لماذا نحبُّ امتلاك القطط؟

مقال بقلم جلين جايير، أستاذ ورئيس قسم علم النفس في جامعة ولاية نيويورك في نيو بالتز.

دعوني أبدأ حديثي معكم باعتراف: أنا مشتاقٌ لقِطِّي بي نات.

أثناء دراستي بالجامعة في التسعينات، عَثَرتُ أنا وزوجتي على بي نات وكان قِطًا صغيرًا يتجوّل حول المنطقة التي نعيش فيها في دوفر بولاية نيو هامبشير،  دون أن يحمل في رقبته أي طوق أو علامة تعريف  تدل على مالكه. كان قطًّا برتقاليًّا صغيرًا وجذّابًا تملأهُ البراغيث، وفي حين كانت نيو هامبشير تستقبل موسمها الشتوي البارد كان علينا أن نعتني به.

رغم حبنا لقطِّنا الآخر، ديكسي، ورغم أُلفتنا الشديدة مع الحيوانات ذوات الأنياب في عالمنا هذا، إلّا أنني أعتقد بعد مرور عقد من الزمن على مغادرة بي نات لهذا العالم، أن جميع أفراد أسرتي متفقون معي على أن بي نات كان أفضل حيوان أليف امتلكناه. فقد استمتعنا كل يوم بتصرفاته الشقية، من عناق ومواء والتقاط الأشياء وجلبها حيث دامَ ذلك لسنوات عديدة. لذا يُمكنكم أن تتخيلوا مدى الألم الذي عايشناه أحد أيام عام 2007 عندما أخبرنا الطبيب البيطري بإصابة بي نات بلوكيميا القطط وأنها فترة قصيرة من الوقت ليعيش. لا زلنا نفتقد بي نات كل يوم. فـمنذ عامين، قمت بكتابة مقال يتحدث عن الأصول التطوريّة للكلاب الأليفة بعنوان”لماذا نمتلك كلابًا؟” وأعتقد أنه حان الوقت الآن لمنح بي نات وفصيلته حقهم العادل حول دورهم في قصة التطور الإنساني.

كيف أصبحت القطط حيوانات أليفة؟

مع تواجد حيوان أليف شائع الانتشار، مثل القطط حول العالم، ينبغي علينا أن نعرف أن القطط تواءمت مع الإنسان لِأن لديها ما تستطيع تقديمه لنا. ومن الأمور المثيرة للاهتمام، أن الإنسان استأنس بالكلاب منذ ما يقارب من 20.000 سنة عندما كان الإنسان في المقام الأول من الصيادين. أمّا أفضل الأدلة على توقيت الاستئناس الأول بالقطط يشير إلى أن السنوريات كانت من أصدقاء الإنسان في مرحلة ما بعد اكتشاف الزراعة.

قد ظهرت تلك الأدلة في دول مثل مصر وقبرص، حيث تم العثور على العديد من القطط المحنطة مع أصحابها والتي يعود تاريخها إلى 8000 عام قبل الميلاد. وتشير المزيد من الأدلة إلى أن أصول الاستئناس بالقطط  تعود إلى ما يقرب من 12.000 عام  حيث نشأت حقبة الزراعة والتي استطاع من خلالها البشر البقاء والحياة في مكان واحد وتشكيل حضارات. بعد ذلك ظهرت مخازن الحبوب مع ظهور الزراعة، لذا فقد كانت احتمالات تواجد الفئران والقوارض الأخرى الحاملة دومًا للأمراض في ظلِّ وجود كميّة كبيرة من الحبوب مؤكدة، لذا لم يرغب أحد أن يتواجد فئران داخل مخازن الحبثوب الخاصة به

إعلان

القطط: أعظم مصيدة للفئران شهدها العالم

عندما قامت قطط الشرق الأوسط بافتراس المجموعات المتنامية من الفئران كان ذلك سببًا في حدوث لحظة محوريّة تكافلية في التاريخ الإنساني، فقد حلّت القطط مشكلة ضخمة  تتعلق ببقاء أسلافنا على قيد الحياة.

ترويض القطط:

السؤال الذي يطرح نفسه حاليًا كيف تحولت قطط الشرق الأوسط الشرسة إلى  بي نات وديكسي وبيكسي وفرانسيز وإلى كل أنواع القطط الأليفة اللطيفة والتي تعيش في منازلنا منذ ما يقرب من 10.000 عام؟

من المرجح، أن القطط تحولت إلى قطط أليفة من خلال عملية “انتقاء صناعيّ” والتي توازي بشدة العمليّة التي تُحوَّل من خلالها الكلاب إلى حيوانات أليفة. من خلال الانتقاء الصناعيّ، استطاع الإنسان بشكل أساسي اختيار الحيوانات والنباتات الصالحة للتكاثر. لذا تخيّل معي، أنك فلاح من الفلاحين الأوائل في الشرق الأوسط وقد لاحظت بعض القطط الشرسة التي تساعد في تقليص مجموعات الفئران التي تعيش في المزرعة. أيهما سيقع عليها الاختيار لتأخذها إلى منزلك وتطعمها، من الأرجح أنّك ستختار أولئك القطط التي لا تعض أو تخدش، أو تلك التي لا تخاف منك.

الانتقاء الاصطناعي من أجل الترويض:ّ

يعد السلوك الترويضي سمة وراثية في الثدييات، وفي الواقع هذا ليس بالجديد، حيث  تشير كل الأدلة إلى أن الكلاب أصبحت مستأنسة من خلال هذه العملية نفسها.

عندما رأى الإنسان البدائي مزايا تربية الكلاب، قام باختيار كلاب تغلب عليها سمات معينة مثل اللطف، الاجتماعيّة، ولا يبعث على الخوف بشكل مشابه للكلاب المفضلة لديه. لذا قام الإنسان البدائي باحضارهم وتربيتهم، وقد كانت ذريتهم أكثر قربًا إلى الكلاب التي تم ترويضها، واستمر الأمر هكذا عبر الأجيال التالية حيث أنّ  قابلية الترويض متوارثة في الثدييات. كان من المثير للاهتمام  ظهور بعض السمات غير المتوقعة مع حدوث عملية الانتقاء، مثل البقع والذيل المجعد والأذن العريضة في بعض الأنواع. على أي حال، فإن الفلاحين الأوائل كانوا أكثر ميلًا لانتقاء القطط القابلة للترويض والمؤهلة لإنجاب ذرية ملائمة نسبيًا.

لكن هناك سمات أخرى تم اختيارها أيضًا من قبل أولئك البيولوجيِّين الأوائل؛ فعلى سبيل المثال، ينبغي أن تكون القطط نظيفة بشكل عام ولا يُقبل أن تقوم بالتبول في أي مكان. لذا يجب أن ندرك أنه تم تفضيل القطط النظيفة نسبيًا على الأخرى بالتوازي مع أفضلية اختيار القطط القادرة على صيد القوارض. ولهذا السبب ربما تمتلك الآن ألطف وأرق قطة صغيرة على الإطلاق والتي تمضي للخارج ثم تعود واضعة أمام شرفتك الأمامية أرنبًا مقطوع الرأس كل صباح. ويعود هذا الأمر إلى أسلافنا الذين قاموا بالاستئناس بالقطط  فجمعوا بين اللطف والقتل ببراعة.

فكّر بالأمر! لماذا تبدو القطط أقل مبالاة من الكلاب؟

تختلف القطط والكلاب عن بعضها البعض لأسباب عدّة، الكلاب مثل القطط كائنات قاتلة وآكلة لحوم، ولكن إستراتيجيات القتل لديهم دومًا موجهة لخدمة عشيرتهم. فنادرًا ما تسمع عن مجموعة من القطط ولكن دومًا ما نسمع عن عشيرة من الكلاب أو الذئاب وغيرها. فقد خُلقت السنوريات لتكون قاتلة بشكل منفرد. وعزلة القطط الحديثة بالنسبة للكلاب تُعيد صياغة هذه الحقيقة، علاوة على ذلك فإن البشر والكلاب قد عملوا معًا لما يقرب من 20.000 عامًا وربما لأكثر من 40.000 عامًا. وفي الواقع، القطط هي كائنات تعرّف عليها الإنسان بعد حقبة الزراعة ممّا يدل على أنها كائنات جديدة نسبيًا؛ فتاريخ الاستئناس بالقطط يعود فقط  إلى ما يقرب من 10.000 أو 12.000 عامًا.

في حين كان لدى الكلاب وقت أطول لكي تتكيف مع تفاصيل السلوك الاجتماعي للإنسان. وربما يكون هذا هو السبب لتعامل كلبك معك على أنّك ملك إنجلترا بينما تقوم قطتك بتدوير عينيها والتثاؤب عندما تدخل من الباب.

أعتقد في قرارة نفسي أنني شخص يميل للقطط!

رجاءً لا تخبروا  كلابي نيكو وكوجو بهذا السر. ولو لم يكن الكثير من أقاربي وأصدقائي يتخوفون من وجود قطط لكان منزلي مليئًا بالقطط.

نهايةً، وكما هو الحال مع الكلاب، تعتبر القطط جزءًا من قصة التطور الإنساني فعندما بدأ البشر خطواتهم مع الزراعة خرجت القوارض بكل أنواعها من كل حدب وصوب فقامت القطط المستأنسة بحلِّ هذه الأزمة وقد عشنا سويًا مع ماكينات القتل المُبهجة المغطاة بالفرو تلك منذ ذلك الوقت.

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

إعداد: نهى جمال

تدقيق لغوي: عمر العجيمي

الصورة: gettyimages

اترك تعليقا