الرسم بالكلمات -قصة قصيرة

مسكونةٌ بهاجس التحليل والتأويل، أخرجت صورتَه من بين أوراقها، يقولون العيون نوافذ الرب، فبأي اسم وصفة تجلى الربُّ في عينيه؟
تُدقِّق في إغماضهما من وهج شمس صيفية، جاءت بعد طول استحياء، تنظر في عدد التجعيدات، كم خطًّا زمنيًّا ارتسم هناك؟ وكم حياة حفرت؟
تقول في نفسها: بعض النوافذ تبقى مغلقة إلى الأبد، لا الربُّ ولا الشيطان يتجليان فيهما، هو الفراغ الشاسع للخوف.
تُدقِّق في شكل شفتيه، بعضُ الشفاه تتخذ انحناءَة ثعبان، وأخرى جناح فراشة، ولكن ليس لشفتيه سوى شكل الصمت، الصمت بإسقاط ما تحب أن تسمع.
وللشعر تموجات حقل سنبلي القمحات في هجيرة يوم صيفي، السنابل مُثقلة، والريح تعبث بها.
أنهت ما كتبت و أطلقت ضحكةً صفراء، ممتاز! نصٌّ مُقرف! وصفٌ مُبتذَل!
إعادة تنميطٍ لمشهدِ عشق من فيلم عربي رديء! لكن هكذا هو الحب، مُضحك ومُفاجئ.

أغلقت حاسوبَها وقرَّرت ألا تكتب شيئًا.

في الساعة العاشرة صباحًا فتحت هاتفها، رسالة منه، فتحت الرسالة لتجد تحيةً صباحيةً لا تحمل من الودِّ أو الخصوصية أكثر ما تحمله تحية مديرتها في العمل.
“صباح النور”، ردَّت، وهي تُردِّد مقولة زيجمونت باومان:

ليست الفكرة في محتوى الرسالة في العالم الرقمي؛ بل في فعل الإرسال.

وكعادتها في اصطناع الدهشة، لم تُفعِّل جرس الإشعارات سعيًا لرفع منسوب الأدرينالين، حين تفتح أيقونة المحادثات وتجد رسالة أخرى منه تخبرها عن بعض المَهمَّات في العمل.
تشاغلت عن الرد بكتابة التقرير الفصلي لتحليل النتائج والمحتوى، ووضع تغذية راجعة لتدارك فشل بعض طالباتها.
في المساء، جاهدت نفسها ألا تحاول الكتابة مجددًا، لكن تلك الرغبة المُلِحَّة لتحقيق معنى الوجود من خلال الكتابة دفعتها لتُكمل نصَّها:
التعريف خيانة للمفهوم، أعجبتها تلك العبارة وجعلتها افتتاحية حوار مع بطلها المُتخيَّل، ألم أقل لكم، في سن الثامنة والثلاثين، بعد أن فشلت في خوض أيِّ تجربة حبٍّ حقيقية، ولا حتى في لفت نظر أيِّ شاب من محيطها، حتى وإن كان ابن جارها لؤي الذي يتهافت للحديث مع أيِّ قطة عدا عن أي فتاة تمرُّ من أمامه، إلا أنها بصرامة ملامحها وتقطيبة حاجبيها التي تتوعَّد أي مُتحرِّش بنيران السخط، قد جعلت من فكرة مغازلتها نوعًا من اللعب بالدم، عدا عن سمعة إخوته الست، كأصحاب الدم الحامي الذين لا يتوانون لحظة عن إراقته.

في عالمها الرقمي، حاولت جاهدة كسر تلك الحِدَّة، نجحت في الوصول إلى مستوى وضع قلب أحمر على منشور لعجوز سبعيني، ثم تغلق هاتفها و تقف أمام المرآة وتشتم نفسَها: عاهرة، فاجرة. ذئاب بشرية!
وبعد أن تشبع نفسها تقريعًا، تستسلم إلى أحلام يقظتها، في الحلم كانت سحابة متنقلة، تُمطر ماء سخيًّا حين تمرُّ على أرض بَوار، في أحلامها كانت لا تكفُّ عن الابتسام، تعانق ذاك الذي لمحته على نحو عارضٍ في موقف الحافلة، ولم تقوى على رفع بصرها إليه لتُدقِّق في ملامحه.

إعلان

إن لم يأت الحبيب، فاصنع لنفسك حبيبا!
أعجبتها الفكرة، كم طوله؟ وزنه؟ وعرضه؟
لم تُعِنها تلك المواصفات، حديثه هو ما سيُحدِّد شكله!
فكرة رائعة! كيف يمكن أن نرسم بالكلمات؟
التعريف خيانةٌ للمفهوم، عبارة صادمة، لا بد من أن أشحذَ مُخيلتي أكثر.
ردت عليه: لكن المفاهيم لم توجد إلا لتدل على شيء محدد.
كتبت على لسانه: لماذا تسعَين دائمًا إلى وضع محددات و أطر؟ ألا تستطعين ترك الأمور لتجري كما هي؟
باغتتها إجابتُه، احمرت وجنتاها!
هو إذًا لا يخجل من المُكاشفة، قد تكون هذه صفة لعينه، العيون تخترق الآخر ،حادة وقاسية.
في عيونه كل المعارك والحروب القلبية، كان فارسًا دون كيشوتيًّا، يهوى مقارعة طواحين الحب التي تلوح أمامه بكل صلف، أنت لست دوروثيًّا! قالت لنفسها.
لكن لماذا عليه أن يكون قاسيًا، وواضحًا، ومباشرًا إلى هذا الحدّ؟ ألا يسعه أن يمارس بعض الأفعوانيات اللفظية؟
كأن تدور كلماته حول حمَّى الحب دون أن تقع فيه؟
تذكرت سامي أحولَ العينين، الذي كان يعمل مراسلًا في عيادة طبيب الأسنان الذي كانت تراجعه، وكانت تذوب خجلًا كلما التقت نظرتهما، و إذ ما فرَّت عينه عنها، كانت تلوم مظهرها، لا بد من أن مظهرها لم يرق له، لكنها متأكدة من أن وجهها خالٍ من أي شعرة. هكذا كانت تقيس أنوثتها، بمستوى نمو الشعر في جسمها ووجهها.
لقد خذلها سامي بنظراته المتقافزة، لكنَّ من تحادثه الآن ذو نظرات مسمارية تخترقها، إنها تتشظَّى من سهامه! أواه! هل لقسوة العينين كل السحر! يا لك من مازوخية!

دوَّنت على عجلة في دفترها تلك الملاحظة: عيون واسعة ذات نظرة ثاقبة.
ردت عليه: احتجاب المقدس هو ما يجعل منه مقصودًا و مرغوبًا!
بادرها: لكن الحُجُب لم توجد إلا لتكشف!
هرعت إلى دفتر ملاحظاتها: يميل إلى المواجهة و المكاشفة، لا بد من أن لديه أصابعَ طويلة!
قد يحسن العزف على البيانو أو الكمان، قد يكون رسامًا، أو نحاتًا، قد يكون كاتبًا، أو شاعرًا، أو يعمل في أي وظيفة تُحافظ على رشاقة أصابعه. يقول إن الحُجُب خُلقت لتكشف! هراء! أي رغبة ستبقى حين تسقط الحُجُب؟ الإله مقدس، لأنه محتجب، يشغل تفكيرنا تعاليه المطلق على قصور إدراكنا، لذا كانت لذةُ المنى رفع الحجاب في الآخرة بينه و بين عباده!
كتمت ضحكتها، الحب متعالٍ مقدس، وكل كشف له هو اغتيال للذة السعي إليه! تفكير ذكوري بلا أدنى شك! هكذا رددت في نفسها، تستعيرين عقلَ رجل حين تكتبين!
لم يبق إلا أن تقولي: إن الوصال الجسدي بين المحبين هو مقبرة الحب! لكي تُبرري حالة المعاناة الدائمة في السعي إليه، مع حرصك على دفعه عنك في اللحظة التي تستشعرين تمكُّنه منك.
تريدين المحافظة على حريتك، الحب قيد! قيد! أغلال يرفل بها القلب حين يجد أن حرية تنقله بين القلوب قد اغتيلت!

قطعت تأملاتها، وكتبت له رسالة: لا يمكنك أن تكشف كلَّ الحُجُب ويبقى لديك شيء مقدس! أحيانًا نقود خصوصيتنا إلى المذبح حين نجعلها نهمًا للعرض تحت ضغط إغواء الساحة، أن تقف في ساحة وتنتظر من يأتي ليكشف عنك الغلالة الرقيقة، ليستشفَّ مدى هشاشتك النفسية، ويسمعك كلمة من خمسة أحرف!
ساد صمت بينهما ست دقائق، كانت الشاشة تظهر أنه يكتب لها ردًّا، ثم لا شيء يصلها، ماذا يكتب! أكلُّ هذا ردّ!
لم تفارق عيناها شاشة الحاسوب، إلا لتشاهد الوقت في ساعتها الذهبية، ما زالت تحتفظ بتلك العادة البالية، ارتداء ساعة ذهبية ميكانيكية تعمل على النبض، ولما كانت لم تخرج من بيتها منذ يومين، ولم ترتدي ساعتها تلك؛ فلم يكن ضبط الساعة صحيحًا، ولا تشير إلى التوقيت الصحيح، ومع ذلك تتجاهل رصدَ الوقت على شاشة حاسوبها، ولا تؤمن إلا بما تشير إليه ساعتها.
عندي مشكلة مع الساعات الرقمية، هكذا بررت لنفسها،فالزمنالذي قرصها جيدًا بوحدتها، وكآبة أيامه، لا بد من أن يمتلك “عقارب” كبيرة بقدر السمِّ الذي تجرَّعَته من ذيله، أو حتى عقارب صغيرة، حين يداهنها الزمن، ومداهنته لها بروتينية أحداث حياتها!
لا شيء يحدث لها، أيامها امتداد أبيض، صحراء مقحلة، طعام يخلو من الملح والتوابل.
إنه يتلاعب بأعصابها! ماذا يكتب؟ لا بد من أنه من برج العقرب.

فتحت المتصفِّح على صفحة “موضوع” : صفات الرجل العقرب، بدأت تقرأ: النظرات، يتابع محبوبته بنظرات ثاقبة، الغياب: بمعنى أنه يختبر حبها له بغيابه المتعمد ليرى إن كانت تسأل عنه أم لا… أقسمت حينها أنه من برج العقرب ويختبر صبرها!
بعد الدقيقة السابعة أرسل لها رسالة: يمكن!
اللعنة! كل هذا الوقت لترسل رسالة من كلمة شوهاء، مبهمة، كسولة، لا تحمل من المعنى إلا بمقدار ما تحجبه: يمكن!
يمكن ماذا؟ يمكن أن أكون مخبولة في حديثي معك، ممكن أن تكون عقربًا ثالثًا في ساعة حياتي، يمكن أن تكون بالونًا مملوءًا بالهراء.
يمكن؟ الحياة في أصلها سلسلة من الإمكانيات المحتملة للوجود، فعن أي ممكن تتحدث؟
سجلت في دفترها، إضافةً إلى كونه من برج العقرب، إلا أنه مراوغ كثعلب أحمر ، مثل “فوكسي” الثعلب الذي ملأت فيديوهاته مواقع التواصل الاجتماعي وهو يقرقر مع مربيته الحسناء و هي تدغدغه.
وإذ برسالة منه تصلها: كل ما هو ممكن فهو بحكم المتحقق، لكنه يحيا بين منزلتين، ما بين الوجود والعدم، كل ما هناك أن يمتلك أحدنا النية بإنزال الممكن منزلة الموجود حكمًا، ههههههههه، أحيانا تروق لي بعض الأحاديث الفلسفية، أتمنى ألا تزعجك!
تزعجني! قالت في نفسها. طبعا تزعجني! لا أفهم مقصدك! ألا تستطيع أن تتحدث على نحو طبيعي عوضًا عن هذا القيء الفلسفي؟ وجود وعدم وممكن وبين منزلتين!
كل ما هو بين منزلتين لا يعول عليه يا سيدي، أرسلت الرسالة التي كتبتها بأصابع مرتجفة.
هوني عليك! كل تعويل في أصله اعتراف بسلب الإرادة، ومنحها للمعول عليه، ولكي يكون كلٌّ منا إنسانًا حرًّا، فعليه ألا يعول على شيء!

  • ولا أي شيء!
  • بتاتًا، كيف يمكنني أن أضع الأغلال حول رقبتي ليوثقني بها غيري! ليكون التعويل عليه هو قيد عبوديتي له؟!
  • حتى في أفعال القلوب!
  • هي جوهر الأمر. فلا عبودية أعظم من سلب القلب حريته.
  • الحب عبودية في نظرك إذًا! أرسل لها قهقهة مع وجه ضحك، وكتب: “كل ما لا يؤنث لا يعول عليه”، كيف أعول على الحب وهو لا يؤنث؟
  • المحبة؟
  • المحبة غير الحب! الحب فعل ثوري، وشبقي، وجنوني. وسالب للإرادة. أما المحبة فهي فعل أمومي، وهادئ، ورصين، وعقلاني.
  • استمر حديثهما الملغز ساعتين، أغلقت شاشة المحادثة المتخيلة، وبدأت ترسمه على دفترها:
    طويل، فهو يقهقه كتابيًّا بـ “ههههههههههههه” مطولة حين يشعر بالتوتر، شعره مفلفل، يكرر كلمات كلازمة دائرية في كلامه، لا بد من أن أنفه حاد. آراؤه فيها شيء من الغطرسة، جمله نحيلة، لا حشو فيها، رشيق الجسد إذًا.
  • راقت لها صورته.
    بدأت تكتب له رسائل شوق لا تخلو من بعض التفلسف، وتودعها تحت مخدتها كلَّ ليلة.
    في الشهر الثالث قررت أن تطلق عليه اسمًا، وأصدرت له شهادة ميلاد وهُويَّة أحوال شخصية، وفي خانة الحالة الاجتماعية كتبت: متزوج.

أنا بارع في الصداقات، فاشل في العلاقات“.

على الرغم من التقطير الذي يُمارسه في وظيفة الكلام حين يستبدُّ به المرض، إلا أنه يحسن انتقاء كلماته التي تصلح لاقتباس في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، تويتر مثلًا.. يلقي بالعبارة ويتبعها بهمهمة وسعال متقطع، يبتسم حين يرفع عينيه ويُشاهدها تتأمله!
ينقر بأطراف أصابعه على الطاولة، يرسم ابتسامة من يشعر أنه وقع في ورطة البوح، تتسمَّر عيناه على شاشة هاتفه ويدعو : اتصال منك يا الله ليقطع حالة الصمت! اتصال جُد به عليَّ ليُنقذني من سلطة المساءلة.

التفَّ حبلُ الصمت حول عنق حوارهما، في العادة يقاطع كلٌّ منهما الآخر، فهما بارعان جدًّا في الحديث، تخال أنهما في ماراثون للكلام لا ينقطع، يتخطَّيان حاجز الألف كلمة في الدقيقة، يقفزان من موضوع إلى آخر، دون أن يوفيا أيَّ حديث حقَّه، يتساءلان: كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟
تقول له: نقطة نظام، دعنا نعود إلى الخلف قليلًا.
يمارسان بلا وعي منهما لعبة اللغة المُشبعة بالتحليلات النفسية والفلسفية والآراء المُتشعِّبة.
يأمرها بكلِّ حسم أن تتوقف، أنت جاحظ عصرك استطرادًا!
تصفه بقلة اللباقة في الحديث مع السيدات.
لكن ضحكته تصفق في الجو: أليس هذا أفضل مئة مرة من الحديث المفخَّخ بالرسميات والكليشيهات، والعبارات العاطفية؟

  • تمامًا! قتلت أي شعور أنثوي قد يتولد في داخلي تجاهك.

كانت أكبر مخاوفه أن “ينزلق عاطفيًّا” مع صديقاته.
كان يريدهنَّ صديقات بمنزلة حبيبة دون أن يضفي كلمة حبٍّ على حديثه، كان يُسمعهنَّ كل الكلمات التي يحسن التملص بها من أي وصف عاطفي.
“الحب مفسدة للصداقة”، يُردِّد عليها صباحًا ومساءً.

لم تعد تؤمن بإمكانيات اللغة، هكذا تقول له، إضفاء المُسمَّيات على الأفعال أمر ثانوي. قيمة الفعل في ذاته.
يردُّ عليها وكعادته لا يتوقف عن الضحك: الأمر يتوقف على منظورك للزاوية التي تودين رؤية الأفعال منها، حالتك النفسية، احتياجاتك العاطفية، هي التي تضفي معنى للأفعال.

  • إذًا لا معنى للفعل بمعناه المجرد! إن اتصلت بك إحداهنَّ كلَّ صباح وحبال النوم ما زالت معلقة في عينيها لا يعني لك شيئًا؟
  • ولا أي شيء، فعل الاتصال هو مجرد فعل اتصال، ضغط على زر الهاتف، وردٌّ عليه!
  • والمعنى؟
  • متحور، نخلع المعاني التي نودُّ أن يقصدها الآخر، لا يوجد شيء حقيقي يمكن أن نعول عليه. بالمناسبة؛ هل أخبرتك أنني أشبه القطط؟ توقفت عن كتابة الحوار، وأعادت قراءة النص الذي كتبته، وحاولت أن تلحقه بنصِّها السابق “الرسم بالكلمات“. بات حضوره أشدّ كثافة في حياتها، دقات قلبها تزداد اضطرابًا، وجسدها ينتفض رغبة، كلما جاءها الإلهام لتكمل فصول قصتها معه على جهاز حاسوبها.. حين كانت في السادسة والعشرين، كانت تحلم بعلاقة حب مشبوبة بتمنعها، واستجداء الحبيب ليخطب ودها، كانت حينها على يقين بأن الحبَّ قد يتحقَّق بمجرد الدعاء، لكن حين أصبحت في الثامنة والثلاثين، أيقنت أنه لا الدعاء ولا الصلاة ولا كل ابتهالاتها قد أفلحت في تحقيق حلمها، بدأت تنسحب إلى عوالمها الداخلية أكثر، تُطفئ ضوءَ غرفتها، تستلقي على سريرها، تُغمض عينيها، وترسمه، هو لا يشبه أيًّا ممن التقت بهم يومًا، كانت تقول في نفسها: إن استطاعت ماري أشلي أن تخلق وحشًا من أشلاء الجثث في روايتها فرانكشتاين، فليس من المستحيل أن أخلق حبيبًا من بقايا الرغبات والصور والأجساد والأحلام والذكريات واللمسات والقبلات، من باقي كل ما لم أعشه يومًا، سأصنعه على عيني… لا، لن يكون وفق ما أريد تمامًا، سأدع له حرية كسر أفق التوقع! مدَّت يدها إلى قلمها، القلم! إزميل لنحت الكلمات! إزميل فرويدي! دوت في الغرفة ضحكة شبقية.
    أيكون ذاك هو سبب ذاك الهوس الأنثوي في الكتابة! مضاجعة مع القلم!
    أهذا ما يفسر السيل الروائي من النصوص الأنثوية المفرطة في بكائية الحب؟ ضحكت وهي تردد: لم أجرب المضاجعة بعد، ولكن كثيرًا ما قرأت عن الحزن الذي يتبعها، أهو حزن أم خيبة أمل؟ أيكون تحقق اللذة قتل للرغبة؟
    عادت لتأمُّل القلم برأسه الحاد مرة أخرى، الكتابة فعل حب، أم فعل ولادة للأنا؟ لا، لست أحبه، بل أحب صورة أحلامي وأفكاري التي تنعكس على مرآة روحه. الحب فعل نرجسي كالكتابة! هكذا أقنعت نفسها.

انتشت ليلتها بفعل الكتابة. وأجلت لقاءَها به حتى صباح الغد.
أخذت بيده، اقتربت منه، عيناها في عينيه، تكاد أنفاسهما تمتزج، وصدر كل منهما يعلو وينخفض، العرق يتفصد من كفيهما. همست في أذنه، وشوشت كلمة واحدة. وإذ بها تبتعد ضاحكة بعد أن أغمض عينيه ارتقابًا لقبلة دافئة.
لماذا ابتعدت!

  • الأفعال لا معاني لها! ألم تقل ذلك في الأمس! الاتصال هو مجرد ضغط على الأزرار وردّ على الهاتف، دون أن يحمل أي معنى آخر. والآن مجرد اقتراب بين جسدين فيزيائيين، ثم ابتعاد، لا شيء آخر! فلماذا غضبت؟ ألم تقل أيضًا إنك تشبه القطط؟

بلغ التوتر بالكاتبة حدًّا دفعها إلى بتر قصتها، اليوم، لم تسمح له أن يتحدث، أن يوضِّح وجهة نظره عن الخوف والبارانويا التي تجمعه مع القطط، قررت أن تغتال صوتَه، لترفع حِدَّة التوتر العاطفي في النص.

أغمضت عينيها، واستسلمت لخيالاتها، فيما رنَّ جرس المنبه لتتجهز إلى الذهاب إلى عملها.

إعلان

اترك تعليقا