الكاريزما هبة أم يمكن التدرّب عليها

عشر رؤى ثاقبة لخوض غمار الكاريزما

فكّروا في شخصٍ ما -سياسيّ مشهور أو صديق طفولة- ذي شخصيّة جذّابة أو أشخاص متألّقين يُبهجون القلوب بمجرّد وجودهم.
ما السرّ الذي يكمن وراء جاذبيّتهم؟ مظهرهم؟
طريقة تحرّكهم و تحدّثهم؟
شخصيّتهم وموقفهم؟ إنجازاتهم؟
غالبًا ما يكتنف الغموض الكاريزما والتي تعني في اليونانية “هبة إلهية”، فمنذ قرن من الزّمن كتب عالم الاجتماع ماكس فيبر عن الكاريزما باعتبارها خاصيّة “خارقة للطّبيعة” كانت تنطوي على عدد قليل من الأشخاص المحظوظين، إنّه مفهومٌ غامض وغير قابل للتّعريف، ومع ذلك فإنّنا ندرك سحره بسهولة، سواء على شاشاتنا أم في غرف معيشتنا.

لقد أمضى جون أنتوناكس، من جامعة لوزان، أكثر من عقد يبحث في كنه الكاريزما، وهو يعمل على تبديد الغموض وإضفاء الطّابع الدّيمقراطي على الكاريزما -كما يقول.

على الرّغم من أنّ شرح شيء ما يُعتبر عادةً غامضًا لمكوّناته المجرّدة؛ إذ قد يبدو مثل إضاءة الأنوار أثناء عرض سحري، فقد وصل أنتوناكس إلى استنتاج مذهل: بالإمكان تعلّم الكاريزما؛ بدلًا من كونها هبة مقدّسة تنطوي على”الأشخاص المميّزين“، يمكن لمعظمنا زيادة مستويات الكاريزما لدينا عن طريق تطبيق بعض الحيل، علاوةً على ذلك فقد ثبت أنّ هذه الحيل -المعروفة باسم تكتيكات القيادة الكاريزميّة CTLs (الجذّابة)- فعّالة في مختبرات البحوث بقدر ما هي عليه في العالم الواقعي، في قاعات الدّراسة ومجالس الإدارة والإنتخابات الرّئاسيّة، يبحث أنتوناكس بالتّعاون مع زملائه في طّريقة تحدّثنا وأقوالنا التي تمهّد لقدر كبير من الكاريزما.

بساطة الفرضية:

إذا أراد شخص ما (دعنا نسمّيه زيد) إشعال فتيل الانطباع الكاريزمي، فهو يحتاج إلى مراقب (لنسمّه عمر)، لكسب انتباه وثقة وتوقير عمر يجب على زيد التعبير عن أفكاره بطريقة من شأنها أن تساعده على فهم رسالته، والتعلّق بها، وتذكّرها، بمعنى آخر يجب على زيد أن يشكّل تواصلًا عاطفيًا مع عمر، من هنا تنبثق التكتيكات.

يمكن للمتكلّمين إشعال عواملهم الفاعلة وإلقاء سحرهم دون جهد على أعين جمهورهم من خلال إلقاء خطاباتهم المشوبة بالاستعارات والقصص والصور، ومن خلال إلقائها بالصّوت والإيماءات المناسبة.

إعلان

على الرّغم من أنّ العلوم قطعت شوطًا طويلًا في استكشاف كيمياء الكاريزما، لا يزال هناك الكثير لإماطة اللّثام عن أسرارها، صحيحٌ أنّه من المذهل اكتساب نظرة ثاقبة في علم نفس الإلهام لنرى كيف تسود الفلسفة الأرسطية المتمثّلة في الأخلاقيّات والانفعالات العاطفيّة والجاذبيّة المبنيّة على المنطق عند أسر المتفرّجين لتزويد مجموعة أدواتنا بالحيل المتعلقة بالتواصل والاتصال والتأثير، لمعرفة كيفية إثارة العواطف، وغرس الأحلام، وتغيير الحياة بكلماتنا، ومع ذلك لا يسع المرء إلاّ أن يرغب في أن تظلّ بعض الأشياء -المتعلّقة بإنسانيّتنا وعوامل انجذابنا والتّعويذات التي يمكن أن نلقي بها على بعضنا البعض- بأمان حيث لا يمكن تفسيرها، تمامًا مثل الساحر وأسراره، أو مثل كاريس تمامًا -آلهة السحر في الأساطير اليونانية- وجمالها.

هنا 10 أفكار حول الكاريزما حسب أنتوناكيس.

ما الذي يجعل شخصًا ما كاريزميًا؟

يمكن أن تنبثق  الكاريزما عن مصادر مختلفة، بما في ذلك المظهر والسّلوك والكلام، إذ يتمتّع ممثّلون مثل مارلين مونرو بالجاذبية في البداية بفضل مظهرهم، وقد يبدو الرّياضيّون جذابين بفضل قدراتهم الاستثنائية في هذا المجال، حتّى الإحاطة علمًا بالأداء السّابق لشخصٍ ما، مثل إنجازاتهم أو إبداعهم، يمكن أن تجعلهم يبدون كاريزميين، مثل (ستيف جوبز).

تعتمد الكثير من الكاريزما على مدى معرفتكم للشخص، إذا لم يكن لديكم الكثير من المعلومات عنهم فتلعب المظاهر والأداء دورًا كبيرًا، أما إذا كنتم تتحدثون -مثلما هو الحال مع المرشحين أثناء الانتخابات- فإنّ الخطاب هامّ بشكل أكبر ويمكن أن يتجاوز النظرات.

هل الكاريزما سمة شخصية أم مهارة أم هبة؟

إنّ الكاريزما مزيج من الطّبيعة والتّنشئة؛ في حين أنّ بعض الأشخاص قد تكون لديهم القدرة الفطريّة على أن يكونوا أكثر جاذبية، فإنّ أنطوناكس ينظر إلى الكاريزما على أنّها “إشارة عاطفية ورمزية، ورائدة تقوم على أساس القيمة”، فعندما نلتقي بالآخرين لأوّل مرّة، نعتمد على هذه الإشارات لإبلاغ كفاءتنا وثقتنا ورأب الصّدع في فهمنا لبعضنا البعض، آليات الإشارة هذه قابلة للتدريب.

لقد تعلّم بعض الأشخاص تكتيكات مختلفة من خلال التّجارب والأدوار النموذجيّة وهم يستخدمونها دون إدراك ذلك حتّى، أمّا البعض الآخر فيحتاج إلى مزيد من الممارسة، وعلى الرّغم من أنّها تساعد على الحصول على الذكاء والانبساط فإنّ إمتلاك الجاذبيّة له علاقة كبيرة بالتحدّث بطريقة تجذب انتباه الآخرين، وفيما يتعلّق بما إذا كانت الكاريزما هي “هبة”، لأنّ الباحثين يمكنهم دراسة الكاريزما بطريقة علميّة وقياسها والتدريب عليها، ولأنّ برامج الكمبيوتر يمكنها الآن تحديد مدى استخدام الأشخاص لمهارات البلاغة ولغة الجسد، فإنّ انطوكانس يعتبرها نوعًا من الهبة قابلة للتعلّم أكثر (بدلاً من كونها ربّانية).

لماذا يُعدّ سرد القصص عنصرًا أساسيًا للكاريزما؟

كان لمهارات سرد القصص الجيّدة ميزة تطوّرية على مرّ التّاريخ، فالقدرة على إبلاغ المعلومات حول الدروس الهامّة أو الأخلاق وكيفيّة القيام بالأشياء بشكل مناسب في بيئة معيّنة ساعدت الناس على البقاء على قيد الحياة، في الوقت الرّاهن نادرًا ما نجتمع حول نيران المخيمات التي نروي القصص حولها، ومع ذلك لا يزال يمتلك الأشخاص الجذابون هذه القدرات المنشودة.

رواية القصص جذّابة في جميع المجتمعات، إذا كان شخصٌ ما جيّدًا في رواية قصّة وشرح شيء من شأنه أن يساعدنا في حلّ مشكلةٍ ما، فنحن إذن نتشرّب الفكرة عن طريق الكاريزما، نحن نفترض أنّ لديهم قدرات فريدة لرؤية المستقبل ومعرفة كيفيّة التّعامل مع الأشياء، يقول أنتوناكيس: “في الحياة اليوميّة، فإنّ الأشخاص المؤثّرين الذين يحصلون على مبتغاهم لديهم القدرة على جذب الانتباه”، “ورواية قصّة جيّدة هي إحدى الطّرق لجذب الانتباه”.

هل يمكن تعلّم الكاريزما؟

ليس فقط القادة الذين يمكنهم الاستفادة من شحذ الكاريزما، يمكن أن تكون هذه المهارات مفيدة في مجموعة متنوّعة من البيئات والمهن التي تعتمد على إقامة اتصالات عاطفية مع الآخرين؛ حدّد أنتوناكس وزملاؤه 12 مفتاحًا CLTs تكتيكات القيادة الكاريزميّة (تسعة تكتيكات لفظية وثلاثة غير لفظية) أظهروا زيادة في كاريزما المتحدّث وجعله يبدو أكثر نفوذًا وجدارة بالثقة؛ في تدريبه الخاصّ يطلب أنتوناكس من المشاركين إلقاء خطاب حول موضوع معيّن، ثمّ بعد توضيحات ورسومات توضيحيّة شاملة حول نظريّة الكاريزما تمّت إعادة كتابة الخطب لتشمل تكتيكات القيادة الكاريزميّة، وبالتالي لقد حان الوقت لممارسة الإنجاز، هذه المرّة بمساعدة تكتيكات غير لفظية.

كيف يتمّ قياس الكاريزما؟

لقياس الكاريزما يحلّل باحثون مثل أنتوناكس الطريقة التي يتحدّث بها الناس، جملة جملة، يبحثون عن وجود التكتيكات الكاريزمية التّسعة، إنّهم يبحثون أيضًا عن كيفيّة تحدّث الأشخاص، صوتهم وإيماءاتهم وتعبيرات وجوههم. اكتشف أنتوناكس أنّه عندما يتعلّق الأمر بالكاريزما، فإنّ قوّة الكلمات تتفوّق على السّلوكيّات غير اللّفظية، يقول: “يمكن أن أكون أومئ بعنف، لكن إذا كنت أتحدث بكلام لا قيمة له، فلن أبدو في صورة شخصيّة جذّابة”، فكّروا في قادة نحو المهاتما غاندي ومارغريت تاتشر ونيلسون مانديلا وكوفي عنان، بينما يُنظر لهم على نطاق واسع على أنّهم شخصيات جذابة، إلّا أنّ استخدامهم للسلوك غير اللفظي في خطاباتهم كان محدودًا للغاية، يلاحظ أنتوناكس: لقد تحدّث عنان بصوت ثابت، بالكاد تسمع غاندي يتكلّم، لم يكن مانديلا أفضل متحدّث، أمّا تاتشر فكان أكثر هدوءًا ولم يومئ كثيرًا، ومع ذلك فعندما تحدّثوا تركوا جماهيرهم مفتونين.

كيف يمكنكم معرفة ما إذا كان لديكم الكاريزما؟

فكّروا في مقدار تأثيركم على الآخرين، كما يشير أنتوناكس، ولكن تذكّروا أنّ العنصر الرّئيسي في التّأثير الجذّاب هو تداخل القيم، حتّى إذا كان لديك كاريزما قويّة فلن يكون من السّهل بالضرورة كسب الآخرين إذا لم يوافقوا على قيمك، يمكن للقادة الكاريزميون أن يكسبوا حبّ أولئك الذين يشاركونهم قيمهم وبغض أولئك الذين لا يفعلون ذلك.

هل تنتقل الكاريزما عبر الثقافات؟

هل يبدو الأشخاص الكاريزميون جذابين جدًا في بلدان أخرى؟ وفقًا لأنتوناكس -نعم، تنتشر الكاريزما عبر الثقافات، وهو كذلك حرفيًّا؛ عندما قام أنتوناكس وفريقه بتحليل العديد من الخطابات السياسية ومحادثات TED من جميع أنحاء العالم، وجدوا أن أولئك الذين كانوا يعتبرون موهوبين في لغاتهم الأصليّة يوظّفون العديد من التقنيات نفسها في خطبهم، في الواقع فإنّ الأهميّة التطوّرية لسرد القصص عالمية، بما أنّها ساعدت النّاس على تصوّر المعلومات، والاحتفاظ بها، ثمّ نقلها، وبالتّالي -وفقًا لأنطوناكي- فإنّ البشر مبرمجون مسبقًا للانجذاب للآخرين الذين يستخدمون هذه التقنيات الجذّابة عندما يتحدّثون، إنّ الاختلاف بين الثقافات، كما اكتشف أنتوناكيس، يتمثّل في القيم التي يتواصل بها الناس في خطبهم وسلوكياتهم غير اللفظية.

لماذا نحن منجذبون إلى الأشخاص الكاريزميين؟

تكمن عوامل نفسية مختلفة وراء انجذابنا للأفراد الكاريزميين، تتمثّل أحد العوامل الرّئيسية، وفقًا لأنتوناكيس، في تحديد الهويّة؛ نحن نحدّد أنفسنا ونتّصل معهم، نحن نريد أن نحذو حذوهم ونريد إرضاءهم، يبدو الأمر وكأنّ الكاريزما تحيط الأفراد بهالة من حولهم، وغالبًا ما تجعلهم يبدون أكثر جاذبية للآخرين، علاوةً على ذلك ربّما تطوّرت الكاريزما كإشارة موثوق بها لقدرة القائد المحتمل، شأنها في ذلك شأن الإشارات التي تستخدمها الحيوانات للاستدلال على اللّياقة البدنية والقوّة.

هل بإمكانكم التظاهر بالكاريزما؟

يقول أنتوناكس: “من الصّعب التّظاهر بالكاريزما لأنّكم ستُكشفون عاجلاً أم آجلاً”. على سبيل المثال، إذا كان القائد يخلق توقّعات كبيرة من خلال إبلاغ قيم معيّنة وبناء خطبه على الإستعارات المضلّلة والقصص المفعمة بالحيويّة، لكنّه يواصل الحنث بوعوده وقيمه، فسيفقد الثقة والمصداقيّة في أعين الناس. إضافة إلى كاريزميّته.

ما أكبر اعتقاد خاطئ حول الكاريزما؟

هناك أربعة مفاهيم كبرى خاطئة عن الكاريزما اكتشفها أنتوناكس خلال بحثه:

1.أنّ التواضع هو أكثر أهميّة من الكاريزما في أداء الشركة؛ قُدّمت هذه الحجّة في أحد الكتب الأكثر مبيعًا، إلاّ أنّها كانت تستند إلى تصميم إحصائي معيب.

2.معضلة هتلر؛ اكتسبت الكاريزما اسمًا سيّئًا، ذلك لأنّ التّاريخ شابته الطّغاة الكاريزميّون، يقول أنتوناكس: “الكاريزما لا تتعلّق بكون شخص ما وغدًا متعجرفًا”، لقد كان لدينا العديد من القادة المتواضعين والكاريزميين في الوقت ذاته، مثل مارتن لوثر كينغ جونيور، غاندي، مانديلا. يمكن استغلال الكاريزما، شأنها شأن المال أو السّلطة أو العلوم، في الخير أو الشرّ.

3.أنّها هبة؛ إمّا أنّكم تملكونها أو لا، “إنهّا أشبه بمهارة، يمكن التدرّب عليها وتطويرها”.

4.لا يهمّ كثيرًا، “أنتم مخطئون تمامًا”؛ يؤكّد أنتوناكس: “يُظهر بحثنا أنّ الكاريزما لا يمكنها فقط زيادة أداء العمّال بقدر المكافآت النّقديّة، ولكنّ الكاريزما يمكنها أيضًا أن تشرح من الذي يفوز بالانتخابات وما التغريدات أو محادثات TEDالتي ستلقى رواجًا”.

المصدر:

https://www.psychologytoday.com/us/blog/between-cultures/201902/is-charisma-gift-or-can-it-be-trained?

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

إعداد: درة شقمة

تدقيق لغوي: سلمى الحبشي

اترك تعليقا