“بساتين عربستان” وجرعةٌ عاليةٌ من الخيال المستَمَدِّ من التُراثِ العربيِّ

Arabistan groves: a high dose of imagination drawn from Arab heritage

طالما تساءلت هل كان الناس ليرحبوا بهاري بوتر الطفل لمجرد قصته الإنسانية فقط بدون السحر؟ في داخل السلسلة الشهيرة قصة إنسانية عن الطفل اليتيم والمعاملة السيئة ولكن الكاتبة كانت مبدعة بما يكفي لخلق عالم يحتوي هذه القصة وإضافة عنصر لا يفشل أبدًا وهو “الخيال”.

الخيال صفقة رابحة دائمًا لأنها تقدم شيئًا جديدًا كافيًا لإبهار العقل، في مرحلة ما يحتاج القارئ للتنويع بعيدًا عن القصص الواقعية والتاريخية، وقد يأتي هذا الجديد على شكل إضافة جرعات متفاوتة من الخيال بداية من خلق عالم جديد لإضافة فكرة واحدة خيالية وتطبيقها على الواقع فقط، وللأسف الرواية الخيالية ليست منتشرة في الوطن العربي، وعند الحديث عن الروايات الخيالية لا أعني روايات الرعب المبنية على بعض الأفكار المكررة للجن واستحضارالأرواح.

الروايات الخيالية عمواما متدرجة من الأفكار الصغيرة إلى العوالم الكبيرة ولكلٍّ منها أهداف مختلفة، حيث إن الروايات المعتمدة على فكرة واحدة خيالية هدفها في الغالب هو وضع الأفعال البشرية تحت المجهر واختبارها إذا ما حدث تغيُّر في ظروف معيشتنا، بينما الروايات ذات العالم الخيالي الكامل تنحاز إلي تقديم التشويق والمتعة.

“بساتين عربستان” هي سلسلة للكاتب السعودي أسامة المسلم وصدر منها حتى الآن خمسة أجزاء وهو ما يثير الدهشة بسبب غزارة إنتاج الكاتب فبجانب سلسلة “بساتين عربستان” وفي نفس الفترة 2015 وحتى 2019 أصدر الكاتب ثلاث سلاسل أخرى وروايتان منفصلتان، وقد تصدَّرت أعمال الكاتب الأعلى مبيعًا في عدة مكتبات مثل جرير فى 2016 وجملون حيث احتوت قائمة أكثر الكتب مبيعا عام 2018 على كتابين من أعماله، بالإضافة إلي تصريح الكاتب مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي ببداية ترجمة الجزء الأول من السلسلة.

بساتين عربستان وجرعة عالية من الخيال

السلسلة هي من الأعمال القليلة التي انتقلت من جرعة خيالٍ قليلة إلى جرعة عالية رغم استخدام البيئة والمدن العربية، ولكن بتخيل عالم مختلف تمامًا حيث يعمل السَّحَرة بكل حرية وقوة، وحكايات الجن والشياطين متداولةٌ وربما تقابلهم وتتعامل معهم عدة مرات.

إعلان

“بعد فرعون وخاتم سليمان
وقبل عيسى وسيد الأنام…
قبل الإسلام وقبل تاريخه..
قبل النور والصراط المستقيم..
قصة لم يدونها التاريخ لكنها نُقِشَت بالأثر من قاصٍّ لأخر
سأدونها بين ورق بالكاد سيحتويها.. واتركها لاختبار الزمن”

زمن الرواية من المفترض بين زمن سليمان وعيسى ولكن لا علاقة للزمن بالرواية إلا لتحديد الشكل العام للبيئة من مدن وعادات داخل الجزيرة العربية فقط ليكون القارئ مدركًا للإطار العام الذي سوف تدور خلاله الأحداث من رعي وتجارة وقُطَّاع طرق وأدواتٍ مستخدمة، هذا الإطار العام هو كل ما أراده الكاتب من تحديد الزمن لكن لا توجد أي أحداث تاريخية بالمرة أو ربط بين الزمان وأي حدث أو شخصية بارزة.

أما عن حبكة الرواية فإنها مقسمة إلى جزئين، رغم أن السلسلة هي ستة أعمال تحت عنوان واحد إلا أن هناك حبكةً خاصَّةً بكل ثلاث روايات متتابعة

الأولى هي بساتين عربستان التى تتكون من (الجزء الأول: بساتين عربستان، والثاني: عصبة الشياطين، والثالث: رياح هجر)، وتتحدث عن ثأر بين ساحرة فارسية ( أفسار) وساحرة عربي (دعجاء) التي تكوِّن كلٌّ منهما عصبة ساحرات لأسباب مختلفة تتكون من ست ساحرات إناث ولكلٍّ منهن قصةٌ وأصلٌ ومستقبل أيضًا، الثلاثية الأولى تحكى عن تكوين العصابتين وقصص الساحرات منفردة ثم مشاكلهما لحين المواجهة الأخيرة بين سحرة العرب والفرس.

أما الأجزاء الثلاثة المتبقية ( الجزء الرابع: العرجاء، والجزء الخامس: الساحرة الهجينة، والجزء السادس لم يعلن عنه بعد) تمتلك قصة مختلفة تمامًا رغم اتصال الأجزاء بالشخصيات والزمن وطبيعة القصة  لكن هذه الأجزاء تمثل قصة شبيهة بقصص الغزو حيث تظهر من خلال الأحداث ساحرة تحاول مواجهة جماعة تهدف لاحتلال الأراضي العربية والفارسية.

الخيال في الرواية مذهل لأقصى حد بسبب كثرة الحكايات، ورغم أن السلسلة الآن خمسة أجزاء إلا أن الكاتب كان يتعمد ترك العديد من القصص بلا استكمال مع علامات استفهام كثيرة، وأيضًا كثرة الشخصيات الرئيسية جعلت القصص لا نهائية تقريبًا.

في البداية تبدو الرواية من أعمال الرعب العادية كما تشير الكثير من الكلمات مثل طلاسم وتسخير الجان وليس المعاملات اليومية بين الناس حتى تدرك أن الكاتب صنع عالمه الخاص داخل المدن العربية بمفهومها التاريخي، والأكثر تميزًا أيضًا تطويع المفاهيم  العربية المعتادة لدينا لبناء عوالم جديدة مثل الشيطان الأزرق والجن العاشق والشياطين السفلية والعلوية وبناء قصص خاصة بهم وبعشائرهم ومعاملتهم كشخصيات رئيسية وليس مجرد كيانات غامضة.

من النقاط القوية عند الحديث عن السلسلة هي احتفاظ الكاتب بالشخصيات بشكل حقيقي، منذ فترة أصبح معيار الأدب الجيد أنه الذي يرسم شخصيات حقيقية  ذات صراع إنساني  وليس مجرد دمى تتقاتل، ورغم كون الرواية في قالب خيالي إلا أن الكاتب أظهر الشخصيات بشكل إنساني، لديهم قصص وماضي يفسر أفعالهم وقراراتهم فلا نستطيع اتخاذ جانب واحد وترك الآخر، الحبكة لم تكن قصة أطفال بين الساحرة الطيبة والشريرة بل حيوات طويلة متداخلة ومواقف كثيرة تجعلنا نتردد فى أخذ جانب واحدة من الشخصيات.

بالطبع لا يخلو عمل من النقد أو ملاحظات يضعها القراء في السلسة، ورغم شهرتها هناك بعض النقاط التي كررها القراء كثيرًا مثل انعدام الوصف تقريبًا، أغلب المدن لم يتم وصفها إلا من خلال الحوار ببضع كلمات مثل مدينة تمتلك بساتين كبيرة أو أسوارها عالية، وصف بسيط جدًا لوضوح المشهد بشكل عام ولكن ليس بشكل مفصل، وأيضًا ظهر هذا في الشخصيات الرئيسية رغم بناء الشخصيات وتاريخها بشكل جيد إلا أن صفاتهم الجسمانية لم تذكر تمامًا إلا في حالات قليلة مثل غرة بيضاء، التقليل من الوصف واعتماد الرواية بشكل كامل على الحوارات الطويلة وأسلوب الرواية ربما سبب بعض الانزعاج لدى القراء ولكننا وبنسبة أكبر نعلم أن الأغلبية أحبوا فكرة بناء العالم العربي الخيالي الخاص بهم.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: آية حسن

تدقيق لغوي: ندى حمدي

تدقيق علمي: دينا سعد

اترك تعليقا