طاعون ألبير كامو بين الرواية والمسرحية

ألبير كامو هو أديب وكاتب فرنسي، وُلد في الجزائر عام 1916، وشارك في الحرب العالمية الثانية. ورغم شهرته في مجال الأدب؛ بسبب حصوله على جائزة نوبل للأدب عام (1957)، إلَّا أنه كان فيلسوفًا تأثَّر بجان بول سارتر الذي شارك معه في إحدى الصحف خلال الحرب، وبفلسفة شوبنهار، وكارل ماركس، وأندريه جيد حتى أصبح من المعروف أنَّ خلاصة أفكاره وفلسفته تتمحور حول العبثية والتمرد، وهذا ما ظهر في أعماله المختلفة سواء مقالات، مسرحيات أو روايات، و من أبرزها رواية الغريب وسيزيف.

ألبير كامو والطاعون

ليس من الغريب أن يستخدم أديب رمزًا أو اتجاهًا في الكتابة عدة مرات، مثل اختيار إبراهيم نصر الله للكتابة عن المأساة الفلسطينية، أو تعمُّد جوزيه سارماجو الكتابة في جوّ خيالي تمامًا وهو ما ميّز كل كتاباته، فقد قام ألبير كامو باستخدام رمزًا يدلُّ على الرهبة والخوف في عملين مختلفين، وهو رمز الطاعون، وربما ما أراده حقًا من وراء استخدام هذه الكلمه القوية هو التأثير الذي تتركه في النفس البشرية للوهلة الأولى من: تحطُّم وألم ومئات الجثث والبلاد المدمّرة، حتي يُخيَّل إلى العقل أنَّ هذا الوباء المدمّر لم يكن إلَّا أسطورة تاريخية مؤلمة أطاحت  يومًا ما بأكثر من  45% من سكان أوروبا، ورغم استخدام الكاتب الطاعون بشكلين مختلفين  تمامًا، إلَّا أنّ الأثر السيّئ الذي توقعه الكلمة مازال يهيّئ القارئ لجوٍّ نفسي مليء بالموت وبفلسفة كامو العبثية.

وقد استخدم الكاتب الرمز، ليس في مجرد عملين، بل في نوعين مختلفين من الأدب وهما الرواية والمسرحية، وشتّان بين هذين العملين حيث جاءت الرواية نفسية وصفية والمسرحية رمزية مباشرة.

الرواية الطاعون

وتدور أحداث رواية الطاعون في مدينة وهران الجزائرية، التي وصفها الكاتب في البداية بالمدينة الجامدة الكسولة: حيث لا أحداث جديدة تثير الشغف وسكان المدينة من النوع صعب الاستثارة بسبب الروتين المتكرّر. حتى يأتي اليوم وتبدأ جثث الفئران بالظهور -حتى في أنظف الأماكن بالمدينة- وعندما تجتاح عدوى الطاعون المدينة، يبدأ الهلع الأول مع إعلان إغلاق كل المداخل والمخارج، أعلنوا حالة الحصار على المدينة. يصف ألبير كامو مشاعر أهالي المدينة عبر عدة شخصيات رئيسية:

الطبيب

ويمثِّل الطبيب مشاعر الثبات والعقلانية، فهو الشخص الذي يعلم خطورة الطاعون، ومع ذلك لا تزال مشاعره ثابتة؛ بسبب تعرّضه لأكثر من حالة مصابة يوميًا، ومواجهته للهلع والخوف كل يوم، حتى أصبحت الحالة في المدينة لا تعنيه وإنما ينتظر الموت أو فناء المدينه بثبات.

إعلان

المشرَّد

يمثِّل المشرَّد مرحلة الأمل حتى في أشدّ الحالات خطورة. يجمع فريق المتطوِّعين ويعمل تحت إشراف الأطباء حتى يبدو أنه أكثر منهم حماسًا وشغفًا بإنقاذ الأرواح، مع علمه الكامل بالطاعون والحصار القصريّ، وهو من الحالات الشاذة وسط المدينة التي تقع تحت طائلة الخوف أو اللامبالاة.

الصحفي

ويجسِّد الصحفي حالة الأمل، ليس فيما يتعلَّق بالطاعون هذه المرة، بل بالسعي نحو الخروج من المدينة المشئومة، يحاول ويحاول بكلِّ الطرق القانونية وغير القانونية: عبر التودّد والإقناع بأهمية خروجه، ويمثِّل بالنسبة لي هذا الصحفيّ شعور الأنانية المفرطة الممتزجة بالكفاح.

*أما الحوار أغلبه فلسفي مقتضب: حيث اعتمد كليًا على وصف المشاعر والحركات وتفكير الأبطال والسّكّان.

إنَّ كل ما يستطيع الإنسان أن يربحه في معركة الطاعون والحياة هو المعرفة والتذكُّر

مسرحية «ظرف طارئ»

إنَّ مسرحية ظرف طارئ التي كتبها ألبير كامو هي عن مدينة تُدعى قادش، يعاني أهلها مثل باقي البلاد من ظلم الحاكم وتعسُّف القضاة وتملّقهم، وسكوت الفقراء ورضاهم بأقدارهم. ثم تأتي حالة الطوارئ، وهو هجوم الطاعون على المدينة، ولكنَّ الكاتب لم يستخدم الطاعون مثل المتعارف عليه كداء وعدوى، بل كرجُل حسن الهيئة والهندام يقوم بالسيطرة على المدينة وقتل من يعارضه بطريقة منظَّمة عن طريق كتابة اسم الشخص في دفتر، وبعد حالة واحدة من القتل يسلّم الحاكم السلطة والمدينة كاملة ويفرّ، ومعه القضاة، ويترك سكّان المدينة يواجهون مصيرهم مع الطاعون.

الحوار السرديّ في المسرحية قويّ جريء؛ فلا يوجد على مدار المسرحية حوار واحد مبالغ به أو مجرَّد زيادة، بل يحتوي كل حوار على فكرة قوية وهجوم واضح على شتّى أفعال سكان المدينة المستسلمين. بينما تكون الشخصيات في أماكنها مؤثِّرة من بداية البطل الثورى وحبيبته إلى القاضي، وحتى السكير في الشارع.

متناقضات ومتشابهات

الكاتب واحد والموضوع واحد ولكن الاختلاف كلّيّ في السرد، الشخصيات، الرمز والهدف. فكلا الروايتان من أفضل أعمال كامو وأكثرها شهرة، والفضل لمقدرته العظيمة على توظيف أسلوبه بين السرد الطويل والحوارات الموجّهة، رغم تكرار الظرف الأساسي (الطاعون) وما يصاحبه من موت وفرار ومحاولة جديّة للتمسك بالحياة.

وقد كان ألبير فيلسوفًا، ويعلم وقع الكلمة على الإنسان وما يصاحبها من تغيير كامل في المشاعر، وقد استطاع وصف المحنة بشكل نفسي، وبشكل رمزيّ سياسي، هذا من جانب الفكرة. أما من الناحية الأدبية فقد كان الاختلاف عظيمًا؛ فكما أسلفت، جاءت الرواية بشخصيات رتيبة مملة مستسلمة، عكس شخصيات المسرحية، ولكن لا يزال هذان العملان من أفضل أعمال كامو العبثية والمؤثرة، رغم احتوائما على الرمز المنفّر: الطاعون.

إعلان

اترك تعليقا