تغييرات يومية لخلق عادات تربوية

كيف يمكننا أن نضمن استمرارية التغيير، وثبات السلوك؟
كيف يمكننا أن نقول أننا خلقنا عادات حقيقية؟ ومتى يصبح السلوك العابر عادة؟
كيف السبيل لوضع أهداف قريبة التحقُّق بعيدة المدى؟
كلّ هذه الأفكار والأسئلة تكاد لا تغادر ضمير كلِّ مربٍّ يؤمنُ أن دوره يتجاوز تحقيق أهدافٍ آنيةٍ لا تكاد ثمارها تُقطَف حتى تُنسى. وحقيقة ، أرى أن الإجابة تكمن في التفكير أنّ الطفل كائن يشبهني إلى حدٍّ بعيد.. يشبهني بتفاصيلي الدّقيقة، بإخفاقاتي، ونجاحاتي. بحماسي عند البدء بأمرٍ جديدٍ، وسـأمي بعد حينٍ من الزمن. برغبتي في الإنجاز، وعجزي وتعبي، أو ربما تقصيري في البذل أحياناً كثيرة. وهذا تماماً ما فكرتُ به، وأنا أكتُب هذا المقال.

وضع الكاتب جيمس كلير في كتابه” العادات الذرية” مجموعةً من القواعد التي من شأنها أن تساعدك في حال كنتَ تفكر في البدء باتباع عادات تربوية جديدة، وهي ذاتها القواعد التي سنتَّبعُها في هذا المقال للبدء في تغيير عادات أطفالنا وطلابنا، وتحقيق تغييرات حقيقية في البيئة الصفيّة أو حتى في المنزل.

أولًا- إذا أردتَ أن تُطاع.. فَسَل المُستَطاع:

  • ابدأ بتعديلاتٍ ذريَّةٍ صغيرةٍ إلى أن يعتادَها الطفلُ، فتصبح جزءاً من عاداته. مثلًا لا يمكننا أن نطلب من الطلاب كتابة قصةٍ متكاملةٍ كل يوم، أو قراءة كتاب كلَّ يوم، لكن يمكننا أن نطلب منهم أن يقرأوا في بداية كلِّ درس عدَّة أسطرٍ وفق ما يتناسب مع مستواهم، ثمَّ يمكننا زيادة عدد الأسطر بعد عدة أيام إلى أن تصبح القراءة عادة وروتين أساسيّ. وهُنا القراءة ؛ يمكن أن تكون قراءة داعمةً أو إثرائيةً، وليس بالضرورة أن تكون من المنهاج المقرَّر.

ثانيّا- الغاية لا تبرر الوسيلة:

  • ركِّز على العادة، أو السلوك لا على الهدف. فمبدأ الغاية تبرر الوسيلة غير قابل للتطبيق هُنا. صحيحٌ أنني أريد أن أصل إلى هذه الغاية، لكني أريد أن أصل إليها من خلال الوسيلة المناسبة والصحيحة فعليّاً ؛ لأنَّ هذه الوسيلة/ الطريقة جزءٌ لا يتجزأ من التربية.

ثالثًا- المراحل الأربع لتكوُّن العادة في التربية:

  1. الإشارة: وهنا ينبغي أن يكون المربي حساساً لالتقاط الإشارات الصادرة عن الطفل / الطالب، فالإشارات غالباً لا تصدر بشكلٍ مقصودٍ أو واعٍ. الإشارات ؛ هي السلوكيات التي تصدر عن الطفل وتدلنا إلى ضرورة التغيير. مثلًا تصرُّف غير لائق.. وزن زائد.. نوم غير منتظم.. أمّا في المدرسة فغالباً ما يتعرَّف المعلّم على هذه الإشارات من خلال الاختبارات، والتفاعل الصفيّ، أو من خلال الاختبارات التشخيصية في بداية العام (أكاديميّاً). ومن خلال سلوك الطالب وتفاعله داخل الغرفة الصفيَّة (سلوكيّاً). ولا بد  من التقاط الإشارات وتحليلها بشكل مدروس.
  2. الرّغبة: وهنا سنطلق عليها مسمى الحاجة أو الهدف، وذلك لأن التعليم قائم على تلبية الحاجات الأساسية لتنمية المهارات المُستَهدَفة. بالتالي إن كانت الإشارة التي وصلتني من خلال اختبار تحديد المستوى/ التشخيصي تدل على ضعف الطالب في القراءة، فالحاجة هُنا هي إتقان القراءة.
  3. الاستجابة: البدء بالعمل على خطة ملائمة، وتوفير المصادر المناسبة لحاجة كل طفل/ طالب، والتي من شأنها تسهيل تحقيق الحاجة/ الهدف، ثم البدء بتطبيق الخطة.

ولابدّ من التنويه هُنا إلى كيفية تطبيق الخطة، فكثيراً ما نتعامل مع الخطة العلاجية للطالب على أنها قائمة منذ البداية على عزل الطالب عن كل ما يجري في البيئة التعليمية إلى حين انتهاء الكورس/ الخطة العلاجية. بينما أن حقيقة الخطة العلاجية تقوم على تقديم الملائم للطالب خلال العملية التعليمية، وضمن البيئة الصفيَّة التي لابد أن يكون جميع الطلاب جزءاً منها (باستثناء بعض الحالات الحرجة والتي يتم تشخيصها بطريقة علمية وبصورة دقيقة من قبل المختصين).

  • المكافأة: الوصول إلى الهدف، وتحقيقه. في الواقع هذه مرحلة حصاد الغلال.

الطالب حقَّق تطوراً ملحوظاً في المهارة/ السلوك. هُنا لا بدَّ من الاحتفال بالإنجاز، وتوضيحه للطالب /الطفل. يلي هذه المرحلة التخطيط للخطوة الثانية، أو العمل على تدعيم التغيير، وتثبيته.

كيف نجعل الأهداف عادات قابلة للتطبيق والاستمرار؟

الغاية إذاً ليست تحقيق الهدف، بل الغاية أبعد وأعمق من ذلك، فنحن نعمل من أجل تربية/ تعليم طويل الأمد. تعليم يمتد ويستمر طيلة الحياة، فالغاية إذاً هي خلق عادة.

إعلان

أن يكتسب الأطفال عادات يمكنهم توظيفها في حياتهم العملية، وحتى في مرحلة الرشد خارج أسوار المدرسة، بعيداً عن حضن الأمّ وتوجيهات الأب.

  • الخطوات الأساسية لتحويل الهدف الآني إلى  عادة طويلة الأمد:
  • الوضوح في تحديد المثيرات / الإشارات.

مثال1: ما الذي يقود هذا الطفل إلى ممارسة العنف تحديداً؟ هل السبب عدم شعوره بالأمان.. أو ربما لأنه لم يحظَ بالاهتمام الكافي؟

من المهم جدّاً تحديد المثير/ السبب خلف السلوك.

مثال2: ما الذي يجعل القراءة مهمَّة صعبة بالنسبة للطالب؟ هل السبب عدم معرفة أصوات الحروف.. أم عدم تمييز المدود، أو قد يكون السبب عدم التمييز بين أصوات الأحرف المتشابهة (ح – ج – خ مثلًا).

  • نية التّنفيذ: وهنا نقصد بها خطة العمل
    ” action plan”
    أو يمكن استبدالها بورقة الأهداف التي من السهل مشاركة الأطفال في وضعها. وإن مشاركة الطفل في وضع الهدف تُعد من أهم الأساسيات، فهي تضمن التزام الطالب/ الطفل بالتنفيذ بنسبة
    91% (كما أثبتت الدّراسات المُشار إليها في كتاب العادات الذرية).

وتتم صياغة الأهداف من خلال تحديد:( السلوك و الزمان والمكان ) مع الالتزام بتحديد مدة زمنية لتحقيق الهدف.

مثال 1:  أن أقرأ قصة كل يوم في البيت/ الصَّف لمدة شهر.

مثال 2: أن أوظّف أدوات الربط في جملة في بداية كل حصة في صف اللغة العربية لمدة أسبوعين.

  • اخلقْ بيئة مُحفِّزة ومساعدة ، احرصْ على أن تكون كل الوسائل التي تساعد على خلق العادة/ تحقيق الهدف في مرمى البصر.

مثال1: الهدف: تحسين القراءة.

العادة: الالتزام بالقراءة اليومية.

إذن فلتكن قصاصات القراءة/ النصوص القصيرة موجودة على طاولات الطلاب في بداية كل حصة.

مثال2: الهدف: تقليل السكريات.

العادة: الالتزام بالطعام الصحي

إذن فلتكن السكريات والحلويات بعيدة عن متناول اليد، ولتوضع الأطعمة الصحية (فاكهة/ خضروات) في الأماكن القريبة منك.

  • قاعدة الدقيقتين: الفكرة الأساسية هنا هي التدرج في العادات. بعض العادات/ الأهداف لا تتحمل التدرج، لكن يمكن التدرج في خطوات تطبيقها.

 مثال 1: الهدف: إنشاء فقرة.

  • التدرُّج في خطوات التطبيق: سنكتب الفقرة لكن السّر يكمن في تقسيمها:( مقدمة – عرض – خاتمة) مع تقديم الدّعم المناسب للطالب.

في حين أن بعض العادات قابلة للتدّرج في التطبيق عمليّاً، وهكذا نبدأ بقراءة ( قصاصة ثم نصف صفحة ثم صفحة) .. إلى أن ننتهي بقراءة قصة قصيرة يوميّاً.

والأمر ذاته للإقلاع عن العادات السيئة:

اعمل على إبعاد أي مثيرات من شأنها توريط الطفل في ارتكاب سلوكيات/ عادات سيئة.

ومنها على سبيل المثال لا الحصر وضع خطة جلوس تضمن مشاركة الطلاب، والتزامهم بالقواعد الصفية في الوقت نفسه.

“اجعل العادات الجيدة عادات حتمية.. والعادات السيئة عادات مستحيلة.”

غالباً الأهداف/ العادات الجيدة تحتاج وقتاً طويلاً لتؤتي أُكلَها، مثل تحسين مهارة القراءة أو الكتابة، فالأمر لن يحدث بين عشية وضحاها.

والسؤال هُنا: إذاً كيف نحفِّز الأطفال/ الطلاب لضمان تكرار هذه العادة؟

  • قد تكون ورقة الأهداف التي ذكرناها سابقاً إحدى وسائل التحفيز بالنسبة للطلاب، وذلك من خلال وضع أهداف يوميّة أو قريبة المدى في سبيل الوصول إلى عادات أكبر/ أهداف بعيدة المدى.
  • كذلك من وسائل التحفيز رصد درجات يومية/ أسبوعية على المهام المرتبطة بهدفنا، مثال: القراءة المتدرجة/ كتابة الفقرة.

في النهاية يمكننا اختزال سر العادات اليومية المستمرة بنقطتين أساسيتين:

  1. لا تتوقف.
  2. ابدأ بعادات بسيطة.. خطوات صغيرة قابلة للتطبيق ثم انطلق نحو الأشمل والأعظم.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: سماح العيسى

تدقيق لغوي: علا أيوب

اترك تعليقا