كيف للقط أن يتحول إلى وحش

ارسم صورةً مرعبةً لهذا القط الصغير، أطلق عنان مخيلتك، بالغ في رسم أنياب مرعبة، وقم بتغيير نبرة الصوت إلي زئير، ثم أطلق عليه اسمًا آخر.. متطرفًا مثلًا، أو إرهابيًّا، عندها تكون قد أتممت مهمتك بنجاح. أطلق القط وانتظر.

في الأيام القليلة الماضية، انتشر خبر يتحدث عن قيام شيخ باكستاني مسلم يبلغ من العمر ٦٥ عامًا بإحباط محاولة هجوم مسلح داخل أحد المراكز الإسلامية بإسلو. منفذُ محاولة الهجوم هو شاب نرويجي، يبلغ من العمر ٢١ عامًا فقط. للوهلة الأولى، عند النظر إلى وجه الشاب الذي قام بمحاولة الهجوم المسلح، يستقر في ذهن المشاهد يقينٌ بالغ بعدم القدرة علي تصديق أن هذا الوجه الهادئ والملامح الغربية يمكن اتهامه بجريمة التطرّف أو الإرهاب علي حد قول الجرائد، في حين أن الشيخ العجوز الذي يحمل ملامحًا عربية وذقنًا شعثاء وغطاءً للرأس، يبدو بلا أدنى تفكير مرتكبَ المحاولة.

يقوم شاب من رواد اليوتيوب بعمل بعض التجارب المعروفة بـ”social experiment“، حيث يرتدي ملابس عادية، ويتحدث اللغة الإنجليزية كما يتحدثها أهلها الأصليون، ويحمل حقيبة، ثم يذهب إلى بعض الأماكن العامة، ويحاول الجلوس في بعض الأماكن التي يجلس بها الآخرون؛ يوافق الجميع بلا استثناء، بل يرحبون أيضًا. ثم تتبدل الأدوار، ويقوم نفس الشاب بارتداء ملابس عربية؛ يرتدي جلبابًا، لحية خفيفة، وغطاءً للرأس، ويحمل نفس الحقيبة، ويحاول الاقتراب من الآخر؛ بعضهم يبتعد عنه بمجرد رؤيته، والبعض الآخر يهرع وكأن وحشًا طليقًا ظهر أمامهم، وإذا تقبل البعض علي مضض أن يجلس بجانبه يظهر مالا يُحمد عقباه. الوحيد الذي تقبله وتحدث معه شخصٌ أسود، أخبره أنه يدرك جيدًا ما يمر به، لأنه لايزال يمر به حتي الآن. بعد العديد من السنوات من التحرير واعتبار الزنوج جزءً لا يتجزأ من المجتمع الأمريكي، بعد أن تولى أول رئيس ملون حكم البلاد، لا زالت العنصرية والتعصب قائمين في الغرب.

أيهما المتطرف الآن: هذا العربي الذي لم يرتكب شيئًا سوي احترام معتقده الفكري، أم هذا المواطن الأبيض الذي أصدر حكمًا محجفًا بحق مواطن أمريكي له نفس الحقوق؟

هل هذا التطرّف جزءٌ من الطبيعه البشرية، أم أنه مجرد صناعة أجادت تصديرها دول الغرب؟ هذه التجربة كانت صادمةً بشدة، رغم أنها تحدث في هذا العالم المنفتح، العالم الغربي الذي ينادي بالحريات وكسر القوالب والمساواة.

إعلان

يستمد التطرّف تعريفَه من التشدد في المواقف والأفكار، والذي يتطور إلي استخدام العنف لفرض الرأي. وهذا التطرّف عادةً يبرَّر بالعادات والتقاليد والأديان والسياسيات في مفهوم المتطرف. وهذا يضعنا أمام تساؤل هام: هل يمكن لنا أن نضع الآخرين موضع اتهام بناءً علي مظهرهم وانتماءاتهم؟ وهل الذقن والجلباب والملامح العربية كفيلة بتحويل أصابع الاتهام نحو شخص ما؟ أعتقد أن هذه الأمور كفيلة بأن تخلق متطرفًا من لا شئ.

يعود بنا هذا الأمر لتلك الأفكار التي صوّرَتها السينما والجرائد والإعلام. تسعي السينما الغربية دومًا لتقليص دور الشرق أوسطي، والذي يظهر بدور الجاهل، وتثير طريقة حديثه الإنجليزية الضحك، لضعف قدرته علي الكلام كأهل البلاد الأصليين، أو الإرهابي الحاقد، أو الثري العربي الذي ينفق أمواله علي السيارات والنساء.

والتي انتشرت حتي تناولتها السينما العربية، وأصبحت صورة الإرهابي أحد التابوهات المقدسة عن الإرهابين والمتطرفين. في الشرق والغرب رؤية واحدة، تزداد سطحيةً والتباسًا، ويشارك في صناعتها فنانون ومخرجون تحولوا لأداةٍ للنقل وليس الإبداع. ومما زاد الأمر سوءً، التباعد الغامض بين العربي ومعتقداته، والتي تحولت إلى ألواح مقدسة يعلقها علي جدران بيتة دون الإمعان في فحواها، بالإضافة إلى الهيمنة الغربية التي تطاولت علي حقوق الشرق أوسطيين في الاحتفاء بمعتقداتهم وتراثهم وثقافاتهم التي تتجاوز ثقافات غربية عديدة، بل وتعتبر أحد مصادر تقدمها.

التساؤل المشروع، هل سيكون للسينما العربية دورٌ في تغيير هذة الخريطة الفكرية التي تقف وراءها السينما الغربية، أم أن الإيرادات هي المحرك الأول لسينما عربية ليس لها مكانٌ بين عوالم سينمائية عالمية؟
عند مشاهدتي لبعض الأفلام العربية، والمصرية خاصة، أبحث عن الهوية السينمائية فلا أَجد. هذه الحقيقة تثير الفزع، وتُسلط الضوء علي مبدعي الوطن العربي من كُتاب ومخرجين وممثلين ومثقفين، أين دور السينما في التوثيق، في كشف الحقائق، في تخطي نوبات فقدان الوعي التي أصابت السينما العربية والمصرية خاصة؟

أين مكان السينما في التاريخ والأعمال التي اعتدنا أن تتحول إلي أيقونات إبداعية يطالعها الجميع علي مدار أجيال؟ الظاهرة مُربكة وغامضة وتستحق البحث والاستقصاء، والأهم أن يتواجد مُبدعون يؤمنون أن الإبداع له مطلق الحرية، لأنه لا قيود علي عقل مُبدع.

وأختم مقالي باقتباسٍ للراحل د/إدوارد سعيد:

علي المثقف أن يتحمل تمثيل الحقيقة بأقصي مايستطيع من طاقة علي السماح لراعٍ أو سلطة بتوجيهه.

قد يعجبك أيضًا: هل ينتصر الفن والثقافة على الإرهـاب والتطرف؟!

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: نهى جمال الدين

تدقيق لغوي: تسنيم محمد

اترك تعليقا