فلسفة الانتظار: قراءة في رواية “صحراء التتار”

مَرّ اثنان وعشرون شهراً دون أن تحمل إليه أيّ جديدٍ حينما كان ينتظر، وكأنّ الحياة تحمل إليه نوعاً من التّسامح والغفران.
_دينو بوتزاتي، صحراء التتار

إن كان كلٌّ من استرجون وفلاديمير يقضيان الوقت في انتظار غودو، ولا يعرفان من هو؟ من أين سيأتي؟ وما الذي سيطلبه منهما، فإن بطل رواية “صحراء التتار” الضابط جيوفاني دروغو قد أمضى أربعين عاماً في انتظار التتار، في انتظار عدوٍ مُتخيَّل، نسجته حكاياتٌ وأساطيرُ الزمن الغابر، عن عدوّ يقبع خلف “صحراء” الشمال الإيطاليّ؛ حيث لا صحراء من الأساس، عدوّ لا تجمعه مع جغرافيّة المكان أو الزمان أيّ روابط منطقية، لكنّها الأساطير، في وظيفتها الاجتماعيّة، كما أشار إلى ذلك جوزيف كامبل في كتابه “سبل النعيم” هي من تجمع المجتمع وتوحِّده على الخوف من أمرٍ ما.

أحياناً، نجد أنه من الضروريّ إيجاد مهرب؛ نحتاج إلى الإيمان بشيء ما، لقد بدأ أحدٌ ما بوضع أسس هذه الفكرة، وهكذا أخذوا يتحدّثون عن التتار، من يدري من كان أوّل من قال بذلك.

صحراء التتار

غلاف رواية “صحراء التتار” لـ دينو بوتزاتي/ترجمة: معن مصطفى الحسون، آفاق للنشر والتوزيع

الانتظار وبثّ الرعب

وظّف الكاتبُ الجنوبِ إفريقيّ جون ماكسويل كويتزي ثيمةَ الانتظار ضمن رؤية سياسيّة في روايته “الخوف من البرابرة”، وكانت السُّلطة تنتهج فكرة “اخلق عدوّاً ولو كان رجلَ قَشّ” ، تلك عقليّة سياسيّة للتحكّم بالجماهير، من خلال بثّ الخوف من عدوّ مرتقب، حتى تُغيّر الجموعُ وجهةَ غضبها، فعوضاً عن أن تصبُّ جام حنقها على الساسة، توجّه تلك الطاقة المتفجّرة على عدوّ خارجيّ، وتعمل على زرع الخوف دائماً من خلال نظرية المؤامرة؛ فالوقت الآن لتوحيد الجهود، والويل ثمّ الويل لمن يفكر بنقد السياسات الداخليّة، أو إثارة القلق أو المطالبة بتحسين الأحوال المعيشيّة، فقد آن الأوان  لتوحيد الصّف مهما كانت قسوةُ الظلم الداخليّ، ويطول انتظار العدوّ المفترض، وتُوزّع تُهم الخيانة لكّل من تُسوّل له نفسه أن يشتّت الجهود الأمنيّة في وقت الأزمات وينتقد السياسة، فهو العدوّ الأكبرالذي يروم تفتيت الصفّ الواحد؛ ويطول الصمت، والذلّ، والخديعة، باسم الاستعداد للعدوّ المرتقب الخارجيّ.

الانتظار كحالة وجوديّة

بيد أن الانتظار في رواية صحراء التتار يتخذ بعداً وجوديّاً إلى جانب البعد السياسيّ الذي وظّفه كويتزي في روايته في انتظار البرابرة.

ويختلف انتظار جيوفاني دروغو بطل رواية “صحراء التتار” عن انتظار كل من بطلي مسرحية في انتظار غودو: فلاديمير واسترجون؛ فانتظار جيوفاني هاهنا لعدوّ، أي يعرف جوهر العلاقة التي تربطه بمن سينتظره، لكن في انتظار غودو تسود حالة من اللايقين تناسب أجواء ما بعد الحداثة بكل امتياز، فلا أحد يعرف من هو غودو، وماذا يريد، ولماذا على استرجون وفلاديمير أن ينتظراه، بل تسود حالة من الشكّ المطبق حول الزمن، يقول بيكيت: “في فعل الانتظار نجرب مرور الزمن في شكله الأنقى”.

فما حدث مع فلاديمير واسترجون أمس لا يستطيعان الجزم أنّه قد حدث في اليوم السابق، وكل ما هما متيقنان منه هو أن عليهما انتظار من لا يعرفان، أي أن هناك إحساساً قويّاً يدفعهما إلى انتظار شيء ما بغض النظر عما هو، وكل ما يمكنهما فعله هو قتل الوقت بحركات وكلام عبثي غير مفهوم، “لا شيء يحدث في الانتظار، لا شيء ينقضي، لا أحد يأتي، لا أحد يذهب.. هذا رهيب”.  يشبه تماماً انتظارهما العبثي.

إعلان

لكنّ الكاتب الأوراغوي كارلوس ليسكانو يرى في كتابه “الكاتب والآخر” أن الانتظار هو جوهر حياته، فلا يمكنه تخيّل حياته دون انتظار: “من ليلة إلى ليلة أنتظر أن يحدث شيء، أعرف أنه لن يحدث، ولكنني إن لم انتظر فلن يحدث بالتأكيد…أدرك أن ما حدث حقاً هو أنني على مرّ تلك الساعات التي مضت قد انتظرت، وهذا في حد ذاته شيء، إنه الجسر الذي يسمح بالعبور من ليلة إلى أخرى، إذ ثمة ليال أسوأ ؛ ليال بلا انتظار”.

ما الذي ينطوي عليه فعل الانتظار؟

يقول محمود درويش: في الانتظار يصيبني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة.

الانتظار على خلاف الملل الذي يحمل بين طياته الشعور القاتم بانقطاع سلسلة الزمن، وتكثيف اللحظة الآنية والعيش بين جدرانها، والإحساس العميق أنّ الذات منقطعة عن الابداع، فلا تشعر أنّ هناك معنى لوجودها، بل إن مشكلتها مع الزمن هي مشكلة وجوديّة؛ إذ تشعر بتسرّبه من بين أصابعها، ويتكثّف الإحساس القاتل أن الماضي والحاضر والمستقبل خطٌّ واحد مستمرّ لا اهتزازات فيه، بلا تعرجات، بلا انحناءات، بلا تموّجات تخرج به من الرتابة إلى الإحساس بالدهشة: أن نسخة اليوم مختلفة عن الأمس، ومغايرة حتما عن نسخة الغد.

في الملل نرى نهاية أيِّ حدث قبل بدئه، لذا نفقد الإحساس بصلتنا به، نعجز عن التفاعل والاستغراق بأيّ أمر لأنَنا فقدنا “الشعور بالمعنى” منه، وأن كل ما يحدث هو إهدار تافه للموارد، نعجز في الملل عن التقاط التفاصيل التي تحدث الدهشة، لأننا في الأساس فقدنا صلتنا مع الحدث ومع الآخرين، ونغرق في بحر لجيّ من الشعور بالضياع.

بيد أننا في الانتظار نعيد رسم الزمن ليكون سلسلة متشابكة من الخطوط بانحناءات وتعرُّجات، ندرك جيّداً أنّ المستقبل يحمل معه وعداً بتغير ما، وأنّ ذاك التموّج الزمنيّ والانحراف عن مسار الخط المستقيم للزمن هو أمر لابد أن يحدث بغضّ النظر عما سيحمله إن كان خيراً أم شرا لنا، المهم إدراكنا أننا لا نعيش في رتابة، وتغدو الحواس أكثر حساسية لترصد أي تفصيل مهما بدا صغيراً، فلعلّه هو من يحمل التغيير المنشود، الذي يمكننا من القول إن اليوم يختلف عن الأمس وسيختلف عن الغد حتما.

يقول روديغر سافرانسكي في كتابه (الزمن/ ما يفعله بنا وما نصنعه منه): “في الحقيقة ليس الانتظار مملاً بالضرورة دائما، لأن المرء يترقب حدثا ما في نهاية المطاف، وهذا يسبب توتراً، وحتى لو كان الوقت طويلاً فإنه لا يبدو كذلك لأنّ الحدث المنتظر يملأ الوعي.. ليس كل انتظار مرتبطاً إذن بالملل. لكن على العكس، ينطوي كل ملل أيضاً على انتظار، على ترقب مبهم، على انتظار اللاشيء (العدم). الانتظار هو قصدية عقيمة. كما يسميه الظاهراتيون”.

يحمل الانتظار بين طياته إيماناً يقينيّاً أنّ هناك استحقاقاً ما لأنفسنا على الحياة، احتمالات متعدّدة نرصدها كما قال درويش ونحن ننتظر، وكل احتمال يبقي الذهن منشغلاً بما يمكن له أن يتحقق، إذن، فالانتظار على خلاف الملل، يبقي المرء منشغلا بالقيام بأمر ما ريثما يحدث ما نرنو إليه، بينما قد يعيقنا الشعور بالملل عن الاستغراق والاستمرار بأي عمل بدأنا به أو قد نبدأ به.

يستلزم الانتظار الإيمان “بمعنى ما”، فنحن ننتظر شيئا ليتحقق لأننا ندرك جيّداً أنّ حياتنا رهن تحققه.

أستذكر كتاب البرفسور فيكتور فرانكل الإنسان يبحث عن المعنى، حين أشار فيه إلى أن ما منع بعض السجناء من الانتحار في المعتقلات النازيّة، رغم صعوبة الظروف التي يحيونها هو رغبتهم في تحقيق معنى لوجودهم، فذاك يسعى لتأليف كتاب في الرياضيات، وآخر لتزويج ابنته، وكان سبيلهم لتحمل المشاق هو الانتظار مقابل الانتحار، لعل هدفهم الأسمى في الحياة يتحقق في يوم ما.

وبالعودة إلى رواية صحراء التتار، نجد البطل جيوفاني دروغو قد برّر انتظاره في الحصن المعزول عن كل ملذّات الحياة التي اعتادها سعياً لتحقيق شرف عسكري ومجد يضاف إلى تاريخه الشخصي، ويحقق معنى وجوده، حتى دفعه الأمر ليخدم أربعين سنة عوضا عن أربعة أشهر!

ما كان وجودا مؤقّتاً أصبح هو شرط تحقيق معنى لحياته، “لكن دروغو لم يكن على دراية بالزمن”، كما يصفه الراوي.

 

وكلما طال انتظاره زاد شعوره بالاستحقاق، فلا بدّ أن يكون هناك مقابل ما تدفعه الحياة له عوضا عن شبابه الذي أفنى أجمل أيامه وهو يترقب وينتظر، لا بدّ أن تجود عليه الحياة بنصر، بفخر، بتخليد اسمه في سجل البطولات الوطنية، فلا يعقل أن تذهب زهرة شبابه هدراً.

“ظل دروغو وحيداً، وكان يشعر بفرح غامر، متلذذاً بفخر بالبقاء هنا، اللذة المرة بأنه قد فقد لذائذ صغيرة وجزئية في مقابل لذة كبرى ولا نهائية (من الجائز أنه كان واقعا تحت تأثير فكرة أنه يستطيع المغادرة في اللحظة المناسبة) هل كان هذا نوعاً من الحدس أم مجرد أمل؟ بأشياء نبيلة وكبيرة زينت له البقاء هنا”.

يمكننا القول إن علاقة دروغو مع الزمن يمكن توصيفها بمثلث تتشكل أضلاعه من: الانتظار، الأمل بالمستقبل، البحث عن معنى في الحاضر.

فلا يمكن للانتظار أن يستمر دون أمل بتحقيق معنى ما.

الانتظار لا ينطوي على رفاهيَة المنتظر بالضرورة، بل يشبه في كثير من الأحيان حال من يجلس على فوهة بركان، يحترق شوقاً وتطلّعاً، يغضب ويمور، يأسف، يصرخ، ينفعل، وهذا الانفعال هو ما يجعله حيّاً، متفاعلاً بل منفعلاً مع الزمان.

لا رتابة في أيامه، ففي كل يوم يتفقد بريده الإلكتروني، هاتفه المحمول، إشعارات الماسنجر، رصيده البنكي، كل ما يمكنه أن يشكل خط ربط بينه وبين ما ينتظر: مكالمة هاتفية؟ ربما! ترقية في وظيفته، قد تكون، تسامح ومغفرة حبيبه له، لا شيء مستعبد.

إنّ فعل الانتظار هو خلق لسيناريوهات متعددة ومتجدّدة تدفع المرء للعمل والسعي لتحقيقها، وقد يكتفي البعض بأحلام اليقظة إن لم يمتلكوا ذاك الشغف الذي يدفعهم للعمل لتحقيق مرادهم، المهم أن الجميع في حالة عمل وحراك مستمرّ حتى وإن كان مشهد الانتظار في مخيّلتنا متمثلاً بصورة امرئ يقف أمام النافذة ويتنهّد واضعاً كفاً تحت ذقنه، وعيناه متسمرّة في الأفق تحدّق في اللاشيء.

لكن هذه الصورة الذهنيّة هي على خلاف ما كانت عليه حال دروغو وهو ينتظر، فقد كان يبحث عن أي بارقة أمل تشير إلى وجود التتار، أشباح تتحرك، أضواء من بعيد تأتي من جهة الشمال، نار توقد، أعشاب تتموج.

كان يحدق في الأفق منتظراً قدوم التتار، الذين سيخلقون معنى لحياته العسكرية، وإن كان هذا المعنى متحقّقاً من الموت والحرب! فيا للمفارقة!

الصحراء على اتساعها وامتدادها اللانهائي تشبه الانتظار، فهو طويل، ممتدّ، لا حدود واضحة ترسم خط نهايته، هو مثل الصحراء لاهب وقد يخلق السراب، سراب الأحلام والآمال التي قد تأتي، ولكن للأسف في الوقت غير المناسب!

ماذا لو أدركنا يوما أن انتظارنا الطويل لا معنى له؟ وأن العمر الذي راهنّا عليه قد سرقته طاولة الانتظار؟

في الحياة العسكريّة التي عاشها دروغو حاول كل جندي أن يوظف انتظاره لتحقيق نصر ما، مهما كان صغيراً؛ فقد زُرعت في أذهانهم مفاهيم الفروسيّة والوطنيّة والواجب، حتى سلبت بعضهم قدرتهم على التفكير الفرديّ.

في مشهد من أقسى مشاهد الرواية، يخرج الجندي لاتزاري من الحصن ليأتي بحصان شارد، يتقدّم نحو البوابة، يصيح عليه زميله موريتو “من أنت”؟ يضحك لاتزاري، فلا بدّ أن موريتو يمزح فهو يراه ويعرفه! لكن موريتو يتقيّد بالقانون بحرفيّته التي تستلزم منه أن يسأل القادم، وأن يجيب الآخر بكلمة السرّ، لكنّ لاتزاري قد خرج من الحصن قبل أن تتغيّر الكلمة، فلم يكن يعرفها، موريتو ينظر إلى لاتزاري، والكابتن المسؤول عن الحصن يحدّق به، ماذا ستفعل بمن نسي كلمة السر؟

طاخ…ودوت رصاصة استقرّت في جبهة لاتزاري الذي كانت آخر كلماته: “يا موريتو لقد قتلتني”.

هذا المشهد هو من الأحداث القليلة التي جرت في الرواية، فهي رواية وصفيّة بالدرجة الأولى وأحداثها قليلة، بيد أن هذا المشهد يكسر هالة المعنى العظيم الذي يسعى الجنود لتحقيقه، أهذا هو الشرف المهنيّ العسكري الذي نضحي بعمرنا وزهرة شبابنا ليتحقق؟

وكأنّ الكاتب ها هنا ينتقد الانتظار حين يتحوّل من حالة فرديّة إلى حالة جماعيّة قهريّة، وكأننا أمام جمهور مُنوّم مغناطيسيّاً، كل هدفه أن يسعى لتحقيق ما ينتظره، وما روّجت له جهة ما، البطولة، الشرف، الوطنيّة. كما في حال الجندي موريتو.

الانتظار والماورائيّات

لا يختلف الحال كثيراً حين يكون الانتظار سلوكاً جمعيّاً متعلّقاً بالماورائيات، يفقد المرء مسؤوليته الأخلاقيّة عن أفعاله ودوره في نقد واقعه المتهافت، قد يتحول فعل الانتظار إلى مُخدّر موضعيّ لتسكين الآمال، أو لتبرير التخاذل عن القيام بما يجب القيام به، وينتظر البعض مخلصاً أو مهدياً ليأتي وينفذهم مما هم فيه، فالبعد الميتافيزيقي للانتظار برّر التكاسل عن القيام بالدور المنوط بالفرد في العالم المادي.

حين ينهار جدار الانتظار

تنبع المفارقة الساخرة في بعض صورها من حدوث أمر ما متوقع في مكان وزمان غير مناسبين.

لا يملك المرء إزاء بعض المفارقات إلا أن يضحك ضحكاّ مُرّاً، إذ يغدو الضحك وسيلة من وسائل المقاومة لتخفيف الصدمة، من هول المفارقة وتفاهتها.

ولم أجد إلا الضحك الأصفر على مشهد خيبة الأمل التي أصابت الجندي دروغو، الذي أفنى عمره في انتظار التتار، في انتظار المعركة التي يسطّر فيها معنى حياته العسكرية، لكن جاءت المعركة، مع عدو من المملكة الشمالية لإيطاليا، إذا لا تتار هناك، المهم أننا أمام فرصة لتحقيق ما طال انتظاره، النصر، الشرف، الوطنية.

لكن كما في رواية إيلينا تعرف فقد خذل الجسد صاحبه، خذله وهن جسده، وعدم قدرته على الاستجابة لصاحبه، ليكون الفارس المرجوّ في المعركة الحاسمة.

ما معنى أن يأتي إليك ما طال انتظاره بعد أن تنهار قواك؟ أو تفقد الحاجة إليه؟ أو أن حين تشكّ بصوابيّة ما فعلت؟ أو حين يقرر غيرك أنه يمكن الاستغناء عنك في اللحظة الفاصلة، بشخص آخر طارئ، لم ينتظر مثلك دهراً، ويجني هو ثمار انتظارك الطويل؟ أي خيبة للنفس إذ “تحوّلت الحياة إلى ضرب من المزاح، كان كل شيء قد ضاع بسبب رهان متغطرس”.

بيد أن هناك نفوساً تأبى الخسارة وستبقى وفيّةً لموضوع انتظارها حتى لو بذلت عمرها كاملاً له؛ لتقنع نفسها أنّها لم تخسر الرهان بعد حتى وإن خسرت روحها.

يتجلّى هذا الموقف في مشهد موت الجندي أنغوستينا، الذي آثر الموت بزهو وكبرياء أمام العدو، على الإقرار بهزيمته؛ فهو لم يكرّس حياته وانتظاره لتكون الهزيمة من نصيبه، بل حسب فلسفته لا يتحقق معنى الانتظار إلا بتحقق الغاية المرجوّة منه، والمسألة هنا مسألة حياة أو موت، كيف له أن يحتمل فكرة زيف حياته وانتظاره؟ الموت أهون عليه من التشكيك في اختياره.

لماذا ننتظر؟

الانتظار ابن الأمل؛ ننتظر لأّننا موقنون من جدوى الأمل، نحن ننتظر أحيانا لعجزنا عن تقبُّل فكرة أن الواقع كما هو سيستمر للأبد، الانتظار مهربنا الآمن المفعم بالآمال التي قد تحدث وقد لا تحدث أبدا، ونبقى كما فعل دروغو نحدّق في صحراء الحياة في انتظار التتري الخاص بنا (هدفنا) الذي يضفي على حياتنا المعنى، حتى وإن كان الثمن هو خسارة حياتنا نفسها!

إعلان

اترك تعليقا