الحركة النسوية: رحلة في 5 كتب

إذا كنت تشعر بالقلق كلما استمعت إلى كلمات مثل “الحركة النسوية” و”الجندرية وأسماء كـ “نوال السعداوي وسيمون دي بوفوار وفيرجينا وولف” فتنتابك حالة ترقب لهجوم وشيك، فأنت مثلي لا تعرف الكثير عن تحرير المرأة ولا الحركة النسوية، وهي فكر، اكتشفت، أنه يستحق تكريس بعض الوقت للتعرف عليه، فربما تكتشف أيضًا أنك ضمن الرجال المناصرين للنسوية. وأعترف أنني بدأت -متأخرًا جدًا بشكلٍ مخجل- في العام الماضي فقط بالتعرف على أفكار الحركة النسوية، وكعادتي مع كل المواضيع الجديدة أبدأ بمقدمة بسيطة سريعة تدلني على الطريق الذي يجب أن أسير عليه دون أن أضل ويضيع وقتي بين صفحات الآلاف من الكتب.

وكانت بدايتي من كتاب ”مقدمة للنسوية: دليل مصور Intoducing Feminism:A Graphic Guide تأليف كاثيا جينياتي وجودي جروفس. وانتقيت من الكتاب أربع كتب رئيسية، وأضفت إليهم كتابًا عربيًا للثائرة نوال السعداوي ليصبح عدد الكتب خمسة سأقوم بعرضهم عليك داعيًا إياك إلى قراءتهم، إن أحببت أن تخرج من قوقعتك. وقبل استعراض الكتب الخمسة حول الحركة النسوية، أود التعريف بأربعة مصطلحات ضرورية حتى لايشتتنا غموض المصطلحات بعيدًا عن الإلمام بالكتب المختارة:

أولًا: 4 مصطلحات ضرورية

1- النسوية

هي فكر يناهض التمييز على أساس الجنس (الفوارق البيولوجية بين الرجل والمرأة)، ويطالب بوقف العنف ضد المرأة وتحريرها من الاضطهاد بكافة أشكاله، وينادي بالمساواة اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، وتشمل النسوية جميع مسالب الحياة التي يمكن فيها التمييز ضد الأنثى لحساب الذكر، حتى اللغوية منها، وذلك لنزع السيطرة الذكورية عنها.

2- الجندر Gender (النوع الاجتماعي)

إذا كن نولد بفوارق جنسية بيولوجية تتمثل في أعضائنا الجنسية المختلفة لكل منها وظائفها كالإنجاب والإخصاب، لكن هناك فروقات أخرى تظهر مجتمعيًا ولا علاقة لها بتلك الأعضاء، ولكنها ترتبط بالأدوار المتوقعة التي يرسمها المجتمع للجنسين. ويطلق مصطلح النوع الاجتماعي “الجندر” على العلاقات والأدوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل من الجنسين (الرجال والنساء)، وتتغير هذه الأدوار والعلاقات والقيم وفقًا لتغير المكان والزمان وذلك لتداخلها وتشابكها مع العلاقات الاجتماعية الأخرى مثل الدين، الطبقة الاجتماعية، العرق،… إلخ.

3- النظام الأبوي (الباطرياركية patriarchy)

هو نظام اجتماعي يمثل فيه الأب أو أكبر الذكور، السلطة (مطلقة أو جزئية) على الزوجة أو الأولاد وبالأخص الفتيات، ويشكل الأخ كذلك سلطة على أخته أو والدته أحيانًا، وكذلك على صعيد ولي الأمر حيث يكون هو السلطة، ويشير إلى هيمنة الرجال على الأنظمة الثقافية والاجتماعية، كما يمكن أن يشمل كذلك الألقاب الاسمية التي تُحمل عبر تسلسل الذكور.

إعلان

4- الحركة النسوية

ينقسم تاريخ النسوية الحديثة إلى ثلاث “موجات” رئيسية. ركزت الأولى، والتي امتدت من القرن الـ19 إلى بدايات القرن الـ20، على الحصول على المساواة القانونية، تحديدًا الحصول على حق التصويت (Suffrage). واهتمت الموجة الثانية، والتي ظهرت خلال الستينات وامتدت حتى ثمانينات القرن الماضي بالمساواة الاجتماعية ودور النساء في المجتمع. بينما اعتبرت الموجة النسوية الثالثة، والتي ظهرت خلال تسعينات القرن الماضي وعقد 2000، تكملة لقضايا الموجة الثانية ورد فعل لإخفاقاتها.

5- رحلة الكتب الخمسة

1- الغموض الأنثوي The Feminist Mystique

نشر هذا الكتاب في 19 فبراير 1963، وهو من تأليف الصحفية وعالمة الاجتماع «بيتي فريدان» Betty Friedan منظرة وزعيمة الحركة النسوية في موجتها الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية في عقد الستينات والسبعينات من القرن العشرين، وقامت فريدان بتأسيس المنظمة الوطنية للنساء التي ضمت عددًا كبيرًا من المجموعات النسوية في الولايات المتحدة، و قامت بوضع أسس لمانيفستو الحركة النسوية المطالبة برفع التمييز عن المرأة ومنحها حقوقًا متساوية مع الرجل في العمل. ويعد كتابها هذا السبب الرئيسي في إشعال شرارة الحركة النسوية الثانية في أمريكا.

يبحث الكتاب في قضية عودة المرأة إلى المنزل عقب حصولها على حقوها في التصويت في الموجة الاولى من حركة تحرير المرأة حيث تم إجبار المرأة اجتماعيًا لتصبح ربة بيت فقط، بدعوى امتلاكهن “للغز (أو الغموض) الأنثوي”: هذه الصورة المثالية عن الأنوثة التي يصونها البيت ويحتاج لدورها والتي عززتها وسائل التعليم، والإعلام، الذي ركز دومًا على قصص ومقالات تبرز سعادة ربات البيوت، وتعاسة النساء الذين فضلن العمل والوظيفة. وأشار الكتاب إلى أن الفتيات يتركن التعليم ويتزوجن في سن مبكرة خوفًا من العنوسة، أو يفقدن جاذبيتهن للرجال لأنهن متعلمات ”أكثر من اللازم“. واختتمت فريدان كتابها بحثّ النساء والرجال أيضًا على التخلي عن هذا الغموض الأنثوي، و طالبت المرأة بالسعي لتحقيق ذاتها عن طريق التعليم والعمل.

يمكن قراءة الكتاب على موقع ويكي جندر

2- الجنس الاخر The Second Sex

كتاب الجنس الآخر أو الجنس الثاني ( Le Deuxième Sexe) والصادر في عام  1949 هو من أهم الكتب في نشأة ”النسوية“ وحركاتها في الغرب، مؤلفته الفيلسوفة الوجودية سيمون دي بوفوار، ويذكر أن الفاتيكان وضعه على قائمة الكتب المحرّمة والتي ألغيت في عام 1966. ويعد هذا الكتاب تحليلًا موسعًا وتفصيليًا لتاريخ اضطهاد المرأة وتطور نظرة المجتمع لها. حيث ناقش سؤالين جوهريين: “كيف وصل الحال بالمرأة إلى ما هو عليه اليوم (أي أن تكون ”الآخر”؟ أو الأدنى) وما هي أسباب عدم تكتل النساء معًا أمام الواقع الذكوري المفروض على حياتهن.

وتناول الكتاب التركيبة البيولوجية لدى المرأة، ودورها في ترسيخ مكانتها كآخر، وفنّدت بعض الادعاءات الخاصة بدونية المرأة والتي ارتبطت بدونيتها في العملية الجنسية والتي رسخت الوظيفة الجنسية للمرأة. وساعدت الوظيفة الجنسية والضعف النسبي لجسد المرأة مقارنة بالرجل في بلورة مكانتها كطرف هامشي في البناء الاجتماعي. وعرض الكتاب أيضًا من خلال تاريخ البشرية، الموقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والقيادي للمرأة، منها لإنارته، وبينت بوفوار أن كل القوى المؤثرة عبر التاريخ كانت بيد الرجل، وأن التاريخ نفسه سرى وتحقق وفقًا لرؤية الرجل وفهمه للواقع، والتي رسخت صورة المرأة بوصفها الآخر. وناقش الكتاب في فصله الأخير الاساطير والأكاذيب التي نوقشت حول المرأة والتي  ترمي إلى اختزالها في صورة سطحية هامشية مثل النقاء والجنس الناعم والبيت والأمومة، والمرأة التي لاتتوفر فيها شروط الأسطورة (مثلا أسطورة عدم طهارة المرأة وقت الطمث) هي إنسانة شاذة. وأعطت هذه الأساطير الشرعية لكل الامتيازات التي حصل عليها الرجل، استلاب حقوق المرأة والتعامل معها كجارية أو حتى حيوان نقل.

3-غرفة لك وحدك A Room of One’s Own

غرفة تخص المرء وحده هي مزيج من الرواية والمقال الموسع بقلم فرجينيا وولف، والتي نشرت في 24 أكتوبر 1929لخصت فيها سلسلة من المحاضرات ألقتها في كلية نيونهام بجامعة كامبريدج في أكتوبر 1928، وهو عمل شديد الأهمية في تاريخ الفكر النسوي تتحدث فيه عن المشكلات التى تواجه المرأة في الكتابة والنظرة الدونية للمرأة. وكانت الفكرة الرئيسة في هذه الرواية هي:“ يجب أن تمتلك المرأة النقود وغرفة خاصة بها لو أرادت أن تعمل بالأدب.”

وتبدأ فيرجينيا روايتها بالتأمل في فترة حياتها بالجامعة مشيرة مثلًا إلى أن المكتبة لم يكن مسموحًا بارتيادها للسيدات إلا في صحبة أستاذ من الكلية أو بخطاب توصية، فما هي المقومات الموجودة في الرجل التي تفتقر لها المرأة لكي يعطى الحق في دخول مكتبة بينما تحتاج هي إلى خطاب توصية. لاتوجد أي ميزة تزكي الرجل في هذا إلا ”لأنه ليس امرأة“.

تحدثت فرجينيا عن وضع النساء مع الكتابة في عصرها والعصور السابقة وترى أن السبب الرئيسي في قلة كتابات النساء هو فقرهن للمال، وأيضًا خوف الرجل من تفوقها عليه، ولذلك سعى الرجل دائمًا إلى وضعها في مرتبة أدنى منه لإظهار عظمته، وكانت النساء تحاول الكتابة في العصور السابقة تحت اسم مستعار خوفًا من نظرة المجتمع وخوفًا من الرجل، وترى فرجينيا أن المرأة لا تهتم بذكر اسمها، ولا تهتم كثيرًا بملكية ما تكتب على عكس الرجل الذي يهتم كثيرًا بنسبة الأشياء المنسوبة إليه ليحصل على الثناء والمدح! وتقارن بين الكاتبات وما كتبوه ومدى تأثرهن بعقدهن الشخصية وما فعله المجتمع ومدى تأثير الرجال في كتاباتهن.

4- تؤم السلطة والجنس

كتاب من تأليف الدكتورة نوال السعداوي وهي طبيبة أمراض نفسية، كاتبة وروائية مصرية مدافعة عن حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص واشتهرت بمحاربتها لظاهرة الختان، ورائدة من رواد الحركة النسائية العالمية، وأسست جمعية تضامن المرأة العربية وساعدت في تأسيس المؤسسة العربية لحقوق الإنسان. ويمكن اختصار فكرة هذا الكتاب والذي يمثل عدة مقالات شملت خبرات حياتية للأديبة والثائرة النسوية نوال السعداوي حول ثالوث السلطة والجنس والدين في الفقرة الأولى من الكتاب ذاته:

“إن علاقة السلطة بالجنس علاقة قديمة منذ انقسام البشر إلى حكام ومحكومين ونساء ورجال، منذ ما سُمِّي في التاريخ بالنظام العبودي، أو النظام الطبقي الأبوي، أصبح الأب هو صاحب السلطة والنسب والشرف والأملاك، كانت أملاك الأب تشمل النساء والأطفال والماشية والأرض، ويطلَق عليها اسم «الفاميليا»، ومنها تطورت أشكال الأسرة أو العائلة في عالمنا الحديث وما بعد الحديث. ولقد انعكست السلطة الأبوية الطبقية على الأديان التي نشأت في هذه العصور العبودية، ويمكن لمن يدرس الكتب الدينية -ومنها الكتب السماوية- أن يدرك الصراع على السلطة أو الحكم بين الإلهة الأم القديمة والإله الأب الجديد”. ومزجَتْ السعداوي بين دراستها للطِّب واهتمامها بمصادر التراث والتاريخ والأدب، للدفاع عن حقوق المرأة؛ تلك الحقوق التي ترى السعداوي أنه على الرغم من حصول المرأة على جزءٍ كبير منها، فإنه يبقى الكثير لم تحصل عليه بعد.

ويوجد لهذا الكتاب نسخة مجانية على موقع هنداوي لمن يرغب في الاطلاع عليه.

5- خرافة الجمال The Beauty Myth

يطرح كتاب خرافة الجمال كيف يستخدم مفهوم الجمال ضد المرأة، تأليف ناعومي وولف (1990)  فرضية رئيسية، وهي أنه كلما زادت السلطة الاجتماعية ومكانة المرأة، زادت الضغوط عليها لتتقيد بمعايير غير واقعية للجمال الجسدي؛ تحت تأثير قوى رأس المال ووسائل الإعلام، ويترتب على الضغوط هذه  انشغال المرأة بالمظهر، مما يقلل من قدرتها على أن تصبح فعالة وناجحة. وأشار الكتاب إلي أنه على الرغم من أن المرأة قد وصلت إلى كراسي الحكم والسلطة خلال العقد الماضي، فإنها أصبحت عبدة لقيود أخرى ابتكرها النظام الرأسمالي الذي يهمين عليه الرجل، تمثلت في قيود صارمة للجمال حيث ازدادت اضطرابات الأكل بشكل طردي، وأصبحت الجراحة التجميلية التخصص الأسرع نموًا، وتقدمت السينما الإباحية البورنوجرافيا على السينما الأخرى بأفلامها العادية والتسجيلية. وعلى الرغم مما حازته المرأة من الحقوق المالية والسياسية والقانونية الناتجة عن كفاح الحركة النسوية عبر التاريخ، فلا زال شعورها تجاه جسدها يجعلها أسوء مما كانت عليه الجدات قبل التحرر.

الخلاصة

كانت هذه الكتب الخمسة أهم كتب قرأتها في رحلتي لتغيير أفكاري عن الحركة النسوية وبخاصة “النسويات” بوصفهن نساءً يأخذن جميع حقوقهن ولكنهن لا زِلْنَ ساخطات على كل شيء حولهن كالمجتمع والعرف والأديان، لا لسبب يذكر وإنما انحيازًا للعنصر الأنثوي وتعصبًا ضد الرجل. بل وأعلن انضمامي لمؤيدي الحركة النسوية العربية بوجه خاص، داعمًا بشدة للقضايا التي تحارب النسوية العربية من أجلها مثل رفع الوصاية الذكورية عن المرأة، تلك الوصاية التي تجعل حتى زواج المرأة في أيدي الرجل، ووقف الختان وإصدار عقوبات رادعة ضد المتحرشين، فضلًا عن حرية التنقل والتجوال والملبس، ومساواتها بالذكر في القطاعات كافة سياسية أو اقتصادية.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: سمير الشناوي

تدقيق لغوي: ندى حمدي

اترك تعليقا