الخادم “The Servant”: فيلم عن الطبقية والجنس

البارحة وقع اختياري على فيلم إنجليزي “الخادم The Servant” أثارتني حبكته، رجل من الطبقة الأرستقراطية اللندنية يستخدم رجلًا كخادم خاص به لمساعدته في احتياجاته، إلا أن ميزان القوى بدأ يتغير.. لطالما أعجبت بالأفلام التي تدور أحداثها في مكان ضيق huis clos بحيث يتميز الفيلم بقوة الأداء وبراعة الحوار، ثم تميز الجانب السينماتوغرافي خاصة على مستوى التصوير. فيلم يذكرني نوعًا ما ب Parasite  لاسيَّما في الشق المتعلق بانقلاب المعادلة الطبقية، ماذا لو أصبح الخادم هو السيد؟

الفيلم من إخراج جوزيف لوزي عن رواية روبن موغهام الصادرة سنة 1948 وسيناريو الحائز على نوبل الأدب سنة 2005 هارولد بينتر.

من يكون روبن موغهام؟

روبن موغهام
روبن موغهام

هو كاتب ومؤلف مسرحي بريطاني ولد في 17 ماي من سنة 1916 وتوفي في 13 مارس من سنة 1981. درس الحقوق، ورغم إمكانية ولوجِه مهنةَ المحاماة، فقد فضل الانقلاب على الأرستقراطية التي ينتمي إليها، حيث تشبع بالفكر الاشتراكي وقرر ولوج عالم الكتابة. خلال الحرب العالمية الثانية رفض أن يتمتع بمراكز القيادة التي تؤمِّنها له طبقته الاجتماعية، مفضلًا قضاء خدمته العسكرية كجندي بسيط في بعثة بشمال إفريقيا، بعد الحرب اهتمَّ موغهام بالتأليف المسرحي ثم الروائي. نشر أكثر من 30 كتابًا، نُقِل كثيرٌ منهم إلى السينما والمسرح والتلفاز.  من بينها روايته “الخادم” التي تعتبر أهم أعماله.

لماذا الحديث عن نبذة من حياة الكاتب، علمًا أنني أحرر مقالًا حول فيلم؟ لماذا لم أتحدث عن حياة المخرج أو السيناريست الحائز على نوبل؟ ببساطة لأن حياة الكاتب الشخصية لها علاقة وطيدة بالرواية التي اقتُبِس منها الفيلم.
كما أن المخرج عند قرار تحويل رواية أو عمل درامي إلى فيلم، يتطلب منه ذلك إعداد تقرير حول حياة المؤلف، لفهم انفعالاته أثناء التأليف، هنا يشترك السيناريست مع المخرج في العمل.

علاقة فيلم الخادم بالمجتمع البريطاني

إعلان

عرف المجتمع البريطاني في مطلع الستينيات من القرن العشرين تحولًا جذريًّا في بنيته، ترجمته نقلة كبيرة في العادات، ساهم في هذا التغيير المفاجئ، والذي كان يترعرع في السر، نشرُ طبعة مهذبة علنًا سنة 1960 من رواية “عشيق الليدي تشاترلي” للكاتب ديفيد هربرت لورانس الصادرة لأول مرة سنة 1928 والتي سبق لها أن نشرت سرًّا في فلورنسا بإيطاليا  وهي الرواية التي كانت ممنوعة من النشر في بريطانيا. تحكي قصة العلاقة الجنسية والعاطفية التي جمعت بين رجل من الطبقة العاملة وامرأة من الطبقة العليا، مع وصف الكاتب الصريح للجنس واستعمال كلمات ممنوعة من الطباعة.

أتبع نشر الرواية محاكمة مراطونية انتهت بفتح نقاش حرية التعبير على العموم، يذكر أنه أثناء المحاكمة سأل المدعي العام أحد المتهمين: هل تريد من زوجتك وخدمك قراءة الرواية ؟ كان الكتاب أول مظهر من مظاهر التلطيف العام للمواقف الجنسية، بالإضافة إلى عناصر أخرى من الثورة الجنسية، كحبوب منع الحمل وتسويق التنورة القصيرة، ظهور موسيقى البوب (البيتلز والرولينغ ستونز كمثال)، إلغاء نظام المنظومة الحاكمة The Establishment حيث تتحكم قوى صغيرة في مجتمع بأكمله بيد من حديد.
ظهور الثقافات الفرعية مثل mods,skinheads.
وفي خضم هذه الثورة الجنسية، أو التقلبات الجذرية في البنية المجتمعية لبريطانيا، قرر المخرج جوزيف لوزي المساهمة في هذه الثورة عبر إخراجه لفيلم الخادم، الذي جاء ليكشف عن مجموعة من الأمور التي تحدث في المجتمع سرًّا  لكنها شاذة أو لاأخلاقية في مفهوم القانون والمجتمع، فما هذه الأمور؟

الرسائل المشفرة في فيلم الخادم

  • المساواة بين طبقات المجتمع

مما لا شك فيه أن المجتمع البريطاني كان منقسمًا كسائر المجتمعات إلى طبقات، فالسيد يرتاح بينما الخادم ينظف ويطبخ ويساهم في راحة سيده. يبدأ فيلم الخادم بتقدم شخص يدعى باريل لشاب ارستقراطي من أجل منصب خادم خاص، يلاحظ المشاهد الطاعة العمياء والانصياع التام الذي يبديه الخادم لأوامر سيده، مقابل كبرياء هذا الأخير وتعاليه. الخادم يجتهد بينما السيد يتكاسل. ثم يقترح الخادم باريل على سيده طوني توظيف شقيقته للمساعدة في أشغال البيت، تصر هذه الأخيرة على إغواء طوني الذي يقع في فخها عند أول خطوة منها، يفاجئ طوني في أحد الأيام ب خادمه باريل في سرير واحد مع أخته!! يصدم لهذه الواقعة، لكن باريل يخبره أنها خطيبته و ليست أخته!!  يغادر باريل وخطيبته، بينما يدخل طوني في كآبة وحزن ترجمهما تعاطيه للخمور لدرجة الإدمان. يلتقي به باريل في حانة ويطلب منه المغفرة، ثم يعودان من جديد كسابق عهدهما، إلا أن الأدوار عكست أو في طريقها نحو ذلك، لم يعد باريل ذلك الخادم المطيع، بل أصبح يتقاسم مع طوني المنزل وبالتالي دور السيد، هنا تتحقق المساواة الطبقية. لكن هل يقف الأمر عند هذا الحد؟

  • تكسير طابو المثلية الجنسية بطريقة تلميحية

عرف المخرج خلال أبحاثه، أن الكاتب روبن موغهام استأجر منزلًا بخادمه، وخلال أمسية ما خرج في موعد برفقة نجلة الرئيس البريطاني وينستون تشرشل mary soames، ثم أخذها لمنزله، طلبت منه ماري كأسا باردًا من الجعة – اعتمد المخرج على هذا الحدث في فيلمه رغم عدم ذكره في الرواية – من الثلاجة التي كانت متواجدة قرب غرفة الخدم، ألقى الكاتب نظرة خاطفة على الغرفة، فشاهد صبيًا عاريًا على السرير، ظهر الخادم من العدم قائلًا: هل ترغب في أن أرسله إليك ليقول لك تصبح على خير؟

ادعى الكاتب عدم سماعه لكلام الخادم وغادر بعيدًا دون رد. و في حوار له مع شبكة بي بي سي عبر قائلًا: إنه يحب الأولاد كحبه للبنات.
بالعودة إلى أحداث الفيلم، نلاحظ أن الخادم باريل هو من كان في حقيقة الأمر يحاول إغواء سيده، وما خطيبته سوى وسيلته نحو بلوغ هدفه. باريل يبحث عن السلطة والمتعة.. السيطرة والتحكم، وكل ذلك مفعم بالجنسانية. طوني لم يعد يستطيع الابتعاد عن باريل، إذ صار ينتمي إليه و بالتالي استسلم لمشاعره، إلا أن إدمانه على الخمر قد يفهم منه الصراع الذي يدور في داخله بين جيناته وإدراكاته!!
نجح المخرج في مراوغة المشاهد عبر التغطية على هذه العلاقة بين الرجلين من خلال عدد من الأحداث، خاصة أن المثلية الجنسية كانت مجرمة حينها، ولم يتعود المشاهد البريطاني على مثل هذه النوعية من العلاقات، فقد يفهم منها علاقة صداقة قوية بين رجلين، لكن كل المؤشرات تدل على أنها علاقة عاطفية. وفي عام 1967 تم تشريع المثلية الجنسية في إنجلترا.

نرشح لك: الجنس في السينما.. ربح أم خسارة

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: شرف الدين بوحدو

تدقيق لغوي: ندى حمدي

تدقيق علمي: نها العمراني

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا