ماذا يقول العلم عن المشاعر

برفسورة متخصصة في علم نفس تبحث في السؤال التالي: كيف يجعلنا الدماغ نَشعر بما نشعر به؟ 

إنَّ التفسير الكلاسيكي للمشاعر الذي جاء به الإغريق القُدامى ينص على أنَّ المشاعر هي شيءٌ يصيبك رغماً عنك، أي أنك مجرد متلقٍّ لا حول له ولا قوة، ويُنظَر للمشاعر حسب هذا الاتجاه الفكري على أنها العدو اللدود للتفكير المتروي المدروس، كما وينص هذا الاتجاه الفكري على أنَّ كلَّ شعورٍ من المشاعر التي تشعر بها يقبع في بؤرةٍ مخصصة له في الدماغ ويظهر على وجهك بطريقة معينة.

إلا أنّ البروفيسورة Lisa Feldman Barrett -المشرفة عن مختبرٍ مخصص للعلم الانفعالي ذي الحقول المتداخلة في جامعة نورث إيسترن- تُعارِض هذا الاتجاه الفكري وتجادل ضد صحته؛ حيث تصِفه في كتابها الذي سيصدر حديثاً بأنه افتراضٌ عفا عنه الزمن -إذ إنه صدر منذ ألفي عام.
وقد اعتمدت في إعداد كتابها بعنوان
كيف يشعر الإنسان بمُختلف المشاعر الحياة السرية للدماغ” على أبحاثها الخاصة وأبحاث غيرها من المختصين.
ويعتبر هذا الكتابُ انتقاداً حاداً ومفصَّلاً للنظرية الكلاسيكية، إذ تسعى  Lisa إلى استبدالها
بنظرية بنائية تعتزم أنَّ المشاعر هي استدلالٌ معتمِدٌ على ذاكرة الفرد؛ حيث صرحت Lisa لقسم “علوم الإنسان” في مجلتنا الإلكترونية قائلة:

“لا تنشأ المشاعر استجابةً لما يحدث من حولك، إنما تنشأ نتيجةً لكيفية فهمك لِما يحدث داخل جسدك في ضوء ما يحدث من حولك”. 

ففي المقابلة التالية -التي أضفَينا عليها بعض التعديلات لاختصارها وتوضيحها بعض الشيء- توضح لنا Lisa الكيفية التي يحدث بها هذا الربط الذهني وكيف يؤدي إلى قولبة وتشكيل كل ما يحدث في حياتنا، بما في ذلك كيفية تعلمِ الأطفالِ التحكمَ بمشاعرهم وكيفية علاجِ السرطان وتفسير السبب وراء تباطؤ الوقت أثناء السفر. 

وإليكم الآن مقابلتنا مع البروفيسورة Lisa Feldman Barrett: 

إحدى الأفكار الرئيسية التي تؤمنين بها في كتابك هي أنّ الأفكار تُبنى وتتشكل داخلك وليست شيئاً يُفرض عليك؛ فكيف يحدث ذلك؟ 

– يرى دماغك أنَّه قد يكون لأي منظرٍ تراه أو صوتٍ تسمعه أو ألمٍ تشعر به أسبابٌ متعددة؛ حيث يحاول دماغك أن يتبينَ الأسبابَ التي أدت إلى شعورك بما تشعر به ليعرف كيف يتصرف تجاه هذه الأسباب. إلا أنَّ المشكلة تكمن في أنَّ المعلوماتِ التي يتلقاها الدماغ من محيطك ومما يحدث داخل جسدك معلوماتٌ منقوصة وغيرُ كاملة، فهذه المعلومات غامضةٌ بعض الشيء بحكم أنَّ أي ومضةِ ضوءٍ أو أي صوتٍ أو ألمٍ قد يكون ناتجاً عن عدة أسباب، فكيف يمكن لدماغك أن يتبين السبب الحقيقي وأن يقرر ما يقوم به استجابةً لذلك؟ 

إعلان

حسناً، ما زال هنالك مصدر معلوماتٍ آخر متاح أمام دماغك وهو تجاربه السابقة، حيث يمكن لدماغك استخدام ذكرياتك وتجاربك السابقة أو أجزاءٍ منها ومن ثم تجميعها والدمج بينها؛ إذ يستخدم دماغك أسلوباً تنبؤياً أثناء قيامه بذلك، أي أنَّه يأخذ تجاربَك السابقة بعين الاعتبار ويتنبأ بما ستشعر به في اللحظة التالية؛ فما تراه أو تسمعه أو تتذوقه ما هو إلا عمليةُ محاكاةٍ توقعيةٍ لما ستشعر به، حيث يتم لاحقاً تأكيد عملية المحاكاة هذه أو تعديلها حسب المدخلات الحسية التي يتلقاها الدماغ من محيطك ومن جسدك. 

ولكن قولك هذا يبدو ضرباً من الخيال العلمي؛ فأنَّى لك الادعاءُ بأنَّ تجارب المرء التي يمر بها في حياته ما هي إلا عملية محاكاة؟! 

– نعم، يبدو كلامي ضرباً من الخيال العلمي. ما أعنيه هو أنَّ تجاربك التي تمر بها حالياً هي محاكاة لتجاربك التي مررت بها سابقاً، ولكن بصورةٍ معدَّلةٍ من قبل الدماغ تبعاً للمعلومات التي يستقبلها من محيطك.  

ومن هنا جاء مفهوم “الحُبيبية أو التجزئة العاطفية” (‘emotional granularity)، ويعني هذا المصطلح: أنه كلما كانت مفاهيمك العاطفية دقيقة ومُجزأة بحيث تفرق بينها بناءً على صفات دقيقة كانت مشاعرك أكثر دقة ووضوحاً. 

– نظراً لأن معظم تجاربك هي تجارب مُجزأة فإن دماغَك مجهَّزٌ لاختلاق مشاعرَ أكثرَ إيجازاً بشكل فوريّ، فإن كان النظامُ المفاهمي للعواطف لديك مبنيّاً على فروقات دقيقة فأنت بذلك تعرف الكثير من العواطف المختلفة؛ مما يمكِّن دماغَك من أن يتحرى الدقة في تنبؤه للماهية التي يجب أن يكون عليها شعورك في هذا الموقف بشكل خاص، لذلك فإن لم يلجأ دماغك إلى التصورات النمطية فأنت توظف توقعات دماغك المُجزأة والمصقولة خصيصاً لتناسب كل موقف على اختلافه. 

أعلم أنِّي أطلب منكِ التخمين والتكهن هنا؛ حيث يبدو لي أن هذا المفهومَ يفسر السبب وراء شعورنا بأن الوقت يتباطأ عندما نمُر بتجربةٍ ما لأول مرة، فمثلاً عندما أسافر لأثيوبيا أو لليابان -وأنا أسافر بكثرة- يبدو قضائي  لشهرٍ واحدٍ في هذه الدول وكأنه أسبوع في نيويورك. 

– يبدو الأمر تخمينياً بحكم أننا لا نفهم بشكل كلِّيٍّ الإجراءات الميكانيزمية التي تؤدي إلى ذلك، فمِن المؤكد أنّ هنالك شيئاً متقلباً ومرِناً يؤثر على إدراك الزمن لدينا، وأعتقد أنه مرتبطٌ بكمية الطاقة التي يتم بذلُها في ترميز البيانات التي يستقبلها الدماغ، فَيتراءى لي أنّه كلما زاد حجم التفاصيل التي يقوم دماغك بِترميزها زاد انتباهك لما يُحيط بك، إلا أنَّ الانتباهَ من وجهة نظر الخلايا العصبية ما هو إلا العملية التي يقوم من خلالها العصبون بتعديل الإشارات العصبية التي يتلقاها من عصبونٍ آخر.

وعندما تُولِي انتباهك لأمرٍ ما، فأنت بشكلٍ أساسيٍّ تُنشِئ شبكةً عصبية في دماغك تتحكم بكمية الأخطاء التنبؤية التي يُحتمَل أن ترتكبَها أثناء ترميز البيانات، وهكذا تحصل العملية التعليمية؛ فالتعلمُ ما هو إلا ترميزٌ للأخطاء التي يُحتمل اقترافها أثناء التنبؤ. 

تبدو النظرية البنائية -التي تنص على أنَّ الإنسان يقوم ببناء معرفته معتمِداً على معلوماته السابقة وتجاربه الماضية وعبر ملاحظة ما يحدث حوله ومعالجة هذه البيانات وتفسيرها- متصلةً بشكلٍ وثيق بنظرية التعلُّق التي تنص بدورها على أنَّ الفردَ يتعلم ديناميكياتِ العلاقات البشرية في مرحلة الطفولة المبكرة -عندما يكون رضيعاً وعندما يكون طفلاً- ومن ثمّ يقوم بمُحاكاة هذه الديناميكيات في علاقاته التي يُنشِئها كإنسانٍ بالغ، وتبدو هذه العلاقةُ دليلاً قويّاً على أنّ المشاعر هي أسلوب مُتعلَّمٌ لتفسير الإشارات المُحيطة.  

– بالطبع… فَإن أمعنت التفكير في طبيعة أدمغة الأطفال الرضع ستجد أنها لا تتسم بالتعقيد؛ فَدماغ الرضيع ليس نسخةً مصغرةً عن دماغ الإنسان البالغ؛ إذ يفتقر دماغ الرضيع عند ولادته إلى التشابكات العصبية الموجودة لدى الإنسان البالغ، فيمكنك تخيل دماغ الرضيع على أنه مكوَّنٌ من مجموعةٍ من الخلايا العصبية التي تنتظر استقبال تعليمات حول كيفية الاتصال مع بعضها البعض لتكوِّن شبكة عصبية، حيث تؤدي التجارب التي يمر بها الفرد في هذه المرحلة إلى تشابك خلايا الدماغ العصبية. فَالدماغ  مُبرمَج لربط نفسه بالمُعطيات المادية والاجتماعية الموجودة في محيطه. وهذه التجارب هي التي تؤدي بالدماغ إلى اكتساب المعرفة التي يحتاجها لِيتنبأ ويتوقع، وبالتالي تنشِئ هذه التجارب تصوراتِه التي سيَتنبأ بها مستقبلاً وخبراتِه التي سيَكتسبها لاحقاً. 

ومن أهم ما يجب إدراكه هنا هو أنّ دماغك يقوم بتوصيل خلاياه العصبية بنفسه تبعاً لما يستقبله من البيئة المحيطة، أي أنه ليس مسؤولاً بشكلٍ أساسيٍّ عن خلق أفكارك ومشاعرك وتصوراتك من العدم. فَوظيفة الدماغ تتمثل بضبط جسمك والتحكم به، أي المحافظة على اتزان أنظمة جسمك كُلها، وأرغب هنا أن أطرح تشبيهاً للتوضيح: إنَّ الأمر شبيهٌ باحتواء شركة كبيرة على قسم ماليٍّ ينظم إيراداتها ومصاريفها بهدف إعداد موازنات مخصصة لحساباتها المختلفة، أي أنّ دماغك هو القسم المالي المسؤول عن تنظيم جسمك؛ فهو ينظم موازنات جسمك جميعها، من حرارة الجسم ومستويات الجلوكوز والملح والماء. 

إلا أنّ الطفلَ الرضيع غيرُ قادرٍ على تنظيم تفاعلات جهازه العصبي وضبطها؛ فهذه مسؤولية الشخص الذي يرعاه، إذ إنّ المصدر الرئيسي للتجارب التي يستقبلها الدماغ والتي تؤدي إلى خلق تفاعلات بين خلاياه العصبية هو تواصل الطفل مع من يرعاه، فالشخص الذي يقدم الرعاية للطفل الرضيع هو بمثابة المُحاسِب الذي يُنظم ميزانية جسد الطفل، وهكذا يتعلم الطفل كيفية تنظيم تفاعلات جهازه العصبي بنفسه. وتشتمل عملية التعلم هذه على التصرفات التي يقوم بها من يقدم الرعاية للطفل، والأهم من ذلك أنها تتضمن تعلم الطفل للكلمات التي ينطق بها مُقدِم الرعاية، والأحاسيس التي تستثيرها كلٌّ من هذه الكلمات والتصرفات. 

إنّ النظرية البنائية وسيلةٌ لفهم الكيفية التي تُمسي من خلالها التجاربُ التي يمر بها الفرد في مرحلة الطفولة متأصلةً وراسخةً لديه؛ لتتحول بصورة جذرية إلى عنصر مُدمجٍ في توصيل الدماغ لِخلاياه العصبية، حيث تجهِّز هذه التجاربُ الدماغَ للدخول في مسارٍ تنمويٍّ خاص يؤدي في نهاية المطاف إلى تطور دماغ الطفل الرضيع إلى دماغٍ بالغٍ مكتمل النمو. 

أنتِ تعتقدين أنّ الاكتئاب هو انحراف في إعداد الدماغ للموازنة المالية لأنظمة الجسم؛ فهلّا وضحتِ لنا رأيك هذا. 

– إنّ العديد من الأمراض التي تصيب الإنسان تنتج عن انحراف في إعداد الدماغ للموازنة المالية لأنظمة الجسم.
ولكن الأمر الذي يميّز الاكتئاب عن سائر الأمراض هو أنّ الاكتئابَ ينجم عادةً عن إسرافٍ في النفقات؛ فإما أنْ يكونَ المكتئِبُ قد أسرف في إنفاق موارده أو أنّه لم يسد النقص فيها. فقد يعود سبب اكتئابك إلى قلة النوم أو إلى نظامك الغذائي غير الصحي أو إلى عدم ممارستك للرياضة بشكلٍ كافٍ. ولربما تخضع لقدرٍ كبيرٍ من الضغط النفسي؛ مما يعني أنّ دماغك يتوهم بأنك تحتاج إلى الجلوكوز بكميةٍ أكبرَ مما تحتاج فعلاً، وبذلك يضخ الدماغ الكورتيزول في جسمك بهدف تسريع حصولك على الجلوكوز، إلا أنّك لا تستخدم الجلوكوز الزائد الذي يفرزه الدماغ. 

إنَّ الأمرَ أشبه بالشراء الاندفاعي المتسرع؛ إذ إنّ دماغك يتنبأ أنك سوف تحتاج كمية الجلوكوز هذه قريباً، ومن ثم يتنبأ أنك في خطرٍ محدِق تحتاج في خضمِّه إلى الهرب مبتعداً، إلا أنك لا تهرب مبتعداً بل تجلس متسمِّراً في مكانك خلال اجتماعٍ ما لأن  أحدهم ينتقدك أو لأنك تشعر بالتهديد من قِبل شخصٍ يشاركك الاجتماع هذا. وينتهي المطاف بجسدك وهو يضم فائضاً من الكورتيزول والجلوكوز، إلا أنك لا تستخدم الجلوكوز المُفرَز هذا، وبذلك نرى أنك أهدرت مَواردك وبدَّدتها. 

وإذا استمر هذا النوع من التفاعلات الجسدية التي يُفرِز فيها جسمُك الموادَ والهرموناتِ ببذخٍ وإسراف لفترة طويلة دون تعويض ما يفرزه، فسينتهي بك المطاف غارقاً في الدَّين لصالح جسدك، تماماً كما تغرق في الديون المالية في حياتك. وعندما تغرق في الديون البيولوجية -أي عندما يفتقر جسدك إلى العناصر  التي يحتاجها ليعمل بكفاءة- يتدخل جهازك المناعي في هذه المعادلة إثر اعتقاد دماغِك أنَّ جسمكَ مريض، وفور تدخل جهازك المناعي واعتقاده أنّ جسدكَ مريض في حين أنه سليمٌ لا تشوبه شائبة تصاب بالعديد من الأمراض.  

وانطلاقاً من اعتقادك بأنّ الدماغ ينشِئ التجاربَ من الإشارات التي يستقبلها من الجسد ومحيطه؛ هل لكِ أن توضحي لنا كيف للحس الداخلي -أي إحساسك باحتياجات جسدك الداخلية- إثراء هذه العملية؟ هل يشير عمق الحس الداخلي لدى المرء إلى أنّ الحُبيبية أو التجزئة العاطفية لديه أكثر تفصيلاً؟ هل يمكننا اعتبار ذلك مستوى نفسياً يُمسِي المرءُ فيه أكثرَ ذكاءً من الناحية العاطفية؟ 

– من المؤكد أن هذه إحدى الفرضيات التي يؤمن بها المُعظَم، إلا أنني أؤمن بوجود العديد من الوسائل التي يمكن من خلالها تعميق الحُبيبية أو التجزئة العاطفية لدى المرء. حيث أرى أنّ إيجادَ فروقاتٍ دقيقة بين المفاهيم العاطفية يزيد من فرص تصنيفك لعواطفك تحت مسميات دقيقة تتسم بأنّ الفروقات بينها متناهية الصغر، لذلك لا أعتقد أنّ ارتفاع جاهزية الفرد للتصرف بناءً على حسه الداخلي -بمعزلٍ عن عوامل أخرى- عاملٌ كافٍ لتعميق الحُبيبية أو التجزئة العاطفية لديه. ولكنني أعتقد أنه عاملٌ أساسي؛ فكلما زاد عدد الفروقات التي يمكنك التنبؤ بها زادت احتمالية تصنيفك لعواطفك تحت مسميات دقيقة، إلا أنني أعتقد في الوقت ذاته أنّ غياب المفردات -أي عدم ازدياد المصطلحات في دماغ المرء التي تفرق بين عواطفه بدقة- يشكِّل عقبةً تعرقِل عمليةَ تعميق الحُبيبية أو التجزئة العاطفية لدى المرء، ونستنتج من ذلك أنّ هذه الفرضية فيها شيءٌ من الصحة رغم أنها معقدةٌ بعض الشيء. 

نلاحظ هذا الأمر في حياتنا اليومية، فعندما -على سبيل المثال- يخضع البعض لعلاج مرض السرطان؛ فهُم يفيضون بعدد كبير من الأحاسيس الجسمانية التي يملِيها عليهم الحس الداخلي والتي يعجزون عن التعبير عنها، وهو ما يعرقل عملية شفائهم. 

إنَّ هذا لأمرٌ عجيب! هل لكِ أن توضحي لنا جملتك الأخيرة؟ 

– تضمُّ اللغة الإنجليزية عدداً مهولاً من المصطلحات لوصف المشاعر غير الملموسة، إلا أنها تفتقر لمصطلحات مخصصة لوصف ما يحدث داخل جسد الفرد، أي أنها تفتقر للمصطلحات التي تمكنه من التعبير عن الحس الداخلي الذي يباغته حول احتياجاته الجسمانية؛ إذ تفتقر الأوساط الطبية بشكل عام والأوساط التي يتلقى فيها الفرد العلاج أو التي يعاني فيها الفرد من مرض يزيد من حساسيته تجاه أحاسيسه الجسمانية الداخلية بوجهٍ خاص إلى المصطلحات التي تمكنهم من التعبير عن هذه الأحاسيس الجسمانية. 

وبذلك نرى أن عدمَ قدرةِ المرضى على التعبير عن أحاسيسهم الجسمانية أو حتى فهمها يقودهم إلى متاهة من الحيرة، إذ قد تراود الواحدَ منهم التساؤلاتُ التالية: 

  • هل أعاني من القلق؟
  • أَيعني هذا أنّ العلاجَ الذي أتلقاه لا يجدي نفعاً أم أنه يجدي نفعاً؟
  • ما الذي أعرفه؟  

إنَّ الأحاسيسَ الجسمانية التي يمليها الحس الداخلي على المريض مبهمَةٌ وغامضة، بل إنها أشبه بضوضاء تبث الرعبَ في نفسه نتيجةً لأنه لا يعرف ماهيَّتَها ويجهل معناها. 

لطالما استرعى انتباهي الرأي الجدلي لعالم الأعصاب أنطونيو داماسيو الذي ينص على أنّ «الحكمة» تنتج عن إدراك دقيق للحالات الجسمانية التي تتجسد داخلياً لدى المرء؛ فما رأيك بذلك؟ 

– أؤمن بلا شكٍّ أنّ الجسد مصدرٌ للحكمة، ولا أعزو ذلك فحسب إلى أنه يضمُّ بصماتٍ بيولوجية للمشاعر التي تتعلم أن تدرِكها، أو إلى وجود حقيقة موضوعية تُدرِكها متعلِّماً شيئاً فشيئاً؛ إذ أرى أنّ جسدك هو منبعُ الحكمة بحُكمِ أنه يضمُّ معلوماتٍ يستقبِلُها دماغُك ليُنشِئ ما هو أفضل، ويشرع بتكوين أحاسيسك في ضوءِ ما يمكن تطبيقه عملياً؛ فيمكن للدماغ أن يعدل من سلوكياتك بحيث تناسب الموقف بدقةٍ أكبر بدلاً من اللجوء إلى الأفكار النمطية. وبذلك تتيح لك هذه الخاصية أن تكونَ أكثرَ مهارة وتعزز من فعاليتك، وهذه هي الحكمة من وجهة نظري: أن تعلم ما يجب القيام به وكيفية القيام بذلك. 

نرشح لك: الغربة النَّفسيَّة، في رواية “حكاية بحَّار” للكاتب حنّا مينة

إعلان

مصدر المقال باللغة الانجليزية
فريق الإعداد

ترجمة: راما ياسين المقوسي

اترك تعليقا