كيف تُشَكِّل الاتجاهات سلوكنا (مترجم)

يمكننا أن نفهم الأسباب الكامنة خلف تصرفنا بصورة معينة من خلال فهم وظيفة الاتجاهات، وإن ذلك من شأنه أن يمنحنا القوة اللازمة لتشكيل سلوكنا في سبيل الوصول إلى نمط حياة سعيد وصحيٍّ أكثر.
لكل منا ما يحب وما يكره وهذا ينطبق على كل شيء في الحياة الطعام والهوايات وحتى الجمادات. حتى أننا قد نشعر بالحب أو النفور تجاه مفاهيم مجردة مثل السياسة والفلسفة، أو حتى تجاه أشخاص معينين قد عرفناهم أو قرأنا عنهم. كما أنه هناك سبب نفسي خلف استمتاعك الشديد في الرياضة، أو حتى ذعرك من العناكب. فإن كل هذه الأمور ترجع إلى الاتجاهات. الاتجاهات تعمل مثل أجهزة حفظ الطاقة لتساعدنا على اتخاذ القرارات وإطلاق الأحكام بصورة أسرع، كما أنها من جهة أخرى تمنحنا الفرص للتعبير عن آرائنا، وللتواصل مع الناس الذين يشاركونا قيمنا ومعتقداتنا. باختصار شديد إن الاتجاهات تؤثر على اتخاذ قراراتنا بشكل يومي.

عرَّف إنجلي وشيكن الاتجاه على أنه “ميل نفسي يُعبَّر عنه من خلال تقييم شيء معين بمنحه درجة ما من التفضيل أو عدم التفضيل“، وقريبًا من ذلك عرَّف بيتي وكاشيبو (1981) الاتجاه بوصفه “شعور عام ومستمر يتصف بالإيجابية أو السلبية تجاه شخص ما، أو تجاه شيء، أو قضية“. إذا أحب شخص ما المثلجات، فإنه لا بد أن يكون لديه اتجاه إيجابي نحو المثلجات. وفي الوقت نفسه إذا كان شخص ما يكره جاره، فإنه سيكون لديه اتجاه سلبي نحو هذا الجار. وإن هذا الشيء الذي تدور حوله اتجاهاتنا يُشار إليه عادةً بـ ” موضوع الاتجاه”.

لماذا من المهم أن تعرف هذا؟

ببساطة لأننا سنكون مجهَّزين بشكل أفضل لتغيير اتجاهاتنا، أو تعديلها كما نتمنى، وذلك من خلال قدرتنا على تصنيف اتجاهاتنا، ومن خلال فهمنا الواضح لما يدفعنا للقيام باستجابات إيجابية أو سلبية. كم مرة شعرت أنك لا ترغب بالقيام بشيء ما بسبب خوفك أو توترك منه؟ على سبيل المثال، قد تكون ممن يخافون الارتفاعات، وتشعر بأنه يفوتك الكثير من الأنشطة التي يستمتع بها الأشخاص من حولك، مثل الجولات بالمنطاد أو الاستمتاع بركوب قطار الموت. أو ربما تكون قد حلمت دائمًا بالحصول على جسم رياضيٍّ، لكنك لا تستمتع بممارسة التمارين. لحسن الحظ أن اتجاهاتنا ليست ثابتة، فيمكن إعادة تشكيلها وتغييرها إذا كنا نمتلك الرغبة للعمل على ردات فعلنا الغريزية نحوها.

دراسة حالة رقم 1:

استخدام نظرية “تعدد مكونات الاتجاهات” لتحديد الاختلاف في الاتجاهات فيما يتعلق بفكرة المواجهة.

غالبًا ما تعدُّ المواجهة مظهرًا من مظاهر الكره والعنف، إلا أنها ضرورة في بعض الأحيان وذلك لمنح كلا الطرفين -في أوقات الاختلاف- الفرصة للتأكد من أن إيصال وجهات نظرهم. إذا نظرت للناس من حولك فستجد أن اتجاهاتهم نحو المواجهة على درجة من الاختلاف. الكثير من أصدقائي المقربين جريئون جدًّا فيما يتعلق بفكرة طرح القضايا التي تزعجهم، بينما آخرون متحفّظون أكثر، ويتجاوزون الكثير من الأمور في محاولة لتحاشي أي نزاع.
لماذا تختلف اتجاهات الناس نحو المواجهة؟
منذ خمسينات القرن الماضي تبنى علماء النفس الاجتماعي نظرية المكونات المتعددة للاتجاهات، والتي تقول بأن استجاباتنا نحو موضوع الاتجاه تعبر عن تقييمنا له، ولذلك تظهر اتجاهات الأشخاص، وهي مقسمة إلى: استجابات إدراكية، واستجابات عاطفية، واستجابات سلوكية.
ووفق نظرية المكونات المتعددة للاتجاهات فإن الأشخاص قد يقيمون شيئًا ما تِبعًا لأفكارهم، أو مشاعرهم، أو سلوكهم الظاهر بدرجات متفاوتة من الإيجابية المفرطة حتى السلبية المفرطة.
1. الاستجابات الإدراكية تحدد أفكارنا ومعتقداتنا حول اتجاه معين. الاتجاه الإيجابي قد يكون من خلال الاعتقاد بأن المواجهة ناجعة؛ لأنها تمكِّن الناس من التواصل بشكل أفضل، وتجاوز العوائق في علاقاتهم. وفي المقابل، فإن الاتجاه الإدراكي السلبي نحو المواجهة قد يكون بالاعتقاد أنها تقود إلى نزاعات وخيبات، أو أن الشخص الذي تواجهه قد ينتهي به الأمر في نهاية المطاف إلى عدم تقبلك بعد إثارتك لمسألة مزعجة.
2. الاستجابات العاطفية تحدِّد المشاعر والعواطف التي من شأن موضوع الاتجاه أن يثيرها. قد ينتابك شعور جيد بعد مواجهة شخص ما؛ لأنك وجدت حلًا للمشكلة التي كانت تزعجك، ونتيجة لذلك ستشعر بأنك صرت أقرب من الشخص الآخر بعد المواجهة. وقد تشعر أيضًا بنوعٍ من الارتياح بعد أن أزَحتَ ذلك الجبل عن كاهلك. ومن جهة أخرى قد تشعر بالقلق لأنك كنتَ سببًا في إزعاج الطرف الآخر، وحينها ستشعر بالحزن أو ربما سينتابك إحساس بالذنب لإثارتك ذلك النزاع في المقام الأول.
3. الاستجابات السلوكية وهي تركز على السلوكيات التي سيمارسها الأشخاص بناءً على اتجاهاتهم. إذا كنت تملك وجهة نظر إيجابية حول المواجهة، فقد يكون لديك رغبة أكبر لمواجهة الأمور عند الضرورة، ولذا ستكون أكثر عرضة للإفصاح عن مشاعرك. أو ربما على العكس تمامًا فقد تفضِّل أن تحتفظ بأفكارك لنفسك في سبيل أن تتحاشى كل تلك الأفكار والمشاعر السلبية المرتبطة بفكرة البدء بنقاش صعب. في الحالة الثانية، فإن نمط سلوكك سيجعلك تتحاشى المواجهة مهما كلفك الأمر.
هذه الاستجابات الثلاث تكشف موقف الشخص نحو موضوع الاتجاه. اعترض بعض الباحثين على النظرية بالقول أن السلوك قد يكون إحدى المكونات الثلاث في حال كانت العلاقة بين الاتجاهات والسلوك تبادلية، ولكن ذلك يعد تجاهلًا لحقيقة إمكانية وجود عوامل أخرى أساسية قد تؤثر على السلوك.
وعلى الرغم من ذلك فإن أردنا القول بأن سلوكنا يتأثر لدرجة ما باتجاهاتنا، فإن ذلك من شأنه أن يكون اكتشافًا جوهريًّا فيما يتعلق بمعرفتنا بالأسباب الكامنة خلف شعورنا على نحو معين، وبالتالي اتخاذ خطوات فاعلة في تغيير هذا النمط.
نحن نعرف غالبًا أن موضوعات معينة للاتجاهات لها تأثير إيجابي، ومع ذلك فإن هذه المعرفة غير كافية لوقف تجنبنا لها. فيما يتعلق بحالة المواجهة، فربما نحن نعرف أنها قد تساعدنا في حل بعض القضايا عند الضرورة، ومع ذلك فإننا نجد أنه من الأسهل أن نتجنب المواجهة كلها ببساطة، وذلك نتيجة ما نحمله من مشاعر سلبية بين عدم الارتياح والشعور بالإحراج. إنها إشكالية حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فنحن من جهة أخرى قد نستمر بالقيام بأشياء قد تسبب لنا أذىً حقيقيًّا، حتى وإن عرفنا أن الأمر كذلك فعلًا.

دراسة حالة رقم 2

تعامل مع توترك كَصديق.

تركز فكرة كيلي ماكجونيجال على فكرة أن نظرتك للتوتر بطريقة إيجابية من شأنها أن تجعلك تحظى بحياة أكثر صحة. وقد قدمت كيلي دراسة خلصت فيها إلى أن الأشخاص الذين:
أ. يتعرضون لكم كبير من التوتر
ب. يؤمنون أن ذلك التوتر يشكل خطرًا على صحتهم
فإنهم يواجهون زيادة في خطر الموت بنسبة 43% .
وعلى النقيض تمامًا نجد أن الأشخاص الذين يتعرضون لكم هائل من التوتر، لكنهم لا ينظرون إليه على اعتبار أنه شيء مؤذٍ، فإنهم يتعرضون لأقل النسب فيما يتعلق بخطر الموت –في هذه الدراسة- حتى عندما تمت مقارنتهم بالأشخاص الذين يتعرضون للتوتر بنسب قليلة جدًّا. كما أن كيلي قدمت تحليلًا مفيدًا جدًّا عن حقيقة أن إفراز هرمون الأوكسيتوسين (هرمون يتم إنتاجه في لحظات الضغط والتوتر) من شأنه أن يساعد في تحسين وظيفة الأوعية الدموية في تسهيل عملية ترميم وإعادة إنتاج خلايا القلب بصورة أسرع. وهذا مثال آخر يثبت أن إعادة تشكيل اتجاهاتنا من شأنه أن يمكننا من تحسين حياتنا.

إعلان

إن الآثار الضارة للتوتر ليست حتمية. فإن طريقة تفكيرك، وكيفية تصرفك كلاهما من شأنهما أن يغيرا تجربتك مع التوتر. عندما تختار أن تكون استجاتك للتوتر نافعة ومفيدة، فإنك حينها تكون قد خلقت بيولوجيا الشجاعة.

تشكيل اتجاهاتنا والتحكم بها

إذًا في المرة القادمة عندما توشك على التصرف بشأن أمر يكاد أن يخنقك، ولكن ردة فعلك الفورية تجاهه أن تتحاشاه، لِم لا تحاول أن تجرب الخطوات التالية:
1. حدِّد تمامًا السبب الذي يجعل وجهة نظرك سلبية، مثلًا هل السبب الكامن وراء ذلك هو تجربة مررتَ بها في الماضي؟ أو هل شارك أحدهم معك قصة مؤلمة جعلتك تنفر من الفكرة؟
2. ما المشاعر المرتبطة بالفكرة؟ هل تشعر بالقلق؟ بعدم الارتياح؟ بالخوف؟
3. فكِّر بمبرراتك للقيام بالأمر بغض النظر عن هذه المشاعر السلبية، وفكر بالمنافع التي قد تحرزها.
4. جرِّب وتخيَّل تلك المشاعر الإيجابية، وفكِّر بكل ما قد تحصده أنت شخصيًّا من منافع عند رؤيتك للأشياء من وجهة نظر مختلفة.
5. امنح الأمر فرصةً!
بكل تأكيد سلوكنا لن يتغير بين عشية وضحاها، لكن لنتمكن من إعادة تشكيل اتجاهاتنا فإننا نحتاج إلى تغيير عقليتنا وطريقة تفكيرنا. بالطبع هي ليست خطوة سهلة، لكن بالتزامنا وإصرارنا، يمكننا أن نبدأ بالتحكم بسلوكنا، وزيادة احتمالية النجاح إلى حدها الأقصى.
المصدر

المراجع:
Eagly, A. H., & Chaiken, S. (1993). The psychology of attitudes. Orlando, FL, US: Harcourt Brace Jovanovich College Publishers.
Maio, G. R., & Haddock, G. (2015). The psychology of attitudes and attitude change (2nd edition). London: Sage.
Petty, R. E., Cacioppo, J. T., & Goldman, R. (1981). Personal involvement as a determinant of argument-based persuasion. Journal of Personality and Social Psychology, 41(5), 847–855.

إعلان

فريق الإعداد

ترجمة: سماح العيسى

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

الصورة: آية عبدالظاهر

اترك تعليقا