كيف تُنمِّي مُرُونَتكَ النَّفسيَّة؟

يواجه العديد من الناس صعوبات جَمَّة في عَيْش الحياة بمرونةٍ، إذ يسهُل على المرء الغرق في الإحْبِاط عند مُجابهة موقف غير مُتوقَّعٍ، مما يؤدي به إلى الاستشاطة غضبًا، إلا أنَّ أسلوبَ العَيْشِ هذا يقفُ حائلًا بينك وبين الحصول على مُبتغاكَ طويلِ الأمدِ في هذه الحياة، الأمر الذي يزيد من إحْبَاطك بحُكمِ أنَّك تصُبُّ جُلَّ اهتمامك على حقيقةِ أنّ الحياة لا تجري وَفْق مُخططاتك.
ولذلك فإنَّ تنمية المرونة النفسية تُساعِدُك على البقاء هادئًا في المواقف الصعبة، مما يتيح المجالَ أمامكَ للتكيُّفِ مع المصاعب بأسلوبٍ أكثر فعالية، وتجاوز المواقف العصيبة بهدف تحقيق أهدافك. إذن كيفَ يُمكِنُكَ تنمية مرونتك النفسية؟

تقبَّل الواقع وما لا يُمكنُك تغييره

تتمثَّل الخُطْوَة الأولى نحو المرونة النفسية بتَقبُّل ما يقطِن خارج نِطاق تحكُّمنا، فعِندما تعيش الحياةَ بشكلٍ صارمٍ، فأنتَ بذلك تكون حبيسَ أفكارك بِمُحاولاتك التَّحَكُّمَ بكل شيءٍ، فالتَّمسُّكُ بهذا الشكل من أشكال التحكُّم يمنحُك شعورًا مُزيَّفًا بالأمان النَّفسيّ، مما يَجُرُّك للمزيد من الإحْبَاط.، فالتصالحُ مع ما لا يُمكِنُك التحكُّم به يتطلَّب تَقبُّل ذلك، ويمكننا الاستفادة مما جاء في صلاة السَّكِينة: “امنحني يا الله السَّكِينة لأتقبَّل ما لا يُمكنني تغييره، والشجاعة لتغيير ما يمكنني تغييره، والحِكْمِة لِأُفرِّق ما بين الاثنين”. وعِندما نتقبَّل قُدُراتنا المحدودة للتغيير من حدثٍ ما، نستطيع حينها التخلي عن مُسبِّباتِ القلق والإحْبِاط التي تُحيط بنا، مما يُدفعنا للتمّسُّكِ بشعورٍ مُزَيَّفٍ بالتحكُّم.

إنَّ تجاوز الأمور يتطلّبُ الشجاعة والاستعداد التامَّ للدخول في عالمٍ من المجهول، إذ ينطوي المجهول على جانبٍ مِن الضَّعْف والوَهْن، إلا أنَّ هنالك جانبًا من الصفاء والحرِّيَّة ينتج عن التَّفْكِير دون قيود.

لا تكُن ضحيَّة أفْكَارِك

إنَّ إرخاء قبضة أفْكَارك والتخفيف من تحكُّمها بك، يتيح المجال لتواجد المزيد من المرونة النفسية في حياتك عبر منحك مساحةً نَّفسيَّةً كافية، فبدلًا من الاستماع لثرثراتك النَّفسيَّة، يمكنك خلقُ مساحة بين أفْكَارك وتصرُّفاتك بهدفِ تمكينك من الاختيار الفعَّال لطُرُقٍ تُمكِّنُكَ من التكيُّف مع ما تمرُّ به.

فلنفترض مثلًا، أنَّ سيارةً ما تجاوزتك مُسرعة في أزمةٍ خانقة، قد تكون الفِكْرة الأولى التي تتبادر إلى ذهنك أنَّ السَّائِق أنانيٌّ لا يتمتع بالأخلاق -وبالتالي يجب مُعاقبته، إلا أنَّ طريقة التَّفكير هذه قد تؤدي بك إلى هاوية الخطر، ولكن يمكنك استبدال طريقة التَّفكير هذه بالتخلِّي عن الأفْكَار التي تطاردك- مما يُفسِح لك المجال للتَّفكير بسيناريوهاتٍ بديلة، فلربما تلقَّى السَّائِق خبرًا بأنَّ الموت يُلاحِق شخصًا عزيزًا عليه، ولذلك فهو يقود سيّارته بهذه السُرعة مُتَّجِهًا للمستشفى. هنالك عدد لا نهائي من الأسباب التي تؤدي لسلوكٍ ما، ولا يمكِننا معرفة السبب الحقيقيّ لحظة حدوث الموقف، فبما أننا لا نستطيع التحكُّم بسلوكِ السَّائِق الآخر، يجب أن نتخلَّى عن الأفْكَار والأحكام المُسبقة لِخلقِ المساحةِ النَّفسيَّة التي نحتاجُها للمُضْي قُدُمًا.

إعلان

ركِّز على الحَاضِر

إنًّ التركيز على الماضي والمستقبل شبحٌ يذهب بك بعيدًا عن الحَاضِر، لذلك حتى تكون أكثر مرونة في حياتك، يتعيَّن عليك أن تُنمّي الوَعْي بالحَاضِر ومهارة عَيْش اللَّحظة، وذلك قد يكون عبر صبِّ جُلِّ اهتمامك نحو طريقة تنفُّسك، ويمكنك كذلك أن تشعر بوزن قدميك على الأرضيَّة، أو أن تُركِّز على الأصوات المُحيطة بك لتُنصِت باهتمامٍ إليها جميعًا. إذ إنَّ توجيه تركيزك نحو الأحاسيس الجسديَّة ينتشلكُ من عَالَمك الداخليّ نحو الحَاضِر، وذلك بٍحُكمِ أنّك تشعر بهذه الأحاسيس في اللَّحظة الحاليَّة. فأنتَ بذلك لا تُفكِّر في النَّفَس الذي أخذته منذ قليل ولا تُفكِّر في النَّفَس الذي ستأخذه بعد ذلك، إنّهُ إيقاعٌ جسديٌّ دائم الوجود يمكِنُك الانغماس به بأي لحظةٍ.

إنّ التَّركيز على الحَاضِر يبني مرونةً سلوكيةً بِحُكمِ أنّكَ تستطيع أن تستجيب لِمَا يتطلبه الموقف الذي أمامك بشكلٍ فوريٍّ. فإن كُنتَ -على سبيل المثال- شاردًا عندما تتجاوزك سيارةٌ ما مُسرِعَةً، فستكون حينها أقلَ قُدرَةً على الاستجابة والتكيُّف بشكلٍ آمن للموقف الحاصل أمامك. أمّا التَّركيز على ما يحدث الآن في هذا المكان يتيح لك المجال لتُلاحِظ التفاصيل الهامَّة، خاصةً عندما لا تسير الأمور وَفْقَ ما هو مُتَوَقّع.

اُنْظُر للحياة من منظورٍ أكثر شُمُوليَّة

مِن السَّهلِ أن يُجرَّ الواحد منا نحو التَّفكير بالكيفيَّة التي يرانا بها الناس، لِتُراوِدُنا أفْكَارٌ كالتالي: “كيف يبدو شَعْري؟”، “هل قُمت باختيار المَلابس المُناسِبة؟”، “هل أنسجِم مع من حولي؟”. ويؤدي نمط التَّفْكير هذا إلى مقارنة نفسك مع أفراد المُجتمع بشكلٍ مُستَمرٍ، الأمر الذي يقودُك نحو رؤيَة نفسك من منظورٍ قاسٍ وصارِمٍ، كأن تقول: “أنا فاشل، حياتي في حالةٍ مِن الفوضى، وجودي ليس كافيًا بحدِّ ذاتِه”.

إنَّ رؤيَة نفسك من منظورٍ قاسٍ وصارِمٍ يعزلُك عمَّن حولك، مما يؤدي بك إلى عَيْش حياتك بأسلوبٍ مُتَزَمِّتٍ بهدف حماية ذاتك. فأن تظُنّ أنّك لا تنتمي مع من حولك يسحبُك للخلف، حيث تتمَثَّلُ أنماطًا من التهرُّب والتجنُّب، الأمر الذي يقف حائِلًا بينك وبين إشْبَاع حاجاتك الاجتماعيَّة وتحقيق مُبتغاك في هذه الحياة.

أمّا النَّظر للحياةِ بصورةٍ أكثرَ شُمُوليَّة ينتشِلُك من أفْكَارك عبر توجيه اهتمامك نحو ما يَمُر به غيرُك ويعاني منه في هذه اللحظة. فإن كُنت -على سبيل المِثال- في اجتماع عمل يُمكِنك حينها أنْ ترى الموقف من منظورين مُختَلِفينِ تمامًا: منظورك الشَّخصيّ أو منظور الآخرين، رغمَ أنَّ الاحتمال الأخير يتطلّذَب قدرًا لا بأس به من الخيال، فلربما تتساءل خلال الاجتماع عن رأي من حولك بك، الأمر الذي يؤدي بك إلى محاولةِ التحكُّم في انطباعتهم عنك بشكلٍ مُستمر. حاوِل بدلًا من ذلك أن ترى الصورة بشكلٍ أشمل وخُذ بعينِ الاعتبارِ ما قد يَمُر به كل فرد في تلك اللَّحظة. ما الذي يُفكرون به أو ما هي طبيعة مشاعِرهم؟ ما الذي يُريدونه؟ من أيِّ منظورٍ يرون بعضهم البعض؟

قد تُدرِكُ حينها أن من حولك يُركِّزون على أنفسهم أكثر من تركيزهم عليك. إنّ النَّظر للحياة بشكلٍ أكثر شُمُوليَّة يسمح لك أن تُحرِّر نفسك من قيود الصرامة والتزمُّت في النَّظر لنفسك، الأمر الذي يؤدي إلى إدارة الانطباعاتِ بشكلٍ مُستمرٍ، وبهذا ستتمكن من التواصُل الحقيقيّ مع الغير بدلًا من الانشغال المستمر بنفسك.

عِشْ مُتَمثِّلًا بِقِيَمِك

تحديد قِيَمِك في الحياة يتيح لك المجال لاكتساب المرونة في حياتك عَبْر منح حياتك اتجاهًا مُعيَّنًا تسيرُ عليه، وعلى عكسِ الأهداف، فإنَّ القِيَمَ تُزوِّدُ حياتك باتجاهٍ معيَّنٍ لتتبِعَهُ بغض النَّظر عن العوائق التي تواجِهُكَ.

فالأهداف هي نظام ال GPS الذي تستخدمه للوصولِ إلى موقعٍ مُعيَّنٍ، بينما تُعتَبَرُ القِيَمُ بُوصلَةً تُوجِّهُكَ نحوَ الشَّرق، وقد لا تصل بشكلٍ نهائيٍّ إلى وجهتك الشَّرقيَّة، وإن واجهتك عَقَبَةٌ ما، يُمكِنُكَ أن تأخذ مُنعطفًا مؤقتًا، ولكن يمكنك التكيُّف وذلك بإعادة توجيه نفسك نحو الشَّرق عندما تتغلَّب على العَقَبَة.

تنطوي الأهدافُ على طُرُقٍ تُمكِّنُكَ مِن العَيْشِ، كالعَيْش بحُبٍّ وإبْدَاعٍ وصدقٍ وتميُّزٍ وإحسانٍ، إذ يُتيح لك الفهمُ الواضح لقِيَمِك إمكانية إعادة توجيه ذاتك نحو ما يهمُك حينما تجد نفسك في خِضَمِّ موقفٍ عصيب تواجه فيه أفْكَارًا عتيَّة أو مشاعر مُؤلِمة.

خَاطِر بعض الشيء

إنَّ المُخَاطرةَ بعض الشيء تُمكِّنُك من التصرُّف بناءً على قِيَمِك، لتتغلَّب حينها على عَوَائِق نَّفسيَّةٍ عصيبة تمنعُك من التقدُّم نحو حياةٍ ذات معنى وهدف، ورغمَ أنّ هذا يتطلَّب الشجاعة اللازمة للتخلي عن العادات السابقة غير الفعَّالة، إلا أنها تتطلَّب منك ابْتِكَار عادات جديدة. فالعادات وروتين الحياة وأنماط السلوك الشائعة لا تُعتَبَرُ مُتَزمِّتَةً ما لم تواظب عليها عندما تمسي دون أي فائدةٍ تُرجى، فالتمتُّعُ بالقُدرةِ على التكيُّف باتِّباعِ عاداتٍ أكثرَ فعالية يُمكِّنُكَ من التقدُّم في حياتك بشكلٍ فعَّالٍ.

والمُخَاطَرة بعض الشيء لا تعني بالضرورة أنّك مُتَهوِّرٌ، بل يعني ذلك أنّك تكتسب الشجاعة الكافية للخروج من منطقة الراحة بشكلٍ مستمر، وذلك خدمةً لقِيَمِك لتتمكَّن من عَيْش الحياة التي تتمناها.

إعلان

مصدر https://steverosephd.com/how-to-be-more-flexible-in-life/
فريق الإعداد

تدقيق لغوي: أمل فاخر

ترجمة: راما المقوسي

اترك تعليقا