بطل رواية الصنم لـ أشرف الخمايسي

"مرز" هكذا بدون تشكيل فلا تعرف للاسم معنى واضح هل يقصد به "الحدود والعوائق" كما في اللغة الفارسية

بطل رواية “الصنم” لـ “أشرف الخمايسي” – هذا ما سأتناوله هنا – يدعى “مرز” هكذا بدون تشكيل فلا تعرف للاسم معنى واضح هل يقصد به “الحدود والعوائق” كما في اللغة الفارسية وأن “مرز” هذا جاء لتوضيح الحدود والعوائق الموضوعة في “النجع” ويكشفها لأهله ولـ “جوهرة” زوجته ولنا كقراء لتلك “الجوهرة” الفنية؛ ولكن أيضًا هنالك معنى جاء في ذاكرتي منذ بداية الرواية حتى آخر كلمة فيها، وهذا المعنى لأهل القرية أو من نشأ فيها.

تلك الحياة الريفية المغروسة بداخلي جعلتني أبحث عن معنى “مرز” في قواميس اللغة العربية فوجدت المعنى كما حضر في ذاكرتي أن “المَرَزَ” هو القَرصُ الرقيق ويقال: اقرص لي من هذا العجين مَرْزَةً. أي اقطع لي منه قطعة، فتلك الكلمة ترامت إلى أذنَي مرات كثيرة في طفولتي عند تحضير العجين ثم التخمير والتغريز والتقريص الذي كان يقال “التأريز” ثم التبطيط وتلك مراحل تحضير الخُبز.

إذن أشرف الخمايسي بـ “مرزه” يقوم بقرص أهل النجع قرصة خفيفة تجعلهم يعاودون النظر في قوانينهم وحدودهم التي طالما جعلتهم نسخة من أهلهم في طيبتهم وسذاجتهم المعهودة فيقرصهم تارة عندما يكون هو الشجاع الوحيد في ظِل جمود الجماهير وتارة يكون هو المهاجم الذي يسدد ويهاجم عندما يدافعون فقط! ويكون هو الرجل الرومانسي حينما ينظرون للرومانسية كأنها فعل لا يخرج من الرجال؛ الصياد الماهر عندما تقهقر “العناتيل”، الطفل مهما زاد به السن، الوحيد مهما كان بين البشر فالوحدة تحتضنه أينما كان، الغريب المجهول الأصل والنسب في النجع والأصيل والأنسب لنسل بني آدم الأولين وهو الواصل بالسماء غير المهتم بها، وهو المُحب والفنان، المجذوب، العبيط، مسدّد الركلات خارج المرمى لكنه على الأقل الوحيد الذي سدد.

ربما “مرز” لم يتحدث كثيرًا لكنه كان الناطق الأول على غلاف الرواية الخلفي وتلك كلماته: “أنا “مرز”، بطل هذه الرواية التى بين يديك أيها القارئ الكريم، ربما لأنني لم أتكلم داخل الرواية سوى بضع كلمات قليلة، أتدفق الآن فى كلامي معك، ستعرف أنني عملت أعمالًا عجيبة، وعظيمة، تليق بمصلح اجتماعي كبير، وأحببت زوجتى “جوهرة” كثيرًا، خاطبت الناس فى نجعي بصمتي المحب، وأفعالي الساحرة، ولم أهتم كثيرًا أو قليلًا بصوتهم الجمعي، هذا الصوت الذي يحاول دائمًا أن يهمشني، بينما، في قرارة نفسه، يفيض إعجابًا وانبهارًا بأعمالي التي عملتها، أيها القارئ لبعض سيرتي هنا، أنا رأيتك من خلف سحابات الغيب، وأحببتك جدًا، أعمالي هذه أهديها إليك، كما أنني بالغ ذُرى المحبة لك، للدرجة التي تجعلني أمنحك روحي ولا أبالي، فقط اقرأ “الصنم”، وضع “مرز” في المكان اللائق به كأحد القديسين العظماء، جاء إلى العالم، وعندما رحل منه لم يرحل قبل أن يترك أثره الخالد، ثم صلِّ من أجل “جوهرة”، زوجتي التي عشقتها كما لم يعشق عاشق من قبل، وربما من بعد”.

أما عن أشرف الخمايسي فقام بقرص الكُتاب الحاليين قرصة رقيقة وربت على أكتفاهم ليخبرهم أن السرد موهبة وليست مجرد كلمات مجمعة بعناية، ولكن استخدام كل لفظ له مدلوله، بلغة شاعرية وكلمات تتراقص أمامك في رقة على الورق كتب “الخمايسي” جوهرة ورسم “جوهرة” – وهي زوجة مرز-  وجعل أهل النجع يتطايرون ويسجدون ويحملون الموتى في رقص متواصل لا يمسه الملل ولو للحظة، يأخذك من فصل لفصل وكأنهم قصص قصيرة متصلة فكل فصل هو قصة تغرد وعند تجميعهم تجد السيمفونية المفقودة قد اكتملت.

إعلان

ورواية “الصنم” هي البحث الأول في سلسلة الموت والخلود الذي هو موضوع روايته والروايات الثلاث الأخريات، وهم منافي الرب وانحراف حاد وضارب الطبل، وهذا يضيف أن للخمايسي فكر فلسفي يطرحه في قالب روائي رائع.

وفي النهاية لابد من الإشارة إلى أنه ليس كل تجديد يعني تقدم وليس كل قصة تراها قديمة معناها الرجوع للخلف! لا يهم ما ستتناوله في روايتك سواء كان عن الخلافات بين جمهور الأهلي والزمالك، أو تناولك لقصة حدثت في الريف وأخرى في المدن، أو بين حقبة الملكية وما تلاها من حكم الجيش، أو الفرق بين ثورة ٢٥ يناير وأي حدث جماهيري يُطلق عليه ثورة؛ الذي يهم حقًا هو كيفية طرحك لقصتك وما ترمي إليه ومدى عمق فكرتك ولو كانت بسيطة وأسلوبك الذي يجعل القارئ يجد في شخصيات الرواية شخوصًا من لحم ودم فالأعمال الأدبية الأصيلة لا تقاس بقصتها فقط.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: حمدي محمود

تدقيق لغوي: آلاء الطيراوي

اترك تعليقا