والحاضر، تحكي عن الإنسانيّ بما فيه من طابع نسويّ وتمزج الإنيّ بالغيريّ.

تقول:” إذا كان ثمّة تحرّر عبر الكتابة، فهو ليس في الكتابة ذاتها، بل في هذه المشاركة مع أناسٍ مجهولين في تجربة مشتركة… ليست وظيفة الكتابة أو نتاجها طمس جرح أو علاجه، إنما إعطاؤه معنى وقيمة، وجعله، في النهاية، لا يُنسى”.

إنجازتها الأدبية

وعلى عكس عبد الرزاق قرنح الذي لم نكتشفه إلّا بعد فوزه بنوبل للآدب العام الماضي، ترجمت أعمال آني إرنو للعربية منذ سنوات، فظهر سنة 1994 كتاب المكان (La Place) الذي أهداها بلغته الأصليّة جائزة رينودو الأدبية لسنة 1984، مترجما من قبل الدكتور سيد البحراوي والدكتورة أمينة رشيد عن دار شرقيات، وكتاب امرأة الذي صدر في ترجمات مختلفة لكل من المترجمة التونسية سحر ستالة والمصرية هدى حسين وكتاب الاحتلال الذي نقله للعربية عبر دار الجمل المترجم إسكندر حبش وغيرها من الآثار الأدبية الجميلة.

كانت حياة إرنو الأدبية غنيّة بالاحتفاء والتتويجات. سنة 2008 تحصلت على جائزة مارغريت دوراس وجائزة فرنسوا مورياك معاً، وسنة 2016 فازت بجائزة أدبية إيطالية كبيرة وهي جائزة ستريجا التي بعثها لأول مرّة صحفي وكاتبة وممثل إيطاليون سنة 1974. أمّا سنة 2017، فقد توّجت جلّ أعمالها بجائزة مارغريت يورسنار. وبعيدا عن هذه الجوائز وتلك الترجمات، حافظت أني إرنو على طبعها الملتزم، متشبّثة بإيمانها بالعدالة والمقاومة، متجسدّة في الشيوعيّة. ظلّت تؤمن بحقّ الإنسان الطبيعي في الرعاية الصحيّة والحياة الكريمة. رأيناها تبتعد عن الكتابة للقرّاء وتتوجه بخاطب للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ظلّ أزمة الكوفيد-19، لتشير إلى ما تسببت فيه سياساته من خراب لقطاع الصحّة وظلم للعاملين فيه. تكتب فتصيح وتهتف ضدّ الكيان الإسرائيلي، وتدعم ترشّح اليساري جون-لوك ميلونشون…

إعلان

تكتب آني إرنو لتأجيج نار قضايا باتت اليوم تحتقرها أجيال مواقع التواصل الاجتماعي وتحتفي بها نوبل لتحيي فينا حاجتنا للماضي، لذاكرة قويّة تجيد التكلّم بضمير الأنا والهو في ذات الوقت وتقدّس الحقّ كيفما وأينما كان. تكتب عن الأنثى وللأنثى، وعن الإنسان وللإنسان، وعن الكتابة وللكتابة بأسلوب كما سبق وقيل في مقالات عديدة سهل وممتنع…

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: نور الهدى بن الحاج إبراهيم

تحرير/تنسيق: خالد عبود

اترك تعليقا