من أدب الناشئة الصينى الثورة الثقافية الكبرى بعيون طفل!

ربما أكثرُ ما يجذبُ أنظارَنا إلى الأدب الآسياويّ هو الاختلافُ الذى نريد أن نراه، العادات الغريبة أو الأساطير التى تشتهر بها هذه القارة، ورغم الترجمات العديدة التي قرأتها وأعجبتني لنفس السبب (انتظار المعلومات الجديدة) وهو ما حدث بالفعل، إلَّا أنّ أدبَ الناشئة ما زال يُبهِرني باختياراته الإنسانية التي قد أظن أنّها صعبةُ التلقي على الأطفال، واخترت لهذا المقال نموذجًا من أدب الناشئة وهي رواية (الصياد) للكاتب الصيني “جاو لى هونغ”.

لمحة عن الثورة الثقافية الكبرى

تحكي رواية الصياد عن زمن الثورة الثقافية الكبرى فى الصين التى دعت إلى نبذ كل قديم يعوق تقدم الدولة، و(كل قديم) هنا يعنى التراث، التاريخ، الثقافة وكل نوع من أنواع المعرفة، فأصبح هدف الثورة هو المتعلمون ومكتباتهم.

تم تنظيم جماعات الجيش الأحمر الحر من طلاب المدارس والجامعات مع شعارات جوفاء عن الأعداء وتم التنكيل بأساتذة الجامعات وكل من يطلق عليه لقب مثقف فى البلاد، وتم تنظيم حملات لاقتحام البيوت وحرق الكتب لأنها تدعو الناس إلى التمسك بثقافه وتاريخ الأجداد بالإضافة إلى العلوم الغربية التي هي سبب فساد دولتهم؛ لذا صُنِّفَ كلُ متعلم لهذه العلوم كخائن، وخلال هذه الفترة تم قفل الجامعات.
تسببت فوضى الثورة الثقافية وما تبعها من قرارات الحزب الشيوعى بقيادة ماو تسي تونغ، فى دفع الصين إلى حافة الحرب الأهلية، ومات فى هذه السنين القليلة من 27 إلى 30 مليون صينيّ بسبب فشل الدولة فى توفير ما كانت تطمح إليه، وكانت إحدى المشاكل هو الجيش الأحمر نفسه الذى كان الأداة فى هذه الكوارث، وبعد عدة سنوات تم إطلاق عليه لقب الجيل الضائع؛ نظرًا لتركهم المدارس والجامعات وفشل الدولة فى تحقيق ما كانت تدعوهم إليه، بل وقد مات أغلبهم فى الأراضي التي أُرسِلوا لزراعتها فى الأقاليم الريفية. الفئة التى اندفعت وراء الدولة الرنَّانة وكما هو واضح كانت أقل الفئات تعلُّمًا، بدليل أنَّها قامت بتحطيم كنوز لا تُقدَّر بثمن وإحراق كتب صمدت آلاف السنين، هذه الفئة هى أول من تعرضت للجوع والتشرد والحرمان من مواصلة الحياة الطبيعية.

عن حبكة رواية الصياد

أما عن الرواية فهى تحكي عن الطفل “دالو” المُغرَم بالأدب، وفى بيت السيد خان يُتاح للطفل فرصة رؤية منحوتات صينية قديمة ونادرة، وقد كان منزل السيد خان أشبه بالمتحف؛ وهذا لمحافظته على تراث عائلي عريق، وخلال الرواية أحاديث طويلة عن الفن الصينىّ، يقع دالو فى حب التفاصيل الدقيقة لمنحوتة تسمى (الصياد الصغير) ويزوره هذا الصياد كثيراً فى أحلامه، حتى يتمنى دالو لو كان هذا الفتى دقيق القسمات حقيقيًّا ليخرج و يلعب معهم، ولكن هذه الأحلام الورديّة كانت قبل بدء الثورة الثقافيّة الكبرى.

في أحد الأيام تسود المدينة أخبار عن المتمردين ذوي الشارات الحمراء واقتحامهم للبيوت، يتم اقتحام منزل السيد خان وتدمير الكتب الثمينة والخزف النادر حاكمين على السيد خان مردِّدين شعار “الموت لرؤوس الشر”. بالصدفة يستطيع الطفل تهريب تمثال الصياد الصغير و يتعاون معه الكل لإخفاء التمثال عن أعين المتمردين باعتباره أثر سوف يبقى؛ ليبرهن على إدراك هذه الأسر البسيطة لأهمية هذه الآثار للثقافة الصينية.

إعلان

ربما لا تحوي الرواية مغامرة خيالية مثيرة، وحواراتها بسيطة سهلة، ولكنها اعتمدت على بث الكثير من القيم من خلال رسم البطل الصغير واعيًا بأهمية إنقاذ ثقافةٍ من الاندثار، وليس الطفلُ فقط بل وكما أشرت سابقًا تعاونت عائلته والجيران معه لإخفاء التمثال. رغم إنقاذ التمثال فى النهاية ولكن ظلت أهم النقاط أن الكاتب لم يجعل الرواية ورديّة متفائلة، بل احتوت على مشاهدَ لحرق الكتب، التدمير، التشرد، الموت والكثير من الإحباط. الكاتب لم يتجاهل الحقيقة مالئًا الرواية بحوارات مؤثرة عن أهمية الثقافة، بل كتب عن مأساتها ببساطة.

فى البداية لم أدرك أنّ رواية الصياد مُصنَّفةٌ من أدب الناشئة، وربما لم أكن لأدرك أبدًا إذا لم أقرأ ما خلف الغلاف؛ فهناك الكثير من الروايات التى كان أبطالها أطفالاً، كما أن السرد لم يكن بسيطًا مثل روايات الأطفال المُبسَّطة للغاية التي أقرأها باللغة العربية. تم تصنيف الرواية من أدب الأطفال؛ لأنّها كانت موجهة لهم، وشخصيًّا أرى أنّها أفضل تصنيفات أدب الطفل أن تعطيهم أحداث حقيقية؛ لكي لا يظلو داخل فقاعة القصص الخيالية الخالية من الدموع ومن الكثير من الحقيقة المؤلمة للعالم.

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: أحمد المسيري

الصورة: مريم

اترك تعليقا