فرانسوا بيغودو عن روايته “في الحرب” الصراع الطبقي شبه مغيب عن وسائل الإعلام

يتخيَّل الروائي فرانسوا بيغودو قصة حب طوباوي؛ حتى يشدّد بشكل أفضل على الحرب التي يشنّها المجتمع على الفقراء، في صمت”… لكي يكون وفيّا تجاه الواقع.
مجلة ماريانعنوان روايتك هو نفس عنوان فيلم ستيفان بْريزِه، En guerre (في حرب)، وتحكي كذلك عن موظّف أجير تم تسريحه فحرق نفسه، حتى وإن كانت الدوافع مختلفة جدًا، هل روايتك هي كتاب نضالي؟

فرانْسوا بِيغودو: كثيرًا ما استُعمِلت عبارة “في حرب” في السنوات الأخيرة، بخصوص مواضيع أخرى، بالأخص للحديث عن العمليات. أردت أن أعيد توجيه النظر إلى حرب دائمة، الحرب الاجتماعية. يبدو لي أنّ موضوع الصراعات الطبقية، مقارنة بصراعات أخرى، شبه مغيب في وسائل الاعلام. البروليتاريا المعاصرة الغارقة في الدوامة، والانتحارات في العمل، الحياة العادية للطبقات الشعبية، ربما ليست هذه الظواهر الثلاث “مذهلة” في عيون العالم، بينما يمكن لتراكم أحداث يومية صغيرة أن ينتهي بمآسي حقيقية. أميل إلى الحيوات العادية، بحكم قصتي الشخصية وحساسيتي السياسية. أردت أن أسلّط الضوء عليها من جديد، إذ ندرك عدالة المجتمع حين ننظر جهة تلك الحيوات. فجاءت الرواية لسرد حيوات مختلفة الاهتمام بالأفراد للحديث عن القمع العام الناعم. على كل حال، لست أدري إن كان هذا شكل من أشكال النضال، ولكن نعم، يساهم الأدب في النقاش بإظهاره هذه الحرب التي يشنها المجتمع. أمّا فيما يخص فيلم ستيفان بريزه، أعتبره فيلما صادقًا، ليس مانَوِيّا. عندما نراه نفكّر قائلين: “طبعا، من الأفضل أن تتحد الطبقة العاملة من أجل خوض الكفاح، ولكن لا يمكننا أن نلوم الأفراد الذين يفضلون أن يختاروا البقاء على قيد الحياة”.

François Bégaudeau, رواية “En guerre”

 

بشكل عام، هل الكتابة مترسخة بالضرورة في الواقع؟

يبدو لي صعبًا بالنسبة لكاتب ما أن يلتجأ إلى برج عاجي. فيما يخص شخصي، تعيدني الكتابة باستمرار إلى العالم. عندي واجب وفاء تجاه الواقع. وإذا قرّرت أنّ بطلتي ستكون موظفة في مخزن لشركة أمازون، فأضعف الإيمان أن أقرأ وأقرأ مرارًا، أن أقوم ببحث توثيقي حتى أكون قريبًا من الموضوع بأكبر قدر ممكن. ولكن يجب الانتباه إلى أن لا يلتهم التوثيق كل حيّز الرواية. ويجب هضم الوثائق بعد تجرعها، أن تتريّث، أن تستريح ثم أن تشرع في كتابة القصة.

كيف تفسر أن العنف الاجتماعي حاضر بقوة في السينما وفي الأدب؟    

فرانْسوا بِيغودو: يوجد تفاوت بين اللا عدالة التامة للمجتمع والقدرة على التمرُّد، القريبة من كونها منعدمة، عند الناس الذين يشكلون المجتمع. للأسف، كل الصراعات الطبقية تقريبًا تنتهي بالفشل. قد يكون هذا ما يثير اهتمام الفنانين. لم تغادر المسألة الاجتماعية أبدا ميدان الفن، ولكن يبدو لي أن هذه المسألة تهمس أكثر من ذي قبل في أذن عدد متزايد من الكتّاب والمخرجين..

عامل ينحدر من الطبقات الشعبية، ومديرة موارد بشرية مختصة في إعادة التأهيل تستعمل  لغة الجسد، وفتاة شابة من أبوين مهاجرين تُراكِم الأعمال الصغيرة، وبورجوازي صغير ثابت في مواقفه. شخصياتك عبارة عن نماذج أصلية..

أتحمَّل تماما مسؤولية اختيار النماذج الأصلية. فهي تعتبر رائعة عند بلزاك، فلما لا نعتبرها رائعة اليوم؟ الحتميات الطبقية والمنعكسات الشرطية قديمة قدم العالم. الهدف هو أن تكون دقيقا في وصف النموذج الأصلي، للحفاظ على فردية كل شخصية.

إعلان

تتخيل قصة حب بين شخصين هما على النقيض اجتماعيا. هل كان من المستحيل أن تنتهي قصتهما بخير؟

فرانْسوا بِيغودو: لقد استسلمت في الرواية لغواية طوباوية، بعيدة عن كل احتمال سوسيولوجي، عندما تخيّلت سيّدا يتخلَّى عن ثروته لصالح فتاة بروليتارية. كان من المحتمل جدّا ألّا يلتقيا لويزة ورومان ببعضهما، باستثناء صدفة ما. ولكن إظهاري أن قصتهما لا يمكنها أن تنتهي بخير هو طريقة لإثبات صحة الحتمية الاجتماعية. هذا استنتاج قاسٍ نوعًا ما. ولا يهمني إذا كان هذا الطرح سيء السمعة. فكل قضية القصة تكمن في هذا السؤال: هل يجب سرد قصص تمكّن الهروب من الواقع أو تجعلنا نرى الواقع بطريقة أفضل؟ كيف نتوصَّل إلى توازن بين ما هو واقعي وما هو لاواقعي، بين ما هو عادي وما هو استثنائي؟

غالبا ما تم وصفك بـكاتب يحبّ العراك. هل توافق هذا الوصف؟

يوجد الكاتب من جهة والشخصية العامة من جهة أخرى. غالبا ما ارتبطت تجربتي الإعلامية بنقاشات حادة، أين أظهرت روحا قتالية. في ما يخص الروايات، يمكننا أن نكتب بِغضبنا، ولكن ليس بواسطته فقط. أرفض أن أتخلى عن تعقيد الانسان، أن أتغاضى عن عنف العالم، سواء كان هذا العنف اجتماعيا أو اقتصاديا. ولكن عندي منعكس يهدّأ نفسي شيئا فشيئا. عاطفتي تبرد بعد أن أقيس درجة هذا العنف. إنّه ترطيب ضروري. فالروايات تجمع باستمرار بين هذين الحدّين: بين البشاعة والأناقة، الخشونة والغبطة، العنف والحنان.

  1. أجرت الحوار نجمة فانْ إغْمُون Nedjma Van Egmond

24 أوت/أغسطس 2018 في مجلة ماريان Marianne الفرنسية.

فرانسوا بيغودو: كاتب وناقد أدبي وسينيمائي ومخرج أفلام فرنسي. ولد سنة 1971. يعتبر حاليا من أبرز الأدباء الفرنسيين. 

العنوان في الأصل: François Bégaudeau : « les conflits de classe sont sous-médiatisés

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: رنا داود

ترجمة: محمد وليد قرين

اترك تعليقا