ما الوعي الذّاتي ؟ وكيف تكتسبونه؟

11 طريقة لتحقيق قدر أكبر من الوعي الذّاتي

ما الوعي الذّاتي ؟

يتضمّن الوعي الذّاتي مراقبة عوالمنا الدّاخلية وأفكارنا وعواطفنا ومعتقداتنا. وهو هامّ لأنّه آليّة رئيسيّة تؤثّر على تنمية قدرات الشّخصية. لقد خلصت، بعد قضاء العام المنصرم في البحث و تأليف كتابي الجديد، “تفوّق على هاتفك الذّكي: عادات تقنية واعية للعثور على السّعادة والتّوازن والاتّصال“، IRL. إلاّ أنّه يمكن لحياتنا أن تخرج عن نطاق السّيطرة بسرعة قصوى إذا لم نحط علمًا بكيفيّة وتحت أيّ ظروف تتكوّن طبيعتنا العاطفيّة. (على سبيل المثال، قد لا ندرك مدى إزعاج وسائل التّواصل الاجتماعي لنا).

كيف نصبح أكثر وعيًا بذواتنا؟

يتطلّب الوعي الذّاتي فحصًا ذاتيًا (قوموا باختبار السّعادة هذا لتصبحوا أكثر وعيًا بنقاط القوّة والضّعف لديكم فيما يتعلّق بسعادتكم). ولتعلموا بأنّ التّحليل الذّاتي الصّادق والخالي من الأحكام المسبقة ليس بالأمر الهيّن. نحن نميل إلى لوم أنفسنا بسبب إخفاقاتنا أو تخيّل كم نحن عظماء، إلاّ أنّ الأمر في الواقع ليس كذلك. لكلّ منّا مزيج فريد من الصّفات “الجيّدة” و”السيّئة”، إلاّ أنّنا غير مدركين لها إلى حدّ بعيد. لذا نحتاج إلى تصفية عقولنا وفتح قلوبنا، من أجل التأمّل في ذواتنا بموضوعيّة، ومسامحة أنفسنا على عيوبنا والثّناء على أنفسنا فقط عندما نستحق ذلك.

إنّ إدراك المواقف الخاطئة أو السلوكيّات غير اللاّئقة يتطلّب السّكينة والوقت والانتباه والتّركيز، علاوة على المعرفة المسبقة بقدرتنا على التّغيير بالفعل بطرق إيجابية من خلال وعي ذاتي أعمق يجعل الأمر يستحقّ العمل على تلك الصّفات الشخصيّة التي نقدّرها بالفعل. لكن أوّلًا ينبغي أن نغوص في أعماقنا من خلال الفحص الذّاتي لنرى ما يوجد في الدّاخل، والذي غالبًا ما يكون أقلّ وضوحًا ممّا نعتقد.

لماذا الوعي الذّاتي هامّ؟

يعدّ الوعي الذّاتي العالي مؤشّرًا قويًّا للنّجاح الكبيرفي الحياة، ربّما يُعزى ذلك إلى أنّ الشخص الذي يدرك نفسه يعرف متى تكون الفرصة ملائمةً له وكيف يجعل المشروع المناسب ينجح بكفاءة. يستمر معظمنا بصراحة تامّة، في التصرّف كـ”القائد الآلي”، إذ بالكاد نُدرك سبب نجاحنا أو فشلنا، أو لماذا نتصرف تصرفاتنا تلك. إنّ عقولنا مشغولة جدًا بالأحاديث اليومية لدرجة أنّنا عادةً لا نحاسب ذواتنا إلاّ عندما يحدث شيءٌ ما سيّء فقط.

ربما نتلعثم خلال مقابلة عمل أو اختبار أكاديمي، قد ظننّا أنّنا كنّا مستعدّين له  جيدًا، أو نتعامل مع شيء ما في حياتنا برعونة، افترضنا أنّنا ماهرون في القيام به، أو ربّما نفقد شريكًا رومانسيًا بسبب سوء تفاهم جرح مشاعرنا.

إعلان

غالبًا ما يكون اتّخاذ موقف دفاعي هو ردنا في المواقف الصّعبة أو تقديم الأعذار أو إلقاء اللوم على شخص آخر، لأنّنا لا نريد أن نرى دورنا في الكارثة إذا تمكنّا من فهم أنفسنا خلال تلك الوقائع، فستكون هذه بداية جيدة للوعي الذّاتي.

كيف نبني الوعي الذّاتي ؟

فيما يلي بعض الاقتراحات:

1.المشي، وخاصّةً في الطّبيعة الهادئة، يمكن أن يكون مفيدًا في بناء الوعي الذّاتي

يميل العقل إلى الشّرود تزامنًا مع تجوّل أقدامنا، لذا إذا وكزناه وكزةَ وعيٍ صغيرة (والمشي)، يمكننا فحص دورنا في شيء يحدث في حياتنا في الوقت الرّاهن – في العمل أو في المواقف الاجتماعية أو في علاقاتنا أو ضمن العائلة.

2.ممارسة الوعي التّام يمكن أن تزيد من الوعي الذّاتي

يشبه الوعي التّام الوعي الذاتي ذلك أنّهما يرتبطان بتوجيه أفكارنا بوعي إلى أعماقنا من أجل أن نكون أكثر إدراكًا لعالمنا الدّاخلي الموجود، ومراقبة أفكارنا ومعتقداتنا، وملاحظة ما يثير عواطفنا أثناء زيادتها ونقصانها.

يتضمّن الوعي التّام اهتمامًا مركّزًا في الوقت الذي يقوم خلاله الشّخص بشيء ما، ويشمل ممارسات مثل التأمّل أو تصفية الذّهن.

3. أن نكون مستمعين جيّدين قد يجعلنا أكثر وعيًا بالذّات

يمثّل الخروج من “دائرة أنفسنا” من خلال التّركيز على شخص آخر ترياقًا جيّدًا لوقف التّدهور المتواصل للتّفكير التّدميري الذّاتي، إذ يمكننا من خلال الانفتاح على شخص آخر، أن نتعلّم الاستماع بموضوعية، وحتّى بمحبة، إلى ما يريده أو يحتاج إلى مشاركته وهذا بدوره يساعدنا في تعلّم كيفيّة الإنصات إلى الحوارات والآراء الدّاخلية الخاصّة بنا بموضوعية ومحبّة أيضًا.

4.أن نصبح أكثر إدراكًا للذّات يمكن أن يكون مفيدًا تمامًا

نحن نجهل الكثير عن أفكارنا وعمليّاتنا الدّاخلية إذ تكون الرّحلة الدّاخلية أحيانًا مفاجئةً، ففي بعض الأحيان، تظهر بعض العبارات تلقائيًا لتميط اللّثام عن المواقف أو الآراء التي لا ندرك حتّى أنّنا نشترك فيها أو حتّى مصدرها.

لقد تشرّبنا على مدى سنوات من انغماسنا في الحياة الأسريّة والمدرسة، ومختلف الوظائف، والأوساط الاجتماعية، الأفكار السّائدة في بيئتنا، وبعضها نُحت في وعينا الباطن، حيث لا يتمّ التثبّت منها غالبًا إلى أن يقع إفشاؤها دون قصد ممّا يتسبّب أحيانًا في إحراجنا. وهو سبب وجيه يجعل الوعي بذواتنا لزامًا علينا لنتعلّم كيف نكون على سجيّتنا، و نشعر بثقة أكبر في أنّ الأفكار التي نعبّر عنها هي أفكارنا حقّا.

5.يمكن للوعي الذّاتي أن يفتح عقلكم على وجهات نظر جديدة

يميل كلّ فرد منّا إلى امتلاك وجهات نظر مختلفة حول مجموعة متنوّعة من المواضيع، إلاّ أنّنا، بينما نطوّر هذه المنظورات، نشعر بالارتياح لهم ونفضل آرائنا الخاصة. ومع ذلك، فإنّ المنظورات المحدودة تؤدّي إلى تفكير محدود، لذلك من خلال الانفتاح على وجهات نظر الآخرين، يمكننا توسيع وجهات نظرنا لتكون أكثر شمولًا على المستوى العالمي.

إنّ الأفكار الجديدة منعشة ومحفزة، و توسّع نطاق تفكيرنا على اتّجاهات جديدة وربّما واعدة، فالانفتاح هو بالتّأكيد ميزة للنّجاح في التّعامل مع تحدّيات الحياة والمواقف المختلفة.

6. الوعي الذّاتي مرتبط بتقدير الذات

يستند الرّأي الذي نحتفظ به بشأن أنفسنا، في كثير من الأحيان، على ما يعتقده الآخرون حولنا، أو بشكل أصحّ، على ما نعتقد أنّ الآخرين يعتقدونه حولنا..إذا تعرّضنا للانتقاد دائما خلال طفولتنا، فقد نصاب نتيجة لذلك بحالة من تدنّي احترام الذّات والحساسية تجاه الرّفض. من ناحية أخرى، إذا تمّت الإشادة بنا بصفتنا “أميرًا أو أميرة”، فعلى الأرجح سينمو بداخلنا تقدير عالٍ للذّات، سواءً أكان مستحقًا أم لا.

تُنحت الكثير من معتقداتنا في العقل الباطن، حيث يمكنهم إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه إذا لم يتم التحقّق منها وإعادة تقويمهما لتعكس بشكل صحيح شخصيّتنا بالفعل. نحن مدينون لأنفسنا بأن نكون أكثر وعيًا بذواتنا للأفكار والمعتقدات الكامنة في داخلنا. يحتفظ اللاوعي بهذه الأفكار والاعتقادات على أنّها صحيحة، لذلك إذا لم نتثبّت فيها، فيمكن أن نصبح مجرد إسفنجة تمتصّ العقليّة الشعبية المجتمعية ونفقد الكثير من تفرّدنا.

يمكن للوعي الذّاتي أن يحسّن من اعتزازنا بأنفسنا لأنّنا سنعرف من خلاله من نحن وماذا نعتقد، وهو ما يقوّينا للمضيّ قدمًا في الحياة بدافع قويّ لإرشادنا إلى الطّريق الذي اخترناه.

7.يمكن للوعي الذّاتي أن يساعدكم في النّظر إلى أنفسكم بموضوعية

يميل البشر إلى أن يكونوا أشخاصًا ناقدين، سواء أكانوا ناقدين ذاتيين أو ناقدين قاسين على الآخرين، وأحيانًا كلاهما. عندما ننحي باللائمة على أنفسنا، فإنّنا لا نخدم أحدًا وإنّما نفسد سعادتنا. وبما أنّه لا أحد مثالي، فلما علينا أن نتوقّع من أنفسنا أن نكون كذلك؟ لذا حاولوا أن تقطعوا مع المبالغات وأن تصبحوا أكثر موضوعيةً، خاصّةً حول أنفسكم. ستوجد بالتّأكيد دائمًا مجالات يمكننا تحسينها، لكن هذا لن يحدث إذا رفضنا قضاء وقت إضافي لتطوير الوعي الذاتي.

عندما تختلوا بأفكاركم، فلا يوجد سبب للانحياز، كونوا ببساطة على استعداد لتقييم أنفسكم بموضوعية قدر الإمكان. وتأكّدوا عدم التّغافل عن ما كنتم لا تفضّلون رؤيته، بل تأكّدوا من تقويض العقل الباطن لآرائه وتصحيح العقليّات التي لا تتوافق مع قيمكم.

يمكنكم القيام بذلك عبر كونكم صادقين تمامًا مع أنفسكم، وعندما تجدون شيئًا لا يتوافق مع مساركم، تثبّتوا من ذلك الرّأي، وأزيلوا كلّ ما هو غير متوافق شخصيًا، وأدرجوا قيمةً أو عبارةً أفضل لجعل الفكرة متوافقة مع القيم الأساسية الخاصّة بكم.

قوموا بذلك كما لو كنتم مدرّسًا يصحّح لطالب ما -دون ازدراء، ولكن بفهم وتعاطف. للحصول على شحنة إضافية، حوّلوا المفهوم المعاد صياغته إلى تأكيد، وكرّروه بأنفسكم كلّما كان ذلك ضروريًا للتّأثير على التّغيير المرغوب فيه.

8.تسجيل اليوميات هي طريقة جيّدة لتصبحوا أكثر وعيًا بالذّات

من خلال تدوين أفكاركم أو تيّار أفكار الوعي، تشرعون في الانفتاح على تلك الأماكن الهشّة في الدّاخل. هناك يكمن الجزء الأساسي للوعي الذاتي. إنّ تسجيل اليوميات لا يستهوي الجميع، ولكن إذا كنتم تحبّون الكتابة، فجرّبوها. إذ تميط الكتابة اللّثام في بعض الأحيان عمّا يعجز عنه التأمّل، لذلك قد تساعدكم طريقة الاستكشاف الذّاتي هذه في تنمية وعيكم الذّاتي.

أن تقصوا حكايتكم، وتفرغوا مشاكلكم على الورق، وتحلموا بوضعيتكم الخيالية -هذه هي الطرق التي يمكن لعقلكم الباطن أن يحدّثكم بها، ويكشف “الأمر الهام” حقًا. دعوا عقلكم حرًّا وتعجّبوا ممّا قد يكشفه عنكم وعن البعض من الجروح المدفونة التي تنادي بالاندمال. تبنّوا بعض هذه الأفكار لاستكشاف ما ورائها بنيّة معرفة أنفسكم بشكل أكثر وثاقة.

9.يمكن لردود فعل الآخرين أن تساعدكم  على أن تكونوا أكثر وعيًا بأنفسكم

نظرًا لأنّنا نمثّل أفضل جمهور لدينا، فقد نفوّت شيئًا ما خلال تقييمنا الذّاتي. هنا يمكن أن تكون موضوعية الآخرين مفيدةً للغاية في التقييم الذاتي. إذا كنتم تتحلّون بالشجاعة، اسألوا صديقًا ما أو أحد معارفكم عن آرائهم حول شخصيّتكم، أو اسألوا عن كيفية إدارتكم لبعض المشاريع التي عملتم عليها معًا أو كيف تعاملتم مع بعض المواقف الغريبة.

إنّ النّقد البنّاء هو الأفضل ممّا لا شكّ في ذلك، ولكن حاولوا أن تكونوا مرنين ومستعدّين لسماع ما ينبغي أن يقولوه. إنّ التّواصل في العلاقات أمر في غاية الأهميّة، ولكن يجب أن تكونوا منفتحين على الاستماع إلى بعضكم البعض، حتّى عندما يكون النّقد ناقصًا أو يصعب سماعه. عند الكشف عن بعض من جوانب الذّات يمكن لذلك أن يستخدم بعض التّهذيب الإضافي، كونوا على استعداد للبحث وراء ما هو واضح في سرّها أو جرحها الأساسي. عندما تجدون شيئًا يحتاج إلى بعض التغيير والتبديل، سجّلوا ملاحظة ذهنية أو كتابية لأنفسكم كي تطّلعوا عليها لاحقًا عندما يكون لديكم بعض الوقت للاختلاء بأنفسكم والعناية بذواتكم.

إذا كان النقد عند المزيد من التثبّت لا يبدو صحيحًا، فكّروا فيما إذا كان النّاقد يسقط عليكم حقيقته باعتباره “مذنبًا” أو يكافح ضدّ شيء ما. ولربّما  يحمل هذا الشّخص ضغينةً تجاهكم. إذا كان الأمر كذلك، تدرّبوا على الاستماع إلى ما يجب أن يقوله و بدلًا من الردّ بشكل دفاعي، حاولوا الوصول إلى جوهر المشكلة حتى تتمكّنوا من ضمان صداقة سليمة.

10. يمكن  للوعي الذّاتي أن يساعدكم في معرفة نقاط القوة والضعف لديكم

“أنا مستهلّ جيّد، لكنّني أواجه صعوبة أكبر في إنهاء مشروع ما”.”من السّهل بالنسبة لي مقابلة أشخاص جدد، لكن لدي تحفّظات عندما يتعلّق الأمر بالالتزام”. “أنا صديق رائع، لكنّني لست جيّدًا إزاء توفير المال”. جميعنا  لدينا مواطن قوّة ونقاط ضعف وتفضيلات وكراهيات، وأيًّا كانت، كونوا على دراية بها حتى لا تضعوا أنفسكم في مواقف من المرجّح ألاّ تنجحوا فيها. استخدموا نقاط قوّتكم للنّجاح في الحياة، وسيكون طريقكم أكثر سعادةً، لأنّكم ستجدون التّقدير والدّعم طوال الطريق.

11. يمكن للوعي الذّاتي أن يساعدكم في تحديد أهدافكم

إذا كنّا نهيم في الحياة دون غرض أو اتجاه، فإنّ الفرص سينتهي بها المطاف إلى اللاّشيء على وجه الخصوص. من أجل تشكيل هدف ما، تحتاجون حقًا إلى بعض الأفكار حول ما هو هامّ بالنّسبة لكم وماذا تأملون في تحقيقه. ليس من الضّروري أن تعرفوا كيف ستصلون إلى هناك، لكن يجب أن تكون لديكم فكرة عن اتجاهكم العام. على سبيل المثال: “أعتزم إنشاء نشاط تجاري خاص بي في __________ (في أي مجال) وأصبح مكتفيًا ذاتيًا في سنّ ____” ؛ “أنوي إيجاد شريك حياتي المناسب و تكوين أسرة سعيدة وسليمة معًا في البلدة” ؛ “أنوي الدّفاع عن نفسي عندما يحاول مديري أن يجعلني أشعر بأنّني عديم الأهميّة”، إلخ…

اجهروا بهدفكم بصوت عالٍ وبكلّ فخر، وتذكروا أنّكم تتحدّثون إلى ذواتكم الدّاخلية، أو عقلكم الباطن، أو ضميركم الأعلى، أو ربّما إلى قوة عليا ما التي تختارونها للسّماح لها بذلك، وأنتم تعلمون أنّكم تركزون على اتّجاه معيّن أو وجهة معيّنة. استخدموا هذه الأفكار للتّواصل مع أنفسكم من الدّاخل، واجعلوا عقلكم الباطن يدرك أنّكم تبغون فهم عقلكم الدّاخلي بشكل أفضل حتّى تتمكّنوا من عيش حياة ذات مغزى أكبر وأكثر إرضاءً.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: درة شقمة

تدقيق لغوي: أبرار وهدان

اترك تعليقا