الجدل حول عصر التنوير الإسلامي “علم الكلام”
“حيثما تكون صحة العلة مرتبطة بالقناعة وحيثما كانت الطاعة مرتبطة بالقوة، كانت السلطة مرتبطة بالثقة”
في بداية قصيدة لـ بريان بلانشفيلد بعنوان تاريخ الأفكار: السلطة، يوضح فيها أن تاريخ الأفكار ليس مرتبطا بالقناعة ولكن هناك أبعاد أخرى للأفكار منها القوة والسُلطة للترويج والنشر وهذا ما حدث في مفهوم علم الكلام بالخصوص هنا.
الجدل الأول: طبيعة علم الكلام والتعاريف
هناك خلاف قائم على طبيعة علم الكلام من خلال التعريف فمنهم من يُورِد تعريفا يُنفِر حتى في بداية الأمر فيقول ابن خلدون “هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة” [1] وهناك من يعرِف كما هو الشيء أو كما أقرب
فالاستخدام السياسي للأفكار مختلف للوصول لنتائج قبلية. والأقصى تعسفا في الاستخدام، هو في تعريف المفهوم الذي يتم مناقشته، فلا بدء قبل التعريف.
“علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه” [2]
فالتعريف الأول تم دفعه بالأساس غير الديني عن طريق وَضع علماءه أو مستخدميه من وجِهة نظر المخالف لمذاهب السلف وأهل السنة و” المخالف لمذاهب السلف وأهل السنة” هو من آرائه فالاخراج أو الادخال لحيز أي دين أو أفكار يتم مسبقا التعامل معه بمنطق امتلاكي.
بينما التعريف الثاني يصِف ما يستخدموه من طرائق للتفكير بدون تصنيف أو دفع أحد من شيء.
الجدل الثاني: بدايات علم الكلام
هناك جدال حوال بدايات علم الكلام، منهم ما يظن الاسباب تعود إلى طبيعة البلاد التي تم دخول الاسلام إليها مبكرا، ومناقشات أهل تلك البلاد بأديانهم ومذاهبهم لهم.
وهناك من يَرُد الامر إلى أنه كان داخليًا في الإسلام لأسباب سياسية منها الخلافات على السلطة ورغبة الأطراف في شرعية إلهية من خلال مفاهيم كلية مجردة في الاختيار والقدر بالنسبة للحاكم.
جدال علم الكلام من حيث سبب النشأة
وبه دربان، درب يرجعه إلى طبيعة الإسلام نفسه وأنه كان يحتاج ذلك كبنية.
ويؤيده المستشرق فان إس:
“لم يبدأ علم اللاهوت في الإسلام كجدال ضد الكفار. حتى “أسلوب(علم) الكلام” لم يتم تطويره أو الاستيلاء عليه من أجل دحض غير المسلمين، وخاصة المانويين، كما كان المرء يميل إلى الاعتقاد عندما رأى المرء أصل الأنشطة التبشيرية الكلامية للمعتزلة. بدأ علم اللاهوت كنقاش إسلامي داخلي عندما تآكلت تدريجياً سذاجة الثقة بالنفس التي كانت سائدة في الأيام الأولى، من خلال التطور السياسي بشكل أساسي.” [3].
وهذا الرأي له أدلة كثيرة كما للآخر أيضا لكن سبب ذلك هو كثرة الغوامض التاريخية عن الحالة الاجتماعية وخطاب غير المسلمين في ظل الحكم الإسلامي، فأكثر الكلام منقول عن المسلمين.
وكلام الآخرين حتى كخطاب منقول على ألسنة المسلمين بتصوراتهم عنهم. وأصحاب الأديان الأخرى من المنطقي أن يقاوموا الأفكار الجديدة عليهم بغض النظر عن كنهها وأيضا الخطاب الاسلامي. أي أنها عملية تواص تفاعلية بين خلاصة ثقافاتفي الجدل.
وهذا ما أورده ألكسندر تريجر وغيره، أن التفاعل الفكري خصوصا مع المانوية والزرادشتية لطبيعتهم الخاصة فكريا ساعد على إعلاء الجدل لمناطق أخرى لم تكن ستكون مع غيرهم.
أما الرأي الثاني و يؤكده ألكسندر تريجر، “أن علم الكلم نشأ من جراء الرد على أصحاب الأديان الأخرى في البلاد المحكومة من الإسلام ” ظهر اللاهوت الإسلامي في بيئة متعددة الأديان حيث كانت الأقلية المسلمة الحاكمة تكافح لتأكيد نفسها، سياسيًا ودينياً، وسط السكان الأصليين في الشرق الأوسط.. تحدث هؤلاء السكان مجموعة متنوعة من اللغات – الآرامية / السريانية، اليونانية، الفارسية الوسطى، القبطية، الأرمينية، والعربية، من بين آخرين – واتبعوا مجموعة متنوعة من الأديان. شكل المسيحيون الأغلبية أو الأقلية في سوريا وفلسطين والعراق وإيران ومصر وشمال إفريقيا، وكان الزرادشتيون بارزين في العراق وإيران، وكان المندائيون ممثلين جيدًا في العراق، وكان البوذيون مؤثرين في أفغانستان وآسيا الوسطى” [4]
الرد على الزنادقة
وما يعاضد ألكسندر تريجر هي الكتب الكثيرة للرد على الزنادقة من أوائل القرون.
فقد أقام الشاعر صالح بن عبدالقدوس والذي وفاته وولادته مجهولة لكن ما يقال أنه تم قتله على يد الخليفة العباسي المهدي وهو تولى الحكم 158ه بعد والده أبو جعفر المنصور أو تم قتله وصلبه على يد هارون الرشيد الذي بويع للخلافة سنة 170 ه.
كما هناك كتب لأعلام كثيرة منهم واصل بن عطاء للرد على المانوية وهو مؤسس المعتزلة وأبو الهذيل العلاف مؤسس المعتزلة البصريين أخذ الاعتزال من عثمان بن خالد بن الطويل عن واصل بن عطاء 135 ه.
والكثير الكثير فقد ظهرت هذه الكتب التي وُجِد بعضها ووجدت أسماء بعضها فقط.
” وإذا قد تجرأ المجوس والملاحدة على حرب الإسلام ليس في مجال الأدب فقط كما فعل صالح بن عبد القدوس وألف كتابا يسمى (الشكوك) ، ولكن تطرق حربهم إلى علوم الدين ، واعتمدوا في أحيان كثيرة أسلوب التقية والمراوغة ، وكذلك اتخذوا من سياسة الدولة شركا للإيقاع بالمسلمين في براثن الزندقة.
وهكذا عني المسلمون في هذا العصر، بالزندقة والزنادقة، وكان أغلب الزنادقة والملحدين من غير العرب لتأثرهم بثقافاتهم السابقة على الإسلام ، وبيئاتهم التي نشئوا فيها وتربوا عليها.
ولذلك نقول إن رد المسلمين على الزنادقة والملاحدة أمر طبيعي وقد سجلت كتب الفهارس وغيرها أسماء لامعة في هذا المجال كأمثال واصل بن عطاء (في الرد على المانوية)، وأبي علي الجبائي في (الرد على أهل النجوم)، (والمشبهة) ، أما أبو الهذيل العلاف فقد ألّف عشرات الكتب في الرد على المخالفين، ومحمد بن شجاع الثلجي المعتزلي المتوفي سنة (٢٦٦ ه) (في الرد على المشبهة).
كما رد المتكلمون على أصحاب الأديان الأخرى كاليهود والنصارى، فنجد لأبي على الجبائي كتابا في الرد على اليهود والنصارى.” [6]
وهناك رأي اخر يستدل بهذا أو ذاك ويغفل القيمة الفكرية والعقلية للبدايات المؤسِسة مثل المعتزلة ويسبقهم الحسن البصري والاهتمام من قبله بالقدر والجبر في كتابات اولى. والقدر والجبر من أسس الفلسفة بشكل عام كونهم يمسون الكثير من المواضيع اللاهوتية ونظرية المعرفة
«بلغنا عنك في القدر شيء»
فكتب إليه رسالة طويلة ذكر أطرافاً منها ابن المرتضى في المنية و الأمل ص 13-14.” [5]
فرادة المعتزِلة
والفرادة في التناول العقلي بما يُخالف الزمن. ويمكن رد الأمر إلى الوسط الثقافي الذي كان يسبق الإسلام والحرية الشديدة والجدل الشِعري الذي أسس سُلطة للكلام نفسه.
الذي امتد في بداية الإسلام حتى في عمر بن ربيعة وقيس بن الملوح في التابو الجسدي الذين يصفون في شِعرهم جهرا الأرداف والنهود والعجز.. إلخ..
لكن ذلك يُمكن أن يكون سببا في حرية التداول والمعرفة لا في الأفكار القوية والمتقدمة.
فأبعاد الأفكار ليست هي المناخ الحر فقط بل القدرات العقلية لأصحابها، حتى لو تم الترويج من السٌلطة أم لا.
الدقة في التحري
والرأيان غير دقيقين كون الحياة الفكرية الموجودة هي في المقام الأول للمفكرين المسلمين ومذاهب معينة منهم فقط. وهناك نقص معلوماتي في الحياة الفكرية للمؤمنين بأديان أخرى.
كما أن أبرز الأديان الموجودة تاريخية هي الزرداشتية والمانوية وهم متقدمون في البحث الميتافيزيقي أكثر منه التشريعي الوجودي.
فالاستعمال الايدلوجي للأفكار له طرائق كثيرة، قد يكون بشكل واضح في نشرها بالقوة أو عن طريق التاريخ في طمسها أو حرق كتبها أو تغليب أو تخويف من أفكار معينة. وهذا حدث كله مع علم الكلام.
—————————————————
- هوامش
- مقدمة ابن خلدون. عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، ص45، مؤسسة الأعلى للمطبوعات، بيروت
- المواقف : للايجي، ص7
- van Ess, J. (1975a). ‘The Beginnings of Islamic Theology’. In J. E. Murdoch and E. D. Sylla(eds.), The Cultural Context of Medieval Learning. Dordrecht and Boston: Reidel, 87–111
- Origins of Kalām Alexander Treiger, The Oxford Handbook of Islamic Theology,Edited by Sabine Schmidtke
- بحوث فی الملل والنحل جعفر سبحانی تبریزی
- مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي ( 169 ـ 246 هـ ) – ج ١ ص 57
- القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام